الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الرجال

41/08/17

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: مناقشات السيد الخوئي لبحث المشايخ الثقات

الإشكالات على الدعوى

كان الكلام في المشايخ الثلاثة الثقات الذين أدعي أنهم لا يرون ولا يرسلون إلا عن ثقة.

قلنا إن أصل الدعوى هو كلام الشيخ الطوسي في العدة حينما أدعى أن الطائفة سوت بين مراسيل الثلاثة ومسانيد غيرهم لأنهم قد عرفوا أنهم لا يرون ولا يرسلون إلا عن ثقة. فأصل الدعوى هو كلام الشيخ الطوسي في العدة.

وأما كلام الشيخ النجاشي في فهرسته ورجاله فهو أولا يختص بخصوص ابن أبي عمير وثانيا يختص بخصوص مراسيل أبن أبي عمير دون رواياته لذلك قال فلهذا أصحابنا يسكنون إلى مراسيله بخلاف دعوى الشيخ الطوسي فإنها لا تختص بابن أبي عمير بل لا تختص بالثلاثة بل تشمل غير الثلاثة من الثقات الذين عرفوا أنهم لا يرون ولا يرسلون إلا عن ثقة.

وثانيا دعوى الشيخ الطوسي كما تشمل مراسيل هؤلاء الثلاثة وغيرهم من الثقات تشمل أيضا روايات هؤلاء فدعوى الشيخ الطوسي تنحل إلى ثلاث دعاوى:

الدعوى الأولى إجماع الطائفة على قبول مراسيل الثلاثة فمراسيل الثلاثة حجة عند الطائفة المحقة.

الدعوى الثانية إن هؤلاء الثلاثة لا يرون إلا عن ثقة

الدعوى الثالثة إن هؤلاء الثلاثة لا يرسلون إلا عن ثقة

والدعوى الثالثة هي علة وسبب الدعوى الأولى فالدعوى الأولى تقول إن الطائفة عملت بمراسيل الثلاثة والسبب والعلة هو الدعوى الثالثة لأنهم لا يرسلون إلا عن ثقة وبالتالي نستفيد من هذه الدعوى تصحيح الراوي والمروي معا أي أن الثلاثة إذا رووا عن شخص فهو ثقة فهذا تصحيح للراوي وإذا رووا رواية فهي صحيحة وإن اشتملت على ضعاف أو مجاهيل فهذا تصحيح للرواية وإذا أرسلوا رواية فهذه الرواية صحيحة فهذا تصحيح للمراسيل.

والذي يهمنا في بحثنا الرجالي هو الأول وهو تصحيح الراوي فإذا روا ابن أبي عمير أو البزنطي أو صفوان عن رجل وضعفه الشيخ النجاشي في فهرسته أو الشيخ الطوسي في رجاله أو فهرسته فهذا من موارد تعارض الجرح والتعديل يتعارض التوثيق العام وهو رواية أحد الثلاثة عن هذا الراوي الذي يقتضي وثاقته مع التضعيف الخاص للشيخ الطوسي أو النجاشي.

فالأصل في دعوى مشايخ الثقات الثلاثة هو عبارة الشيخ الطوسي في العدة وهي صريحة في المدعى لذلك لم يناقش احد في دلالتها والمناقشات الواردة في حيثيات أخرى لا من حيث الدلالة.

مناقشة السيد الخوئي في الدعوى

وقد ناقش الأستاذ الأعظم السيد أبو القاسم الخوئي "رحمه الله" في دعوى مشايخ الثقات الثلاثة بأربع مناقشات ولا مساس لها بالدعوى نذكر هذه المناقشات الأربع للسيد الخوئي ثم يرد عليها شيخنا الأستاذ الداوري "حفظه الله" باجمعها وينتصر لحجية مراسيل الثلاثة وأنهم لا يرون ولا يرسلون إلا عن ثقة وفاقا للسيد الشهيد السيد محمد باقر الصدر "رضوان الله عليه".

نحن سوف نتناول أولا إشكالات السيد الخوئي الأربع ثم ما دفعه شيخنا الأستاذ الداوري ثانيا وسنوضح بعض المناقشات التي نقبلها والتي لا نقبلها النتيجة النهائية هي قبول مراسيل الثلاثة وفاقا لسيدنا الأستاذ سماحة آية الله العظمى السيد كاظم الحائري "حفظه الله" إذ وافق أستاذه الشهيد الصدر في هذا المبنى.

والمناقشات الأربع كما يلي:

المناقشة الأولى لب المناقشة الأولى هذه الدعوى دعوى حدسية وليست دعوى حسية أي أن الشيخ الطوسي "رحمه الله" اجتهد واستنبط ونسب إلى الأصحاب هذه الدعوى فالشيخ الطوسي لا ينقل عن حس وإنما ينقل عن حدس واجتهاد واجتهاده حجة عليه وليس بحجة علينا.

ومنشأ دعوى الحدسية أن الشيخ الطوسي قد استنبط هذه الدعوى من كلام الشيخ الكشي في أصحاب الإجماع فمن قول الكشي أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عن هؤلاء وتصديقهم لما يقولون فهم أن المراد بالتصحيح والتصديق هو قبول جميع رواياتهم ومراسيلهم فالشيخ الطوسي لا ينقل عن الطائفة عن حس وإنما اجتهد في عبارة الكشي لذلك نجد عبارة الشيخ الطوسي فيها عموم يشمل بقية أصحاب الإجماع إذ قال وغيرهم من الثقات.

فخلاصة الإشكال الأول إن دعوى الشيخ الطوسي منشأها دعوى الإجماع التي نقلها الكشي ودعوى الشيخ الطوسي حدسية لا حسية فتسقط عن الاعتبار.

إذن المناقشة الأولى إن دعوى الشيخ الطوسي غير تامة وهي اجتهاد من الشيخ الطوسي ومستنده دعوى الكشي الإجماع على تصحيح ما يصح عن هؤلاء وقد تقدم البحث مفصلا حول أصحاب الإجماع وتقدم الدليل على عدم تمامية هذه الدعوى دعوى أصحاب الإجماع بناء على مبنى السيد الخوئي والدليل على أنها اجتهاد من الشيخ الطوسي أن هذه الدعوى لا عين لها ولا اثر في كلمات القدماء ولم يرد في كلام القدماء ما يدل على ذلك ولو كانت هذه الدعوى تامة وأمرا معروفا متسالما عليه بين الأصحاب لذكرت في كلماتهم ولو كان لبان فالحاصل إن الشهادة الأولى حدسية وهي اجتهاد من الشيخ الطوسي "قدس سره" ولا حجية فيها

ومما يشهد على ذلك...

وهناك شواهد تدل على ذلك ومن أكبر الشواهد أن الشيخ الطوسي بنفسه قد ناقش في كتابيه تهذيب الأحكام والاستبصار في بعض الروايات عن هؤلاء واصفا إياها بأنها مرسلة وإن كان المرسل أبن أبي عمير أو غيره من أصحاب الإجماع

فقد قال الشيخ الطوسي في تهذيب الأحكام حينما تحدث عن رواية عبد الله بن المغيرة وهو أحد أصحاب الإجماع وهو أحد هؤلاء الثمانية عشر أصحاب الإجماع قال فهذا خبر مرسل[1] قد تقول هذا مناقشة في احد أصحاب الإجماع نريد مناقشة في أحد الثلاثة بالخصوص المشايخ الثقات نأتي بشاهد آخر وقال الشيخ الطوسي في الاستبصار عن نفس هذه الرواية فأول ما في هذا الخبر أنه مرسل[2] إذن الشيخ الطوسي طعن فيه بالإرسال.

الشاهد الثاني وقال الشيخ الطوسي في مورد آخر عن رواية ابن أبي عمير فأول ما فيه أنه مرسل وما هذا سبيله لا يعارض به الأخبار المسندة[3] وإذا كان الشيخ الطوسي نفسه لم يصح الأمر عنده فكيف بغيره، هذا تمام الكلام في المناقشة الأولى ولبها إن دعوى الشيخ حدسية لا حسية فتسقط عن الاعتبار.

المناقشة الثانية لعل مبنى القدماء في التوثيق لو تنزلنا وسلمنا أنها دعوى حسية نقول لعل مبنى القدماء في التوثيق هو أصالة العدالة وأصالة العدالة مفاده إن الأصل في كل إمامي لم يثبت في حقه قدح أنه ثقة فالأصل في الإمامي الوثاقة ولا نشترط في الإمامي ثبوت الوثاقة بل نشترط عدم ثبوت القدح والطعن فإذا أحرزنا أن الراوي إمامي أولا ولم يرد فيه قدح ثانيا أي لم يثبت في حقه القدح فإننا نستنتج العدالة.

السيد الخوئي كثيرا ما يناقش بمثل هذه المناقشة إذ طعن في توثيقات العلامة الحلي وقال إنها قد تكون مبنية على أصالة العدالة فيمكن مراجعة كلام السيد الخوئي في ترجمة احمد بن إسماعيل بن سمكة وغيره ويمكن مراجعة كتاب دروس تمهيدية في القواعد الرجالية لشيخنا الأستاذ الشيخ باقر الإيرواني إذ ذكر عدة موارد قد استند فيها السيد الخوئي إلى أن العلامة الحلي وبعض القدماء لأن العلامة الحلي من المتأخرين قد وثقوا استنادا إلى أصالة العدالة إذن زبدة المناقشة الثانية لو تنزلنا وسلمنا أن الشيخ الطوسي ينقل عن حس لا عن حدس فإن شهادة القدماء مبنية على الحدس إذ أنها يحتمل أن تكون مبنية على أصالة العدالة لا على إحراز الوثاقة في الراوي هذه الخلاصة.

إذن المناقشة الثانية مفادها إنه على فرض التسليم بتمامية دعوى الشيخ الطوسي إلا أنه لا فائدة في هذه الدعوى لاحتمال أن يكون عمل الأصحاب ومبناهم في العمل بمراسيل الثلاثة إنما هو من أجل أنهم لا يرون الوثاقة في الراوي وأن الوثاقة شرط في الاعتماد على رواية الراوي بل يرون حجية الرواية إذا كان راويها إماميا ولم يظهر منه فسق هذا مبنى أصالة العدالة.

أصالة العدالة هذا مفاده أولا إذا كان الراوي إماميا ثانيا ولم يظهر منه فسق يعني لم يثبت فسقه وحينئذ يعني وحينئذ يحتمل أن يكون مستند المجمعين أو مستند الطائفة هو أصالة العدالة أنه يكفي للتوثيق أن يكون الراوي إماميا ولم يثبت فيه فسق فليس قولهم حجة بالنسبة إلينا كما أن عمل الطائفة حينئذ لا ينفعنا

والحاصل إن الإشكال يرجع إلى المناقشة في الشهادتين المستفادتين من التعليل، شهادة بأن الثلاثة لا يرون إلا عن ثقة هذه الشهادة الأولى في روايتهم، الشهادة الثانية في مراسيلهم وأنهم لا يرسلون إلا عن ثقة، بأنهما ـ الشهادتان ـ حدسيتان واشتباه من الشيخ قدس.

الثالثة: أن أصل هذه الدعوى في نفسها أمر لا يمكن قبوله...

المناقشة الثالثة هذه الدعوى من الشيخ الطوسي في نفسها لا يمكن قبولها إذ كيف نستكشف أن الراوي لا يروي ولا يرسل إلا عن ثقة توجد ثلاثة احتمالات:

الاحتمال الأول استقراء جميع روايات ومراسيل الثلاثة

الاحتمال الثاني تصريح الثلاثة

الاحتمال الثالث حسن الظن بالثلاثة

هذه احتمالات ثلاثة ولا رابع في البين وكلها ليس بتام.

أما الاحتمال الأول أن يكون المستند في هذه الدعوى أنهم لا يرون ولا يرسلون إلا عن ثقة هو الاستقراء بمعنى أن الشيخ الطوسي والأصحاب قد تتبعوا جميع روايات الثلاثة فوجدوا أن الثلاثة لا يرون ولا يرسلون إلا عن ثقة.

ففيه ان الاستقراء هنا ناقص...

وفيه إن هذا الاستقراء ناقص وعلى فرض أنه استقراء تام فهو إنما يتم في خصوص الروايات المستندة ولا يشمل الروايات المرسلة لأنه في الروايات المستندة يمكن أن يعملوا أنهم رووا عن ثقات وأما إذا كانت الرواية مرسلة فمن أين لهم أن يعلموا أنهم قد أرسلوا عن الثقات إذن الاحتمال الأول أن يكون منشأ الدعوى هو الاستقراء ليس بتام.

وإن كان المستند هو حسن الظن...

الاحتمال الثاني وهو حسن الظن بالثلاثة فحسن الظن بمعنى أنه لا يظن بهم أنهم يرون عن غير الثقة ففيه إن حسن الظن لا يورث العلم وهو لا يغني من الحق شيئا،

وإن كان المستند هو إخبار هؤلاء عن أنفسهم...

يبقى الاحتمال الثالث أن المستند هو إخبار نفس هؤلاء الثلاثة بأنهم لا يرون ولا يرسلون إلا عن ثقة ففيه أن دون إثبات هذا خرط القتاد ـ الذي هو صعب أو أشبه بالمحال أسهل من إثبات هذه الدعوى أنهم قد صرحوا بأنهم لا يرون ولا يرسلون إلا عن ثقة إذ لم يرد عن أحد من هؤلاء أنه صرح بأن طريقته أنه لا يروي ولا يرسل إلا عن ثقة إذ كيف يصرح بالنسبة إلى المراسيل والحال إن الإرسال قد علم سببه وهو ضياع كتب ابن أبي عمير أو تلفها فكيف يرسل عن ثقة وهو لا يعلم أصلا أو لا يتذكر سند هذه الروايات وأنه حدث بالإرسال لأن الكتب قد ضاعت ونسى الوسائط فكيف تتسنى لهم أنهم لا يرسلون إلا عن ثقة والحال أنهم قد نسوا أسماء من رووا عنهم.

نعم لو كانوا عالمين بالوسائط لأمكن ذلك وأما مع النسيان فلا يمكن.

والحاصل أن هذا الإشكال يرجع إلى الشهادة الثالثة وهي أنهم لا يرسلون إلا عن ثقة بأنهم عرفوا أنهم لا يرسلون إلا عمن يوثق به وذلك أمر غير مقبول.

الرابعة: أنه لو كانت هذه الدعوى ثابتة لما روى ...

المناقشة الرابعة لو كانت هذه الدعوى ثابتة أنهم لا يرون ولا يرسلون إلا عن ثقة لما روى نفس الثلاثة عمن ثبت ضعفه عند الشيخ الطوسي والنجاشي "قدس" الأمر الذي يدل على أن الشيخ الطوسي والنجاشي قد ناقض أنفسهما حيث أدعيا أن هؤلاء لا يرون ولا يرسلون إلا عن ثقة والحال أنهم قد رووا عن أشخاص قد ضعفهم الشيخ والنجاشي معا كعلي بن أبي حمزة البطائني ويونس بن ضبيان وأبي جميلة ـ المفضل بن صالح ـ وغيرهم وذلك مما يدل على عدم تمامية الدعوى[4] ، هذا تمام الكلام في تقرير مناقشات السيد الخوئي "رحمه الله" الأربعة.

والعمدة في هذه المناقشات هو الإشكال الأخير وأما الإشكالات الثلاثة الأولى فالأمر فيها سهل

والحق والإنصاف أن جميع هذه الإشكالات ليست تامة ويقال في جوابها ونشرع في جواب الإشكال الأول يقال في جواب الإشكال الأول وهو دعوى أن هذه الشهادة حدس من الشيخ الطوسي وأن منشأ حدسه واستنباطه هو كلام الكشي وما دامت هذه الدعوى حدسية لا حسية فهي ليست بحجة علينا.

أما جواب الإشكال الأول فإن القول بأن هذه الشهادة حدس من الشيخ الطوسي هذا احتمال ضعيف لا يبنى عليه وهذا الاحتمال الضعيف لا يضر في المقام لأن الظاهر أنه شهادة عن حس ولو تأملنا في كلام الشيخ الطوسي لوجدنا أنه في مقام النقل والإخبار لا في مقام الاجتهاد والاستنباط إذ قال "رحمه الله" وغيرهم من الثقات الذين عرفوا بأنهم لا يرون ولا يرسلون إلا عمن يوثق به ورفع اليد عن هذه الشهادة لاحتمال أنها حدسية لا وجه له وأضيف تأييدا لمناقشة شيخنا الأستاذ الداوري.

غاية ما يمكن أن نصل إليه أن نحتمل أنها شهادة حدسية لا أن نجزم إشكال السيد الخوئي يتم لو جزمنا بأنها شهادة حدسية واستنباطية وأما إذا احتملنا أنها حدسية فكما يحتمل أنها نشأت من حدس يحتمل أيضا أنها قد نشأت عن حس فتجري أصالة الحس العقلائية لأن الشيخ الطوسي من المتقدمين وأصالة الحس العقلائية تجري في حق المتقدمين لا المتأخرين فأقصى ما يفيد إشكال السيد الخوئي هو الاحتمال ـ احتمال الحدس ـ ومعه ينتفي هذا الاحتمال بإجراء أصالة الحس العقلائية.

وأما إشكال عدم تعرض الأصحاب لهذه الدعوى فإنما هو لعدم وصول كلمات القدماء إلينا فإن كثيرا من الأمور لم تصل إلينا وما أكثر ما ضاع وتلف واتلف من الكتب فخلو كلمات الأصحاب عن ذكر هذا الأمر ليس دليلا على بطلان الدعوى من أصلها بحيث لا يعتني بها إذ هي شهادة فلا يمكن التنازل عنها لمجرد عدم العثور عليها في كلمات الأصحاب وأضيف تأييدا لكلام شيخنا الأستاذ الداوري، سيدنا الخوئي ما هي الكتب القدامى التي وصلت إلينا؟ ما وصل إلينا ما نقله الشيخ الطوسي حتى رجال الكشي وصل إلينا ببركة تهذيب الشيخ الطوسي وإلا ما هي الكتب الرجالية القديمة التي وصلت إلينا قبل الشيخ الطوسي عندنا كتاب الضعفاء لابن الغضائري والسيد الخوئي يشكك في وصوله إلينا كما هو المبنى الصحيح ورجال البرقي مجرد طبقات لم يصلنا إن لم نزر اليسير من كتب القدماء وما وصلنا وصلنا بواسطة الشيخ الطوسي ومنه هذه العبارة إذن هو لم يصلنا شيء من كلمات القدماء إلا الشيء النادر واليسير فلا يمكن الاستدلال بأنه لو كان لبان فلا يتم هذا الإشكال.

الحيثية الثالثة في الإشكال وردها

وأما عدم التزام الشيخ الطوسي بالشهادة حيث ناقش في بعض المراسيل فهذا أمر غير ثابت ومناقشات الشيخ الطوسي إنما هي في خصوص الأخبار المتعارضة وفرق بين البحث في حجية الخبر والبحث في حجية الخبر عند معارضته بخبر آخر فقد يقال إن مراسيل الثلاثة في نفسها حجة لكن عند التعارض مع الأخبار المسندة تقدم الأخبار المسندة عليها لذلك ورد في نهاية عبارة الشيخ الطوسي إذا انفردوا به يعني ليس له معارض فقد يقال بحجية مراسيل الثلاثة بشرط عدم معارضتها بالمسانيد لذلك البحث في باب التعارض مستقل عن البحث في أصل حجية الخبر إذن دعوى أن الشيخ الطوسي لم يلتزم بشهادته في بعض المراسيل هذا أمر غير ثابت ومناقشات الشيخ الطوسي التي نقلها السيد الخوئي "رحمه الله" إنما هي في خصوص باب التعارض وباب التعارض باب مستقل ومناقشة رواية في باب التعارض لا يلازم عدم العمل بها في غير باب التعارض فإن الظاهر من كلام الشيخ الطوسي "رحمه الله" أن الشهادة في غير باب التعارض يعني شهادته بحجية مراسيل الثلاثة في غير باب التعارض فإنه قال قدس سره في العدة وإذا كان احد الراويين مسندا والآخر مرسلا نظر في حال المرسل فإن كان ممن يعلم أنه لا يرسل إلا عن ثقة موثوق به فلا ترجيح لخبر غيره وهو المسند على خبره يعني المرسل ولأجل ذلك يعني لأن بعض المراسيل في قوة المسانيد سوت الطائفة نسب التسوية إلى الطائفة لا إلى نفسه، سوت الطائفة بينما يرويه محمد بن عمير وصفوان بن يحيى وأحمد بن محمد بن أبي نصر وغيرهم من الثقات الذين عرفوا بأنهم لا يرون ولا يرسلون إلا عمن يوثق به وبينما أسنده غيرهم ولذلك عملوا بمراسيلهم إذا انفردوا عن رواية غيرهم[5] يعني لم تكن مراسيلهم معارضة على أنه وإن كان كلام الشيخ الطوسي في باب التعارض إلا أنه في مقام بيان أصل الحجية في المتعارضين دون التسوية في جميع الجهات أنه يتساوى المسند مع المرسل في جميع الجهات ثم إن الشيخ الطوسي قدس وإن لم يتعرض للمراسيل في باب التعارض ولم يذكر كيفية علاجها وهو باب مستقل لا يرتبط بما نحن فيه وهو حجية الخبر والمراسيل إلا أنه يمكن أن يقال إن الخبر المرسل وإن كان حجة والمروي عنه ثقة إلا أنه لا يخرج عن دائرة الإرسال ولا شك أن المرجح في باب التعارض يعني تعارض المسند مع المرسل المرجح هو المسند للتصريح باسم الراوي فإنه معروف على نحو التفصيل يعني الخبر المسند معروف مفصلا بخلاف من أرسل عنه هؤلاء فإنه وإن كان ثقة ولكنه ثقة على نحو الإجمال.

فما ورد من مناقشات الشيخ الطوسي داخلة في هذا الباب باب التعارض وعليه فلا ملازمة بين الترجيح وبين العمل والحجية إذ الملاحظ في باب التعارض هو الترجيح وأنه بهذه الكيفية فيقدم المسند على المرسل بعد الفراغ عن حجية كل منهما يعني المسند والمرسل فلا يستشكل بمثل هذا على دعوى الشيخ الطوسي "رحمه الله" هذا تمام الكلام في مناقشة شيخنا الأستاذ الداوري لكلام أستاذه السيد الخوئي.

والتحقيق إنه قد يتأمل في مناقشة شيخنا الأستاذ الداوري "حفظه الله" فإن ما ذكره بالنسبة إلى القدماء من التفرقة بين أصل الحجية وبين الحجية في باب التعارض صحيح وتام ولكن قد يقال إن الشيخ الطوسي "رحمه الله" كان في مقام بيان حجية المراسيل حتى في باب التعارض فإن أصل هذه الدعوى قد وردت في بحث حجية الخبر لا في بحث التعارض الذي لم يتعرض له الشيخ الطوسي وفي باب حجية الخبر تطرق الشيخ الطوسي في كتاب العدة إلى الخبرين المتعارضين وأنه إذا تعارض خبر مسند مع خبر مرسل هل يقدم المسند مطلقا؟

أجاب الشيخ الطوسي "رحمه الله" قائلا لابد من النظر في حال المرسِل فإن كان ممن عرف أنه لا يروي ولا يرسل إلا عن ثقة في هذه الحالة يتعاملون مع الخبر المرسل معاملة الخبر المسند أي أن الخبر المرسل الكاشف عن الوثاقة إجمالا صالح لمعارضة الخبر المسند الذي هو كاشف عن الوثاقة تصريحا وتفصيلا.

إذن هذا المقطع أدل على خلاف ما ذكره شيخنا الأستاذ الداوري وبعبارة أخرى الشيخ الطوسي "رحمه الله" تطرق إلى حيثيتين بالنسبة إلى الخبر المرسل:

الحيثية الأولى إن الخبر المرسل حجة وإن أفردوا به وهذا ما ذكره في نهاية كلامه حينما قال ولذلك عملوا بمراسيلهم إذا انفردوا عن رواية غيرهم يعني حتى لو لم يروي هذه الرواية غير الثلاثة لا تقل إنها رواية شاذة لأنه لم يرويها غير الثلاثة بل يتعاملون مع الروايات المرسلة على أنها بنفسها حجة وهذا غير ناظر إلى باب التعارض، هذا النحو الأول.

النحو الثاني عند التعارض إذا حصل بين خبر مسند وخبر مرسل يقول الشيخ الطوسي لا نقدم المسند مطلقا بل لابد أن ننظر إلى حال المرسل فإن كان لا يروي ولا يرسل إلا عن ثقة صلح المرسل لمعارضة المسند.

إذن كيف نحمل هذا الكلام على أن الشيخ الطوسي يقول إن مراسيل الثلاثة حجة لكن عند المعارضة يقدم الخبر المسند إنصافا هذا غير ظاهر من كلام الشيخ الطوسي ظاهر كلام الشيخ الطوسي أولا حجية المراسيل بقطع النظر عن معارضتها ثانيا صلاحية الأخبار المرسلة للثلاثة لمعارضة الأخبار المسندة لغيرهم.

قال الشيخ الطوسي في كتاب العدة في بحث حجية خبر الواحد الجزء الأول صفحة 154 [6] وإذا كان أحد الراويين مسندا والآخر مرسلا يعني تعارض خبر مسند مع خبر مرسل نظر في حال المرسل يعني لا نقدم الخبر المسند مطلقا على الخبر المرسل بل لابد من النظر في حال المرسل من الذي أرسل فإن كان يعني المرسل ممن يعلم أنه لا يرسل إلا عن ثقة موثوق به فلا ترجيح لخبر غيره وهو الخبر المسند على خبره يعني على خبره المرسل.

إذن هذا المقطع الأول يعني صلاحية مراسيل الثلاثة لمعارضة الأخبار المسندة ولا يصح تقديم الأخبار المسندة عليها.

إذن هذا كلام الشيخ الطوسي ناظر إلى باب التعارض وأن الأخبار المرسلة حجة وثانيا لا ترجيح للأخبار المسندة عليها حتى تقول شيخنا الداوري إن الشيخ الطوسي قدم في الموارد التي ذكرها السيد الخوئي قدم أو رد هذه المراسيل لأنها معارضة بمسانيد.

نقول هذه العبارة موافقة لكلام السيد الخوئي بل تصلح شهادة لكلام السيد الخوئي في مقابل كلام ورأي شيخنا الأستاذ الداوري يقول ولأجل ذلك يعني ولأجل أن مراسيل الثلاثة لا يرجح عليها مسانيد غيرهم سوت الطائفة بينما يرويه محمد بن أبي عمير وصفوان بن يحيى وأحمد بن محمد بن أبي نصر وغيرهم من الثقات يعني ليس الشهادة مختصة بالثلاثة هذه ناظرة إلى كلام إجماع الكشي وغيرهم مثل الخمسة عشر بقية أصحاب الإجماع الذين عرفوا بأنهم لا يرون ولا يرسلون إلا عمن يوثق به سوت بينهم وبين ما أسنده غيرهم، إذن واضح التسوية يعني إن مراسيل الثلاثة تعارض لها صلاحية المعارضة لمسانيد غيرهم ولذلك عملوا لأنها حجة وعارضت المسانيد ولذلك عملوا الأصحاب بمراسيلهم إذا انفردوا هؤلاء الثلاثة وغيرهم من الثقات عن رواية غيرهم،

إذن الصحيح هو أنه حصل تعارض بين توثيق عام وتضعيف خاص فالتوثيق العام هو ما جاء في شهادة الكشي والشيخ الطوسي والشيخ الطوسي ينقل عن حس أن هؤلاء الثلاثة لا يرون ولا يرسلون إلا عن ثقة وعرفوا بين الأصحاب بأنهم لا يرون ولا يرسلون إلا عن ثقة فمقتضى الحجية ثابت لرواياتهم ومراسيلهم ما لم يثبت المانع فإذا ثبت المانع وهو التضعيف الخاص كما لو عثر الشيخ الطوسي على تضعيف خاص قدم التضعيف على التوثيق مقتضى القاعدة تقديم الجرح على التعديل وبهذا يرد على السيد الخوئي وعلى شيخنا الأستاذ الداوري فنقول إن كلام الشيخ الطوسي لا يختص بخصوص باب التعارض بل هو ناظر إلى باب حجية خبر الواحد مطلقا في باب التعارض وغير التعارض وأن مقتضى الحجية يثبت لروايات الثلاثة كما يثبت لمراسيل الثلاثة ما لم يكن لها معارض والشيخ الطوسي لم يعمل برواياتهم أو مراسيلهم وردها في بعض المواضع عندما يحصل التعارض ولا مانع من ذلك.

وبعبارة أخرى لو الشيخ الطوسي من خلال تتبعه لتوثيقات أئمة الرجال اطمئن إلى صحة تضعيف بعض الرواة وتعارض تضعيف بعض الرواة مع توثيق الثلاثة فغاية ما يدل إن الثلاثة حينما رووا عن فلان مثل البطائني غاية ما يدل أنه صحيح بنظرهم وقد يكون ضعيفا بنظر غيرهم لا مانع في البين وبعبارة أخرى لو روى الثلاثة عن البطائني أو يونس بن ضبيان أو أبو جميلة المفضل بن صالح الذي ورد فيه أنه أكذب أهل البرية فهذا غاية ما يدل على أن ابن أبي عمير أو أحد الثلاثة يرى أنه ثقة ورجالي آخر يرى أنه أكذب أهل البرية فيصير من باب تعارض الجرح والتعديل فيقدم الجرح على التعديل إذن لا يرد الإشكال هذه الحيثية الأخيرة في إشكال السيد الخوئي ولا يمكن النقض بأن نفس الشيخ الطوسي لم يعمل بها الشيخ الطوسي أمامه شهادات حسية شهادات عامة كرواية أصحاب الإجماع والمشايخ الثلاثة وشهادات خاصة إما أن توثق وإما أن تضعف ولا يصح النقض بمثل هذه الأمثلة لأنها من موارد الجرح والتعديل فيقدم الجرح على التعديل، هذا تمام الكلام في مناقشة الإشكال الأول للسيد الخوئي "رحمه الله".

وأما بالنسبة إلى الإشكال الثاني يأتي عليه الكلام.

 


[1] تهذيب الأحكام، شيخ الطائفة، ج1، ص415.
[2] الإستبصار، الشيخ الطوسي، ج4، ص27.
[3] الإستبصار، الشيخ الطوسي، ج4، ص27.
[4] معجم رجال الحديث، الخوئي، السيد أبوالقاسم، ج1، ص65.
[5] عدة الأصول، الشيخ الطوسي، ج1، ص54.
[6] عدة الأصول، الشيخ الطوسي، ج1، ص54.