الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الرجال

41/08/07

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: الفصل الرابع التوثيقات العامة، المبحث الأول أصحاب الإجماع

 

الفصل الرابع التوثيقات العامة

خلاصة الدرس

وهذا الفصل الرابع والأخير هو لب المباحث الرجالية وهو الذي ينطبق عليه عنوان الكتاب أصول علم الرجال بين النظرية والتطبيق.

فما مضى من مباحث حول مصادر وسائل الشيعة ومصادر مستدرك وسائل الشيعة وبعض المباحث في الدراية دراسة دلالة الألفاظ الدالة على المدح والتوثيق والألفاظ الدالة على الذم والجرح فهذه من مباحث علم الدراية.

علم الرجال يدرس فيه المباحث الكلية ومن أهمها التوثيقات العامة فعنوان أصول علم الرجال يعني القواعد الكلية التي يستفاد منها الجرح أو التعديل وختام هذا البحث يكون في التطبيقات إذ أن الشيخ الداوري أيده الله تطرق إلى أربعة عشر عنوان من التوثيقات العامة هذه تمثل النظرية هذه تبدأ بصفحة 119.

ثم بعد ذلك تطرق إلى وثاقة مجموعة من الرواة طبعا في النظرية ابتدأ ببحث أصحاب الإجماع واختتم ببحث كثرة الرواية عن الإمام المعصوم أربعة عشر بحث من التوثيقات العامة ثم في الختام تطرق إلى أيضا أربعة عشر راو بدأ بأحمد بن محمد بن يحيى العطار وختم بالرابع عشر محمد بن إسماعيل هذه الخاتمة المطاف تمثل التطبيق.

فجميع ما تقدم في الجزء الأول إلى هنا لم يكن من مباحث علم الرجال نعم بعض الأمور كانت من مباحث علم الرجال مثل البحث عن وثاقة الرواة الواردين في كامل الزيارات ووثاقة الرجال الواردين في تفسير القمي يعني دراسة الكتب التي ادعي وثاقة الرجال الواردين فيها مثل نوادر الحكمة وغير ذلك تلك المباحث ينبغي إدراجها هنا في التوثيقات العامة.

التوثيق الخاص والعام

لأن التوثيق إما خاص وإما عام التوثيق الخاص هو توثيق الشخص بعنوانه كما لو قال النجاشي أو الشيخ الطوسي فلان ثقة فلان ضعيف فلان كذاب فهذا توثيق أو جرح خاص.

وأما التوثيق العام هو عبارة عن ذكر ضابطة عامة كلية بحيث أن كل من يندرج تحت عنوان هذه الضابطة الكلية العامة يكون ثقة.

ثمرة التوثيق

فلا فرق في الأثر بين التوثيق العام وبين التوثيق الخاص والأثر هو حجية قوله وثبوت وثاقته أو ضعفه جرح أو تعديله الفارق الوحيد هو الإجمال والتفصيل إذ أن التوثيق الخاص يفيد التفصيل والتوثيق العام يفيد الإجمال.

إذن هذا الفصل الرابع والأخير من كتاب رجال الشيخ الداوري "حفظه الله" يتضمن دراسة أهم الطرق لإثبات وثاقة كثير من الرواة من خلال اندراجهم تحت عنوان عام وانطباق ضابطة كلية عليهم لكن من دون تعيين لأشخاصهم يعني من دون التوثيق لشخصهم بشكل خاص وإنما يكون التوثيق لشخصهم بشكل عام ولا فرق في التوثيق العام والخاص من حيث النتيجة والأثر.

اصحاب الإجماع

ومن هنا نشرع في بيان هذه التوثيقات العامة أربعة عشر توثيق أول توثيق وأهمها المبحث الأول أصحاب الإجماع أصل الدعوى ألفاظها، الوجوه المحتملة، مناقشة وترجيح، ثمرات البحث.

من هم أصحاب الإجماع؟

أصحاب الإجماع هم عدة من الفقهاء والرواة من أصحاب الأئمة "عليهم السلام" يتراوح عددهم بين ثمانية عشر رجلا وبين اثنين وعشرين رجلا والقدر المتيقن ستة عشر رجلا والمقدار الأكثر أربعة وعشرين رجلا والعدد المشهور هو ثمانية عشر رجلا واصل هذا المبحث هو نص الشيخ الكشي في رجاله على ستة فقهاء من أصحاب الإمام الباقر والصادق "عليهما السلام" ثم ستة فقهاء من خصوص أصحاب الإمام الصادق ثم ستة فقهاء من أصحاب الإمام الكاظم والرضا "صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين" وقد اتفقت الكلمة على وثاقة هؤلاء الثمانية عشر وجلالتهم وفقاهتم ومكانتهم العلمية فلا غبار على وثاقة وجلالة قدر هؤلاء الثمانية عشر وإنما الكلام فيما عدا وثاقتهم هل يستفاد صحة رواياتهم أو يستفاد توثيق من جاء من بعدهم أو لا ومن هنا لابد من دراسة هذا المبحث والتأمل فيه جيدا.

ويقع البحث في ضمن ثلاثة أمور:

الأول في أصل الدعوى وألفاظها

الثاني في مفاد الدعوى واحتمالاتها

الثالث في نتائج الدعوى وتقيمها

الأول أصل الدعوى

إذا رجعنا إلى كتاب الكشي وهو معرفة الرجال الناقلين عن الأئمة الصادقين والذي هذبه شيخ الطائفة محمد بن الحسن الطوسي المتوفى سنة 460 هجرية وطبع الكتاب بعنوان اختيار معرفة الرجال والكتاب مطبوع بعدة تحقيقات وأول من شرحه الميرداماد أستاذ الملا صدرا الشيرازي "رحمة الله عليهما".

فالأصل في هذه الدعوى هو أبوعمر الكشي...

أبو عمر الكشي نقل عن الطائفة والعصابة ـ الطائفة المحقة الشيعية الإمامية ـ نقل الإجماع على تصديق ثمانية عشر وتصحيح ما يصح عنهم مع اختلاف يسير في عبارات الطبقات الثلاث لأنه:

الطبقة الأولى هم من أدرك الإمام الباقر والصادق "عليهما السلام" يعني كبار أصحاب الإمام الصادق الذين أدركوا أباه الإمام الباقر

وأما الطبقة الثانية فهم ستة من أحداث أصحاب الإمام الصادق يعني الرواة والفقهاء الشباب الذين أدركوا الإمام الصادق ولم يدركوا الإمام الباقر "عليه السلام".

وأما الطبقة الثالثة فهم الذين أدركوا الإمام الكاظم وولده الإمام الرضا "صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين".

والكشي لم يذكر هذه العبائر الثلاث في موضع واحد بل في ثلاثة مواضع في أول الكتاب ووسطه وآخره يعني عندما تطرق إلى طبقة أصحاب الإمام الباقر والصادق ذكر الستة الأوائل ثم حينما تطرق إلى خصوص أصحاب الإمام الصادق ذكر الستة الأواسط ثم لما تطرق إلى الأصحاب الكاظم والرضا تطرق إلى الستة الأواخر وبنفس العبارة مما يعني أنه ذكر هذه العبارة بالتفات لا عن سهو قلم وهذه نكتة مهمة ينبغي الالتفات إليها وهي أن الكشي "رحمه الله" لم يذكر العبائر الثلاث جنب بعض وإنما فرق بينها وأشار إلى ما تقدم مما يعني أنه ملتفت.

هذه العبائر تحت عنوان تسمية الفقهاء يعني ذكر أسماء الفقهاء وسنقرأ هذه العبائر والملاحظ أن مفردة تكررت في العبائر الثلاث وهي مفردة التصديق، تصديق هؤلاء الستة هذه ذكرت في الطائفة الأولى والثانية والثالثة.

الإجماع على تصحيح ما يصح عنهم

ولكن مفردة الإجماع على تصحيح ما يصح عنهم ذكرت في الطائفة الثانية والثالثة ولم تذكر في الطائفة الأولى وبعض المحققين كشيخنا الأستاذ العلامة المحقق الشيخ حسان سويدان "أيده الله" يرى أن السر في هذا التعبير هو أن الطائفة الأولى ينقلون عن الإمام مباشرة من دون واسطة ونادرا ما ينقلوا عن واسطة فزرارة بن أعين مثلا نادرا ما يروي عن الإمام بواسطة لعله في موردين روى عن محمد بن مسلم وفي الغالب ينقل مباشرة عن الإمام الباقر أو الإمام الصادق فلا داعي للقول أنه ما صح عنه يكون صحيحا لأنه لا يوجد سند بينه وبين الإمام المعصوم "عليه السلام" بخلاف الطبقة الثانية والطبقة الثالثة فإنه عادة وفي الغالب يرون مع الواسطة لذلك صح أن يقال تصحيح ما يصح عنهم.

إذن الطائفة الأولى ذكر لفظ التصديق فقط ولم يذكر مصطلح التصحيح بخلاف الطبقة الثانية والطبقة الثالثة قد ذكر لفظ التصديق وبالإضافة إليه ذكر لفظ التصحيح عما يصح عنهم وأما تعبير الإجماع فقد ورد في العبائر الثلاث أما الطبقة الأولى ورد فيها أجمعت العصابة الطبقة الثانية ورد فيها أجمعت العصابة الطبقة الثالثة ورد فيها أجمع أصحابنا إذن في الطبقة الأولى والثانية أسند الإجماع إلى العصابة ـ الطائفة وكبار العلماء ـ بينما الطبقة الثالثة ورد فيها عنوان أجمع أصحابنا.

ومن الملاحظ أن هذه العبائر الثلاث في مقام بيان منزلتهم الفقهية لذلك ذكرت الطائفة الأولى أن أفقه الأولين زرارة بن أعين وذكرت العبارة الثانية الطبقة الثانية أن أفقه الأواسط هو جميل بن دراج وذكرت الطائفة الثالثة الطبقة الثالثة يونس بن عبد الرحمن وصفوان بن يحيى بياع السابوري.

قال الكشي "رحمه الله" في رجاله الجزء الثاني صفحة 507 عبارته للطبقة الأولى، تسمية الفقهاء من أصحاب أبي جعفر وأبي عبد الله "عليهما السلام" قال أجمعت العصابة على تصديق هؤلاء الأولين من أصحاب أبي جعفر وأصحاب أبي عبد الله "عليهما السلام" وانقادوا لهم بالفقه فقالوا أفقه الأولين ستة زرارة ومعروف بن خربوذ وبريد وأبو بصير الأسدي والفضيل بن يسار ومحمد بن مسلم الطائفي قالوا وأفقه الستة زرارة وقال بعضهم مكان أبي بصير الاسدي أبو بصير المرادي وهو ليث بن البختري[1] انتهى كلام الشيخ الكشي.

بناء على هذا الكلام يكون الأوائل ستة أو سبعة لأن أبو بصير إما المرادي وإما البختري إما الأسدي وهو كفيف البصر وإما المرادي القدر المتيقن خمسة طبعا كلاهما ثقة أبو بصير مشترك بين أربعة ثلاثة ثقات وواحد ضعيف فإذا صار إطلاق ينصرف إلى الأشهر والأشهر هو أبو بصير الاسدي المكفوف إذن القدر المتيقن من الطبقة الأولى خمسة لأن أبا بصير مختلف فيه.

الطائفة الثانية قال الكشي في رجاله الجزء الثاني صفحة 673 تسمية الفقهاء من أصحاب أبي عبد الله "عليه السلام" أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح من هؤلاء وتصديقهم لما يقولون وأقروا لهم بالفقه من دون أولئك الستة الذين عددناهم وسميناهم يقصد الطبقة الأولى يعني هو ملتفت إلى الطبقة الأولى، ستة نفر جميل بن دراج وعبد الله بن مسكان وعبد الله بن بكير وحماد بن عيسى وحماد بن عثمان وأبان بن عثمان قالوا وزعم أبو إسحاق الفقيه يعني ثعلبة بن ميمون أن أفقه هؤلاء جميل بن دراج وهم أحداث أصحاب أبي عبد الله عليه السلام[2] يعني شبان، طبعا هذه الطبقة ورد فيها أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح من هؤلاء وتصديقهم هذه ورد فيها ما يصح من هؤلاء في الثالثة ما يصح عن هؤلاء ولكن لفظ التصحيح هو لفظ التصديق قد وردا في كلتا العبارتين.

الطبقة الثالثة قال الكشي في رجاله الجزء الثاني صفحة 830 قال تحت عنوان تسمية الفقهاء من أصحاب أبي إبراهيم وأبي الحسن الرضا "عليه السلام" أجمع أصحابنا على تصحيح ما يصح عن هؤلاء وتصديقهم وأقروا لهم بالفقه والعلم وهم ستة نفر آخرون دون الستة نفر الذين ذكرناهم في أصحاب أبي عبد الله "عليه السلام" منهم يونس بن عبد الرحمن وصفوان بن يحيى بياع السابوري ومحمد بن أبي عمير وعبد الله بن المغيرة والحسن بن محبوب وأحمد بن محمد بن أبي نصر يعني البزنطي وقال بعضهم مكان الحسن بن محبوب الحسن بن علي بن فضال وفضالة بن أيوب، الطبقة الأولى ستة الطبقة الثانية ستة صار المجموع أثنى عشر في الطبقة الأولى واحد زيادة وهو أبو بصير المرادي صاروا ثلاثة عشر في الطبقة الثالثة ستة ثلاثة عشر وستة تسعة عشر الآن اثنين زيادة مكان الحسن بن محبوب الحسن بن علي بن فضال وفضالة بن أيوب صاروا واحد وعشرين وقال بعضهم مكان ابن فضال عثمان بن عيسى، عثمان بن عيسى وواحد وعشرين صاروا اثنين وعشرين إذن القدر الأكبر اثنين وعشرين القدر المتيقن ستة عشر الطبقة الأولى ستة نحذف منهم أبو بصير لأنه يدور بين الأسدي والمرادي صاروا خمسة الطبقة الوسطى ستة لا خلاف فيهم خمسة وستة إحدى عشر الطبقة الثالثة ستة لكن واحد منهم مختلف فيه وهو الحسن بن محبوب فصار خمسة، خمسة وخمسة وستة صاروا ستة عشر إذن القدر المتيقن ستة عشر رجلا القدر الأكثر اثنين وعشرين وقد ذهب المحدث النوري صاحب المستدرك إلى القول بالقدر الأكثر.

يقول الكشي وأفقه هؤلاء يونس بن عبد الرحمن وصفوان بن يحيى[3]

إذن مجموع الذين أجمعت العصابة على تصديقهم أو تصحيح ما يصح عنهم ثمانية عشر رجلا هذا هو المشهور لأن نفس الكشي نص على ستة دائما يقول فقال أفقه الأولين ستة ثم في الطبقة الثانية ستة نفر وفي الطبقة الثالثة وهم ستة نفر آخرون دون ستة نفر الذين ذكرناهم في أصحاب أبي عبد الله إذن نفس الكشي ينص على أنهم ستة وستة وستة لذلك ذهب المشهور إلى أن المجموع ثمانية عشر رجلا.

نعم ورد في العبارة الأولى عن بعضهم أبو بصير المرادي مكان أبي بصير الأسدي فإذا أضيف إليهم ارتفع عددهم إلى تسعة عشر رجلا كما ورد في العبارة الثالثة الحسن بن علي بن فضال وفضالة بن أيوب مكان الحسن بن محبوب أو ورد عثمان بن عيسى مكان فضالة بن أيوب فإذا لوحظ جميع من ذكر في العبارات الثلاث أرتفع عددهم إلى اثنين وعشرين رجلا وإن كان مورد الاتفاق هو ستة عشر رجلا هذا تمام الكلام في الأمر الأول أصل الدعوى كلام الكشي "رحمه الله".

النقطة الثانية مفاد الدعوى

وقع الخلاف في تحديد المراد من معقد الإجماع وقد ذكر الشيخ الداوري "أيده الله" خمسة احتمالات والاحتمالات أكثر وقد ذكرناها بشكل مفصل في دورتنا المفصلة تحقيق المباني الرجالية فليرجع إليها ثم الشيخ الداوري في نهاية هذا البحث ذكر احتمالا سادسا رجحه لكنه لم يجد شاهدا عليه ولم يقل به أحد والحال إنني قد رأيت من قال به مسبقا فتصير الاحتمالات ستة والشيخ الداوري "حفظه الله" يختار القول السادس لكن لا قائل به ولا شاهد عليه فيتوقف في المسألة ولكن بناء على بحثنا لهذا المبحث مسبقا سيتضح أن القول الرابع الذي ذهب إليه السيد الخوئي "رحمه الله" ومن قبله الفيض الكاشاني في الوافي هو القول الوافي.

وأما تفصيل الأقوال أو الاحتمالات الخمسة أو الستة فهي كما يلي:

الاحتمال الأول تصحيح المروي وهو ما ذكره صاحب الوافي الفيض الكاشاني ونسبه إلى جماعة لكنه قد ناقش فيه وأبدى احتمالا آخر وهو الاحتمال الرابع الذي سيأتي وقواه ومفاد الاحتمال الأول أن معقد الإجماع يدل على تصحيح روايات هؤلاء الأشخاص الستة عنهم وعن من بعدهم كائن من كان بمعنى أنه إذا صح السند إلى أحد أصحاب الإجماع الستة عشر فلا داعي للنظر إلى الرواة الذين يأتون بعده فتكون الرواية صحيحة حتى لو كانت مرسلة أو كان فيها مجاهيل أو كان فيها مضعفون فالمهم أن ينظر في السند إلى الرواة الواردين قبل أصحاب الإجماع وأما الرواة الواردين بعد أصحاب الإجماع إلى الإمام المعصوم "عليه السلام" فلا يهم النظر إليهم لأن العصابة قد أجمعت على تصحيح ما يصح عن هؤلاء يعني إذا صح السند إلى هؤلاء الثمانية عشر فإن الرواية تكون صحيحة.

سؤال: إذن الثمرة بناء على الاحتمال الأول تكون ثمرة رجالية أو ثمرة روائية حديثية؟

الجواب: الثمرة تكون ثمرة حديثية روائية يعني الرواية تكون صحيحة يعني تصحيح الرواية تصحيح رواية هؤلاء تصحيح مرويات هؤلاء ولا توجد ثمرة رجالية لأن من جاء بعدهم لا نستفيد أنه ثقات لأننا لم نستفيد من هذه العبارة تصحيح وتوثيق الراوي الذي يأتي بعدهم بل استفدنا تصحيح المروي وتصحيح الرواية التي تروى عنهم.

فالمستفاد هو أن رواياتهم صحيحة...

إذن المستفاد من الاحتمال الأول أن روايات أصحاب الإجماع إذا وصلت إلينا بطريق صحيح فهي روايات صحيحة وصحة الرواية لا تستلزم ولا تلازم وثاقة راويها فقد يضعف الراوي وتنعت كتبه بالصحة والشاهد على ذلك ما ذكره النجاشي في الحسين بن عبيد الله السعدي حيث قال النجاشي أبو عبد الله بن عبيد الله بن سهل ممن طعن عليه ورمي بالغلو له كتب صحيحة الحديث[4] رجال النجاشي الجزء الأول صفحة 143 إذن لا توجد ملازمة بين وثاقة الراوي ووثاقة رواياته فقد يكون الراوي ثقة ورواياته قد يكون فيها خلل لبعض الجهات وقد يكون الراوي ضعيفا لكن رواياته صحيحة لقيام القرائن على صحتها إذن لا توجد ملازمة بين ضعف الراوي وضعف رواياته كما لا توجد ملازمة بين صحة الرواية ووثاقة رواتها فقد تكون الرواية صحيحة لكن الرواة الواردين فيها ضعاف، هذا تمام الكلام في الاحتمال الأول وهو تصحيح المروي يعني تصحيح رواية أصحاب الإجماع.

الثاني: ما ذهب اليه جماعة منهم السيد الداماد...

الاحتمال الثاني وهو القول المشهور تصحيح الراوي أي أنه إذا صح السند إلى أحد أصحاب الإجماع فإن كل رجل يأتي بعد أصحاب الإجماع ويكون بينهم وبين الإمام المعصوم في السند فهو محكوم بوثاقته فتكون الثمرة بناء على الاحتمال الثاني ثمرة رجالية أو روائية؟ الجواب تكون الثمرة رجالية من هنا بحث هذا البحث في علم الرجال.

الاحتمال الثاني وهو تصحيح الراوي وتوثيق الراوي هو قول المشهور طبعا بين المتأخرين لأن هذه المباحث ما موجودة بين المتقدمين وقد ذهب إليه جملة من المحققين منهم السيد الداماد في الرواشح السماوية الراشحة السابعة صفحة 47[5] والشيخ البهائي في كتابه مشرق الشمسين والعلامة الحلي في رجاله والحسن بن داود في رجاله والشهيد الأول في كتابه بهجة الآمال في شرح زبدة المقال والمجلسي الأول الشيخ محمد تقي المجلسي والمجلسي الثاني أبنه الشيخ محمد باقر المجلسي والسيد بحر العلوم في رجاله وغيرهم، طبعا كتاب بهجة الآمال في شرح زبدة المقال يذكر هذه الأقوال.

إذن هؤلاء الفطاحل يقولون إن مقعد الإجماع يدل على وثاقة هؤلاء الأشخاص ووثاقة من يأتي من بعدهم بمعنى أن كل من روى عنه هؤلاء الثقات ثقة وإن كان بعضهم مجهول الحال عندنا هذا تمام الكلام في الاحتمال الثاني وهو تصحيح الراوي.

الثالث ما يسب إلى صاحب الرياض...

الاحتمال الثالث توثيق أصحاب الإجماع وصحة رواياتهم فقط وهو ما نسب إلى صاحب الرياض السيد علي الطباطبائي والسيد محسن الكاظمي الاعرجي وذهب إليه صاحب الفصول الغروية الشيخ محمد حسين الأصفهاني الغروي والفارق بين الثالث والثاني أن الثاني يفيد توثيق الراوي والثالث لا يفيد إلا توثيق نفس أصحاب الإجماع ولا يفيد توثيق الراوي والفارق بين الثالث والأول أن الأول يستفاد منه تصحيح رواياتهم فقط بينما الثالث يستفاد منه أولا وثاقة هؤلاء الثمانية عشر ثم تصحيح رواياتهم.

الرابع ما ذهب إليه صاحب الوافي...

الاحتمال الرابع لا يستفاد من هذه العبائر إلا وثاقة أصحاب الإجماع فقط وقد تسأل عن الفارق بين توثيق هؤلاء وبين بقية الثقات المذكورين في رجال النجاشي والشيخ الطوسي والجواب الفارق أن هؤلاء الثمانية تميزوا بأن الطائفة الشيعية أجمعت على وثاقتهم وأجمعت على فقاهتهم وأجمعت على جلالتهم فقهم ليسوا ثقات فقط وليسوا أجلاء فقط وإنما هم كبار فقهاء الشيعة الإمامية ووقع الإجماع على أنهم من كبار فقهاء الشيعة الإمامية.

وقد ذهب إلى هذا القول الفيض الكاشاني في الوافي الجزء الأول صفحة 12 الفائدة الثالثة والمرجع الكبير الأعلى السيد أبو القائم الخوئي في معجم رجال الحديث الجزء الأول صفحة 59 فهذان العلمان الكبيران يريان أن معقد الإجماع يدل على وثاقة هؤلاء وجلالتهم في أنفسهم فحسب ولا دلالة فيه على تصحيح رواياتهم فضلا عن وثاقة من بعدهم.

الخامس أن معقد الإجماع يدل على بيان منزلة هؤلاء...

الاحتمال الخامس إن الإجماع على فقاهة هؤلاء الثمانية عشر لا على وثاقتهم فتارة نلحظ سمة الوثاقة وهي سمة روائية وتارة نلحظ سمة الفقاهة وهي سمة علمية والسر في الفارق بين الأمرين أن الخبر إما حسي وإما حدسي فالمحدث والراوي يعنى بالأخبار الحسية والفقيه يعنى بالاستنباط والاجتهاد والفقاهة أي الأخبار الحدسية التي فيها حدس وإعمال نظر إذن الفارق بين الخامس والرابع أن الرابع ناظر إلى الأخبار الحسية وإلى أن عبائر الكشي تفيد وثاقة هؤلاء الرواة بما هم رواة ومحدثين بينما الاحتمال الخامس يرى جلالة فقاهة هؤلاء الثمانية عشر فإذن الاحتمال الخامس يرى أن معقد الإجماع يدل على بيان منزلة هؤلاء الثمانية عشر العلمية من حيث العلم والفقاهة ولا ربط له بالرواية وهو المناسب لذكر عنوان أصحاب الإجماع وعنوان تسمية الفقهاء يعني ذكر أسماء الفقهاء من أصحاب الأئمة "عليهم السلام".

التحقيق في المقام...

إلى هنا يتم كلام الشيخ الداوري "أيده الله" في ذكر الاحتمالات الخمسة ويوجد احتمال سادس ذكره الشيخ الداوري "أيده الله" قبيل الانتهاء يعني الصفحة قبل الأخير من انتهاء هذا البحث صفحة 134 تحت عنوان والتحقيق في المقام هو أنه يمكن القول بأن ثمة احتمالا آخر.

وحاصله إن مورد الإجماع في العبارات الثلاث هو هؤلاء الأشخاص على نحو المجموع بما هو مجموع لا على نحو الانحلال الافرادي بمعنى أن العصابة أجمعت على تصحيح ما يصح من هؤلاء على نحو المجموع لا على كل واحد واحد فيكون مؤدى هذا الإجماع هو أن أيا من هذه المجموعات الثلاث المذكورة في العبارات الثلاث إذا اجتمعت على رواية واحدة أو فتوى فهي صحيحة يعني الستة الأوائل إذا ستتهم أفتوا بفتوى فهي صحيحة هذا في الأخبار الحدسية الستة الأوائل إذا رووا رواية واحدة فهي صحيحة فليس المراد لو روى واحد من الستة بل المراد لو روى مجموع يعني هؤلاء الستة هل أخذوا بنحو الجميع والعموم الاستغراقي أو أخذوا بنحو المجموع والعموم المجموعي الشيخ الداوري يرجح العموم المجموعي ولا قائل به ولا شاهد عليه.

إلى هنا ستة احتمالات يوجد احتمال سابع نذكره لمجرد التشقيق وهو استفادة صحة الراوي والمروي أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عن هؤلاء يعني هؤلاء لا يرون إلا عن ثقة فكل من يأتي بعدهم فهو صحيح ولا يرون إلا روايات صحيحة فيصير هذا الاحتمال السابع هو عبارة عن مجموع الاحتمال الأول والثاني أو الاحتمال الثاني والثالث، هذا تمام الكلام في بيان الأقوال الخمسة أو السبعة النقطة الثالثة أو الأمر الثالث.

التحقيق في المقام أي هذه الأقوال صحيح يأتي عليه الكلام.

وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين


[1] إختيار معرفة الرجال المعروف بـ رجال الكشي (مع تعليقات مير داماد الأسترآبادي)، الشيخ الطوسي، ج2، ص507.
[2] إختيار معرفة الرجال المعروف بـ رجال الكشي (مع تعليقات مير داماد الأسترآبادي)، الشيخ الطوسي، ج2، ص673.
[3] إختيار معرفة الرجال المعروف بـ رجال الكشي (مع تعليقات مير داماد الأسترآبادي)، الشيخ الطوسي، ج2، ص830.
[4] رجال النجاشي، النجاشي، أبو العبّاس، ج1، ص42.
[5] الرواشح السماوية - ط دار الحدیث، المير داماد الأسترآبادي، ج1، ص91.