الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الأصول

45/10/19

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: الدرس مائة وستون: الصيغة الثانية للإشكال وهي نفس الصيغة التي طرحها المحقق النائيني ـ ره ـ

 

الصيغة الثانية للإشكال وهي نفس الصيغة التي طرحها المحقق مع النائيني[1] ـ رحمه الله ـ .

كان الكلام في المسلك الرابع الذي ذهب إليه صاحب الكفاية والمشهور، فهل يصح التمسك بالإطلاق لنفي التعبدية وإثبات التوصلية أو لا؟

ذكرنا أنه على المسالك الثلاثة يصح التمسك بالإطلاق لإثبات التوصلية ونفي التعبدية، ولكن بناء على المسلك الرابع وهو لصاحب الكفاية ومشهور الأصوليين توجهت ثلاثة اعتراضات على التمسك بالإطلاق شرعنا في الاعتراض الأول، قلنا له صيغتان:

الصيغة الأولى قد تفهم من كلمات السيد الخوئي واتضح أنه بناء على الصيغة لا يتم الاعتراض، والآن نشرع في الصيغة الثانية وهي للميرزا النائيني وسيتضح في نهاية المطاف أن الاعتراض ليس بتام، فتكون النتيجة أن الاعتراض الأول ليس بتام فيصح التمسك بالإطلاق لنفي التعبدية وإثبات التوصلية، ثم تصل النوبة إلى دفع الاعتراض الثاني والثالث.

إذا الصيغة للاعتراض الأول وهي نص ما ذكره الميرزا النائيني ـ رحمه الله ـ ومفاده إن استحالة التقييد بشيء تستلزم استحالة الإطلاق النافي لخصوصية ذلك القيد وهو التعبدية، والموجب لشمولي نقيض القيد وهو التوصلية، وهذا غير استحالة الإطلاق بمعنى ذات مقيد التي هي الصيغة الأولى[2] .

خلاصة الصيغة الثانية والفارق بينها وبين الصيغة الأولى، ولنضرب مثالاً وهو أنه لو شككنا أن العمل الفلاني وهو التصدق مشروطٌ بقصد القربة أو لا؟ هل هو عبادة أو لا؟

بناءً على الصيغة الثانية للميرزا النائيني يكون التقريب هكذا إذا استحال تقييد التصدق بقصد القربة يستحيل التمسك بمطلق التصدق لنفي العبادية عن الصدقة واشتراط القربة فيها ولإثبات التوصلية وعدم اشتراط عدم اشتراط القربة في التصدث هذا مفاد صيغة الميرزا النائيني.

بينما مفاد الصيغة الأولى إذا استحال تقييد الصدقة بقصد القربة استحال شمول مطلق الصدقة للصدقة المقيدة بقصد القربة.

واضح الفرق بين الصيغتين؟ الصيغة الأولى تقول: إذا استحال التقييد استحال شمول الإطلاق للمقيد، والصيغة الثانية تقول: إذا استحال التقييد استحال التمسك بالإطلاق لنفي التعبدية وإثبات التوصلية.

فهذه الصيغة الثانية لو تمت كبراها فإنها تثبت المدعى وهو الأصل هو التوصلية، وإذا شككنا في التعبدية تمسكنا بالإطلاق لنفي التعبدية وإثبات التوصلية، فتكون الكبرى هكذا: بعد فرض استحالة التقييد بقصد القربة حينئذ لا يمكن نفي القربية بالتمسك بالإطلاق لأن التقيذ بالقربية مستحيل فالتمسك بالإطلاق لإثبات التوصلية ونفي القربية مستحيل أيضاً.

لكن لماذا تستلزم استحالة التقييد بالقربة استحالة الإطلاق بهذا المعنى أي التمسك بالإطلاق لإثبات التوصلية ونفي القربية توجد بيانات ثلاثة لهذه الصيغة التفتوا جيداً.

البيان الأول وهو ما نصّ عليه المحقق النائيني وهو أن الموجب للاستحالة هو أن التقابل بين الإطلاق والتقييد هو تقابل العدم والملكة، فالإطلاق هو عبارة عن عدم التقييد في موضع قابل للتقييد فإذا استحال التقييد استحال الإطلاق، وليس الملاك في البيان الأول هو أن نفس ملاك استحالة التقييد يوجب استحالة الإطلاق.

كما ذكرنا في الصيغة الأولى وذكرنا أربعة ملاكات وقلنا بناء على الملاك الأول والثاني إذا استحال التقييد استحال الإطلاق، لكن بناءً على الملاك الثالث والرابع فإن ملاك استحالة التقييد لا يؤدي إلى استحالة الإطلاق ففي الملاكات الأربعة نظرنا إلى الملاك ملاك استحالة التقيد هل يقتضي استحالة الإطلاق أو لا؟ وهذا ما سنبحثه في البيان الثاني والبيان الثاني.

وأما البيان الأول وهو نصّ كلام الميرزا النائيني استحالة التمسك بالإطلاق هو أنه يستحيل التقييد يعني يستحيل تقييد التصدق بقصد القربة فيستحيل التمسك بالإطلاق أي بمطلق التصدق لنفي العبادية وإثبات التعبدية.

البيان الثاني ما يستفاد ويستملح من كلمات المحقق النائيني أيضاً وإن لم تكن كلماته نصّ في هذا البيان وهو التمسك بما ورد في الملاك الثاني من الملاكات

الأربعة بأن يقال: إن التقييد بشيء وكذلك الإطلاق بمعنى رفض ذلك القيد وهو فرع مقسمية الطبيعة لواجد القيد وفاقده، يعني لابد في الرتبة الأولى أن الطبيعة تنقسم إلى قسمين: الطبيعة الفاقدة والطبيعة الواجدة قبل تعلق الأمر بالطبيعة فإن لم تكن الطبيعة قبل تعلق الأمر تصلح أن تكون مقسماً للقسمين استحالة أخذ القيد واستحال رفض القيد والطبيعة لا تقبل الانقسام إلى ما يؤتى بها بقصد الأمر وما يؤتى بها لا بقصد الأمر.

إذاً في المرتبة السابقة على تعلق الأمر بالطبيعة نجد أن هذه الطبيعة لا تنقسم إلى قسمين ولا تصلح أن تكون مقسماً للقسمين حتى يعقل تعلق الأمر بالطبيعة المقيدة أو الطبيعة غيره مقيدة، وما ذكر من هذه الانقسامات أن صدقة بقصد القربة وصدق ليست بقصد القربة هذه ليست إلا انقسامات لاحقة للطبيعة حالها حال الصلاة فتقول: الصلاة في المسجد والصلاة في الحمام والصلاة في البيت فهذه سنخ أقسام لاحقة للطبيعة.

إذا هذا بيان آخر هذا البيان الثاني لا يتوقف على التمسك بأن التقابل بين الإطلاق والتقييد هو تقابل الملكة وعدمها بل يقول: لابد أن تكون الطبيعة قبل تعلق الأمر بها، وهذا التقسيم الطبيعة مع قصد القربة الطبيعة بدون قصد القربة هذه أقسام لاحقة للطبيعة وليست سابقة.

البيان الثالث مبني على أمرين:

الأول إن الإطلاق عبارة عن الجمع بين القيود في عالم التصور واللحاظ بمعنى أنه عبارة عن إسراء الحكم إلى تمام الحالات من قبيل العموم، بحيث أن الحالات بما هي حالات منظور إليها في المرتبة السابقة على الحكم كما تقول «أكرم كل عالم» فإنك تلحظ كل حصة حصة من حصص وأفراد العلماء ثم تجري عليه الحكم بالإكرام، فالمراد بالإطلاق لحاظ جميع الأفراد والقيود تصوراً.

المقدمة الثانية إن المحذور في أخذ القربة قيداً في متعلق الأمر هو محذور لحاظي وهو أن المولى يستحيل أن يلحظ ويأخذ قصد في مرتبة معروض الأمر لأن قصد الأمر مرتبته متأخرة وهي في طول وفرع نفس صدور الأمر فلا يمكنه لحاظه يعني قصدي الأمر في مرتبة سابقة على الأمر، للزوم التهافت في اللحاظ.

إذاً التقييد مستحيل للزوم التهافت في اللحاظ لأن قصد الأمر في طول الأمر والأمر في طول قصد الأمر فيلزم التهافت في اللحاظ فإذا استحال التقييد استحال أيضاً الإطلاق لأن الإطلاق عبارة عن الجمع بين قيود فيلزم في الإطلاق أيضاً لحاظ قصد الأمر قبل الأمر الذي فرضنا استحالته.

خلاصة المقدمة الثانية:

في التقييد عندنا أمر واحد نقول: التقييد مستحيل لأنك تأخذ قصد الأمر، والذي هو في طول نفس الأمر، لكنك تأخذه قبل صدور الأمر تأخذه في المتعلق وفي الطبيعة، هذا اللحاظ الذي فيه تهافت كما موجود في التقييد أيضاً هو موجود في الإطلاق لأن الإطلاق هو عبارة عن لحاظ جميع الأفراد يعني لحاظ قصد الأمر في جميع الأفراد.

لكن هذه البيانات الثلاثة كلها قابلة للمناقشة.

أما البيان الثالث فإننا ننكر المقدمة الأولى وهي كون الإطلاق عبارة عن جمع القيود بل نلتزم إن الإطلاق عبارة عن رفض القيود، والإشكال مبتني على القيود في الإطلاق ونحن نبني على أن الإطلاق أمر عدمي لا أمر وجودي فلا نلتزم أن الإطلاق عبارة عن لحاظ جميع الأفراد وجميع بل الإطلاق معنى سلبي عبارة عن رفض القيود وإزاحة القيود فلا تتم المقدمة الأولى.

كما أن المقدمة الثانية قابلة للمناقشة ناقشها سيدنا السيد كاظم الحائري[3] ونحن لا نريد أن نطيل.

إذا التقريب الثالث والبيان الثالث ليس بتام.

وأما التقريب الثاني وهو عدم مقسمية الطبيعة قبل الأمر للعمل بقصد الأمر والعمل بلا قصد الأمر نناقش مناقشة سهلة وسلسة وسريعة.

سؤال: ما المراد بالمقسمية؟ هل المراد المقسمية الذهنية المفهومية أو المراد المقصمية الخارجية؟ يعني الصدقة بقصد القربة والصدقة بدون قصد القربة، انقسام الصدقة إلى قربية وغير قربية، هل المراد هذه الطبيعة المنقسمة ذهناً ومفهوماً وهذا سابق على الأمر؟ أو المراد الانقسام الخارجي وهذا لاحقاً للأمر.

مفاد البيان الثاني للاستحالة هو الانقسام الخارجي، فقال: هذه أقسام لاحقة للطبيعة، لكن مرادنا هو الانقسام الذهني الذي هو سابق على الأمر، فلا يتم الإشكال.

هذا بصورة موجزة الزبدة تفصيل تراجعونه كلام طويل هذا عصارته.

إذا البيان الثالث التماس دعا البيان الثاني التماس دعا يبقى البيان الأول وهو دعوى أن ملاك الاستحالة هو أن التقابل في المقام من باب تقابل الملكة وعدمها فإذا استحال التقييد استحال الإطلاق وهذا لب المطلب هذا كلام الميرزا النائيني وفيه إشكالان: الإشكال الأول حلي والإشكال الثاني نقضي.

أما الإشكال الحلي خلاصته نحن لا كلامنا في عالم الثبوت لا الإثبات في عالم الإثبات صحيح عندنا الفاظ ويصير التقابل بين الإطلاق والتقييد تقابل الملكة وعدمها يعني لابد لحاظ شأنية التقييد وشأنية إطلاق، لكن كلامنا في عالم الثبوت والواقع ولا وجود للشأنية.

فمن هنا نسأل متى يمكن التقييد؟ وما هو ملاك التقييد حتى يتقابل بالإطلاق؟

الجواب: يوجد مسلكان:

المسلك الأول يقول: إن القابلية الشأنية للطبيعة للانطباق هي المقتضية للسريان إلا أنها قد تقترن بمانع وهو لحاظ القيد، ومع عدم المانع يؤثر المقتضي أثره.

إذاً المقتضي للسريان دائماً محفوظ وهو ذاتي الطبيعة لا يمكن سلخه عنه فيكفي في حصول الإطلاق عدم المانع أي عدم لحظ القيد.

بناءً على هذا يكون التقابل بين الإطلاق والتقييد تقابل السلب والإيجاب يعني تقابل التناقض الوجود والعدم هكذا يكون، يعني كل طبيعة بذاتها تقتضي السريان إلى جميع الأفراد إلا إذا وجد مانع يمنع من السريان فيدور الأمر بين الوجود والعدم.

فبناءً على المسلك الأول يصير ماذا؟ التقابل بين الملكة والعدم، التقابل بين الإطلاق والتقييد ثبوتاً هو تقابل التناقض وهو ما ذهب إليه الشهيد الصدر.

المسلك السيد الخوئي تقابل التضاد وهو أن قابلية الطبيعة الذاتية للانطباق لا تقتضي الانطباق كما عليه المسلك الأول بل لابد من لحاظ التطبيق الفعلي حتى تسري بالفعل، فالتقابل بينهما تقابل التضاد لا تقابل الملكة والعدم فإن التقييد عبارة عن لحاظ القيد والإطلاق عبارة عن عدم لحاظ القيد ورفضه فهو أمر وجودي في مقابل التقييد ولا نتصور فرضا ثالثاً وهو تقابل الملكة وعدمها.

إذاً لا مجال للقابلية والشأنية نقول: هذه الطبيعة هل هي بطبعها تقتضي السريان أو لا؟

إذا قلنا لا هذه الطبيعة بطبعها تقتضي السريان إلا إذا وجد مانع يصير المسلك الأول تقابل التناقض، إذا هي تقتضي السريان هذا إطلاق، يوجد مانع من السريان هذا تقييد يعني عدم إطلاق، صار تقابل التناقض وجود الإطلاق وعدم وجود الإطلاق.

المسلك الثاني يقول: الطبيعة بحد ذاتها لا تقتضي السريان، متى يحصل السريان، إذا لاحظت السريان فعلاً صار الإطلاق متوقف على اللحاظ، إن لحظت السريان فعلاً هذا مطلق لم تلحظ السريان هذا غير مطلق، صار التقابل تقابل ماذا؟ التضاد، أمران وجوديان يعني لحاظ السريان ولحاظ عدم السريان.

هذا تمام الكلام في الجواب الحلي.

الجواب النقدي بعد ما يحتاج ما يكفي الوقت ما يحتاج تراجعونه يحتاج تراجعونه في الكتاب.

الخلاصة:

اتضح من البيانات الثلاث أنها غير تامة، وبالتالي الصيغة الثانية للاعتراض الأول ليست تامة، كما أن الصيغة الأولى للاعتراض الأول ليست تامة، إذا الاعتراض الأول ليس بتام.

إلى هنا نقول: إذا شككنا فإنه يمكننا التمسك بالإطلاق لنفي التعبدية وإثبات التوصلية إلا إذا نهض الاعتراض الثاني والثالث.

إلى هنا بناءً على المسلك الرابع لصاحب الكفاية والمشهور يمكن التمسك بالإطلاق لإثبات التوصلية ونفي التعبدية، والله العالم.

الاعتراض الثاني يأتي عليه الكلام.


[1] أجود التقريرات، ج1، ص105 إلى 110، وص113 الطبعة المشتملة على تعليقة السيد الخوئي.فوائد الأصول، الكاظمي، ج1، ص146 إلى 152، وطبعة جماعة المدرسين في قم، ص155.
[2] مباحث الأصول، السيد كاظم الحائري، ج2، ص204 إلى 210.تقرير أستاذنا السيد محمود الهاشمي الشاهرودي، بحوث في علم الأصول، ج2، ص98 و 99.تقرير الشيخ حسن عبد الساتر، بحوث في علم الأصول، ج4، ص285 وما بعدها.
[3] كتاب مباحث الأصول، ج2، ص206، الحاشية رقم، 1.