الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الأصول

45/10/18

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: الدرس مائة وتسعة وخمسون: ثلاثة اعتراضات على التمسك بالإطلاق اللفظي لنفي التعبدي

 

المسلك الرابع ما ذهب إليه صاحب الكفاية ومشهور الأصوليين من أن الأمر التعبدي فرقه عن التوصلي مع كونهما متعلقين بذات الفعل، هو أن الأمر التعبدي نشأ من غرض لا يحصل إلا مع قصد القربة، فلا يسقط الأمر بمجرد الإتيان بذات الفعل، فهل يمكن التمسك حينئذ بالإطلاق اللفظي لنفي التعبدية أو لا؟

قلنا على المسالك الثلاثة يمكن التمسك بالإطلاق لنفي التعبدية، ولكن في التمسك بالإطلاق لنفي التعبدية بناء على المسلك الرابع توجهت ثلاثة اعتراضات على التمسك بالإطلاق:

الاعتراض الأول لا يمكن أن يستكشف من إطلاق الخطاب وعدم تقييده إطلاق الأمر ثبوتاً لأنه بعد أن استحال تقييد الأمر ثبوتاً بالتعبدية يستحيل الإطلاق ثبوتاً، ومن هنا ندخل في هذه المسألة هل استحالة التقييد توجب استحالة الإطلاق أو لا؟ فلابد من بحث معنى وملاك استحالة التقييد، ولابد من بحث دعوة إن استحالة التقييد تستلزم استحالة الإطلاق.

وهنا يمكن أن تذكر صيغتان:

الصيغة الأولى ما قد تفهم من كلمات السيد أبو القاسم الخوئي ـ رحمه الله ـ كما يقول سيدنا الأستاذ السيد محمود الهاشمي الشاهرودي[1] .

الصيغة الثانية ما نصّ عليه نفس الميرزا النائيني الذي استدل على استحالة الإطلاق باستحالة التقييد.

ولنشرع في بيان الصيغة الأولى التي قد تنسب للسيد الخوئي ـ رحمه الله ـ الصيغة الأولى أن يقال..

طبعاً تراجع هذه البحوث في التقريرات التالية:

     مباحث الأصول، السيد كاظم الحائري، الجزء الثاني، صفحة مئتين إلى مئتين وأربعة.

     بحوث في علم الأصول، السيد محمود الهاشمي الشاهرودي، الجزء الثاني، صفحة سبعة وتسعين، وثمانية وتسعين.

     وتقرير الشيخ حسن عبد الساتر، بحوث في علم الأصول، الجزء الرابع، صفحة مئتين وتسعة وسبعين إلى مئتين وخمسة وثمانين.

الصيغة الأولى إذا استحال تقيد الحكم بقيد من القيود استحال شمول الحكم لذلك المقيد بالإطلاق أيضاً، وهذه الكبرى تامةٌ في بعض ملاكات استحالة التقييد وغير تامة في بعضها الآخر، فلا بد من بحث ملاك استحالة التقييد، وهل أن ملاك استحالة التقييد يؤدي إلى القول باستحالة الإطلاق أو لا؟

ذكر الشهيد الصدر ـ رحمه الله ـ أربعة ملاكات، وبناء على الملاك الأول والثاني يمكن التمسك باستحالة التقييد على استحالة الإطلاق، بينما بناء على الملاك الثالث والرابع فإنه إذا استحال التقييد لا يمكن التمسك بذلك على استحالة الإطلاق.

وبعد ذلك لنرى المقام وهو بحثنا هل هو من قبيل الملاك الأول والثاني حتى نتمسك باستحالة التقييد على استحالة الإطلاق أو هو من قبيل الملاك الثالث أو الرابع فلا يدل استحالة التقييد على استحالة الإطلاق.

ملاكات استحالة التقييد:

الملاك الأول عدم صلاحية المقيد لكونه موضوعاً للحكم من قبيل تقييد الصلاة بالعاجز فإن ذلك مستحيل وملاك الاستحالة أن ذات العاجز يستحيل أن يقع موضوع للأمر، وهذا الملاك وهو العجز كما يوجب استحالة التقييد يوجب استحالة الإطلاق في عرض استحالة التقييد أي أن الإطلاق والتقييد مستحيلان بنكتة واحدة وهي كون ذات المقيد غير قابل لثبوت الحكم عليه، فكما لا يمكن ثبوت الحكم على العاجز بالخصوص ولا يمكن أن يقال تجب الصلاة على خصوص العاجز كذلك لا يعقل شمول الحكم له بنحو الإطلاق، فيقال: تجب بالصلاة مطلقاً على القادر والعاجز معاً.

فببركة الملاك الأول وهو عدم صلاحية ذات المقيد لكونه موضوعاً للحكم يعني العاجز لا يمكن أن يكون موضوعا للحكم هنا كما يستحل تقيد الأمر بالعاجز يستحيل ثبوت الأمر المطلق الشامل للعاجز.

هذا الملاك الأول.

الملاك الثاني عدم مقسمية الطبيعة من قبيل تقييد حرمة شرب الخمر بالخمرية، فإن هذا مستحيل، فإن الخمر ليس مقسماً للخمرية وعدم الخمرية، وهذا الملاك بنفسه كما يوجب استحالة التقييد أيضاً يوجب استحالة الإطلاق، فلا يمكن أن تكون حرمة شرب الخمر شاملة لفرض الخمرية بالإطلاق، فتقول: يحرم شرب الخمر مطلقاً سواء كان خمرا أو لم يكن، كما لا يمكن أن تكون مختصة به بالتقييد.

فكما لا يمكن أن يقال: يحرم شرب الخمر إذا كان خمراً كذلك لا يمكن أن يقال يحرم شرب الخمر سواء كان خمراً أو لا، فإن الإطلاق والتقييد كليهما فرع كون الطبيعة مقسماً بوجود القيد وعدمه.

إذاً الملاك الأول والملاك الثاني إذا استحال التقييد يثبت استحالة الإطلاق.

الملاك الثالث استحالة نتيجة التقييد، وهي قصر الحكم على المقيد وحبسه عليه، مثال ذلك: أن يقال: إن الخطاب بالفروع لا يمكن أن يقيد بخصوص الكفار، تقول: وجوب الصلاة والصوم والزكاة والحج لا يمكن أن يخصص ويقيد بخصوص الكفار لأنه لو قيد وجوب الفروع بخصوص الكفار لزم قصر الحكم على الكافر، وهذا ينتج لغوية الخطاب لأن الكافر منكر للأساس فيكون الخطاب مستهجناً ولا يكون محركاً للكافر.

وهذا الملاك غير موجود في الإطلاق فيمكن أن تقول تجب الفروع مطلقاً على المؤمن والكافر معاً إذ أن ملاك الاستحالة هو خصوص قصر الحكم وحبسه على الكافر وهذا غير ثابت في الإطلاق.

فلو أوجب المولى الصلاة بشكل مطلق بنحو يشمل الكافر والمؤمن وهذه القاعدة معروفة تكليف الكفار بالفروع لم يكن هذا الخطاب مستهجناً.

إذا الملاك الثالث استحالة التقييد لا توجب استحالة الإطلاق.

الملاك الرابع أن يكون ملاك الاستحالة قائماً بالتقييد بما هو تقييد بقطع النظر عن نتائجه ومقدماته فالاستحالة تكمن في نفس التقييد.

مثال ذلك أن يقال: إن تقييد الحكم بخصوص العالم بالحكم مستحيل بناءً على ما يقال من أن العلم بالحكم لا يعقل أخذه في موضوع ذلك الحكم للزوم محذور الدور، فالمحذور ليس أن ثبوت الحكم لذات العالم مستحيل وإنما المحذور في نفس التقييد الموجب لتحقق الدور.

لابد من معرفة معنى الإطلاق هل هو سنخ معنى وجودي أي لحاظ القيود أو الإطلاق سنخ معنى عدمي أي رفض القيود، فهل الإطلاق هو عبارة عن لحاظ قيود وجميع قيود الخطاب أو الإطلاق عبارة عن تعرية جميع قيود الخطاب؟

هذه معاني دقيقة هذا مثل لا بأس ندخل في الفقه ونريد نرجع..

ما هو موضوع وجوب القضاء؟ وجوب قضاء الصلاة، هل هو فوت الصلاة الذي هو أمر وجودي أو ترك الصلاة الذي هو أمر عدمي؟

ملاحظين تدقيقات الأصوليين يلا...

كلامنا فعلاً في الملاك الرابع أن الاستحالة بنكتة نفس استحالة التقييد ملاك الاستحالة هو عدم إمكان التقييد، هنا نأتي بناءً على كلا المسلكين للإطلاق:

المسلك الأول المبنى الأول إن قلنا إن الإطلاق عبارة عن أمر وجودي وهو عبارة عن لحاظ جميع القيود، فحينئذ قد يقال: إذا استحال التقييد استحال الإطلاق لأن الإطلاق هو عبارة عن كل التقييدات ولحاظ جميع التقييدات ومنها هذا التقييد المستحيل فحينئذ إذا استحال التقييد استحال الإطلاق فالمحال عبارة عن لحاظ القيد الفلاني وهنا لا يفترق الحال بين لحاظ القيد الفلاني المستحيل لوحده أو لحاظ هذا القيد المستحيل ضمن مجموعة القيود التي تلحظ في الإطلاق فإذا استحال الإطلاق استحال التقييد.

هذا تمام الكلام بناء على المبنى الأول للإطلاق.

المبنى الثاني للإطلاق هو أنه عبارة عن تعرية الخطاب عن التقييد ما يذهب إليه الشهيد الصدر ونذهب إليه أيضاً والكثير من المعاصرين الإطلاق معنى عدمي مو معنى وجودي فحينئذ ملاك استحالة التقييد لا يوجب استحالة الإطلاق لأن ثبوت الإطلاق لا يستلزم لحظ القيد الذي يكون لحاظه مستحيلاً.

هذا تمام الكلام في كبرى استحالة الإطلاق عند استحالة التقييد بصيغتها الأولى التي قد تفهم من كلمات السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ .

وبالتالي نأتي إلى المقام، ما هو مقام بحثنا؟ استحالة أخذ قيد قصد القربة في متعلق الأمر، لنرى أن هذه استحالة بأي ملاك من الملاكات الأربعة؟ فإن كانت هذه الاستحالة من قبيل الملاك الأول أو الثاني فإن استحالة التقييد تثبت استحالة الإطلاق، وإن كانت هذه الاستحالة للتقييد بالقرب إلى الله هي من قبيل الملاك الثالث أو الرابع فإن استحالة التقييد لا توجب استحالة الإطلاق.

فمن أثبت استحالة تقييد متعلق بقصد القربة لا يمكنه أن يستفيد من هذه الكبرى أي كبرت أن استحالة التقييد تستلزم استحالة الحكم لذات المقيد بالإطلاق لإثبات عدم إمكان نفي التعبدية بالإطلاق فلابد من ملاحظات الملاك هل هو من قبيل المعنى الأول والثاني أو هو من قبيل المعنى الثالث.

فلو فرضنا أن ملاك استحالة التقييد في المقام وهو تقييد الأمر بقصد القربة هو أحد الملاكين الأوليين المقتضيين لاستحالة شمول الحكم لذات المقيد بالإطلاق وغضننا النظر عن أن ملاك استحالة التقييد في البراهين الماضية إنما يرجع إلى أحد الملاكين الأخيرين غير المقتضيين لاستحالة الإطلاق في هذه الحالة نقول أيضاً هذا الأمر لا يفيد المدعي.

التفتوا جيداً إلى هنا أخذنا أربعة ملاكات وأثبتنا أن الملاك الأول والثاني إذا استحال التقييد استحال الإطلاق بينما في الثالث والرابع إذا استحال التقييد مو بالضرورة يستحيل الإطلاق.

الآن لو تنزلنا جدلا وقلنا أن المقام وهو استحالة أخذ قصد القربة في الأمر لو قلنا هو من قبيل الملاك الأول والثاني الذي إذا ثبتت استحالة التقييد ثبتت استحالة الإطلاق هذا أيضاً لا يفيد المدعي، لماذا؟

لأن موطين بحثنا ماذا؟ أنه إذا شككنا في عبادة أمر تمسكنا بالإطلاق لنفي وإثبات التوصلية هذه هي الدعوى، بينما ما أخذناه في الملاكات الأربعة يثبت أنه إذا استحال التقييد بالتعبد ينتج استحالة الإطلاق الشامل للتعبد والتوصل، فهذه الملاكات الأربعة بحثنا فيها عن أن استحالة التقييد، هل تثبت استحالة الإطلاق؟! واتضح في الملاك الأول والثاني أن استحالة التقييد تفيد استحالة الإطلاق، وليس هذا هو موطن بحثنا.

موطن بحثنا إثبات استحالة نفي التعبدية بالإطلاق لا بد تثبت لي أنه أنت يستحيل تثبت لنا نفي التعبدية بالإطلاق، ومن الواضح أن شمول الحكم للحصة التعبدية غير نفي التعبدية بالإطلاق.

فرق بين الموردين ما أخذناه يثبت الأول إذا استحال التقييد استحال إطلاق يعني يستحيل شمول الحكم للحصة التعبدية وما نحن فيه نريد أن ننفي التعبدية بالإطلاق وفرق بين الموردين.

أعيد وأكرر: ما أخذناه في الملاكات الأربعة كنا ندرس هذه النكتة إذا استحال التقييد بالتعبد استحال إثبات الإطلاق بالتعبد وما نبحثه في المقام ليس هذا أنه يستحيل الإطلاق أو ما يستحيل الإطلاق؟ هل الإطلاق يشمل الحصة التعبدية أو ما يشمل التعبدي؟ ليس هذا موطن بحثنا.

موطن بحثنا لو جاءنا أمر وشككنا هل أمر تعبدي أو توصلي؟ والتعبدية فيها مؤونة زائدة قصد القربة، فحينئذ نتمسك بالإطلاق نقول: لو كان يريد القيد الزائد قصد القربة لبينه فنتمسك بالإطلاق لنفي التعبدية.

هذا تمام الكلام في الصيغة الأولى وذكرنا ملاكات أربع سيالة.

الصيغة الثانية وهي الأهم للميرزا النائيني يأتي عليه الكلام.


[1] بحوث في علم الأصول، ج2، ص97.