45/05/11
الموضوع: المقام الثاني ملاك دلالة مادة وصيغة الأمر على الوجوب
لقد تم الفراغ عن أصل دلالة كلمة الأمر وصيغة الأمر على الوجوب في المقام الأول، ويقع الكلام في المقام الثاني في ملاك دلالة الأمر على الوجوب صيغة ومادة، وهنا توجد ثلاثة مسالك:
وهو مسلك المشهور الذي يرى أن الوضع اللغوي هو الذي دلنا على أن لفظة الأمر مادة وصيغة تكشف عن الوجوب، بمعنى أن الأمر مادة وصيغةً موضوع لغةً للدلالة على حصة خاصة من الطلب وهي خصوص الطلب الوجوبي لا مطلق الطلب الأعم من الوجوب والاستحباب.
وإثبات المسلك الأول وهو الوضع يتوقف على إبطال المسلك الثاني وهو حكم العقل وإبطال المسلك الثالث وهو الإطلاق وقرينة الحكمة لأن الدليل عليه إنما هو الوجدان العرفي لأن العقلاء والعرف يرون أن المولى إذا أمر عبده وعصى صحت معاقبة وإدانته ومعاتبته وهذا يكشف عن الوجوب وهذا يكشف عن الوضع إذا بطل المسلكان الأخيران، وأما إذا ثبت أحد المسلكين كحكم العاقل في المسلك الثاني أو الإطلاق وقرينة الحكمة في المسلك الثالث فلربما يدعى أن حمل الأمر مادة وصيغة على الوجوب إنما هو بسبب حكم العقل أو بسبب الإطلاق وقرينة الحكمة لا بسبب الوضع اللغوي.
وبالتالي لا ينحصر وجه السيرة العقلائية والتفاهم العرفي في خصوص الوضع بل يوجد احتمالان آخران لا بدّ من نفيهما.
حكم العقل وهو مسلك المحقق النائيني[1] ـ رحمه الله ـ فهو يرى أن دلالة الأمر على الوجوب إنما هي بحكم العقل، وتبعه على ذلك تلميذه الوفي السيد أبو القاسم الخوئي[2] .
الإطلاق وقرينة الحكمة وهو مسلك المحقق الآخوند الخراساني[3] ، وذهب إليه أيضاً المحقق العراقي[4] [5] فقال صاحب الكفاية والمحقق العراقي: بأن دلالة الأمر على الوجوب إنما هي بسبب الإطلاق ومقدمات الحكمة.
وحاصل ما ذكره المحقق الشيخ حسين النائيني في توضيح مسلكه: هو أن المدلول اللفظي للأمر صيغة ومادةً إنما هو الطلب بمعنى تصدي المولى لتحصيل الفعل، فحينما يقول المولى: «أمرك أو صم» فمفاد كلامه إنما هو طلب فعل الصيام من المكلف، وهذا طلبٌ وقد تصدى المولى لتحصيل الفعل من قبل العبد.
فإن مثل هذا الطلب لا يشكل موضوعاً لحكم العقل بوجوب التحرك والامتثال لإمكان أخذ العبد بالرخصة في المقام ولا ضير عليه ولا إشكال إذ أن المولى أذن ورخص في الترك.
لأن المولى حرك العبد ولم يرخصه في ترك التحرك، هنا يأتي العاقل ويقول: بمقتضى مولوية المولى وعبودية العبد يكون الطلب موضوعاً للزوم التحرك بحكم العقل، وفي هذه المرحلة يتصف الطلب بعنوان الوجوب.
فبناءً على دلالة الأمر على الوجوب من ناحية اللغة تكون دلالة الأمر على الوجوب في مرتبة أسبق وهي مرتبة وضع الوضع اللغوي، ولكن بناء على استفادة الوجوب من مادة وصيغة الأمر من حكم العقل تكون استفادة الوجوب في مرتبة متأخرة فأولاً يصدر الأمر والطلب من المولى وهنا يأتي حكم العقل ويقول يجب التحرك لنظر المولى وحيث لم ينصب قرينة على جواز الترخيص لا متصل ولا منفصلة يرى العقل ويحكم بوجوب تنفي أمر المولى وطلبه فيستفاد الوجوب من مادة وصيغة الأمر ببركة حكم العقل.
فالوجوب ليس أمراً لغوياً ولا أمراً شرعياً سابقاً على الأمر بل الوجوب حكم عقلي يستفاد في مرتبة متأخرة عن صدور الأمر والطلب من المولى.
هكذا أفاد الميرزا النائيني ـ رحمه الله ـ .
والثمرة بين الأقوال الثلاثة تظهر عند تعارض الأدلة، ولها ثمار فقهية ستأتي إن شاء الله، لكن الشهيد الصدر ـ أعلى الله في الخلد مقامه ـ ناقش الميرزا النائيني بحقّ حلاًو نقضاً[7] .
إذا يقع الكلام في مقامين:
إننا نمنع أن يكون موضوع حكم العقل بلزوم الإطاعة هو مجرد صدور الطلب من المولى مع عدم بيان الترخيص.
أنه لو صدر طلب من المولى ولم يصدر ترخيص بالترك، ولكن علم واقعاً أن المولى يقبل بالترك، وهذا العلم الواقعي لم نستند فيه إلى بيان المولى/ ولكن علمنا أن الطلب الصادر من المولى نشأ من ملاكٍ غير شديد، وأن المولى تطيب نفسه ويرضى بتفويت هذا الملاك، ففي مثل هذه الحالة لا يحكم العقل بلزوم الامتثال ولا يرى المخالفة فيه مخالفة ومنافية مع العبودية، فلا يكون العبد بنظر العقل عاصياً أو مستحقاً للعقاب.
وهذا الملاك الشديد والأكيد يحتاج إلى كاشف فإذا صدر الطلب من المولى ولم يعلم أنه صدر بملاك شديد وأكيد أم بملاك خفيف غير أكيد بحيث تطيب النفس بالمخالفة ويقبل المولى بالترك، فكيف يحمل حينئذ على الوجوب والحال أن العقل في مثل هذه الصورة لا يحكم بلزوم الطاعة؟!
وأما حكم العقل الذي هو ملاك المسلك الثاني فهو لا يثبت كون الطلب قد صدر بملاك أكيد وشديد.
هذا البيان جواب حلي حلّ المطلب إذ أن الميرزا النائيني ذكر أن تمام النكتة هي صدور الطلب من المولى مع عدم صدور الترخيص وهذا هو موضوع حكم العقل بلزوم الامتثال فيكون الجواب الحلي إن موضوع حكم العقل بلزوم الامتثال ليس هو الطلب مع عدم صدور الترخيص بل هو الطلب وأن يكون ملاك الطلب شديداً وأكيداً بحيث تكون نفسية المولى غير راضية بالترك وآبية عن المخالفة.
الملاك هو صدور الطلب مع اقترانه بالملاك الشديد القوي في نفس المولى وهذا الموضوع ينحصر إثباته باللفظ اللغوي لا بالحكم العقلي، فإذا لم نقل بأن لفظ الأمر يدل على الوجوب وضعاً وأنه يدل على أن الطلب قد صدر بملاك شديد وقوي في نفس المولى بحيث لا يرضى بالترك والمخالفة فكيف يتم حكم العاقل بلزوم الامتثال والحال أن العقل لا يشخص الملاك الواقعي في نفس المولى وأنه ملاك شديد أو ضعيف؟