45/05/07
الموضوع: المحاولة الثانية إرجاع الطلب إلى معنى واحد
هي محاولة إرجاع الطلب وبقية المعاني التي ذكرت للأمر إلى معنى واحد، بحيث إن كلمة الأمر ليس لها معنيان الطلب والشيء أو الطلب والحادثة أو الخصوصية بل يكون للفظ الأمر معنى واحد في جميع الاستعمالات.
وهذا المطلب وهو توحيد معنى كلمة الأمر يتصور على ثلاث أنحاء:
وسيتضح أن هذه الأنحاء الثلاثة كلها قابلة للمناقشة.
هذه ثلاثة أنحاء لتصور أن مادة الأمر لها معنى واحد وجميع المعاني التي ذكرت لمادة الأمر تؤول وترجع إلى معنى واحد فقط.
وأما التفصيلي فهو أن نتطرق إلى كل واحد من هذه الأنحاء الثلاثة ونجيب عليه تفصيلاً وفي الختام نجيب بالجواب الاجمالي الذي يعم جميع الأنحاء الثلاثة، ولنشرع بالجواب التفصيلي.
النحو الأول للمحقق الأصفهاني ـ رحمه الله ـ وهو غير الطلب إلى الطلب وقد استقربه المحقق الأصفهاني[1] .
إن المحقق الأصفهاني ـ رحمه الله ـ افترض أن غير الطلب هو عبارة عن الفعل فقد تقدم أنه ارجع الشيء إلى الفعل.
ثم قال: إن استعمال كلمة الأمر في الفعل مرجعه إلى استعمال كلمة الأمر في الطلب بنحو من الأنحاء، فهنا توجد عناية وهي أن الفعل في معرض أن يتعلق به الطلب.
وكذلك الأمر أيضاً في معرض أن يتعلق به الطلب، فكما يصح أن يعبر عن الفعل بمطلب وهذا أمر متعارف، فيقال: الصلاة مطلب مهم، الكتابة مطلب مهم، الاستماع مطلب مهم، فكل فعل يعبر عنه بمطلب بلحاظ شأنية تعلق الطلب به فكل فعل من شأنه أن يتعلق به الطلب.
كذلك أيضاً يصح أن يعبر عنه بأمر لأن الملاك هو الملاك، فكما أن الفعل من شأنه أن يتعلق به الطلب كذلك الأمر من شأنه أن يتعلق به الطلب.
لذلك بالنسبة إلى الفعل تعبر بمطلب، وتقول: هكذا الصلاة مطلب مهم، الصوم مطلب مهم، لأن الصلاة التي هي فعل والصوم الذي هو فعل من شأنه أن يتعلق بها الطلب.
فكذلك الكلام بالنسبة إلى الأمر يمكن أن تقول: الصلاة أمر عظيم وشرب الخمر أمر ذميم، فمكان لفظ مطلب تستخدم لفظ أمر يمكن أن تقول: الصلاة مطلب عظيم والصلاة أمر عظيم، فهنا قد استعملت كلمة الأمر مكان كلمة مطلب، وقد أطلق الطلب على الصلاة أو على شرب الخمر من باب أنه قابل ذاتاً أن يتعلق به الطلب.
ذكر لمادة الأمر معنى الطلب والشيء، والمحقق الأصفهاني ارجع الشيء إلى الفعل والفعل يطلق عليه أيضاً طلب بلحاظ أنه من شأنه أن يطلب، وبالتالي ارجعنا غير الطلب وهو الشيء بتعبير صاحب الكفاية والفعل بتعبير المحقق الأصفهاني إلى الطلب، فصار مادة الأمر لها معنى ومحل فارد وهو خصوص الطلب ولا تقل إن مادة الأمر لها معنيان الأول الطلب والثاني الشيء أو الفعل، لأن الشيء أو الفعل من شأنه أن يطلب فيعبر عنه بمطلب فصار معنى كلمة الأمر واحد وهو الطلب، فكما أن الفعل والشيء من شأنه أن يطلب كذلك الأمر من شأنه أن يطلب، لذلك يمكن استبدال كلمة مطلب بكلمة أمر فتقول: الصوم مطلب عظيم، وتقول: الصوم أمر عظيم.
وناقشه الشهيد ـ رضوان الله عليه من أن كلمة الأمر قد تستعمل فيما لا معنى لتعلق الأمر به أصلاً هو ما ليس بفعلٍ، فمثلاً تقول: شريك الباري أمر مستحيل واجتماع النقيضين أمر مستحيل.
وبالتالي مادة الأمر أعم من الفعل ولا يوجد بين الأمر وبين الفعل، وبالتالي لا يمكن تصحيح إرجاع غير الطلب إلى الطلب بالعناية التي ذكرها المحقق الأصفهاني من أن الفعل من شأنه أن يطلب والأمر أيضاً من شأنه أن يطلب.
هذا جوابه يعلم مما تقدم بدرس الأمس.
ثم قال: بأن الطلب أيضاً يمكن أن يستعمل في كلمة الأمر باعتبار كون الطلب مصداقاً من مصاديق الواقعة والحادثة فالطلب واقعة من الوقائع وحادثة من الحوادث، فيقال: زيد يطلب من عمرو، ومثل هذا إنما يكون باعتبار كون الطلب مصداقاً من مصاديق عنوان الواقعة والحادثة فيرجع الطلب إلى غير الطلب.
قالوا: إن الأمر له عدة معاني يمكن اختزالها في معنيين: الأول الطلب والثاني الشيء، وقد فسر الميرزا النائيني الشيء بالحادثة والواقعة، ولا شكّ أن الطلب من مصاديق الحادثة والواقع فيرجع الطلب إلى الواقعة التي هي ليست بطلب فيكون من باب إرجاع الطلب إلى غير الطلب فيصير لمادة الأمر معنى واحد وهو الحادثة والواقعة.
ومن الواضح أن كلمة الأمر في موارد الطلب إنما تستعمل في خصوص الطلب التشريعي دون الطلب التكويني، فإذا طلب الوالد من ولده أن يصلي يقال: أمره بالصلاة، لكن إذا الإنسان بنفسه طلب الماء طلب العلم يعني بنفسه شرب الماي بنفسه درس العلم لا يقال أنه أمر بالعلم وأمر بالماء.
وهذا شاهد على أن إطلاق كلمة الأمر على الطلب ليس باعتباره واقعه من الوقائع فلو كان إطلاق الأمر على الطلب باعتبار أنه واقعة من الوقائع لما حصل فرق بين الطلب التشريعي والطلب التكويني لأن الطلب التكويني واقعة وحادثة أيضاً كما أن الطلب التشريعي واقعة وحادثة، إذا يوجد فرق.
الآن إذا شخص طلب من غيره أن يقرر الدرس الأستاذ طلب من تلميذه أن يقرر الدرس يقال: أمر الأستاذ تلميذه بالتقرير، صار هنا الأمر بمعنى الطلب، ولكن إذا نفس التلميذ قام بالكتابة والتقرير لا يقال أمر التلميذ نفسه بالكتابة.
فلو قلنا إن المراد بالطلب هو الواقعة هكذا هو ارجع الميرزا النائيني الطلب إلى معنى واحد وهو الواقعة والحادثة فنحن والعنوان عنوان الواقعة والحادثة كما يصدق على الطلب التشريعي يصدق أيضاً على الطلب التكويني.
لكن في استخدام مفردة الأمر يوجد فارق يمكن استخدام لفظة وكلمة الأمر في خصوص الطلب التشريعي ولا يمكن استخدام لفظة الأمر في الطلب التكويني.
إذا لم يستخدم الطلب بما هو مصداق إلى الواقعة، لو كان نحن وهذا الملاك استخدام مفردة الطلب بما هو واقع هذا العنوان وهذا الملاك لا فرق فيه بين الطلب التشريعي والطلب التكويني، إذاً هذا الاختلاف إطلاق الأمر على الطلب التشريعي دون الطلب التكويني يكشف أن لفظ الأمر هنا لم يستخدم بملاك الواقعة أو الحادثة وإنما بملاك آخر.
إن الطلب تارة يلحظ بما هو طلب وتارة يلحظ بما هو واقعة.
ففي القسم الأول وهو استخدام لفظ الطلب بمعنى الطلب يتعدى الطلب إلى المطلوب ويتعدى الأمر بواسطة الباء.
يعني تحذف لفظة الأمر وتضع مكانها لفظة الحادثة أو الواقعة بناءً على مبنى الميرزا النائيني لأنه يرى أن معنى الأمر هو ماذا؟ هو الحادثة وهو ماذا؟ هو الواقعة.
إذا لاحظوا معي جيداً في المناقشة الثانية الطلب بمعنى الطلب يتعدى إلى المطلوب وبالباء فتقول: طلب الصلاة تحذف الطلب تخلي مكانها أمر تقول أمر بالصلاة طلب الصوم أي أمر بالصوم هذا ينسجم.
القسم الثاني الطلب بمعنى الحادثة أو الواقعة هنا إذا قلت أمر بالصلاة احذف الأمر واجعل مكانها الحادثة يصح أن تقول الحادثة بالصلاة الواقعة بالصلاة هذا لا محصل له، إذا لا يوجد ترادف بين لفظ الأمر والطلب بمعنى الطلب والطلب بمعنى الحادثة والواقعة.
يوجد ترادف بين الأمر والطلب بمعنى الطلب تقول: طلب الصلاة أمر بالصلاة، طلب الصوم أمر بالصوم، ولا يوجد ترادف بين الأمر والحادثة تقول: أمر بالصلاة، ولا تقول الحادثة بالصلاة، أمر بالصوم ولا تقل الواقعة بالصوم.
فنفس تعدي الأمر في موارد الاستعمالات الطلبية إلى المتعلق بالباب، وعدم تعدي الأمر في مقام الطلب بمعنى ماذا؟ بمعنى الحادثة وبمعنى الواقعة هذا قرينة على أن الملحوظ هو مفهوم الطلب وليس مفهوم الحادثة وليس مفهوم الواقعة.
وهذا النحو ليس بتامٍ إذ لا يعقل تصور مثل هذا الجامع، وهنا يوجد احتمالان:
ومن الواضح أن كلمة الأمر ليست أوسع انطباقاً من المعنيين الطلب والواقعة، فكيف يدعى وضع كلمة الأمر للجامع الأوسع انطباقاً من قبيل مفهوم الشيء؟!
وأما الجواب الإجمالي ما أحلاه! مثلكم حلوين! الجواب ما له حلو وعرفي.
الجواب الإجمالي نستبعد أن كلمة الأمر لها معنى واحد سواء قلنا بالنحو الأول الذي ذكره المحقق الأصفهاني من إرجاع غير الطلب إلى الطلب، أو قلنا بالنحو الثاني الذي ذكره الميرزا النائيني من إرجاع الطلب إلى غير الطلب، أو قلناه بالنحو الثالث وهو إرجاع الطلب وغير الطلب إلى معنى جامع بينهما.
هذا الاستبعاد منشأه أمران:
إذاً صيغة الأمر صيغة الجمع في كلا المعنيين مختلفة، فمن المستبعد أن يكون للفظ الأمر واحد ومع هذا باللحاظ مصاديقه تختلف صيغة الجمع، فنقول هكذا: معنى الأمر واحد مفهومه واحد إذا مصداقه الطلب يجمع على أوامر وإذا مصداقه الحادثة أو الواقعة أو الفعل يجمع على أمور.
هذا غير معهود في اللغة العربية فاختلاف صيغة الجمع بين الحادثة التي تجمع على أمور والطلب الذي يجمع على أوامر هذا يشير إلى عدم وجود وحدة في المعنى، المعنى مختلف.
ولكن لفظة الأمر بلحاظ الواقعة والحادثة تكون جامدة لا يشتق منها «جئتك في أمر سجن فلان» يعني في حادثة سجن فلان، هذه لفظة أمر بعد ما يشتق منها بعد أمر وأمر وأوامر وأمر ومأمور.
وهذا شاهد على أن مادة الأمر ليس لها معنى واحد إذ لو كان لها معنى واحد لما كانت مشتقة بلحاظ مصداق الطلب وجامدة بلحاظ مصداق الحادثة والواقعة هذان شاهدان عرفيان وجدانيان على تعدد معنى كلمة الأمر، وأن كلمة الأمر ليس لها معنى واحد.