45/05/06
الموضوع: بحث الأوامر/الجهة الأولى معاني كلمة الأمر/
فقد ذكر صاحب الكفاية أعلى الله في الخلد مقامه ـ أن جملةً من هذه المعاني ليست معانٍ لكلمة الأمر، فمثلاً: لو قلت: جئتك لأمر كذا، والمقصود جئتك لغرض كذا فإن معنى الغرض لا يستفاد من كلمة الأمر، وإنما يستفاد من اللفظ.
ومن هنا نظراً لوجود عدة معاني لكلمة الأمر نجد أن بعض الأعلام كصاحب الكفاية حاول حصرها في معنيين، وهما: الطلب والشيء.
وسنبحث هاتين المحاولتين تباعاً بالتفصيل.
«إن جميع معاني الأمر غير الطلب يمكن أن تندرج تحت معنى واحد وجامع وهو معنى الشيء».
لهذا ذكر صاحب الكفاية أن كلمة الأمر حقيقة في الطلب وفي الشيء فجميع الطلب يندرج تحت معنى الشيء.
«فجميع المعاني الأخرى» غير الطلب «ترجع إلى الشيء لأن الفعل شيءٌ والحادثة شيء والغرض شيء وجميع المعاني التي ذكرت للأمر غير الطلب يصدق عليها أنها شيء، لذلك يمكن أن تختصر معاني مادة الأمر في معنيين، وهما: الطلب والشيء».
• الشيخ الميرزا محمد حسين النائيني[4] .
• المحقق الشيخ محمد حسين الأصفهاني[5] .
ومن هنا قال الميرزا النائيني: «أنه لا يبعد أن يكون المعنى الجامع هو أضيق دائرة من معنى الشيء ومفهوم الشيء، وعبر عنه بالواقعة وأحيانا بالواقع المهمة أو بالحادثة إخراجاً للجوامد» بمعنى واحد الواقعة الحادثة الواقعة المهمة.
وبالتالي إذا عرفنا الأمر بأنه الواقعة أو الحادثة المهم فإننا سنخرج الجوامد أمثال زيد فإن زيداً ليس حادثة ولا واقعة.
والخلاصة يقول الميرزا النائيني:
«إن الأمر ليس هو الشيء بعرضه العريض بل خصوص الشيء الذي يمثل حادثة وواقعة مهمة وبذلك يخرج أسماء الجوامد، ونظير ذلك».
ونظير ذلك ذكر المحقق الأصفهاني ـ رحمه الله ـ فقال:
«إن موارد استعمال كلمة الأمر في غير الطلب لا تناسب مفهوم الشيء بعرضه العريض، وإنما تناسب ما يكون من قبيل مفهوم الفعل فأي فعل من الأفعال يقال له شيء».
إذا الميرزا النائيني والمحقق الأصفهاني متقاربان في المقام، وخلاصة كلامهما: إن الجامع والمفهوم المتصور لمعنى الأمر في غير الطلب هو الحادثة أو الواقعة أو الفعل، وبذلك يكون عنوان ومعنى الأمر عنوان أخص من مفهوم الشيء ولا يشمل الجوامع.
وناقشهما شهيد العصر السيد محمد باقر الصدر ـ رضوان الله عليه ـ [6] ومفاد هذه المناقشة:
إننا لا نسلم بما ذهب إليه المحقق الأصفهاني من أن معنى الأمر في غير الطلب هو الفعل، ولا نسلم بما ذهب إليه الميرزا النائيني من أن معنى الأمر في غير الطلب هو خصوص الحادثة أو الواقعة، وإن كان الشهيد الصدر اتفق معهما في أن مادة الأمر لا تستعمل في الشيء بعرضه العريض بل تستعمل في خصوص الشيء الذي له جانب وصفي بحيث يشكل نعتاً من النعوت.
وهذا ما سيتضح بيانه بعد مناقشة الشهيد الصدر لكلام الميرزا النائيني والمحقق الأصفهاني.
إننا نسلم بأن مادة الأمر في غير الطلب لا تساوق مفهوم الشيء بعرضه العريض الشامل حتى للجوامد، لكننا لا نسلم بما أفادة الميرزا النائيني من أن المراد به الحادثة أو الواقعة ولا بما ذكره المحقق الأصفهاني من أن المراد بمادة الأمر هو الفعل.
فإن عنوان الواقع المهمة أو الحادثة ليس هو المعنى المدلول لكلمة الأمر لوضوح استعمال كلمة الأمر في موارد ليس فيها أهمية وليس فيها أصل حدوث ووقوع وليست من باب الفعل كما يقول المحقق الأصفهاني.
ففي هذه الأمثلة وهذه الموارد يصح استعمال كلمة الأمر مع أن شريك الباري ليس حادثة ولا واقعة كذلك صفات الله تعالى ليست من الوقائع والحوادث ولا من الأفعال على حد تعبير المحقق الأصفهاني ـ رحمه الله ـ .
وأما الجوامد التي هي من قبيل أسماء الأجناس فيصح إطلاق لفظ الأمر عليها فتقول: النار أمر ضروري للحياة، والماء أمر ضروري للمعيشة، والعشب أمر مهم للغنم، وغير ذلك.
• ما كان من قبيل أسماء الأعلام لا يصح إطلاق الأمر عليها.
• وما كان من قبيل أسماء الأجناس يصح إطلاق لفظ الأمر عليها.
إذاً الأمر عبارة عن شيء له خصوصية، وهي أنه مطعم بالجانب الوصفي، فأسماء الأعلام كزيد وعبيد منسلخة عن الجانب الوصفي تماماً ونهائيا ومتمحضة في الذاتية والعلمية، لذلك لا يطلق عليها أمر وإن أطلق عليها شيء، فيقال: «زيد شيء»، ولا يقال: «زيدٌ أمرٌ» لأن الأمر شيء ثبتت له الخصوصية وهي الجانب الوصفي والجانب النعتي، وبما أن أسماء الأعلام متمحضة في العلمية فتكون اسميتها أقواى من وصفيتها.
بخلاف أسماء الأجناس، أسماء الأجناس لا تخلو من جانب وصفي تقول: التمر، الرز، الماء، الخشب، والمراد بالخشب ذاتٌ ثبت لها خصوصية معينة بحيث يصلح أن تكون خشبة، والتمر ذات ثبتت لها خصوصية معينة تصلح أن تكون تمر.
لذلك يصدق على الأشياء التي لها جانب وصفي يصدق عليها أمر بخلاف الأسماء المتمحضة في العالمية والذاتية فلا يصح إطلاق الاسم عليها، يعني لفظ الأمر اسم الأمر عليها.
ذهب صاحب الكفاية إلى أن المعنى الجامع لجميع معاني الأمر غير الطلب هو عنوان عنوان الشيء.
وذهب الميرزا النائيني وصاحب الكفاية إلى خصوصيتين في ذلك الشيء.
فقال الميرزا النائيني إن هذه الخصوصية هي عبارة عن الحادثة أو الواقعة أو الحادثة المهمة والخطيرة.
وذهب المحقق الأصفهاني إلى أن هذه الخصوصية هي الفعل.
وناقشهما الشهيد الصدر ـ رضوان الله عليه ـ من أن معنى الشيء قد يطلق أيضاً على الجوامع، فاتفقا معهما في مخالفتهما لصاحب الكفاية لأن الشيء بعرضه العريض لا يصلح أن يكون عنواناً جامعاً لمادة الأمر.
واختلف معهما في الخصوصية فقال: إن هذه الخصوصية ليست هي الحادثة أو الواقع المهمة كما يقول الميرزا النائيني لأن مادة الأمر تطلق على غير الحوادث والأمور العدمية، وليست هي الفعل يقول للمحقق الأصفهاني لأن أيضاً مادة الأمر تطلق على شريك الباري والأمور العدمية.
لكن مادة الأمر تطلق على بعض الأسماء كأسماء الأجناس ولا تطلق على بعض الأسماء كأسماء الأعلام، والسرّ في ذلك: إن المعنى الجامع هو حدّ بين حدين فليس هو الشيء بعرضه العريضـ وليس هو الفعل كما يقول المحقق الأصفهاني، وليس هو الحادثة والواقعة المهمة كما يقول الميرزا النائيني، بل هو الشيء الذي فيه خصوصية وصفية خصوصية نعتية.
والشيء الذي فيه خصوصية نعتية ووصفية يصدق على أسماء الأجناس مثل: الماء والنار والعشب والكلأ والحديد وغير ذلك فيه جانب وصفي بخلاف الأسماء المتمحضة في العلنية كزيد وعبيد فإنه فإن هذه الأسماء قد تمحضت في العالمية والذاتية وزال الجانب النعتي.
من الواضح أن ما ذكره المحقق الأصفهاني والمحقق النائيني يرد عليه ما أورده الشهيد الصدر لكن ما أفاده الشهيد يحتاج إلى تأمل ويحتاج إلى تتبع وقوة استظهار لمعرفة هذه الخصوصية.
النتيجة النهائية مادة الأمر موضوعة للشيء الذي له خصوصية ما يبقى الكلام في تحديد هذه الخصوصية، هل هي خصوص الجانب النعي والوصفة أو شيء آخر هذا تمام الكلام في المحاولة الأولى فإنها تتم في معنى جامع وهو ماذا؟ الشيء الذي له خصوصية معينة.