45/05/04
الموضوع: البحث اللغوي للمشتق الأصولي
البحث اللغوي للمشتق يبحث عن اختصاص المشتق بخصوص المتلبس بالمبدأ أو أن المشتق يشمل المتلبس بالمبدأ ومن انقضى عنه المبدأ أيضاً.
وقد يتوهم رجوع ذلك إلى البحث عن أخذ قيد زمن الحال في المشتق وعدم أخذه، وهو توهم باطل إذ لا شك ولا ريب في عدم أخذ زمان الحال ولا غيره في الأسماء فالمشتقات من هذه الناحية كالجمادات، وإنما مرجع البحث إلى أن المعنى المستفاد من المشتق هل يكون سنخ معنى مصداقه خصوص المتلبس؟ أو يكون سنخ معنى ينتزع عمن تلبس بالمبدأ ولو آن ما ولو في زمان سابق مع خروج الزمان عن مفهوم المشتق على كل تقدير.
نعم، الجاري والصدق والحمل على شيء لابد أن يكون في زمان لا محالة إلا أن هذا لا يختص بالمشتقات ولا ربط له بمفاد المشتقات.
وقد اتفقت كلمات علماء الأصول على أمرين:
فلو قلت: «زيدٌ ضاربٌ» الآن هذا استعمال حقيقي ولو قلت: «زيدٌ ضاربٌ» وتقصد بعد شهر هذا استعمال مجازي.
إنما الكلام كل الكلام في الثالث وهو من تلبس بالمبدأ آناً ما وانقضى عنه المبدأ كما لو ضرب زيد قبل يومين أو ثلاثة وقلنا: «زيد ضارب» فهل هذا الاستعمال حقيقي أو مجازي؟
فإن قلنا أن المشتق ظاهر في خصوص من تلبس بالمبدأ دون من زال عنه التلبس فحينئذ يكون قولنا زيد ضارب مجازاً وليس حقيقة.
وأما لو قلنا إن المشتق موضعٌ للأعم ممن تلبس بالمبدأ بالفعل أو انقضى عنه التلبس فحينئذ يكون قولنا «زيد ضارب» استعمالاً حقيقياً لأن المشتق موضوع للأعم ممن تلبس بالفعل أو زال عنه التلبس.
وهذا البحث يتوقف على إمكان تصوير جامع على كلا القولين بناءً على وضع المشتق لخصوص التلبس فما هو الجامع؟ وبناء على وضع المشتق للأعم من المتلبس ومن انقضى عنه التلبس فماذا يكون هذا الجامع؟
فلو لم نستطع تصوير جامعٍ أو لم يثبت وجود جامع على أحد هذين المعنيين كان هذا بنفسه دليلاً على بطلان هذا القول.
فلنبحث الجامع على كلا المبنيين، فنقول:
الأول تصوير الجامع بناءً على القول بأن المشتق هو لخصوص المتلبس بالمبدأ.
وهنا نقول لا إشكال في وجود الجامع بناء على القول بالوضع لخصوص المتلبس سواء كان المشتق بسيطاً أو مركباً فلو التزمنا ببساطة المشتق كما عليه الأعلام الثلاثة صاحب الكفاية والميرزا النائيني والمحقق العراقي أو التزمنا بتركيب المشتق كما عليه المحقق الأصفهاني وهو مبنانا فعلى كلا التقديرين يوجد للمتلبس بالمبدأ معنى جامع ينطبق على كل ما فيه التلبس.
فيصير صيغة فاعل ومفعول ومفعل وغيرها من أسماء الفاعلين والمفعولين والزمان والمكان والآلة له معنى جامع ينطبق على خصوص المتلبس بالمبدأ في الحال.
الثاني تصوير الجامع بناءً على الأعم من المتلبس ومن انقضى عنه التلبس.
وهنا نقول: لا ينبغي التردد في عدم معقولية الجامع الأعم بناءً على القول ببساطة المشتق لعدم صدق المبدأ على الفاقد له إذ أنه لوحظ لا بشرط من حيث الحمل، فبناء على بساطة المشتق وأنه بسيط لا يعقل تصوير جامع للمشتق البسيط بحيث يكون أعم ممن تلبس بالمبدأ ويشمل من انقضى عنه التلبس.
لكن هذه الوجوه كلها قابلة للمناقشة ونصل إلى هذه النتيجة عدم إمكان تصوير جامع للأعم وهذا يكفي القول ببطلانه، ولنترك البرهان ونلجأ إلى الوجدان فإنه خير دليل وبرهان.
بالفارسي كلمة حلوة شيقولون؟ آنرا که عیان است چه حاجت به بیان است العيان لا يحتاج إلى بيان فلنرجع إلى وجداننا وما نعاينه ولنتدبر قليلاً في إطلاقات المشتق، وحينئذ سنجزم بأنها موضوعة للمتلبس خاصة.
فحينما نقول في الاستعمالات العرفية: «كاتبٌ، دارس، عالم، قاتل، ضارب، هارب» فهذه المشتقات تتألف من مادة وهيئة.
أما المادة كحرف ض ر ب في ضارب، و هـ ـر ب في هارب، فهي للدلالة على أصل الحداثة فحرف الضاد والراء والباء يدل على حدث الضرب، وحرف الهاء والراء والباء يدل على حدث الهروب، وحرف الكاف والتاء والباء يدل على حدث الكتابة.
وأما الهيئة قاتل ومقتول ضارب ومضروب، ضارب أي ذات ثبت لها الضرب وصدر منها الضرب، ومضروب أي ذات وقع عليها الضرب، فالهيئة تدل على نسبة الحدث إلى ذات مبهمة، ضارب أي ذات ما صدر منها الضرب، مضروب ذات ما، وقع عليها الضار، كاتب ذات ما صدر منها الكتابة، مكتوب ذات ما وقع عليه الكتابة.
فالمادة تشير إلى الحدث والهيئة تدل على نسبة الحدث إلى ذات مبهمة، وتلبس هذه الذات المبهمة بالحدث مختلف أنحاء التلبس التي أشرنا إليها سبعة أنحاء أو أكثر.
وهذا لا يكون مع فرض وجود الحدث وانقضاء التلبس به وإنما يكون في خصوص فرض وجود الحدث وعدم انقضاء التلبس به.
ولنشر إلى مطلب ارتكازي يكون بمثابة منبه من المنبهات، وهو الموجود بين الأوصاف الاشتقاقية المتقابلة كالعالم والجاهل، والقائم والجالس، والمتقدم والمتأخر فإنها لا تصدق في موردٍ واحدٍ معاً فهو في هذه الحالة إما قائم و إما قاعد، وإما عالم وإما جاهل، إما متقدم وإما متأخر فلو كان المشتق موضوع للأعم من المتلبس بالمبدأ والمنقضي عنه المبدأ لم يكن وجه لهذا الشعور بالتضاد.
ولنخرج من عالم وجدان إلى عالم استدلال، فما هو الدليل على ثبوت المشتق على خصوص المتلبس بالمبدأ؟ وما هو الدليل على ثبوت المشتق للأعم وما هو الصحيح؟
نقول وبالله المستعان وإليه المرجع وعليه التكلان الصحيح وفقاً للوجدان ووفقاً للأدلة إن المشتق حقيقة في خصوص المتلبس بالمبدأ دون الأعم، ولنشرع في بيان الأدلة.
الأول الدليل على أن المشتق موضوع للمتلبس بالمبدأ في الحال، ويمكن أن نقيم دليلاً على ذلك:
وهكذا لو قيل: لا يصلي أحدكم خلف المجذوم والأبراص والمجنون، لكن المجنون آفاق وبرئ الأبرص والمجذوم فهل لا تجوز الصلاة خلفهم؟
وهكذا لا يؤم الأعرابي المهاجرين ولكن هذا الأعرابي جاء إلى مجتمع الهجرة وترك البادية ودرس الإسلام وصار فقيه فهل لا يؤم هذا الفقيه الذي كان أعرابياً لا يؤم المهاجرين وصار أفضل منهم وأفقه منهم واعلم منهم؟!
الثاني الأدلة على القول بالأعم وأن المشتق موضوع لمن تلبس بالمبدأ ومن انقضى عنه المبدأ.
فالنجار يصدق عليه نجار وإن لم يمارس النجارة، والمجتهد يصدق على أنه مجتهد وإن لم يمارس عملية الاستنباط والاجتهاد. نعم، لو زالت الملكة أو أعرض النجار عن نجارته فحينئذ لا يصدق عليه أنه ماذا؟ أنه متلبس.
أولاً مركب وليس ببسيط.
ثانيا يمكن تصوير الجامع للمشتق بناء على خصوص وضعه للمتلبس، وأما وضعه للمركبات ففيه تفصيل.
وثالثاً الصحيح إن المشتق حقيقة في خصوص المتلبس بالمبدأ في الحال، ومجازٌ فيمن انقضى عنه التلبس، والله العالم.
بحثنا القادم إن شاء الله في الأوامر.