45/04/28
الموضوع: الوجه الثاني في إثبات استحالة ما ذكره المحقق الأصفهاني ره
في إثبات استحالة استعمال اللفظ المشترك في معنيين في وقت واحد ما ذكره المحقق الأصفهاني[1] رحمه الله وتوضيحه يتوقف على بيان أمرين:
الأول وجود حقيقي لماهية اللفظ.
الثاني وجود تنزيلي لماهية المعنى.
لأن اللفظ اعتبر وجودا للمعنى فنزل اللفظ بمنزلة المعنى.
فهناك وجودان وجود حقيقي للفظ المولى ووجود تنزيلي لمعنى المولى وهو السيد أو العبد.
فإذا تعدد اللفظ الذي هو وجود حقيقي تعدد المعنى وإذا تعدد المعنى تعدد اللفظ وإذا اتحد اللفظ اتحد المعنى واذا تعدد اللفظ تعدد المعنى فهناك عينية في الوجود بين الوجود الحقيقي للفظ والوجود التنزيلي لماهية المعنى.
إن الوجود والإيجاد شيء واحد فتعد الإيجاد ووحدته يساوي تعدد الوجود ووحدته فإذا تعدد الإيجاد تعدد الوجود وإذا اتحد الإيجاد اتحد الوجود.
فإذا هناك استعمالان أي إيجادان تنزيليان أي نزلنا لفظ المولى منزلة السيد في الاستعمال الأول ونزلناه لا مولى منزلة معنى العبد في الاستعمال الثاني.
وبمقتضى الأمر الثاني من أن الإيجاد عين الوجود وتعدده هو تعدده، فهناك إذا وجودان تنزيليان لمعنى السيد أولاً ومعنى العبد ثانياً، فإذا وجد وجودان تنزيليان لمعنيين فهذا منه أن هناك وجودان حقيقيان بمقتضى الأمر الأول يعني يوجد لفظان لا لفظ واحد.
حيث قلنا إن الوجود الحقيقي لللفظ هو عين الوجود التنزيلي للمعنى فإذا التزمنا بوجودين تنزيليين للمعنى فهذا يكشف عن وجود وجودين حقيقيين للفظ وهذا خلف الفرض وهو افتراض وجود حقيقي واحد للفظ.
فمثلاً خذ هذا المثال ـ لو خطب خطيب كبير على المنبر، وقال: أيها الناس احترموا المولى في حياتكم الاجتماعية فجاء بلفظ واحد وهو لفظ المولى لكنه نزله منزلة ثلاث معاني في وقت واحد بأن قصد احترام كل من يصدق عليه مولى بمختلف المعاني التنزيلية وفي وقت واحد قصد أولاً احترم المولى أي احترم السيد، ثانياً احترم المولى احترم العبد، ثالثاً احترم المولى احترم الصديق، رابعاً احترم المولى أي احترم الحبيب.
وهكذا لو قال الخطيب الشحشاح لا تستهن بالعين وكن على حذر وقصد مطلق ما يصدق عليه العين فجاء بوجود واحد حقيقي وهو لفظ العين ونزل هذا اللفظ الواحد وهو العين منزلة عدة معاني في آن واحد.
فقصد أولاً لا تستهن بالعين أي الباصرة إذا تلف تصبح أعمى، ولا تستهن بالعين النابعة والجارية هذا عذب زلال، ولا تستهن بالعين التي هي الذهب والفضة هذا مال وفير، ولا تستهن بالعين أي الركبة فإذا انكسرت أصبحت مقعداً، ولا تستهن بالعين أي الجاسوس فإنه يقرصك قرصة ويودعك في السجون.
فالمنزل واحد ومحله فارد وهو لفظ العين والمعنى المنزل عليه متعدد ولا يرى العرف مشاح في ذلك في أن يكون المنزل واحداً والمنزل عليه متعدداً، فالوجه الثاني للمحقق الأصفهاني لا يرجع إلى محصل.
هكذا المتكلم في اللغة العربية وغيرها فهو أول ما ينظر إلى المعنى أولاً وبالذات واللفظ ثانياً وبالعرض فدور اللفظ في الدلالة على المعنى هو دور المرآتية وهذا مبنى المرآتية الذي يرى أن اللفظ يندك في المعنى بحيث لا تتصور الاثنينية بل بينهما تمام الاندكاك، كما هو الحال في من ينظر إلى صورته في المرآة فهو لا يرى الاثنين بين صورته والمرآة.
لكنه أول ما ينظر إلى صورته أولاً وبالذات ثم إلى المرآة ثانياً وبالعرض، وبين صورته والمرآة تمام الاندكاك والاندماج كذلك من يتلفظ بلفظ له معنى فهناك اندكاك بين اللفظ والمعنى لكن أول ما ينظر إلى المعنى أولاً وبالذات واللفظ ثانياً وبالعرض، ويكون دور دور المرآة التي تعكس معنى اللفظ.
وقد تعرض سيد أساتذتنا المحقق السيد أبو القاسم الخوئي إلى كلام صاحب الكفاية[3] قائلاً: إن هذا مبني على المشهور في الوضع من نظرية الاعتبار، فإذا قيل بأن الوضع عبارة عن الاعتبار فكأن اللفظ اعتبر فانياً في المعنى وحينئذ يتم بيان صاحب الكفاية.
وأما إذا قلنا بأن الوضع ليس هو عبارة عن الاعتبار كما عليه المشهور بل هو عبارة عن التعهد الذي يلتزم به السيد الخوئي بأن يتعهد المتكلم بأنه متى ما أتى باللفظ يجعله علامة على هذا المعنى المخصوص فليس بابه باب الإفناء فلا يتم البيان المذكور بل يمكن أن يتعهد أن يأتي باللفظ ويجعله علامة على معنيين ولا مانع من ذلك.
كما هو الحال في الإشارات المرورية يجعل هذه العلامة دليل على وجود كذا فرسخ كذا كيلو متر فليس البحث في عالم الوضع بل البحث في عالم الاستعمال، وتوجد نظريتان في الاستعمال:
وكلاهما محتملٌ.
وكلا الاحتمالين معقول على المباني في الوضع من دون فرق بين نظرية الاعتبار أو نظرية التعهد فيمكن لمن يقول بنظرية التعهد أو الاعتبار أن يقول بالاحتمال الأول وهو المرآتية أو أن يقول بالاحتمال وهو العلامية.
ولا يوجد برهان على تعين الاستعمال في خصوص مبنى المرآة الاندكاك التي يندك فيها اللفظ في المعنى حتى نلتزم بكلام صاحب الكفاية بل يمكن أن نلتزم بطريقة العلامية.
نعم، الشارع سيد العرف فلنرجع إلى العرف فما هو الأغلب في الاستعمالات العرفية؟ هل هو جعل اللفظ مرآة للمعنى أو جعل اللفظ علامة على المعنى؟
نعم، ثبوتاً لا يستحيل استعمال اللفظ الواحد في معنيين بناء على مبنى العلامية.
إذاً من ناحية ثبوتية يوجد إشكال ثبوتي في مبنى المرآتية ولا يوجد إشكال ثبوتي في معنى العلامية هذا ثبوتاً يعني في عالم الإمكان.
وأما إثباتاً أي في عالم الخطاب والحوار والمحاورات العرفية فإن أغلب المحاورات هي من باب الآلية في الاستعمال وجعل اللفظ آلة في الدلالة على المعنى أي جعل اللفظ مرآة تعكس المعنى، ومع الآلية لا تعدد في المعنى المستعمل فيه لأن اللفظ يندك في المعنى أولاً ولا معنى لأن يندك في المعنى الثاني بعد فنائه في المعنى الأول.
أما ثبوتاً فعلى مبنى المرآتية لا يتم لأن اللفظ يفنى في المعنى الأول فلا يمكن أن يفنى في المعنى الثاني.
وأما إثباتاً فلأن غالب المحاورات العرفية قائم على مبنى الآلية والمرآتية للعلامية فلا يصح استعمال اللفظ في أكثر من معنى ثبوتاً وإثباتًا والله العالم.
بحث المشتق لأنه ليس له ثمرة عملية سنأخذه بشكل موجز ومقتضب من بحوث سيدنا الأستاذ تقرير السيد محمد الهاشمي الشاهرودي للبحث الشهيد الصدر، وما كتبه أيضاً السيد محمود الهاشمي الشاهرودي من تعليقة على الحلقة الثالثة للشهيد الصدر إذ علق على الطبعة الأولى منها بعدة تعليقات وأضاف البحوث التي حذفها الشهيد الصدر كبحت الحقيقة الشرعية والصحيح والأعم وبحث المشتق، وقد ذكرها بشكل مقتضب حتى تكون هذه الدورة الأصولية مبتورة نتطرق إلى بحث المشتق بإيجاز.