45/04/27
الموضوع: استعمال اللفظ المشترك في أكثر من معنى في وقتٍ واحد
استعمال اللفظ المشترك في أكثر من معناه في وقت واحد
هذه الجهة تتطرق إلى إمكانية ذلك أو استحالته، فهل يمكن للمتكلم أن يستعمل اللفظ الواحد كلفظ المولى في كلا معنييه السيد والعبد في وقت واحد وبنفس إيراد لفظة المولى يقصد معنى العبد والسيد معاً، فهل يمكن ذلك أو يستحيل؟
إن المراد هو وجود استعمال للفظ واحد في معنيين أو أكثر وليس المراد استعمال للفظ الواحد في معنى واحد، فإذا ألبس المعنيان أو المعاني ثوب الوحدة وخلق الذهن من المعنيين أو المعاني مركباً اعتبارياً فحينئذ يكون المتكلم قد استعمل اللفظ الواحد في معنى واحد وهو المركب الاعتباري فيكون خروجاً عن محل الكلام.
فليس الكلام هو استعمال لفظ المولى أو لفظ العين في المعنى الواحد وهو المركب الاعتباري الذي يجمع معاني العين ويجمع معنيي المولى بل المراد استعمال اللفظ الواحد المشترك كلفظ المولى في أكثر من معنى مع اختلاف المعاني وعدم إلباسها ثوب الوحدة.
وقبل أن نشرع في بيان البحث لابد من بيان أن هذه الجهة الثالثة تشمل ثلاثة موارد:
فبحثنا يشمل هذه الموارد الثلاثة، وقد ادعى جماعة استحالة استعمال اللفظ المشترك في أكثر من معنى في وقت واحد، وقرب ذلك بثلاثة أوجه:
فقد نسب إلى الشيخ محمد حسين النائيني القول بأن استعمال اللفظ في معنى يتوقف على تصور ذلك المعنى ولحاظه فلا يعقل استعمال اللفظ من دون لحاظ معناه، فكيف تستخدم اللفظ في معنى وأنت لا تلحظ ذلك المعنى؟!
فإذا هنا أصل موضوعي إذا أراد المتكلم أن يستعمل لفظاً معيناً في معنى معين فلا بد أن يلحظ ذلك المعنى المعين، وهنا نأتي إلى مورد بحثنا فإذا استعمل المتكلم لفظاً واحداً كلفظ مولى في معنيين في أن واحد كمعنى السيد والعبد معاً فحينئذ هذا المستعمل حينما استعمل لفظ مولى فإنه لابد في آن واحد وفي وقت واحد أن يلحظ معنيين معاً وهما معنى السيد ومعنى العبد.
وهذا يعني أنه يلحظ معنيين في آن واحد: المعنى الأول المعنى السيد والمعنى الثاني معنى العبد وهذا غير معقول لأن النفس بقطع النظر عن حيثياتها لا يصدر منها لحاظان في وقت واحد، والسر في ذلك أن النفس بسيطة والبسيط لا يصدر منه إلا البسيط فالنفس تلحظ لحاظاً واحداً بسيطاً لا أنها تلحظ لحاظين في وقت واحد.
فهنا النفس الواحدة البسيطة لاحظت عدة لحظات في وقت واحد وهو حينما أمسك التفاحة لكي ينهشها فإنه في وقت نهش التفاحة أدرك نعومتها باللامسة، ورائحتها بالشامة، ولونها بالباصرة، وحلاوتها بالذائقة وبالنهشة.
لكن هذه اللحظات لم تكن للنفس بما هي نفس بسيطة بل بضم قوى وحواس للنفس وهي الحواس الخمس.
ولو راجعنا أجود التقريرات للسيد الخوئي وهو تقرير بحث الميرزا النائيني لن نجد المقطع الأخير من أن النفس قد تلحظ عدة لحظات بضميمة القوى ولكن بما هي ببساطتها لا تلحظ إلا لحاظاً واحداً. نعم، يوجد في أجود التقريرات الأمر الأول وهو أن النفس لأنها بسيطة لا يمكن أن تلحظ معنيين في وقت واحد.
يقول شيخنا الأستاذ آية الله العظمى الشيخ حسين الوحيد الخراساني في مجلس الدرس إن الميرزا النائيني ابتلي بأحداث المشروطة فتوقف الدرس وانقطع الدرس اثنا عشر عاماً، يقول أحدهم حضرت آخر درس قبل اثنا عشر سنة وأول درس بعد اثنا عشر سنة فلم أجد قد تغير مستوى الميرزا النائيني ولم يضعف مستواه العلمي بانقطاعه بالأحداث السياسية وثورة المشروطة رضوان الله عنه.
السيد الشهيد الصدر ـ رضوان الله عليه ـ يناقش ويقول: وهذا البرهان غير تام حيث يمكن القول بأن النفس تلحظ المعنيين بلحاظين استقلاليين ولا محذور في ذلك، وأما دعوى استحالة صدور لحاظين استقلاليين من النفس فهي باطلة نقضاً وحلاً.
أولاً النقض ويمكن أن ننقض على الميرزا النائيني بأمرين:
وهذا يثبت أن النفس قادرة على لحاظين بل لحاظات في عرض واحد لأن النفس أعطت هذا الثوب الواحد للكثير بما هو كثير وإلا لما توحد وأصبح واحداً ببركة إعطاء النفس الإنسانية ثوب الوحدة للمركب الاعتباري.
ويستحيل أن لا تلاحظ النفس هذا الكثير عند الإعطاء فقبل أن تعطي ثوب الواحد الكبير تكون تلحظ الكثير من من الجهات وتلحظ الكثير بما هو كثير وتلحظ المتعدد بما هو متعدد وهذا يعني صدور لحاظات استقلالية متعددة في آن واحد فالنفس لديها هذه القدرة على لحاظات متعددة عرضية وفي عرض واحد وفي وقت واحد ثم يخلق الذهن ثوباً واحداً اعتبارياً للمركب الاعتباري.
فإن قال الميرزا النائيني بالاحتمال الأول وهو أن النفس تلحظ الموضوع والمحمول بلحاظ واحد فهذا يعني أن المحمولة والموضوع أصبح شيئاً واحداً فيكون خروج عن محل الكلام إذ محل الكلام استخدام اللفظ في معنيين لا في معنى واحد.
وإن قال الميرزا النائيني بالثاني وأن النفس تلحظ الموضوع كشيء والمحمول كشيء آخر ومعنى آخر فقد ثبت إمكان تعدد اللحاظ في آن صدور الحكم من النفس بخلاف ما لو قلنا بالاحتمال الأول وأن النفس جعلت الموضوع والمحمول واحداً وألبستهما ثوب الوحدة فحينئذ مستحيل أن تنعقد جملة تامة لأن الجملة التامة إنما تنعقد بطرفين لا بطرف واحد.
ثانياً الجواب الحلي، وهذا يرجع إلى بحث فلسفي قد يخرجنا عن علم الأصول لذلك نقتصر على بيانه بشكل مجمل، وهو إننا لا نسلم أن النفس بسيطة بذلك المعنى الذي يطبق عليه قانون إن الواحد لا يصدر إلا من الواحد والواحد لا يصدر منه إلا واحد هاتان قضيتان فلسفيتان ندرسها في الفلسفة القديمة التي تدرس الوجود.
إن الوجود عندنا أصيل دليل من خالفنا عليل كما يقول صاحب المنظومة هذه الفلسفة المشائية أو الفلسفة الصدرائية قائمة وتتكئ على أصالة الوجود.
وهناك يبحث أن الوجود واحد مشككٌ وأن الواحد لا يصدر إلا من واحد هذه قضية، والقضية الثانية والواحد لا يصدر منه إلا واحد.
بل ربما نلتزم بأن النفس لها حيثيات متعددة وبلحاظ هذه الحيثيات المتعددة يمكن أن تصدر منها لحظات متعددة حتى مع غض النظر عن القوى والآلات والأدوات والحواس فإذا التزمنا بأن النفس معقدة وفيها حيثيات متعددة لا أنها بسيطة فحينئذ يمكن أن نلتزم بأن النفس يمكن أن تدرك عدة أشياء في وقت واحد، وهذا بحث فلسفي مرجعه إلى البحوث الفلسفية.