45/04/26
الموضوع: استحالة وقوع الاشتراك في اللغة
دعوة استحالة وقوع الاشتراك في اللغة الجهة الثانية معاكسة للجهة الأولى الجهة الأولى ناقشت دعوة ضرورة ووجوب وقوع الاشتراك في اللغة العربية بل سائر اللغات، والجهة الثانية ستناقش دعوة امتناع واستحالة وقوع الاشتراك في اللغة.
هذه الدعوة مفادها استحالة وقوع الاشتراك في اللغة وامتناعه امتناعاً غيرياً نظراً لأن الاشتراك ينافي حكمة الوضع.
إن الغرض من الوضع هو التفهيم وإبراز المعاني لكي تصل هذه المعاني واضحة إلى الغير، والاشتراك دائماً يكون منشأ للإجمال والإبهام والتردد فالاشتراك مناف لحكمة الوضع، وبالتالي يمتنع ويستحيل وضع اللفظ المشترك امتناعاً غيرياً يعني بالنظر إلى حكمة الوضع.
ويمكن أن يجاب على هذا البرهان بصيغتين:
أن الغرض من الواضع لو كان خصوص التفهيم التفصيلي لورد الإشكال لكن من قال إن الغرض من الإفهام هو خصوص التفهيم التفصيلي بل الغرض من الوضع طبيعي التفهيم وطبيعي التفهيم جامع يجمع بين التفهيم التفصيلي والتفهيم الإجمالي، ومن الواضح أن التفهيم الإجمالي يتوقف على وضع اللفظ المشترك.
إذاً يتعلق غرض العقلاء بوضع اللفظ المشترك لأنه يوجب التفهيم الإجمالي الذي هو محط نظر العقلاء أيضاً فلا استحالة.
لو سلمنا وتنزلنا وقلنا إن غرض العقلاء إنما يتعلق بخصوص التفهيم التفصيلي دون التفهيم الإجمالي لكن على الرغم من هذا المبنى فإن الاشتراك معقولٌ أيضاً لأن الاشتراك يساعد على تحقيق التفهيم ولو بنحو جزء العلة لا تمام العلة.
فإن التفهيم التفصيلي في موارد الاشتراك يتركب من أمرٍ مكونٍ من جزئين:
فلو قال المتكلم: <رأيت مولاي فقبلت يده> فحينئذ يفهم فهماً تفصيلياً أن المراد بالمولى هو خصوص السيد دون العبد مع أن لفظ المولى في اللغة العربية مشترك بين السيد والعبد والأخ العزيز وغير ذلك، ولكننا فهمنا من هذه العبارة خصوص السيد دون العبد أو غيره، وهذا الفهم التفصيلي نشأ من مجموع مركب من اللفظ المشترك والقرينة فلا اللفظ المشترك لوحده كافٍ في تحقيق هذا الفهم ولا القرينة لوحدها تكفي في تحقيق هذا الفهم.
فلو قال المتكلم <رأيت شخصاً فقبلت يده> فحينئذ لن نفهم أن هذا الشخص هو خصوص المولى والسيد فلعله قبل يدّ أبيه أو قبل يدّ طفله فلا يفهم الفهم التفصيلي من هذه العبارة بالاقتصار على القرينة لوحدها.
وكذلك لا يفهم هذا الفهم بالاقتصار على اللفظ المشترك من دون قرينة كما لو قال: <رأيت مولى> وسكت فإنه قد يراد به السيد وقد يراد به العبد.
الجزء الأول اللفظ المشترك.
والجزء الثاني القرينة.
وهذا الفهم التفصيل لا يحصل من إيراد اللفظ المشترك لوحده من دون قرينه ولا يفهم من إيراد القرين لوحدها من دون إيراد هذا اللفظ المشترى فاللفظ المشترى يكون محطاً لأغراض العقلاء ونظرهم وبهذا يتبين أن البرهان الذي أقيم على استحالة وضع المشترك وامتناعه وعدم إمكانه غير صحيح.
إن التعهد دائماً يكون بقضية شرطية في الوضع هذه القضية لها صيغتان:
هاتان صيغتان لمسلك التعهد، الشرط في الأولى هو الجزاء في الثانية والجزاء في الأولى هو الشرط في الثانية، وحينئذ إما أن نأخذ الصيغة الأولى وإما أن نأخذ الصيغة الثانية فلنتكلم بناءً على الصيغتين.
لو أخذنا بالصيغة الأولى وهي أن المتكلم متى ما أتى باللفظ فإنه يقصد تفهيم معناه فالإشكال وارد في تعقل المشترى، فلو تلفظ المتكلم وقال <عين> وهي مشتركة بين العين والجارية والذهب والفضة والجاسوس والركبة أو قال <جون> وهو مشترك بين الأسود والأبيض أو قال <مولى> وهو مشترك بين السيد والعبد فإنه إذا جاء باللفظ فإنه يقصد تفهيم معناه فحينما يضع الواضع اللفظ ويأتي بلفظ مولى فإذا أورد المتكلم اللفظ فإنه يقصد تفهيم المعنى.
إذا أخذناه بالصيغة الثانية أن يتعهد الواضع أنه متى ما قصد تفهم المعنى أتى باللفظ الدال على ذلك المعنى فلا محذورة في بحث الاشتراط لأن الوضع حين يضع كلمة مولى فإنه كان قد تصور معنى السيد ولم يتصور معناه العبد.
فيقول متى ما قصدت تفهم معنى السيد جئت بلفظة المولى ومتى ما قصدت تفهيم معنى العبد جئت بلفظة المولى إذا لا يوجد إشكال في بحث الاشتراك توجد هنا قضيتان شرطيتان شرط إحداهما غير شرط الأخرى فليس الشرط واحداً لكي يحصل التدافع بين الجزائين كما حصل في الصيغة الأولى.
فهنا إذا تحقق الشرط قصد إيراد معنى الحيوان المفترس أسد الغابة وحينئذ أي لفظ يورده هنا صار الشرط واحد إذا قصد تفهيم المعنى، الجزاء صار متعدد هل هو يورد لفظ أسد؟ أو ليث أو أسامة أو سميدع؟ فهنا يحصل التهافت في الجزاء فالشرط واحد في الشرطيتين أو الشرطيات لأن الوضع حينما أراد وضع لفظة أسد قصد معنى الحيوان المفترس وقال متى ما قصدت تفهيم معنى الحيوان المفترس فإني آتي بلفظة أسد، ثم بعد ذلك يقول متى ما قصدت تفهم معنى الحيوان المفترس أتي بلفظ السبع ليث سميدة.
أن يتعهد المتكلم أنه متى ما أتى باللفظ يأتي بمعناه يقول هكذا أتعهد أنني متى ما أتيت بلفظ المولى فإنني أقصد معنى السيد إذا لم أقصد معنى العبد، وهكذا بالنسبة للمعنى الثاني يقول المتعهد هكذا الوضع أتعهد متى ما أوردت لفظ المولى فإنني أقصد تفهيم معنى العبد إذا لم أقصد معنى السيد فالجزاءات والجزاءان لا يكونان مطلقان بل مقيدان.
وهكذا بناء على الصيغة الثانية أن المتكلم يتعهد أنه متى ما قصد تفهيم المعنى يأتي باللفظ، قلنا المشكلة أين تكون؟ في الترادف هنا نقيد الإطلاق هكذا يقول يقول الواضع بالنسبة إلى اللفظ المترادف مثل ماذا؟ أسد وسميدع وليث وسبع يقول هكذا: متى ما قصدت تفهيم معنى الحيوان المفترس فإنني آتي بلفظ أسد إذا لم أرد الإتيان بلفظ ليث وسبع إلى آخره هنا يقيد الإطلاق.
وبالتالي فلو فرض أن الوضع الثاني نسخ إطلاق الوضع الأول وقيده بأن قال الواضع أقيد وضعي الأول بأنه متى ما أتيت بلفظ المولى أريد السيد متى؟ لكن فيما إذا لم أكن قد أردت العبد أو فيما إذا أقمت قرينة صارفة عن العبد فبمثل هذا التخريج يرتفع التدافع.
اتضح أن الاشتراك ممكن والترادف ممكن أيضاً حتى بناءً على مسلك التعهد وأن التدافع بين الجزائيين قابل للحل، وفي بحث الاشتراك يحصل التدافع في خصوص الصيغة الأولى دون الصيغة الثانية وفي الصيغة الأولى يرتفع التدافع بتقييد الإطلاق مع التحفظ على أصل الاشتراك.
الجهة الثالثة استعمال اللفظ المشترك في كلا معنييه في آن واحد يأتي عليه الكلام.