45/04/22
الموضوع: الاشتراك اللفظي
دعوة ضرورة الاشتراك، فالألفاظ المشتركات موجودة في اللغة العربية فلفظ العين مثلاً يستعمل في معنى الأسد ويستعمل في العين الجارية ويستعمل في العين الباصرة ويستعمل في الإطلاق على الجاسوس ويستعمل في الإطلاق على الركبة حتى قال بعضهم لعله لها سبعين معنى.
فالاشتراك أن يكون اللفظ واحداً والمعنى متعدداً في مقابل الترادف أن يكون معنى واحدة والأسماء متعددة كالأسد ملك الغابة فإن معناه واحد لكن يطلق عليه أسد ويطلق عليه سميدع ويطلق عليه ليث ويطلق عليه أسامة فيقال هذه الألفاظ مترادفة.
فالترادف عبارة عن تكثر الألفاظ ووحدة المعنى والاشتراك عبارة عن وحدة اللفظ وتعدد المعنى، والبحث في الجهة الأولى عن ضرورة والاشتراك في اللغة، فما هو الدليل على وجوب ولزوم وقوع الترادف في اللغة؟
إن المعاني التي يتصورها الذهن غير متناهية بينما الألفاظ الموضوعة لأداء تلك المعاني متناهية فيضطر الإنسان الاجتماعي لاستخدام لفظ واحد في عدة معاني وأكثر من معنى لأنه لا يستطيع أن يستوعب المعاني اللامتناهية بألفاظٍ متناهية.
ففي مقام التعبير عن المعاني المتناهية يضطر الإنسان الاجتماعي إلى استخدام الألفاظ المتناهية في أكثر من معنى، وهذا معنى ضرورة وقوع الاشتراك في اللغة.
والحال أن الإنسان متناهي وليس لا متناهي ولا يصدر من المتناهي إلا متناهي وبما أن الإنسان متناهي فحينئذ يستحيل صدور أوضاع غير متناهية من هذا الإنسان المتناهي. نعم، يصدر من الإنسان المتناهي أوضاع متناهية موازية لمعانٍ متناهية.
وبالتالي لا ضرورة إلى الاشتراك ولا يجب الاشتراك لأن المعاني المشمولة للوضع ليست المعاني اللامتناهية بل المعاني المتناهية وفي مقابل المعاني المتناهية ألفاظ متناهية بقدرها فلا حاجة إلى الاشتراك فضلاً عن دعوى ضرورة الاشتراك.
فلو افترضنا جدلاً أن المعاني اللا متناهية عددها عشرة والألفاظ خمسة ونريد أن نستوعب المعاني العشرة اللا متناهية بالألفاظ الخمسة المتناهية فلا ضرورة لإصدار عشرة أوضاع وعشرة ألفاظ لتلك المعاني العشرة الغير متناهية هذا يتم بالكيفية الأولى وهي الوضع التفصيلي.
ولكن يمكن الالتزام بالكيفية الثانية بأن يضع الوضع خمسة ألفاظ فقط ولكن هذه الألفاظ الخمسة تستوعب المعاني العشرة ويحصل الاشتراك، وذلك عن طريق استخدام طريقة الوضع العام والموضوع له خاص.
فمثلاً هذه المعاني العشرة نجد أن خمسة منها يمكن أن نجعل لها جامعاً معيناً يعمها ونضع لفظاً يدل على تلك المعاني الخمسة فيكون الوضع واحداً بلفظ واحد لكنه يدل على المعنى الجامع للمعاني الخمسة الموجودة ضمن العشرة التي افترضنا أنها غير متناهية.
فإذا أخذنا خمسة من المعاني وانتزعنا منها جامعاً ووضعنا اللفظ لأفراد هذا الجامع فحينئذ يصبح لهذا اللفظ خمسة معاني بعملية وضع واحدة وأصبح هذا اللفظ مشتركاً بين المعاني الخمسة فلم يلزم صدور عشرة أوضاع لعشرة معاني بل صار الوضع أقل قد نلتزم بوضعين لعشرة معاني كل خمسة لها وضع واحد.
وهذا نقوله مهما كبر عدد العشرة إلى أن يصل إلى غير المتناهي حقيقة فبالإمكان أخذ كميات كبيرة من المعاني غير المتناهية وننتزع منها جامعة ونضع اللفظ بإزاء ومقابل هذه الأفراد على وجه الإجمال بنحو الوضع العام والموضوع له خاص.
الوضع العام يعني وضع اللفظ للجامع، الموضوع له خاص هذه الأفراد المتعددة.
وبالتالي لا يلزم أن يصدر من الإنسان المتناهي أوضاع غير متناهية المعاني اللا متناهية بل يكفي في المقام صدور أوضاع متناهية على طريقة الوضع العام والموضوع له الخاص لمعاني غير متناهية فلا يتم الوجه الذي ذكره صاحب الكفاية ـ رضوان الله عليه ـ .
فالإنسان إشباعاً لحاجته الإنسانية يستعمل هذه الألفاظ في معانيها، ومن الواضح أن الإنسان متناهي، ويستحيل أن تكون للإنسان حاجات استعمالية غير متناهية وإلا لزم صدور غير المتناهي وهي الاستعمالات من المتناهي وهو الإنسان وهذا محالٌ.
ومن الواضح أن الحاجة الاستعمارية الفعلية للإنسان متناهية لأن الإنسان متناهٍ وحاجته فعلاً لاستعمال اللفظ فعلاً في هذه المعاني فعلاً هذه حاجة متناهية وليست غير متناهية هذه الكيفية الأولى.
فمثلاً لو فرض أن المعاني الغير متناهية هي عشرة فنقول: لا يمكن أن يحتاج الإنسان إلى عشرة معاني لأننا قد افترضنا جدلاً وفرضاً أن المعاني العشرة لا متناهية فكيف يحتاج الإنسان المتناهي فعلا إلى عشرة معاني غير متناهية؟ هذا بلحاظ حاجة الإنسان الاستعمالية الفعلية.
ولكن بلحاظ إمكان احتياج الإنسان إلى هذه المعاني في المستقبل ولو بنحو البدل فهذا الإمكان متحققٌ وتوجد حاجة استعمالية للإنسان بنحو البدل ويمكن أن تكون هذه المعاني غير متناهية.
إذاً فرقٌ كبيرٌ بين الحاجة الاستعمارية الفعلية التي هي متناهية وبين الحاجة الاستعمارية التبادلية يعني إمكان الاحتياج إلى معنى ولو باستعمال بدله هذا الإمكان للمعاني التبادلية غير متناهية يمكن أن يحتاج عشرة أو أكثر من عشرة.
وبالتالي ما هو ملاك الوضع؟ هل ملاكه الحاجة الاستعمالية الفعلية أو ملاكه إمكان الاحتياج ولو بدلاً فإن كان ملاك الوضع الحاجة الفعلية للاستعمال تم كلام صاحب الكفاية الإنسان متناهي وحاجته الفعلية متناهية فلا يمكن أن يستخدم المتناهي على غير المتناهي.
وأما لو كان ملاك الوضع هو إمكان الاحتياج ولو بدلاً وليس الحاجة الاستعمالية الفعلية فحينئذ يعقل أن تكون الحاجة الاستعمالية متناهية.
فما أفاده صاحب الكفاية ـ رحمه الله ـ من أن دائرة الحاجات الاستعمالية متناهية غير تاماً لأن البرهان إنما يثبت أن دائرة فعلية الحاجة متناهية، وأما دائرة إمكان الحاجة على سبيل البدل فهي أوسع من دائرة الحاجة الفعلية فلعلها تكون غير متناهية.
فإذا ركنا إلى الوجدان فإن الإنسان المتناهي يستخدم ألفاظ متناهية في معاني متناهية.