45/04/20
20 ربيع الثاني 1445
الموضوع: جلسة 100.المقدمة-الصحيح و الأعم-الجهة السادسة تحقيق المسألة بناءً على وضع ألفاظ المعاملات للأسباب دون المسببات
تقدم الكلام وقلنا أسماء المعاملات إذا كانت موضوعة للمسبب فحينئذ ينغلق البحث في الصحيحي والأعمي وأما إذا كانت المعاملات موضوعة للسبب فينفتح البحث.
هل أن أسماء المعاملات موضوعة لخصوص الصحيح أو الأعم؟ وهذا ما سنبحثه في الجهة السادسة وسيتضح أننا لو التزمنا بأن أسماء المعاملات موضوعة للأسباب فإن الصحيح أنها موضوعة للأعم دون خصوص الصحيح.
إذاً نحن في الجهة السادسة نفترض أصلاً موضوعي وهو أن أسماء المعاملات موضوعة للأسباب دون المسبب إذ لو بنيناه على أن أسماء المعاملات موضوعة للمسببات فحينئذ سينغلق البحث، فلكي نفتح البحث نفترض أصلاً موضوعاً وهو أن أسماء المعاملات قد وضعت للأسباب دون المسببات، فيقع الكلام والبحث في أن الصحيح هو ما ذهب إليه الصحيحي أو ما ذهب إليه الأعمي.
ومن هنا يقع الكلام في مقامين:
فهل أخذت الصحة الشرعية أو العقلائية في أسماء المعاملات أو لا؟
ولنشرع في المقام الأول الصحة الشرعية ولا شك ولا ريب أن الصحة الشرعية لم تؤخذ في المعنى الموضوع له أسماء المعاملات لأن ظاهر حال الشارع بما هو فرد من مجتمع له لغته وأعرافه وقوانينه وأحكامه أنه يمضي هذه اللغة من جهة وهذه الأعراف والقوانين من جهة أخرى.
إذاً يوجد أمران في ظاهر حال الشرع:
ومن الواضح أن الشارع عند مجيئه كانت هناك لغة عند العرب تستعمل مفردات مثل البيع الرهن الإجارة وغير ذلك في معانيها هذا من جهة.
ومن جهة أخرى هناك أحكام تترتب على البيع والإيجار والرهن في تلك البيئة العربية فتارة يكون البيع صحيحاً وتارة يكون فاسداً بحسب عرف ذلك الزمان.
فهذه المعاملات تتألف من أجزاء وشرائط أقرها ذلك المجتمع الذي يكون الشارع المقدس فرداً منه، وظاهر حال الشارع أنه أمضى كلتا الجنبتين:
ففي اللغة أمضى تسمية أسماء المعاملات على طبق التسمية اللغوية فيستعمل لفظ البيع في نفس المعنى الذي كان يستعمل فيه العرب لفظة البيع، ويمضي ما يراه العرف حلالاً أو حراماً.
وبحسب الجنب الثانية فظاهر حال الشارع أنه أمضى أعراف وقوانين وأحكام ذلك المجتمع بقرينة عدم الردع، ولو لم يكن يمضيها لردع عنها.
وهكذا فإن الشارع قد أمضى البيع لكنه نهى عن البيع الضرري أو البيع عن إكراهٍ، وبالتالي نتمسك بظهور استخدام الشارع للبيع في نفس معنى البيع لكننا نرفع اليد عن حكم البيع في البيع الذي نهى عنه كالبيع الضرري أو البيع عن إكراهٍ.
فقوله تعالى: ﴿أحل الله البيع وحرم الربا﴾ قد أمضى تسمية البيع والربا معاً لكنه أمضى حكم البيع وردع عن حكم الربا، وهذا الظهور يكون دليلاً على أن الشارع لم يتصرف تصرفاً لغوياً جديداً في هذه الألفاظ ولم يؤسس هذه الألفاظ فدور الشارع في المعامل ليس دور التأسيس لألفاظ ومفردات المعاملات بل دور الشارع في المعاملات هو دور الإمضاء لما كان عليه العرف القائم آنذاك ولما عليه العقلاء في اللغة.
فإذا أمضى جرينا على ما جرى عليه العقلاء، وإذا ردع لم يثبت ما جرى عليه العقلاء، إذاً لم تثبت الصحة الشرعية فالشارع المقدس لم يأخذ الصحة الشرعية كقيد في مسمى المعاملات فعنوان ومسمى المعاملات ليس مأخوذاً فيه الصحة الشرعية، وبالتالي أسماء وعناوين ومسميات المعاملات هي موضوعة للأعم من الصحة الشرعية والفاسد الشرعي.
المقام الثاني الصحة العقلائية فكما أن الصحة الشرعية لم تؤخذ في مسمى المعاملة فكذلك الصحة العقلائية لم تؤخذ في مسمى المعاملات فلفظ البيع بناءً على وضعه للسبب هو موضوع لطبيعي الإنشاء الجامع بين الحصة الصحيحة عقلائياً والحصة الفاسدة وغير الصحيحة عقلائياً.
وتقريب هذه الدعوة هو أن وضع اللفظ لخصوص الصحيح عقلائياً له أحد وجهين كل منهما ليس بتام، فما هو الوجه في أخذ الصحة العقلائية في أسماء المعاملات؟
وجهان:
فمثلاً لفظ البيع موضوع لواقع مبادلة المال بعوضٍ إذا توفر الإيجاب والقبول وتتابعهما والاختيار فقيد الصحة وشرط الصحة لم يؤخذ كقيد في مسمى البيع بل وضع لفظ البيع لواقع الأجزاء المقومة لمصطلح البيع، هذا الوجه الأول.
وكلا هذين الوجهين لا يخلو عن إشكالٍ.
فمثلاً لو كان لفظ البيع موضوعاً عند العقلاء لواقع البيع المؤلف من أجزاء أربعة ثم تغير إلى أجزاء خمسة كما لو زاد جزءً أو تغير إلى أجزاء ثلاثة فيما لو نقص جزء فكل المعاملات من بيع أو رهن أو إجارة على امتداد عمود الزمان تتغير أجزاؤها وشرائطها بحسب أعراض ذلك المكان والزمان.
فإذا التزمنا أن لفظ المعاملة موضوع لواقع المعاملة الصحيحة وقد تغير واقع المعاملة الصحيحة فهذا يلزم منه تغير ألفاظ المعاملة بحسب تغير واقعها أي يلزم منه تعدد الوضع تبعاً لتغير حكم عقلاء لأن المحاكم العقلائية تتغير مع مرور الزمان وتشترط شروط أو وقد تلغيها وقد تزيد عليها فيلزم من ذلك أن يتغير الوضع تبعاً لتغير أحكام العقلاء.
ومن المعلوم وجداناً أن الوضع اللغوي ثابتٌ ومستقرٌ ولا يناسبه تغير وتبدل في عالم التشريع وعالم الصحة والبطلان فالوجه الأول ليس بتامةٍ وبعيدٌ غاية البعد إذا لم يثبت الوجه الأول أن أسماء المعاملات موضوعة لواقع المعاملة الصحيحة.
هذا لا يرد عليه ما ورد على الوجه الأول من لزوم التغير لأن مفهوم الصحة مفهوم واحد ومحفوظ في جميع الحالات وإنما الاختلاف في المصاعد فمفهوم الصحة تارة ينطبق على أربعة أجزاء وتارة على ثلاثة وتارة على خمسة فلا يلزم بناء على الوجه الثاني لزوم تعدد الوضع وتغير اللغة تبعاً لتغير الأحكام العقلائية.
ولكن يلزم على الوجه الثاني لازم لا يمكن الالتزام به وهو أن يكون مفهوم الصحة مستفاداً من نفس لفظ البيع فإذا قلت بيعٌ رهنٌ إيجارٌ فهذا يعني بيع صحيح إيجار صحيح رهن صحيح فتستفاد الصحة العقلائية من نفس أسماء المعاملات لأن الصحة العقلائية قد أخذها العقلاء كقيد وشرط في مسمى وعنوان المعاملة.
وكذلك في المقام معنى المعاملة كالبيع والرهن والإيجار والمضاربة شيء ومعنى الصحة شيء آخر فالصحة لا تستفاد من لفظ الصلاة والصوم كما لا تستفاد من لفظ البيع والرهن ونحوها من ألفاظ العبادات والمعاملات.
ولا يتبادر معنى الصحة من هذه الألفاظ بالوجدان، وهذا لا يحتاج إلى برهان.
تريدون منبه وجداني؟ إذا اجتمعنا لزواج وواحد بعقدون له ما جابوا شيخ يعقد إليه قام هو بيعقد أو أبوه بيعقد الناس يقولون هذا الولد أو الأبو، يسون عقد صحيح لو باطل يعرفون لو ما يعرفون فيطلقون عقد النكاح على الأعم من الصحة والفاسد.
هذا منبه وجداني على أن قيد الصحة لم يؤخذ عقد النكاح، وأن عنوان ومسمى النكاح لم يؤخذ فيه الصحة فلو كان لفظ البيع أو المعاملة موضوعاً لمفهوم الصحيح عند العقلاء للزم الترادف بين لفظ المعاملة والصحة العقلائية، وهو خلاف الوجدان ولا يحتاج إلى برهان.
إذا ثبت أن كلا الوجهين ليس بتام فالمعاملة لم يوضع اسمها لواقع المعاملة الصحيحة كما عليه الوجه الأول، ولم تؤخذ الصحة العقلائية كقيدٍ وشرط في المعاملة، وبالتالي لم يثبت أن أسماء المعاملات بناءً على وضعها للأسباب أنها موضوعة لخصوص الصحيح منها،
فنلتزم بأن أسماء المعاملات موضوعة للجامع بين الصحيح والفاسد، فمهما تغيرت أحكام العقلاء وشروطهم فاسم المعاملة ثابتٌ وبهذا يتضح أن الحقّ هو أن أسماء المعاملات كأسماء العبادات موضوعة للصحيح والأعم لا لخصوص الصحيح، والله العالم.
الجهة السابعة يأتي عليها الكلام.