45/04/19
19 ربيع الثاني 1445
الموضوع: جلسة99. الجهة الخامسة التعويض عن الإطلاق اللفظي بإطلاق لبي
ذكرنا بالنسبة إلى أسماء المعامل فتارة نبني على الصحيح وتارة نبني على الأعم وقلنا بناء على الصحيح لا يمكن تمسك بالإطلاق اللفظي وأما بناء على الأعم فإنه يمكن التمسك بالإطلاق اللفظي فيما إذا كانت أسماء المعاملات موضوعة للأسباب لا ما إذا كانت أسماء المعاملات موضوعة للمسببات.
إذا في موردين لا يمكن التمسك بالإطلاق اللفظي:
فهل يمكن تعويض الإطلاق اللفظي في هذين الموردين بإطلاق اللبي؟ فنتمسك بالإطلاق اللبي لتصحيح المعاملة عند الشكّ في جزئية جزء أو شرطية شرطٍ بناءً على الصحيح أو بناء على الأعم سواء التزم أن أسماء المعاملات موضوعة للأسباب أو المسببات.
تقريب الإطلاق اللبي على نحوين:
وسيتضح إن شاء الله أن كلا النحوين قابل للمناقشة.
إذا قال المولى: ﴿أحل الله البيع﴾[1] فهذا يعني أنه أحل السبب الصحيح للبيع شرعاً ولكن كلامه يكون مجملاً بالنسبة إلى الأسباب لأن السبب الصحيح شرعاً غير معلوم خارج فلا تعلم حدوده وأجزاؤه وشرائطه لأن البيع قد يكون لفظياً وقد يكون فعلياً وهذا سبب آخر وقد يكون عن اختيار وقد يكون عن إكراه فلفظ <أحل الله البيع> مجمل بلحا الأسباب المختلفة المحققة للبيع.
فإذا كان غرض المولى من إصدار هذا الكلام هو بيان الكلام وطرحه على إجماله فهذا لغو لأن المولى حكيم وهو في مقام بيان مراده الجدي.
إن المولى حكيم فإذا أطلق لفظ المعاملة ولم يبين سببها فهذا يعني أنه ارجع إلى العقلاء لمعرفة السبب الصحيح للمعاملة إذ أن المولى إما أن يتعمد الإجمال وهذا خلاف حكمته، وإما أن يقصد التوضيح والبيان ولا يوضح فهذا يعني أنه أمضى ما مضى عليه العقلاء وأمر بالرجوع إليه فنتمسك بهذا الإطلاق اللبي لتصحيح جميع أسباب البيع.
وهذا ما نعلمه من الخارج إذ أننا نعلم من الخارج صحة البيع اللفظ المشتمل على الإيجاب والقبول والموالاة، ونعلم صحة البيع من البالغ العاقل الرشيد، ونعلم صحة البيع من المختار، فلا معنى لأن نقول لأجل عدم لغوية <أحل الله البيع> نلتزم بصحة جميع الأسباب المتيقنة والمشكوكة معاً بل لرفع إشكال اللغوية يكفي أن نحمل اللفظ المطلق <أحل الله البيع> على الأسباب المتيقنة عند العقلاء دون الأسباب المشكوكة.
وبهذا المقدار يرتفع مقدار اللغوية ما يصير بيان <أحل الله البيع> لغواً بل يكون واضح غاية ما في الأمر لا بد من الاقتصار على القدر المتيقن من الأسباب وبهذا ترتفع اللغوية.
ولا تقل لفظ <أحل الله البيع> مطلق فنتمسك بالإطلاق فإننا نقول هذا إطلاق لفظي وهذا ليس هو موطن بحثنا موطن بحثنا التمسك بالإطلاق اللبي الذي لا لسان له وليس موطن بحثنا التمسك بالإطلاق اللفظي.
والجواب ارتفاع اللغوية يتم بالحمل على خصوص الأسباب المتيقنة دون الأسباب المشكوكة.
إن المولى هو في مقام بيان هو الصحيح عنده لأن الشارع المقدس لا يشرع الأحكام لكي تبقى في ظهر الغيب وإنما هو في مقام إيصال الأحكام إلى العباد لكي يجروا على طبقها فإذا افترضنا أن ظاهر حال المولى أنه في مقام بيان ما هو الصحيح عنده؟ ونلتفت خارجاً فنجد أن المولى لم يبين شيئا من الأسباب وإنما اقتصر على قوله تعالى: ﴿أحل الله البيع﴾ من دون أن يتعرض إلى البيع الصحيح عنده بحدوده وأجزائه وشرائطه فيستكشف من ذلك وهو عدم بيان شيء مخصوص هو أن الشارع قد أحال على العرف.
وهذه قاعدة معروفة أنه إذا جاء حكم وله موضوع فتارة يتصدى الشارع لبيان الموضوع فهو موضوع شرعي مستنبط وتارة لا يتصدى لبيان الموضوع أي أنه أحال إلى العرف فنرجع إلى العرف لمعرفة الموضوع.
مثلاً: الغناء حرام، الموسيقى حرام، فتارة المولى يعرف الموسيقى المحرمة أو يعرف الغناء المحرم يصير موضوع مستنبط وتارة لا يحدد معنى الغناء هل هو خصوص الصوت المشتمل على الترجيع؟ كما عليه القدماء أو هو الصوت المناسب لمجالس أهل اللغو والفسوق أهل اللهو والفسوق أو هو الصوت المشتمل على الطرب فحينئذ لا بد من ملاحظة العرف وما يفهمه العرف من معنى أو معنى الموسيقى.
هنا أيضاً في المعاملات الله عزّ وجل قال: ﴿أحل الله البيع﴾ وهو قطعا يريد البيع الصحيح عنده لكنه لم يحد حدود البيع الصحيح واجزاء البيع الصحيح وشرائط البيع الصحية فهذا يعني الحوالة على العرف فيستكشف من عدم ذكره لحدود البيع الصحيح أنه أحال على العرف العقلائي في مقام بيان مرامة وتشخيص ما هو الصحيح عنده.
والنحو الثاني والتقريب الثاني يختلف عن التقريب الأول في أنه لا يدعى لغوية الخطاب في التقريب الثاني بخلاف التقريب الأول فإنه يدعى لغوية وصون خطاب المولى عن اللغوية لكن في التقريب الثاني يدعى ظهور حالي سياقي وهو ظهور حال المولى في أنه في مقام بيان ما هو الصحيح عنده والحال أنه لم يصدر منه سوى قوله: ﴿أحل الله البيع﴾ وسكت عن بيان حدود هذا البيع وشؤونه.
فسكوته عن بيان الحدود مع كون ظاهر حاله أنه في مقام بيان ما هو الصحيح عنده فيستكشف من ذلك أنه أحال على العرق، ولو لم يحل على العرف لكان يجب عليه أن يتصدى لبيان ما هو الصحيح عنده ببيان مستقل.
احتمالان لا ثالث لهما.
فإن كان ظاهر كلامه هو الاحتمال الأول أنه بشخص كلامه الواحد <أحل الله البيع> هو في مقام بيان الصحيح عنده فهذا الإطلاق المقامي تام، ويمكن التمسك بالإطلاق المقامي لتصحيح أسباب المعاملة.
لكن أنى لنا أن نثبت ذلك فمن قال أنه بمجرد صدور خطاب ﴿أحل الله البيع﴾ نستكشف أن المولى تبارك وتعالى يريد بيان البيع الصحيح عنده بشخص هذا الخطاب فقط ولم يتطرق في خطابات أخر إلى الأجزاء والشرائط والحدود المعتبرة في البيع.
فإذا لاحظنا مجموع ما ورد في البيع وليس في ما يشير إلى شرطية شرط أو جزئية جزء أو حدّ حدّ فحينئذ يمكن التمسك بالإطلاق المقامي.
ولكن إذا شكّ ولم يدرى هل وجد في مجموع كلامه ما يدل على البيان ولكنه لم يصل إلينا فإذا احتملنا صدور بيانات تدل على اعتبار التلفظ مثلاً في المعاملة أو اعتبار الاختيار دون الإكراه لكن لم يصل إلينا فحينئذ لا يمكن إحراز هذا الإطلاق المقامي لأن هذا الإطلاق المقامي يتوقف سكوت المولى في مجموع كلماته لا على السكوت في شخص كلام واحد أو كلامين كقوله: ﴿أحل الله البيع﴾ فمثل هذا الإطلاق المقامي لا يفي بغرض الفقيه ولا يعوض عن الإطلاق اللفظي في المقام.
فاتضح إذا أن كلا التقريبين للإطلاق اللبي لا يمكن التمسك بهما، التقريب الأول التمسك بملاك دلالة الاقتضاء العقلية وحفظ كلام الحكيم عن اللغوية، الثاني هو التمسك بالإطلاق المقامي كلاهما ليس بتام.
وهذا مطلب مستقل غير مرتبط بباب الإطلاق لا يرتبط لا بباب الإطلاق اللفظي ولا بباب الإطلاق المقامي وإنما يرتبط بالسيرة العقلائية التي هي دليل لبي وليست دليلاً لفظياً هذا تمام الكلام في الجهة الخامسة.
الجهة السادسة يأتي عليها الكلام.