45/03/24
الموضوع: الصحيح و الأعم - ثمرة النزاع - أنحاء الجامع البسيط
أن يكون الجامع البسيط مشككاً بنحو يكون له مراتب من الشدة والضعف كالحمرة والصفرة فإنها تتفاوت في شدتها فإذا علمنا بأن المراتب الضعيفة للصلاة تتحقق بتسعة أجزاء وأن المراتب الشديدة تتحقق بعشرة أجزاء وشكّ بأن الغرام هل تعلق بمطلق هذا الجامع البسيط أو بخصوص مرتبته الشديدة؟
ففي مثل ذلك يدخل المورد في موارد دوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين.
أن تعلق التكليف بأصل الجامع البسيط معلوم لكن تعلق التكليف بخصوص المرتبة الشديدة غير معلوم، فيكون الشكّ شكاً في أصل وجوب العاشر الذي يمثل المرتبة الشديدة فتجري البراءة عن وجوب المرتبة الشديدة فينفى الجزء العاشر.
إذاً تجري البراءة عن وجوب المرتبة الشديدة من دون فرقٍ بين أن يكون هذا الجامع المشكك مسبباً عن الأجزاء وفي طولها كما يقول صاحب الكفاية أو منطبق عليها أو موجوداً بوجود أجزائها فإنه لا يفرق في ذلك في جريان البراءة كما فرق صاحب الكفاية ـ رضوان الله عليه ـ .
النحو الأول وهو أن يكون الجامع بسيطاً وله مراتب من الشدة والضعف نقتصر على القدر المتيقن وهو المرتبة الضعيفة وتجري البراءة عن القدر المشكوك وهو المرتبة الشديدة، فالنحو الأول لا شكّ أنه مورد لجريان البراءة الشرعية وليس من موارد جريان أصالة الاشتغال.
أن يكون الجامع البسيط غير مشككٍ ويكون مسبباً عن الأجزاء بمعنى أنه موجودٌ بوجودٍ مغايرٍ لوجود الأجزاء وفي طولها كعنوان القاتل أو الموت الذي هو في طول الضرب، وحينئذٍ لا شكّ ولا ريب أن المورد من موارد جريان أصالة الاشتغال لأن الوجوب قد تعلق بالمسبب لا السبب فالمولى قد أوجب القتل أو الموت وهو مسببٌ ولم يوجب وهو الضرب، فإذا شككنا هل أن هذا الضرب المبرح يؤدي إلى الموت أو القتل أو لا؟ فهذا من الشك في المحصل فهل مثل هذا الضرب يحصل القتل أو الموت أو لا؟
فهنا تجري قاعدة الاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني فالوجوب تعلق بالمسبب لا السبب ولا تقل هذا من موارد دوران الأمر بين الأقل والأكثر فان مورد دوران الأمر بين الأقل والأكثر إنما هو السبب لا المسبب ومورد بحثنا في المحور الثاني هو المسبب الذي هو مورد لجريان أصالة الاشتغال.
أن يكون الجامع البسيط غير مشكك وموجوداً بوجود الأجزاء ويحمل عليها بالحمل الشايع لا أنه موجود بوجود طولي مغاير لها كما في النحو الثاني بل ينتزع من الأجزاء بلحاظ حيثيةٍ خارجية عرضية كعنوان المؤلم فإنه عنوانٌ بسيط منتزع عن نفس الضربات ويصح حمل عنوان المؤمن على الضربات بالحمل الشائع، فيقال: هذا الضرب مؤلم يعني نفس الضرب مؤلمٌ، وهذا العنوان منتزع بلحاظ جهة وجودية خارجية وهي حيثية قيام الألم في نفس المضروب.
النحو الثالث من موارد جريان أصالة الاشتغال وليس من موارد جريان أصالة البراءة خلافاً لصاحب الكفاية ـ أعلى الله في الخلد مقامه ـ .
أن يكون الجامع البسيط غير مشككٍ وموجوداً بعين وجود الأجزاء كما في النحو الثالث لكنه ليس منتزعاً عنها بلحاظ جهة عرضية كما في النحو الثالث بل هو منتزعٌ عن مرتبة ذات الأجزاء بحيث أنه ذاتي لهذه الأجزاء وتكون نسبته إليها كنسبة الإنسان إلى زيد مثلاً ففي مثل ذلك يتم ما أفاده صاحب الكفاية ـ رحمه الله ـ من أنه يكون مجراه للبراءة.
يراجع حقائق الأصول للسيد محسن الحكيم الجزء الأول صفحة وخمسين،[1] وتراجع هذه الأنحاء الخمسة في تقرير الشيخ حسن عبد الساتر بحوث في علم الأصول الجزء الثاني من المجلد الأول صفحة أربعة وأربعين إلى ستة وأربعين. [2]
عنوان الإنسان المنتزع من زيد وعبيد وكاظم وعدنان وسرحان ومن الواضح أن عنوان الإنسان مفهوم ذاتي لهذه الأفراد والمصاديق المختلفة لأن الإنسان نوع والنوع من الذاتيات كما قرأنا في كتاب الكليات الخمس من المنطق، هذا العنوان وهو الإنسان جامعٌ وماهية بسيطة قد تعلق بها الوجوب يجب أن تكون إنساناً غاية ما في الأمر وقع الشك هذا الإنسان كمحمد ـ صلى الله عليه وآله ـ الذي هو المرتبة العليا أو كأبي سفيان الذي هو المرتبة الدنيا كالحسين بن علي الذي هو في المرتبة العليا أو كشمر بن ذي الجوشن الذي هو في المرتبة الدنيا فهذه الماهية البسيطة وهي الإنسان قد تعلق بها الوجوب والشك بين الأقل والأكثر غير متصور لأن نفس الماهية وهي الإنسانية بسيطة وليست مركبة حتى تدور بين الأقل والأكثر فالبسيط لا يعقل فيه الأقل والأكثر.
والمفروض أن هذا العنوان عنوان الإنسان ذاتي لهذه الوجودات المتكثرة زيد وعبيد وكاظم وعدنان وقحطان فإذا كانت هذه الوجودات مرددة بين الأقل والأكثر راجع الأمر إلى تردد أمر الواجب وهو الماهية بين والأكثر فينفى الزائد بالبراءة.
يقول العارف الكبير آية الله السيد علي القاضي ـ رحمه الله ـ من واظب على الصلاة في أول وقتها ولم يصل إلى مراتب فليلعني، وقد سئل الشيخ بهجت ـ رحمه الله ـ في كتاب الناصح هل المراد بالصلاة في أول وقتها هي خصوص صلاة الخاشعين كصلاة أمثال السيد علي القاضي والشيخ بهجت وصاحب الميزان أو المراد مصداق الصلاة أقل مورد يصدق عليه عنوان صلاة، فقال الشيخ بهجت ـ رحمه الله ـ المراد الصلاة، حتى الصلاة العادية، حتى لو يسرح في صلاته، المهم تحافظ على صلواتك الخمس في أول وقتها وهذا قد يتصور أنه سهل ولكنه صعب خصوصاً صلاة الصبح.
فهنا ماهية الصلاة بسيطة فنفس الماهية لا يتصور فيها الأقل والأكثر نفس ماهية الصلاة بسيطة مؤلفة من تسعة أو عشرة أجزاء لكن وجوب الصلاة لم يؤخذ فيه ماهية الصلاة البسيطة بما هي هي؟ بل أخذ فيها الصلاة الفانية في وجوداتها الخارجية، والصلاة الخارجية منها صلاة الميرزا النائيني المستغرق في صلاته وخشوعه ومنها صلاة أكثر الناس التي إذا أراد يتذكر شي يروح يصلي حتى يتذكره.
النحو الرابع من موارد جريان البراءة لا الاشتغال.
أن يكون الجامع البسيط عنواناً بسيطاً اعتبارياً ومن المجعولات فهو ليس عنوان حقيقي بل هو عنوان اعتباري كعنوان الطهور الذي يصدق على الغسلات والمسحات، نحن الوضوء غسلتان عندنا ومسحتان والكتاب معنا فالغسلتان الوجه واليدين، والمسحتان الرأس والرجلين، فعندنا سبب وهو الغسلات والمساحات وعندنا مسباب وهو الطهور فالطهور أمر معنوي وليس مادياً لكنه مسبب عن سبب مادي وهي الغسلات والمسحات.
فالطهور أمر اعتباري معنوي جعله الشارع وطبقه على الغسل والمسحات، فيقال: لا صلاة إلا بطهور فلو تردد أمر الطهور بين الأقل والأكثر جرت أصالة البراءة عن الأكثر،
أن هذا الجامع البسيط كعنوان الطهور هذا الجامع لما كان أمراً اعتبارياً فيكون مجرد مشير إلى الواقع.
ففي لسان الدليل وإن وقع نفس العنوان البسيط كعنوان الطهور وقد وقع موضوعاً للوجوب ولكن بحسب التحليل عنوان الطهور ليس مصباً للوجوب بما هو لأنه بما هو هو أمر اعتباري صرف بل مصب الوجوب نفس الغسلات والمسحات والطهور عنوان مشير إلى الغسلات والمساحات فيكون من باب دوران الأمر بين الأقل والأكثر فتجري أصالة البراءة عن الزائد.
النحو الخامس مورد النجريان البراءة وليس من موارد جريان أصالة الاشتغال.
أنه بناء على كون الجامع تركيبياً تجري البراءة وبناءً على كون الجامع بسيطاً ففيه تفصيل فتجري البراءة في النحو الأول والرابع والخامس وتجري أصالة الاشتغال في النحو الثاني والثالث.
هذه الثمرة تامةٌ إلا أنها فقهية وليست أصولية، وخلاصتها أن الأعمي يمكن أن يتمسك بالإطلاق اللفظي بينما الصحيح لا يمكن أن يتمسك بالإطلاق اللفظي فكل من الصحيحي والأعمي يشتركان في جواز التمسك بالإطلاق المقامي لنفي ما يشك في جزئيته وشرطيته، ويختلفان في جواز التمسك بالإطلاق اللفظي فالأعمي يمكن أن يتمسك به دون الصحيحي.
ولتوضيح هذه الثمرة لابد من التمييز بين الإطلاق اللفظي والإطلاق المقام.
فإن المولى تارة يكون في مقام بيان جميع الأجزاء والشرائط كما لو كان في مقام بيان تمام أجزاء الصلاة وذكر تسعة أجزاء فيمكن أن نتمسك بالإطلاق المقامي لنفي جزئية الجزء العاشر وهكذا لو كان الإمام المعصوم ـ عليه السلام ـ في مقام بيان تمام موارد الخمس وذكر خمسة موارد فقط ولم يذكر المور السادس أو السابعة فيمكن أن نتمسك بالإطلاق المقامي لنفي وجوب المورد السادس أو السابع من الخمس.
بخلاف الإطلاق اللفظي فإن اللفظ له حالات فإذا أطلق المولى لفظاً من الألفاظ وشككنا هل أراد حالة خاصة أو أراد مطلق الحالات فحينئذ يمكن أن نتمسك بالإطلاق اللفظي لنفي خصوصية الحالة الخاصة.
لكن التمسك بالإطلاق اللفظي فرع ثبوت مقدمات الحكمة وهي أن المتكلم حكيم وكان في مقام تمام مراده الجدي ولم يوجد مانع يمنعه من بيان مراده الجدي كتقية أو ضرار وكان في مقام بيان مراده الجدي والحكم الشرعي وأطلق وقال: زيارة الحسين مستحبة، وشككنا هل المراد الاستحباب في خصوص حالة المشي الزيارة حال المشي أو مطلقة؟ أو الزيارة في خصوص ليلة الجمعة أو مطلقاً؟
فلنا أن نتمسك بالإطلاق اللفظي ونقول الإمام في مقام بيان تمام مراده الجدي ولو أراد حالة خاصة لنصّ عليها وحيث قد أطلق ولم ينص إذاً لم يرد هذا هو مفاد الإطلاق اللفظي ومقدمات الحكمة.
إن الصحيحي والأعمي يتفقان في جواز التمسك بالإطلاق المقامي إذا دلّ الدليل على أن المعصوم في مقام بيان تمام الأجزاء والشرائط أو جهة خاصة لكن الإطلاق اللفظي يجوز لخصوص الأعمي أن يتمسك به دون الصحيحي، فمثلاً: إذا شكّ بأن السورة بعد الحمد هل هي جزء من الصلاة أم ليست جزءً؟ يعني هل أجزاء الصلاة تسعة بدون السورة أو أجزاء الصلاة عشرة مع السورة؟
جاز للأعمي أن يتمسك بالإطلاق اللفظي ويقول لفظ صلاة مطلق وهذا اللفظ وهو لفظ الصلاة لم يؤخذ في مسماه السورة بل أخذ في مسمى الصلاة الأركان الخمسة أو الأجزاء السبعة والسورة ليست منها فعنوان الصلاة يصدق بلا سورة فيصح للأعمي أن يتمسى بالإطلاق اللفظي للفظ الصلاة.
وأما الصحيحي الذي يرى أن لفظ الصلاة لا يصدق ولا يطلق إلا على الصلاة الصحيحة دون الصلاة الباطنة فلا يصح للصحيحي أن يتمسك بإطلاق لفظ الصلاة لأن السورة على تقدير وجوبها تكون دخيلة في تحقق عنوان الصلاة، فالصلاة بلا سورة واجبة ليست بصلاة فجزئية السورة دخيلٌ في تحقق عنوان الصلاة عند الصحيحي وبدونها لا تكون هناك صلاة، وبالتالي تكون هذه الثمرة الفقهية واضحة.
مثلاً: الحج الفاسد واحد راح حج وجامع زوجته في أثناء العمرة في موارد الفساد فبناء على الصحيحي عنوان الحج ما يصدق عليه لأن من شروطه أن لا يأتي بما يفسد الحج بينما الأعمي الذي يرى أن ألفاظ العبادة أعم من الصحيح والفاسد يصدق عنوان الحج فيكفي لصدق عنوان الحج عرفة الحج عرفة يحضر عرفة والمشعر الحرام يكفي لصدق العنوان، وإفساد الحج بالجماع لا يضر بصدق عنوان الحج.
إن الصحيحي لا يمكن أن يتمسك بالإطلاق اللفظي بينما الأعمي يمكن أن يتمسك بالإطلاق اللفظي وإن اشتركا في جواز التمسك بالإطلاق المقامي هذا تمام الكلام في الجهة الرابعة واتضح أن هذه الثمرة الثانية ثمرة تامة وصحيحة لكنها ثمرة فقهية.
الموضوع:الجلسة91. الصحيح والأعم - هل أسامي العبادات موضوعه لخصوص الصحيح أم للأعم؟
الجهة الخامسة في تحقيق أصل المطلب وهو أنه هل أسامي العبادات موضوع بخصوص الصحيح أو للأعم من الصحيح والفاسد؟
اختار سيد أساتذتنا السيد أبو القاسم الخوئي ـ رحمه الله ـ أن أسماء العبادات موضوعة للأعم، وذكر للاستدلال على ذلك جملة من الرواية.
فما هو السر في ركون السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ إلى الروايات في هذه المسألة الأصولية مع أنه ينبغي تحقيق وتنقيح المسمى والجامع، فما هو مسمى العبادة؟
وقد أفاد سيدنا الأستاذ السيد كاظم الحائري ـ حفظه الله ـ وعافاه في تقرير بحث الشهيد الصدر[3] : بأن الذي يبدو من كتاب محاضرات أصول الفقه وهو تقرير المرجع الكبير الشيخ محمد إسحاق الفياض السيد الخوئي أن السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ لا يؤمن بالجامع بين الأفراد الصحيحة، ويؤمن بوجود جامع خصوص الأعم ففي الأعم من الصحيح والفاسد يوجد جامع، وأما في خصوص الصحيح لا يؤمن بوجود جامع، وبالتالي فإن السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ ليس بحاجة بعد ذلك إلى إقامة الدليل على الأعم نظراً لوجود جامع الأعم إذ بعد فرض عدم الإيمان بالجامع بين الأفراد الصحيحة والإيمان بوجود جامع للأعم من الصحيح والفاسد ينحصر الأمر في دعوة تسمية للأعم فكأنما الرجوع إلى الروايات إنما هو لتشخيص حدود الأجزاء والشرائط التي لا بد من تواجدها في المسمى لا لتشخيص أو أصل كون الصلاة اسماً للصحيح أو الأعم. [4]
وأفضل مثال نبحثه هو مثال الصلاة فهل لفظ الصلاة الوارد في الآيات والروايات موضوع لخصوص الصلاة الصحيحة المؤلفة من أحد عشر جزءً وعدة شرائط أو لفظ الصلاة موضوع للأعم من الصلاة الصحيحة والفاسدة وهكذا لفظ الحج هل هو موضوع لخصوص لفظ لخصوص الحج الصحيح أو موضوع للأعم من الحج الصحيح والحج الفاسد؟
اختار السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ أن لفظ الصلاة والحج وغيرهما من العبادات موضوع للأعم من الصحيح والفاسد.
والمتحصل من الروايات الواردة في كتاب الصلاة وأجزائها وشرائطها أن لفظ الصلاة موضوع للأركان الأربعة وهي تكبيرة الإحرام والركوع والسجود والطهور، فما هو مدرك هذه الأركان الثلاثة؟
أما بالنسبة إلى التكبير فقد دلت بعض الروايات على كون التكبير افتتاحاً للصلاة[5] ، كما أن الأركان الثلاثة الأخر وهي الركوع والسجود والطهور قد دل عليها جملة من الروايات ونصت على أن الصلاة ثلثها ركوع وثلثها سجود وثلثها طهور[6] .
لكن يقال أنه بدون تكبيرة الإحرام لا صلاة فتكبيرة الإحرام مدخلٌ لتحقق عنوان الصلاة فإذا تحقق هذا العنوان لابدّ من التأكد من تحقق أجزائه وهي الركوع والسجود والطهور.
إذاً كلام السيد أبو القاسم الخوئي ـ رحمه الله ـ ينحل إلى جهتين إحداهما سلبية والأخرى إيجابية.
سلبية وهي أن غير هذه الأمور الأربعة ليس دخيلاً في مفهوم الصلاة ومسماها فأي ليس فيها تكبير أو طهور أو ركوع أو سجود فلا يصح أن نطلق عليه مسمى الصلاة هذه جهة سلبية.
إيجابية وهي أن هذه الأمور الأربعاء التكبير والطهور والركوع والسجود دخيلة في مفهوم الصلاة ومسماها.
أما الجهة السلبية فهي موضع خلاف السيد الخوئي وبين القائلين بالصحيح، وأما الجهة الإيجابية فيتفق السيد الخوئي مع القائلين بالصحيح فكل منهما الصحيحي والأعمي يشترط في صدق مسمى الصلاة تحقق الأركان الأربعة فأي صلاة ليس فيها تكبير ولا ركوع ولا سجود ولا طهور ليست بصلاة بناءً على القول بالصحيح وبناءً على القول بالأعم فالجهة الإيجابية أي إيجاب الأجزاء والأمور الأربعة لمسمى الصلاة هذا مسلم عند الصحيحين وعند الأعمي.
لكن موطن الخلاف في الجهة السلبية فلا بدّ من بحث الدليل على الجهة السلبية، ودعوى السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ أن لفظ الصلاة وأمثالها من العبادات قد وضعت للأعم من الصحيح والفاسد وهذا مرهون بإثبات الجهة السلبية لا الجهة الإيجابية أي أن الصلاة التي لا تتوفر على التكبير والركوع والسجود والطهور لا يستحق مسمى الصلاة مع أنه ليس في كلام السيد الخوئي ما يدل على أن غير هذه الأربعة غير دخيل في مسمى الصلاة،
أن يقال أن غير هذه الأمور الأربعة ليس ركناً بمعنى أن الإخلال بغير الأربعة سهواً لا يبطل الصلاة وهذا يعني أن غير الأربعة ليس دخيلاً في مسمى الصلاة بحيث أنه لا صلاة بدون قراءة، لا صلاة بدون قيام، لا صلاة بدون تشهد أو تسليم، فيعرف أن مسمى الصلاة يتحقق إذا تحققت الأركان الأربعة التكبير والركوع والسجود والطهور، وما عدا هذه الأمور الأربعة فليس بدخيل في صدق مسمى وعنوان الصلاة.
ولكن هذا الوجه ليس بتام، وقد بينا وجه عدم التمامية حينما تطرقنا إلى تصوير الجامع على الصحيحي فمن قال أن من التزم أن أسماء العبادات موضوعة لخصوص الصحيح يقول أنه بمجرد سقوط جزء سهواً تبطل الصلاة فهذا لا يلتزم به بعض من قال بالصحيحي بل إن الصحيحي يدعي وجود جامع للصحيح عند التذكر فيقول القراءة والتشهد والتسليم واجب عند التذكر ومغتفر عند السهو والنسيان، فيقول هذه الأجزاء الأحد عشر غير الأركان دخيلة في المسمى ودخيلة في جامع العبادة عند التذكر، وفي حال النسيان فإن الصلاة تصح لو نسي القراءة أو لو نسي سجدة أو لو نسي التشهد.
ولو رجعنا إلى صحيحة حماد بن عيسى غريق الجحفة لوجدنا أن الإمام ـ عليه السلام ـ كان في مقام بيان ما له دخل في الواجب لا ما له دخل في المسمى.
ولا بأس نذكر هذه الرواية لترقيق القلب حماد بن عيسى غريق الجحفة من الفقهاء الكبار عاصر الباقر والصادق والكاظم ـ عليهم السلام ـ دخل على الإمام الكاظم ـ عليه السلام ـ قال يا ابن رسول الله ادع لي بزوجة وخادم ودار والحج في كل عام فرفع الإمام ـ عليه السلام ـ يديه إلى السماء، وقال: اللهم ارزقه زوجته وخادماً وداراً والحج خمسين سنة، قال: فلما قال خمسين سنة علمت أنني لا أعمر أكثر من خمسين سنة.
يقول: واستجاب الله دعائه فهذه الدار اشتريتها وزوجتي خلف الستار وهذا خادمي حججت نيفا وأربعين حجة إلى أن أكمل الخمسين فلما جاء العام الحادي والخمسون ذهب إلى الحج نزل الجحفة ميقات أهل الشام والمغرب لكي يغتسل ويعقد إحرامه فجاء السيل وجرفه فسمي بغريق الجحفة.[7]
هذا من الفقهاء الكبار أيام الإمام الباقر والصادق ـ عليه السلام ـ حماد بن عيسى هذا دخل على الإمام الصادق والكاظم هو من الكبار في الطبقة الوسطى الإمام الصادق والكاظم الفقهاء الكبار للباقرين زرارة ومحمد بن مسلم عموماً الشاهد هنا دخل على الإمام الصادق فقيه كبير قال: يا حماد قم وصلي صلاة الإمام قال: يا ابن رسول الله أنا احفظ كتاب حريز، حريز بن عبد الله السجستاني عنده كتاب خاص بماذا؟ بالصلاة.
أنا احفظ كتاب حريز يعني في صغري وشبابي كل كتاب حريز حافظنه.
فقال الصادق ـ عليه السلام ـ : لا عليك يا حماد قم وصلّ.
قام وصلى حماد فلما انفتل من صلاته، قال: ما أقبح بالرجل منكم يأتي عليه الخمسين سنة والستين سنة وهو لا يحسن صلاة واحدة.[8]
الإمام أراد أن يؤدب حماد أنت وين وصلت إلى الفقاهة؟ لكن أعتني بعبادتك هنا الفقهاء يحملون على التمامية أن يحسن صلاة واحدة ليس المراد الإتيان بتمام الأجزاء والشرائط لا المراد الصلاة بخشوع هذا المراد بإتقان الصلاة وأن تكون حسنة.