44/07/23
الموضوع:جلسة68.المقدمة-الأمر الخامس-تحقيق الكلام في الحيثية الثالثة:هل الإرادة مأخوذة في المعنى الموضوع له أو ليست مأخوذة؟!
توجد ثلاثة افتراضات واحتمالات:
وسيتضح إن شاء الله من خلال البحث: أن الإرادة ليست مأخوذة في المعنى الموضوع له اللفظ، وأن جميع هذه الاحتمالات باطلة.
أما الافتراض الأول والثاني فهما ممكنان ثبوتاً ولكنهما غير ممكنين إثباتاً، وأما الاحتمال الثالث فإنه غير ممكنٍ ثبوتاً أي أنه غير معقولٍ في حدّ نفسه فلا تصل النوبة إلى مرحلة عالم الإثبات.
وهنا لا يوجد محذور ثبوتي فيمكن عقلاً تقييد المعنى الذي وضع له اللفظ بقيد مفهوم الإرادة بوجهٍ كلي، بحيث إذا أطلق اللفظ ينسبق إلى الذهن السائل المراد حينما نقول «ماء»، فلا يوجد محذورٌ ثبوتي أي أن هذا ممكنٌ عقلاً.
لكن يوجد محذور إثباتي وهو أن هذا التقييد خلاف الوجدان خارجاً، فإن مفهوم الإرادة يفهم من لفظ الإرادة ولا يفهم من سائر الألفاظ كـ لفظ «ماء، وحجر، وشجر، ومدر، وشاي» فإذا قال المتكلم: «احضر النسكافيه والشاي» فإنه يحضر إلى الذهن مفهوم مشروب «النسكافية والشاي» ولا يحضر مفهوم «الإرادة»، فمفهوم الإرادة بشكلٍ عام وكلي ينسبق إلى الذهن من نفس لفظ الإرادة ولا ينسبق من سائر الألفاظ كـ لفظ «ماء، وشاي، وشجر، وحجر».
فإذا عندنا لفظ وهو «ماء» وعندنا معنى «السائل العذب البارد عادةً الذي يروي الظمأن»، وقد أخذ فيه قيد وهو مفهوم الإرادة بشكلٍ جزئي، أي ليس مطلق الماء المراد بل خصوص حصة الماء التي أرادها زيد، فالافتراض الثاني يفترض أن المعنى الموضوع له اللفظ قد أخذ فيه قيد مفهوم الإرادة بوجهٍ جزئي، يعني خصوص حصة الإرادة التي أرادها زيد، فهو مفهوم جزئي وهنا لا يوجد إشكال ثبوتي فهذا ممكن عقلاً وعرفاً أن نقيد المعنى الموضوع له بخصوص حصة من مفهوم الإرادة.
وقد ذكر إشكال آخر وهو أنه إذا أخذ مفهوم الإرادة بوجهٍ جزئي كقيدٍ في المعنى الموضوع له اللفظ يلزم وضع أسماء الأجناس بالوضع العام والموضوع له الخاص لأن الواضع يتصور مفهوم الإرادة فهذا وضعٌ عام ويضع لفظ الماء للخصوص حصة خاصة من الماء التي قصدها المتكلم فيكون الموضوع له خاصاً.
فإذا التزمنا بصحة الافتراض الثاني يلزم أن نلتزم بأن أسماء الأجناس كـ لفظ «الماء، والشجر، والحجر» قد وضعت بالوضع العام والموضوع له خاص، والحال أنها قد وضعت بالوضع العام والموضوع له عام.
إما أن نبني على مسلك التعهد للسيد الخوئي، وإما أن نبني على غيره كمسلك الاعتبار للمشهور أو مسلك القرن الأكيد للشهيد الصدر.
فلو بنينا على مسلك التعهد للسيد الخوئي فحينئذٍ تكون الإرادة هي تمام مدلول الللفظ لا أن الإرادة أخذت كـقيد في مدلول اللفظ، فهذا الافتراض صحيح ولكن بتحويل القيدية إلى التمامية، بأن يقال: إن الإرادة هي تمام المدلول الوضعي للفظ، لأن الدلالة بناءً على مسلك التعهد دلالة تصديقية وليست دلالة تصورية فاللفظ كاشفٌ والإرادة مكشوفٌ، فاللفظ يكشف عن الإرادة الواقعة والقائمة في نفس المتكلم.
إذاً صارت الإرادة هي تمام المعنى وليست جزء المعنى، هذا بناءً على مسلك التعهد.
ولو بنينا على مسلك الاعتبار فجعل واقع الإرادة ومصداق الإرادة كـقيدٍ في المعنى الموضوع له اللفظ غير معقول، لأن الانتقال من تصور اللفظ إلى واقع الإرادة غير معقول.
إن الملازمة إما أن تكون بين وجودين خارجيين، وإما أن تكون بين تصوريين ذهنيين.
الملازمة بين الوجوديين الخارجيين، كالملازمة بين النار والحرارة في الخارج فهذا من شؤون عالم التصديق لا من شؤون عالم التصور، وهذا خارج عن محل بحثنا.
الملازمة بين تصوريين ذهنيين، كـتصور التوأم الثاني عند رؤية وتصور التوأم الأول فهنا اقترانٌ بين تصورين، ومثاله في الروايات: النوفلي عن السكوني، أكثر روايات السكوني يرويها النوفلي، فإذا تصورت السكوني تصورت النوفلي.
ولا يوجد نحو ثالث وهو الملازمة بين تصور ووجود خارجي، والافتراض الثالث يفترض هذا النحو الثالث من الملازمة «ملازمة بين تصور اللفظ وبين وجود الإرادة خارجاً»، وهذا الاقتران وهذه الملازمة بين تصور ذهني وبين وجود خارجي غير معقول.
ومرجع هذا إلى أن الواضع تعهد بأن لا يوجد اللفظ إلا حينما توجد الإرادة وهذا خلف ما افترضناه إلى أن الدلالة تصورية وليست تصديقية فكلامنا بناءً على مسلك الاعتبار.
الإرادة ليست مأخوذة في المعنى الموضوع له اللفظ، فلم يؤخذ مفهوم الإرادة بوجهٍ كلي ولا مفهوم الإرادة بوجهٍ جزئي فهذان وإن كانا ممكنين ثبوتاً لكنهما غير واقعين إثباتاً، كما أنه لا مجال للاحتمال الثالث وهو أخذ مصداق الإرادة كـقيد في المعنى الموضوع له اللفظ، نظراً لوجود محذورٍ ثبوتي وهو عدم وجود ملازمة بين تصورٍ ذهني ووجود خارجي.
السيد الشهيد الصدر تطرق إلى الوجه الأول والوجه الثاني، فالسيد الشهيد ناقش صاحب الكفاية بمناقشات دقيقة لكن لا داعي لبحثه، كان البناء أن نشرح ولكن الوقت بعد لا يسع.
يأتي عليه الكلام.