44/07/16
الموضوع: جلسة66.المقدمة-الوضع-المقام الثاني تحقيق الكلام في الحيثيات الثلاثة
تحقيق الكلام في الحيثية الأولى هل أن الدلالة الوضعية دلالة تصورية أو دلالة تصديقية؟
والصحيح أنها دلالة تصورية، وليست دلالة تصديقية.
أما كون ذلك معقولاً بناء على مسلك التعهد فهذا واضح لأن المتعهد يوجد ملازمة بين اللفظ والإرادة والقصد، وينشأ بذلك الانتقال التصديقي من أحدهما إلى الآخر.
وأما عدم معقوليته بناء على مسلك الاعتبار فهذا أيضاً واضح لأن الاعتبار هو عبارة عن قرن اللفظ بالمعنى واعتبار اللفظ دالاً على المعنى، فإذا تصور السامع اللفظ انتقل إلى تصور المعنى، وهذا القرن بين الصورتين (صورة اللفظ وصورة المعنى) يوجب يوجب تلازماً بين تصور اللفظ وتصور المعنى فينتقل السامع من تصور اللفظ إلى تصور المعنى.
وهذا الانتقال تصوري لا محالة وليس تصديقياً، فمعنى الدلالة التصورية هو أنك إذا تصورت شيئاً تصورت شيئا آخر، فإذا تصورت اللفظ المعتبر تصورت المعنى الذي قد وضع اللفظ للدلالة عليه، ولا يفرق فيه بناءً على مسلك الاعتبار بين أخذ الإرادة قيداً في المعنى الموضوع له اللفظ أو عدم أخذ الإرادة قيداً في المعنى الموضوع له اللفظ.
فإذا كانت الإرادة والقصد ليست مأخوذة في المعنى الموضوع له بأن قلنا إن لفظ الأسد موضوع لمعنى الحيوان المفترس وليس موضوعاً لمعنى الحيوان المفترس المراد والمقصود، فقيد الإرادة والقصد لم يؤخذ كقيد في ذات المعنى.
فاللفظ هو البحر والمعنى هو السائل غزير المالح وليس السائل الغزير المالح المراد والمقصود، فإذا لم تؤخذ الإرادة والقصد كقيد في المعنى الموضوع له اللفظ من الواضح أن الدلالة وضعية.
فالواضع والمعتبر يقرن بين تصور اللفظ مثل: (أسد وبحر) وبين تصور المعنى (الحيوان المفترس ـ السائل الغزير المالح).
ومن الواضح أن الانتقال حينئذ انتقال تصوري ولا دخل للإرادة والقصد فيه لأن المبنى هو أن الإرادة والقصد لم تؤخذ كقيد في المعنى الذي وضع له اللفظ.
هذا الاحتمال الأول أن لا توضع ولا تجعل الإرادة كقيد في المعنى الموضوع له اللفظ هذا الشق الأول.
الشق الثاني إذا كانت الإرادة قد أخذت كقيد في المعنى الذي وضع له اللفظ بأن يقال أن لفظ الأسد وضع للحيوان المفترس المراد ولفظ البحر أخذ للسائل الغزير مالح المراد، فقد يتوهم أن تتقييد المعنى بقييد الإرادة والقصد يجعل الدلالة تصديقية.
ولكن هذا غير صحيح وتفصيل القول في ذلك:
أن الإرادة المأخوذة في المعنى لا تخلو من ثلاثة احتمالات، وجوه تصوير الإرادة المأخوذة في المعنى، إن الإرادة التي أخذت كقيدٍ في المعنى الذي وضع له اللفظ لا تخلو من ثلاثة احتمالات:
وكلا هذين الاحتمالين الأول والثاني ممكن ومعقولٌ.
فإذا قال: (زيدٌ أريد ماءً) يكون لفظ الماء دال والمدلول هو الماء ولا تقل مفهوم الماء بل قل واقع الماء الذي قصده زيد أي حقيقة الماء الذي أراده وقصده زيدٌ.
وفرق الاحتمال الثالث عن الاحتمال الأول والثاني أن قيد في الاحتمال الأول والثاني هو المفهوم بينما القيد في الاحتمال الثالث هو المصداق.
إن القيد في الاحتمال الثالث هو وجود الإرادة والقصد أي واقع الإرادة والقصد في نفس زيد وقلب زيد.
ففي الاحتمال الأول وهو أن يكون القيد مفهوماً كلياً، وفي احتمال الثاني وهو المفهوم الجزئي أخذ مفهوم الماء خالياً من الوجود والعدم يعني من دون قصد وجوده أو قصد عدمه بخلاف الوجه الثالث والاحتمال الثالث فقد أخذ واقع الإرادة قيداً أي وجودها الخارجي بحيث لو لم تكن الإرادة موجودة خارجاً فالمعنى غير تامٍ في نفسه.
ولنضرب مثالاً نطبق عليه الاحتمالات الثلاثة:
لو دخل أحدهم مطعماً أو مطبخاً، وقال: أريد سمكاً مشوياً فـ على الاحتمال الأول يكون القيد هو السمك المشوي المراد مطلقاً، وعلى الاحتمال الثاني يكون القيد هو مفهوم السمك المشوي المراد لخصوص المتكلم، وعلى الاحتمال الثالث يكون القيد هو قصد المتكلم للسمك المشوي في قرارة نفسه كما لو أراد السمك المشوي في قرارت نفسه كما لو أراد السمك الشعري أو الهاموم.
هذه احتمالات ثلاثة، ولنبحث هذه الاحتمالات الثلاثة من جهة معقوليتها:
إذا بناءً على الاحتمال الأول ما هو اللفظ؟ الماء، ما هو المعنى الموضوع له اللفظ؟ هو معنى الماء المراد يعني مفهوم الماء المقيد بمفهوم الإرادة الكلي.
فلا تقل إن معنى لفظ الماء هو السائل المخصوص بل قل السائل المخصوص المقيد بالإرادة أي بمفهوم الإرادة الكلي.
والكلام في الاحتمال الثاني هو الكلام في الاحتمال الأول، فإن إرادة زيد مفهوم من المفاهيم القابلة للتصور كمطلق الإرادة، مفهوم الإرادة الجزئية مفهومٌ كما أن مفهوم الإرادة الكلية مفهومٌ.
فإذا أصبحت الإرادة الجزئية قيداً في المعنى المراد فهذا لا يخرج الدلالة الوضعية عن كونها دلالة تصورية ولا تكون الدلال تصديقي.
أي أنه في الاحتمال الثالث يكون المراد هو مفهوم الإرادة ولكن لا بما هو هو بالمفهوم الإرادة على أن يكون لهذا المفهوم مصداق في الواقع وفي الخارج.
أي الشيء المراد والمقصود والثابت في واقع نفس المتكلم.
إذاً المعنى الموضوع له اللفظ كمعنى الماء والسمك قد أخذ فيه قيد قصده المتكلم إرادة المتكلم فالقيد أمر تصديق وهو القصد والإرادة وإن كان المقيد وهو المعنى مفهومٌ، فصار الدال لفظ والمدلول مؤلف من جزئين:
الجزء ذات المعنى المقيد وهو مفهوم.
والجزء الثاني القيد الذي هو إرادة وقصد وهذا مدلول تصديقي.
فتنقلب الدلالة الوضعية من دلالة تصورية إلى دلالة تصديقية لأنها قد طعمت وزرقت بقيد تصديق قصدي.
إلا أن الاحتمال الثالث غير معقولٍ في نفسه بناء على مسلك الاعتبار بخلاف الاحتمال الأول والثاني معقولٌ في حدّ نفسه يعقل تقييد المعنى بمفهوم الإرادة الكلي أو مفهوم الإرادة الجزئية، ولكن لا يعقل تقييد المعنى الموضوع له اللفظ بواقع ومصداق الإرادة.
إن القرن بين شيئين توجد له صورتان:
فإن كان قرن أحدهما بالآخر بلحاظ وجوديهما الخارجيين كـ قرن النار بالحرارة وقرن الثلج بالبرودة، فمثل هذا الاقتران يوجب الانتقال التصديقي من أحدهما إلى الآخر، فإذا رأينا النار صدقنا بوجود الحرارة وإذا رأينا الثلج صدقنا بوجود البرودة.
ولا يعقل إلا أن يكون هذا الانتقال تصورياً وليس انتقالاً تصديقياً لأن الانتقال فرع الملازمة والملازمة ثابتة بين التصورين لا بين الوجودين الخارجيين، هذا كـ كبرى.
الآن نأتي إلى الصغرى موطن بحثنا، ما هو موطن بحثنا؟
هو الاحتمال الثالث أن يكون موضوع للمعنى المقيد بمصداق الإرادة لا بمفهوم الإرادة، هذا الكلام يوجد فيه احتمالان وفرضان:
يعني يقرن بين صورة اللفظ وبين صورة المعنى المقيد بمصداق الإرادة، هذا القرن موطنه عالم الذهن والتصور وليس موطنه عالم الخارج، وبالتالي لا يوجب إلا الانتقال التصوري، ولا يوجب الدلالة التصديقية.
يبقى الكلام هذا الذي تصورته موجود أو لا؟ هذا خارج عن عهدة القرن والاعتبار، وخارج عن عهدة الواضع.
وبالتالي الاحتمال الثالث غير معقول بناءً على مسلك الاعتبار لكنه معقول بناءً على مسلك التعهد، نعم بناء على مسلك الاعتبار يعقل الاحتمال الأول التقييد بمفهوم الإرادة الكلي أو الاحتمال الثاني التقييد بمفهوم الإرادة الجزئي.
وبناءً على الاحتمال الأول والثاني تبقى الدلالة الوضعية دلالة تصورية، ولا يوجب التقييد بالإرادة أن تصبح الدلالة الوضعية دلال تصديقية.
وهذه الغلبة أمر ارتكازي في الأذهان العرفية، وبالتالي تحسب هذه الغلبة من القرائن المتصلة، يعني من القرائن اللبية العرفية المتصلة باللفظ بحيث ينعقد للكلام ظهور سياقي تصديقي كاشف عن وجود هذه الإرادة.
إلا أن هذه الدلالة ليست دلالة وضعية بل هي دلالة ثابتة بعد الوضع وفي يطول الوضع فالدلالة الوضعية هي دلالة تصورية بناءً على مسلكنا وهو مسلك الاعتبار وليس الدلالة تصديق، نعم تكون الدلالة الوضعية تصديقية بناء على مسلك التعهد للسيد الخوئي ـ رحمه الله ـ ولا نلتزم بهذا المسلك.
واتضح أن الدلالة الوضعية دلالة تصورية وليست دلالة تصديقية.
تحقيق الكلام في الحيثية الثانية تبعية الدلالة للإرادة يأتي عليها الكلام.