44/07/08
الموضوع: المقدمة-الوضع-انحصار إطلاق اللفظ وإرادة شخصه
في خصوص الوسيلة الإيجادية دون الوسيلة الحكائية
فمثلاً: (زيدٌ لفظٌ) (زيدٌ ثلاثيٌ) تارة يقصد المتكلم حينما يتلفظ بلفظ (زيد) أنه يوجد ويحضر نفس لفظ زيد فهو قد أحضر وأوجد شخص لفظ (زيد) فهذه وسيلة إيجادية.
ثم بعد ذلك حكم على شخص لفظ (زيد) بأنه لفظٌ أو ثلاثي، فلفظ ثلاثي أو لفظ وسيلة حكائية إخبارية وأما إيجاد وإيراد شخص لفظ زيد فهو وسيلة إيجادية.
فإذا تمت الوسيلة الحكائية ثبت أن إطلاق اللفظ وإرادة شخصه كما يتم بالوسيلة الإيجادية يتم أيضاً بالوسيلة الحكائية، وإذا لم يثبت إطلاق اللفظ وإرادة شخصه بالوسيلة الحكائية يتعين أن تختص الوسيلة الإيجادية بإطلاق اللفظ وإرادة شخصه.
وسيتضح إن شاء الله تعالى أن الصحيح هو أن الوسيلة الإيجادية تتم بإطلاق اللفظ وإرادة شخصه دون الوسيلة الحكائية فهناك ما يمنع من استعمال الوسيلة الحكائية في إطلاق اللفظ وإرادة شخصه،
وقد ذكر البرهان على هذه الاستحالة وهو يرجع إلى وجهين أساسيين:
يراجع كفاية الأصول، صفحة أربعة عشر، المقدمة، الأمر الرابع في صحة إطلاق اللفظ وإرادة نوعه.[1]
يراجع الفصول الغروية للشيخ محمد حسين الأصفهاني، صفحة اثنين وعشرين، السطر واحد وخمسين من النسخة الحجرية، فصلٌ القول في الوضع، إطلاق اللفظ وإرادة نوعه.[2]
فالوجه الأول مفاده لزوم اتحاد الدال والمدلول فالدال هو شخص لفظ زيد والمدلول هو شخص لفظ زيد، الحاكي هو نفس شخص لفظ زيد والمحكي هو نفس شخص لفظ زيد، فلزم اتحاد الدال والمدلول لزم اتحاد المستعمل والمستعمل فيه، لزم اتحاد الحاكي والمحكي.
فلو كان بابه باب الاستعمال أي استعمال اللفظ في معناه أي الوسيلة الحكائية يعني استعمل اللفظ للدلالة على نفس اللفظ فحينئذٍ يكون شخص اللفظ دالاً وكذلك شخص اللفظ مدلولاً والدال والمدلول معنيان متضايفان والتضايف من أقسام التقابل فلا يعقل اجتماعهما في شيء واحد.
بأنه يكفي في المقام التغاير الاعتباري، فإنه وإن كان هناك اتحاد حقيقي بين الدال والمدلول وهو شخص نفس اللفظ لكن يوجد تغاير اعتباري وحيثي، فاللفظ من حيث كونه لفظاً صادراً من المتكلم يكون دالاً واللفظ من حيث كونه مراداً ومقصوداً يكون مدلولاً.
وقد حمل المحقق الأصفهاني هذه الإرادة الواردة في المدلول إذا أراد المدلول والمراد فقد حمل المحقق الأصفهاني مراد صاحب الكفاية من الإرادة في هذا المطلب على الإرادة التكوينية.
يراجع نهاية الدارية، الجزء الأول، صفحة ستة وسبعة وثلاثين، فصلٌ صحة إطلاق اللفظ وإرادة شخصه، وقال:
الإرادة التكوينية هي من مبادئ صدور الفعل الاختياري فإن كل فعلٍ اختياري يصدر عن الإرادة ويكشف عنها كشفاً إنياً.
يعني إن المعلول يكشف عن العلة فالإرادة علة والفعل الاختياري معلول فالفعل الاختياري الذي هو المعلول يكشف عن الإرادة التي هي علة (إن المعلول يكشف عن العلة) فكأنما صاحب الكفاية يقول:
إن اللفظ من حيث هو صادر من المتكلم يكون دالاً ومن حيث كون اللفظ كاشفاً عن الإرادة التكوينية للفاعل يكون مدلولاً.
إن بحثنا هو دلالة اللفظ على المعنى فنحن نبحث في عالم الألفاظ والدلالات اللفظية ولا نبحث في الدلالات العقلية.
ثم قال:
إن دلالة اللفظ على الإرادة دلالة عقلية من باب الكشف الإني وليس دلالة استعماليه لفظية، وكلامنا في الدلالة وتصحيح الدلالة اللفظية الاستعمالية لا الدلالة العقلية.
تارة نتكلم في الكبرى وتارة نتكلم في الصغرى.
والصحيح إن صاحب الكفاية ـ رحمه الله ـ لا يريد من الإرادة الإرادة التكوينية التي يكشف عنها عن طريق العقل بالبرهان الإني كما فهم المحقق الأصفهاني صاحب نهاية الدراية، بل إن صاحب الكفاية يقصد بالإرادة الإرادة التفهيمية الاستعمالية التي هي دلالة لفظية وليست دلالة عقلية.
إن صاحب الكفاية ـ رحمه الله ـ قال: (إن اللفظ دالٌ بلحاظ صدروه من فاعل كما أن اللفظ مدلولٌ) يعني إرادة اللفظ يعني إرادة تفهيم اللفظ يعني إرادة استعمال اللفظ فالمراد هو إرادة اللفظ التي هي إرادة تفهيميه إرادة استعماليه، فالصغرى تامة فكلام صاحب الكفاية ناظرٌ إلى الإرادة التفهيميه الاستعماليه التي هي إرادة لفظية وليس ناظراً إلى إرادة الفعل التي هي إرادة تكوينية كما فهمها صاحب نهاية الدارية.
أصلاً بحثنا في استعمال اللفظ في نفسه يعني الدال شخص اللفظ والمدلول شخص اللفظ فهنا حينما نقول: أطلق اللفظ فلفظ بلحاظ صدوره من فاعل هو دال، واللفظ بلحاظ إرادته هو مدلول، هنا المراد بلحاظ إرادة اللفظ الإرادة التكوينية أم الإرادة التفهيميه؟!! إرادة تفهيم اللفظ إرادة استعمال اللفظ.
فهذا شاهدٌ على أن صاحب الكفاية يريد بالإرادة الإرادة التفهيمية الاستعمالية لا الإرادة التكوينية، وبهذا يتحقق التغاير الاعتباري بين الدال والمدلول، وإن كان هناك اتحاد حقيقي بين الدال والمدلول.
لكن يبقى أنه هل يكفي التغاير الاعتباري كما يقول صاحب الكفاية وإن كان هناك اتحاد حقيقي فهل التغاير الاعتباري يكفي في رفع محذور التقابل بين الدلال والمدلول أم لا؟!
والصحيح إن التغاير الاعتباري لا يكفي في رفع المحذور محذور التقابل بين الدال والمدلول، تقريب ذلك:
إن المتضايفين على قسمين:
فإن التعاند بين العالم والمعلوم إنما هو في عالم المفهوم لا في عالم الوجود فإن الذات قد تكون عالمة بنفسها فالذات عالم والذات أيضاً معلوم فالتغاير الحيثي والتغاير الاعتباري يكفي في المفهومين المتضايفين المتعاندين من ناحية المفهوم فقط إذا لم يكن بينهما تعاند ذاتي وحقيقي.
فلنرجع إلى موطن بحثنا ما هو موطن بحثنا؟ الدال والمدلول، والدال والمدلول علة ومعلول لكن عالمها الذهن لا الخارج وفي عالم الذهن يوجد تعاند حقيقي وواقعي بين الدال والمدلول وبين العلة والمعلول ولكن بحسب عالم المفهوم لا بحسب عالم الوجود الخارجي فإن الدال علةٌ للوجود الذهني للمدلول وبذلك تحصل الدلالة فيكون التعاند بين الدال والمدلول وجودياً حقيقياً وليس مفهومياً فقط فيستحيل اجتماعهما حينئذٍ.
إن استعمال اللفظ في المعنى جعل اللفظ آلة للمعنى فيكون اللفظ ملحوظاً باللحاظ الآلي باعتبار أن اللفظ مرآة للمعنى ويكون اللفظ فانياً في المعنى، ويكون المعنى ملحوظاً باللحاظ الاستقلالي.
إذاً في استعمال اللفظ في معناه يكون اللفظ قد لوحظ بما هو دال على المعنى أي يلحظ اللفظ باللحاظ الآلي والمرآتي لكن المعنى يلحظ باللحاظ الاستقلالي ويلحظ ذوبان وفناء اللفظ في المعنى بحيث ما تتوجه للفظ وإنما تتجه وتلتفت إلى المعنى.
أعيد وأكرر الإشكال بما ذكر في الإشكال الأول والوجه الأول...
عندنا دال وعندنا مدلول في الاستخدامات العرفية تقول: (قحطان) عندنا دال وهو لفظ قحطان وعندنا مدلول وهو معنى شخص قحطان، هنا في الاستدلال انفصل اللحاظان المستعمل لحظ لفظ (قحطان) بما هو آلة للدلالة على معنى قحطان فاستعمال اللفظ أخذ باللحاظ الآلي والمعنى معنى شخص قحطان ملحوظ باللحاظ الاستقلالي.
نأتي إلى موطن بحثنا.. ما هو الدال؟ لفظ زيد، ما هو المدلول؟ نفس شخص لفظ زيد.
ما هو الملحوظ باللحاظ الآلي يعني اللفظ الذي تذكره لكي تورد معناه؟ يعني تعتبره جسر إلى معناه، ما هو الملحوظ باللحاظ الآلي؟
شخص لفظ زيد، هذا إذا تلحظ الدال الذي هو اللفظ.
الوجه الأول لاحظ لاتحاد الدال والمدلول اتحاد العلة والمعلول، هنا ناظر لاتحاد لحاظين.
هذا يعتمد على المبنى المتخذ في دلالة اللفظ على معناه، هل هو بنحو العلامية أم هو بنحو المرآتية والفنائية؟
فإن بنينا على هذا الوجه وهو مبنى العلامية يعني توجد اثنينه لا يوجد شيء واحد يوجد علامة ويوجد ذو العلامة ولا يوجد فناء واندكاك،
فإذا بنينا على مبنى العلامية فلا وجه لهذا الإشكال لأن هذا الإشكال مبني على أن يكون اللفظ ملحوظاً باللحاظ الآلي في مقام الاستعمال ونحن ننفي أن يلحظ باللحاظ الآلي يلحاظ باللحاظ الاستقلالي أنت مستقلاً تلحظ هذه جمجمة وعظمين تلحظها باللحاظ الاستقلالي لا تلحظها باللحاظ الآلي وتنتقل إلى معنى وجود الخطر إذا وضع صورة الجمجمة والعظمين على محطة كهرباء فهنا لا يوجد اللحاظ المرآتي يوجد اللحاظ الاستقلالي بعد لا يلزم اجتماع اللحاظ الآلي والاستقلالي لكن المستشكل لم يكن يلحظ مبنى العلامية بل كان يلحظ مبنى المرآتية أي اللفظ مرآة للمعنى أي اللفظ فانٍ في المعنى.
نقول حتى على هذا لا تصل النوبة إلى إشكال لزوم اجتماع اللحاظ الآلي واللحاظ الاستقلالي لأن إطلاق اللفظ كـ (زيد) وإرادة شخصه لا يكون مستحيلاً من باب اجتماع اللحاظين اللحاظ الآلي والاستقلالي بل تتعين استحالته قبل أن تصل النوبة لاجتماع اللحاظ الآلي والاستقلالي، لأن اللحاظ الآلي يستدعي اثنينه يعني عن[دنا آلة وذو الآلة وهنا لا توجد اثنينه فالآلية غير معقولة بنفسها بقطع النظر عن محذور اجتماع اللحاظ الآلي واللحاظ الاستقلالي، نعم لو قيل اللفظ ملحوظ آلة لمعنى وملحوظ في نفسه أيضاً لتم، أما لو لوحظ اللفظ آلة لنفس فاللحاظ الآلي لنفسه غير متعقل يعني غير متصور.
أنه إن اللفظ ملحوظ آلة لمعنى وملحوظ في نفسه أيضاً.
إن استعمال اللفظ وإرادة شخصه من صغريات الوسيلة الإيجادية فقط دون الوسيلة الحكائية، كما أن استعمال اللفظ وإرادة نوعه وصنفه ومثله من صغريات الوسيلة الحكائية فقط دون الوسيلة الإيجادية خلافاً للسيد الخوئي ـ رحمه الله ـ .
هذه المطالب مطالب اليوم كلها موجودة في محاضرات في أصول الفقه للسيد الخوئي، الجزء ثلاثة وأربعين من موسوعة الإمام الخوئي، صفحة مئة وثمانية إلى مئة وعشرة،[7] وموجودة في التقريرات المختلفة للشهيد الصدر مثل تقرير السيد محمود الهاشمي بحوث في علم الأصول، الجزء الأول، صفحة مئة وثلاثة وأربعين ومئة وخمسة وأربعين.[8]
بحث اليوم استعمال اللفظ في شخص لفظه صفحة مئة وخمسة وأربعين.
وموجود أيضاً في تقرير السيد كاظم الحائري مباحث الأصول، الجزء الأول، صفحة مئتين وواحد وأربعين[9] .
وموجود أيضاً في تقرير الشيخ حسن عبد الساتر بحوث في علم الأصول، الجزء الثاني، صفحة مئة وتسعة وسبعين إلى مئة وثلاثة وثمانين.[10]
وموجود أيضاً في تقريرات الشهيد الصدر الثاني محاضرات في علم أصول الفقه، الجزء الأول، صفحة ثلاثمئة وسبعة وعشرين إلى ثلاثمئة وواحد وثلاثين.