الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث کفایة الاصول

41/05/10

بسم الله الرحمن الرحيم

 

موضوع: كفاية الاصول/المقدمة، الامر الثالث عشر /الرابع اختلاف المبادئ لايوجب اختلافاً في دلالة المشتق

 

قال الشيخ الآخوند الخراساني "رحمه الله" رابعها أن اختلاف المشتقات في المبادئ وكون المبدأ في بعضها حرفة وصناعة إلى آخر كلامه.[1]

 

خلاصة الدرس

هذه المقدمة الرابعة من الأمر الثالث عشر من كفاية الأصول يتطرق فيها الآخوند الخراساني "رحمه الله" إلى رد التفصيل الذي ذهب إليه الفاضل التوني في كتابه الوافية صفحة 63 فقد ذهب الفاضل التوني "رحمه الله" إلى التفصيل بين مشتقات الأفعال وبين مشتقات الملكات والحرف فقال إن مشتقات الأفعال كضرب وأكل وشرب ظاهرة في خصوص من تلبس بالمبدأ ولا تشمل من انقضا عنه التلبس إلا مجازا فلا يقال لمن أكل بعد خمس ساعات أنه آكل بخلاف الملكات والحرف والصناعات فإنه يقال للنجار أنه نجار وإن نام ويقال للحداد أنه حداد وإن لم يتلبس بالحدادة ويقال للمجتهد والفقيه أنه فقيه حتى حالت نومه وإن لم يمارس عملية الاستنباط فقال إن مشتقات الحرف والصناعة ظاهرة في الأعم من تلبس بالمبدأ ومن انقضا عنه التلبس بينما مشتقات الأفعال فإنها ظاهرة في الأخص يعني خصوص من تلبس بالمبدأ ولا تشمل من انقضا عنه التلبس.

الشيخ الآخوند "رحمه الله" يقول ينبغي أن نفرق بين شيئين الشيء الأول دلالة هيئة المشتق فصيغة المشتق هل تدل على الأعم أو تدل على الأخص هذا شيء والشيء الآخر تحقق التلبس فالتلبس بالفعل يكون في الحال والتلبس بالملكة بنحوها قد يكون في الحال وقد يكون في المستقبل وقد يكون في الماضي والتلبس بالصنعة أو الحرفة كالنجارة أو الحدادة لا يختص بخصوص الحال وإنما يشمل الماضي ويشمل المستقبل ما دامت الملكة موجودة أو الحرفة أو الصنعة فما ذكره الفاضل التوني "رحمه الله" إنما هو ناظر إلى الحيثية الثانية يعني كيفية التلبس حيثية التلبس بالمبدأ فتلبس كل شيء بحسبه، تلبس الفعل كالأكل والشرب والضرب بحسبه في زمنه الذي هو الحال والحاضر بينما تلبس الملكة بلحاظها وبحسبها يعني ما دامت الملكة موجودة والتلبس بالحرفة والصنعة بحسبها أي إذا لم يهجرها فما ذكره الفاضل التوني "رحمه الله" إنما هو ناظر إلى أنحاء التلبسات كيف تتلبس المشتقات وليس ناظراً إلى دلالة هيئة المشتقات يعني هيئة وصيغة الاشتقاق هل تدل على الأعم أو تدل على الأخص فما ذكره الفاضل التوني في الوافية "رحمه الله" أجنبي عن بحثنا إذ أننا نبحث عن المشتق ودلالة المشتق يعني نبحث عن صيغة وهيئة المشتق فاعل مفعول مَفعَل مِفعل يعني هل اسم الفاعل أو اسم المفعول أو اسم المكان أو اسم الزمان أو صيغة اسم الآلة هل هذه الصيغة تدل على الأعم أو تدل على خصوص من تلبس بالمبدأ هذا بحثنا وليس بحثنا في أن هذه المشتقات كيف تتلبس فتفصيل الفاضل التوني "أعلى الله في الخلد مقامه" ناظر إلى أنحاء التلبس، أنحاء التلبس بالمبدأ فنحو التلبس بمبدأ الضرب والأكل والشرب والنوم وغيرها من الأفعال يختلف عن نحو التلبس بمبدأ الحرفة والصنعة كالحدادة والنجارة ويختلف عن الملكات كالاجتهاد وغير ذلك

إذن الأمر الرابع هذا أمر مكرر ذكره صاحب الكفاية "أعلى الله مقامه الشريف" في الأمر الأول من بحث المشتق نحن الآن في الأمر الرابع هو ذكر في الأمر الأول هنا كرر الغرض من تكرار صاحب الكفاية لهذا المطلب هو الرد على فاضل التوني "رحمة الله عليهما".

 

تطبيق المتن

رابعها، ـ رابع الأمور من الأمر الثالث عشر يعني المقدمة الرابعة من الأمر الثالث عشر بحث المشتق ـ أن اختلاف المشتقات في المبادئ وكون المبدأ في بعضها ـ بعض المشتقات ـ حرفة وصناعة وفي بعضها ـ بعض المشتقات ـ قوة وملكة ـ هذا عطف بيان يعني عنده قوة الاستنباط وعنده ملكة الاستنباط كالاجتهاد ـ وفي بعضها ـ بعض المشتقات ـ فعليا يعني لوحظ فيها الجانب الفعلي يعني أفعل المكلف كالأكل والشرب والنوم والضرب فاضل التوني فصّل بين الأفعال وبين الحرف والملكات.

رابعها إن اختلاف المشتقات في المبادئ لا يوجب يعني لا يقتضي، اختلافاً في دلالتها يعني دلالة المشتقات، بحسب الهيئة يعني بمقتضى الهيئة، أصلا يعني أبدا، يعني يريد أن يقول دلالة المشتق لا دخل لها باختلاف المبادئ اختلاف أنحاء التلبس من كونها فعل أو حرفة لا دخل له في دلالة هيئة المشتق لا دخل له في المدلول المستفاد من صيغة المشتق هذا لب الأمر الرابع.

يقول ولا تفاوتا يعني اختلاف المشتقات في المبادئ لا يوجب تفاوتا يعني فارقا في الجهة المبحوث عنها هل صيغة المشتق تدل على خصوص من تلبس بالمبدأ أو الأعم ممن تلبس بالمبدأ وانقضا عنه التلبس، يقول أنحاء التلبس أجنبي عن دلالة صيغة المشتق ولا تفاوتا في الجهة المبحوث عنها كما لا يخفى خلافا لما نسبه المحقق القمي في القوانين الجزء الأول صفحة 78 و79 إلى بعض المتأخرين[2] وهو الظاهر من الفصول صفحة 61 [3] ، مراد صاحب الكفاية الفاضل التوني في الوافية صفحة 63 [4] قال بالتفصيل.

الآن يعلق صاحب الكفاية على ما ذكر يقول غاية الأمر أنه يختلف التلبس به يعني بالمبدأ في المضي أو الحال فيكون التلبس به يعني بالمبدأ فعلا لو أخذ حرفة أو ملكة ولو لم يتلبس به ـ بالمبدأ ـ إلى الحال أو القضاء عنه المبدأ ولو لم يتلبس به في الحال مثاله المجتهد إذا نام عنده ملكة عند نومه لم يتلبس بالمبدأ، النجار عنده حرفة إذا نام لم يتلبس بالمبدأ أو انقضا عنه التلبس المجتهد اجتهد في المسألة وانتهى بحث أن الكافر الكتابي طاهر انتهى إلى النتيجة أنه طاهر وليس بنجس هذا بحثها من عشرين سنة أو هذا النجار قام بالنجارة من سنتين يصدق عليه أنه نجار إلى أن يهجر المهنة كذلك المجتهد يصدق عليه أنه مجتهد إلى أن تزول الملكة لذلك قال ولو لم الواو وصلية يعني حتى لو لم يتلبس بالمبدأ في الحال كما لو كان نائما أو انقضا عنه المبدأ كما لو نجر أو اجتهد قبل كذا سنة ويكون مما مضى أو يأتي لو أخذ فعليا، مما مضى إذا اجتهد أو نجر فيما سبق أو يأتي فعليا إذا راح يذهب المسألة في المستقبل إذا راح يقوم بنجارة في المستقبل فلا يتفاوت فيها ـ في المشتقات ـ أنحاء التلبسات وأنواع التعلقات كما أشرنا إليه في الأمر الأول من مبحث المشتق كفاية الأصول تحقيق مجمع الفكر الإسلامي الجزء الأول صفحة 61 عند قوله واختلاف أنحاء التلبسات حسب تفاوت المبادئ المشتقات إلى أن يقول لا يجوب تفاوتاً فيما هو المهم يعني لا يوجب اختلافا وفارقاً فيما هو المهم دلالة صيغة المشتق دلالة هيئة المشتق على خصوص من تلبس بالمبدأ أو الأعم ممن تلبس بالمبدأ أو انقضى عنه التلبس، هذا تمام الكلام في الأمر الرابع.

الأمر الخامس في بيان المراد بالحال في عنوان المسألة نقول هل المشتق ظاهر فيمن تلبس بالمبدأ في الحال أو الأعم ممن تلبس بالمبدأ في الحال أو انقضا عنه التلبس فما المراد بالحال؟ ليس المراد بالحال الحال الذي هو الزمن الفعلي في مقابل الماضي والمستقبل فليس المراد بالحال يعني الزمن المضارع في مقابل الزمن الماضي أو المستقبل وليس المراد بالحال زمن النطق بالكلام وليس المراد بالحال زمن الجري يعني زمن الحمل حمل المحمول على الموضوع المراد بالحال حال التلبس هذا حال التلبس قد يوجب الإبهام الأدق أن يقال أن يراد بالحال يعني حال النسبة، حال نسبة المحمول إلى الموضوع يعني تقول زيد مجتهد في الحال يعني زيد متلبس بالاجتهاد فالمراد بالحال زمن توفر الملكة، زمن توفر الملكة يشمل الماضي ويشمل الحاضر ويشمل المستقبل.

كنعان نجار المراد بالحال يعني حال نسبة النجارة إلى كنعان يعني متى ما تلبس كنعان بمهنة النجارة، إذن إلى هنا أخذنا هذه النتيجة المراد بالحال هو زمن التلبس لا زمن النطق ولا زمن الجري ولا زمن الحال المقابل للماضي والمستقبل ومن هنا يعلم إن قولنا كان زيد ضاربا هذا ماضي أو سيكون زيد ضارباً في المستقبل هذا استعمال حقيقي لأن المراد بالضرب تلبس زيد بالضرب هنا استعملنا المشتق ضارب فاعل اسم فاعل مشتق حينما نقول زيد ضارب الآن كان زيد ضارباً بالأمس، سيكون زيد ضارباً غداً هذه ثلاثة أزمنة، ماضي وحال ومستقبل لكن لما نقول ضارب تدل على تلبس زيد بالضرب في الحال ليس المراد في الحال يعني الآن مقابل الماضي أو المستقبل كلا المراد بالحال يعني حال نسبة الضرب إلى زيد وتلبس زيد بالضرب فليس المراد بالحال زمن النطق الآن أنا انطق وليس المراد بالحال المقابل للماضي والمستقبل المراد بالحال زمن التلبس يعني زمن النسبة، زمن نسبة الضرب إلى زيد لذلك هذا استعمال حقيقي ثلاثة العرف لا يرى أنه استعمال مجازي في الماضي تقول كان زيد ضارباً في الحاضر زيد ضارب الآن في المستقبل سيكون زيد ضارباً في المستقبل هنا المراد بالحال زمن تلبس زيد بالضرب يعني زمن نسبة الضرب إلى زيد هذا استعمال حقيقي.

خامسها أن المراد بالحال في عنوان المسألة ـ المشتق ـ هل هو ظاهر في الحال أو الأعم ممن قضا عنه التلبس أن المراد بالحال هو حال التلبس لا حال النطق إذا نرجع إلى حقائق الأصول للسيد محسن الحكيم الجزء الأول صفحة 107 [5] وكفاية الأصول مع حاشية المشكيني الجزء الأول صفحة 239 [6] يقول حق العبارة هو حال النسبة يعني حال نسبة الضرب إلى زيد هذا أدق من حال التلبس.

خامسها أن المراد بالحال في عنوان المسألة هو حال التلبس لا حال النطق ضرورة أن مثل كان زيد ضارباً أمس أو سيكون غداً ضارباً حقيقة يعني هذا استعمال حقيقي إذا كان متلبسا بالضرب في الأمس في المثال الأول كان زيد ضارباً ومتلبساً يعني إذا كان زيد متلبساً به ـ بالضرب ـ في الغد في الثاني ـ في المثال الثاني ـ سيكون غداً ضارباً فجري المشتق ضارب حيث كان بلحاظ حال التلبس يعني حال النسبة ـ حال نسبة الضرب إلى زيد ـ وإن مضى زمانه في أحدهما وهو المثال الأول كان زيد ضارباً ولم يأت بعد يعني ولم يأتي زمانه بعد في الآخر في نسخة حقائق الأصول للحكيم ومنتهى الدراية للسيد المروج في آخر يعني في المثال الآخر وهو سيكون غداً ضارباً كان حقيقة بلا خلاف فجري المشتق حيث كان هذا الجري بلحاظ حال التلبس يعني حال النسبة كان حقيقة بلا خلاف يعني كان جري المشتق جريا حقيقياً لا مجازياً بلا خلاف.

بعضهم يقول زيد ضارب غداً يقول هذا مجاز الاستعمال الحقيقي زيد ضارب الآن زمن النطق لكن زيد ضارب غداً هذا مجاز لأنه في المستقبل بلحاظ زمن النطق هذا مستقبل فالاستعمال الحقيقي زيد ضارب الآن الاستعمال المجازي زيد ضارب غداً هذا بلحاظ المستقبل، بلحاظ الماضي زيد ضارب أمس هذا أيضا قالوا مجاز.

يقول صاحب الكفاية زيد ضارب الآن استعمال حقيقي زيد ضارب أمس هذا استعمال مجازي زيد ضارب غداً هذا استعمال مجازي، كيف توفق بين كلامك الآن بلحاظ حال النسبة حال التلبس المفروض زيد ضارب أمس أو غداً هذا استعمال حقيقي كيف توفق بين هذا الكلام وقولهم زيد ضارب غداً مجاز وزيد ضارب أمس مجاز، يقول لاحظ وجه المجازية الضرب متى وقع؟ في المثال الأول في الزمن الماضي ضارب أمس إذا الضرب وقع أمس وأنت اعتبرت أنه وقع الآن هذا مجاز هذا تجوز تسامح في المثال الثاني الضرب متى يقع؟ زيد ضارب غداً يقع الضرب في المستقبل إذا اعتبرت أن الضرب الآن وقع هذا مجاز.

يقول صاحب الكفاية إذا لحظنا زمن التلبس زمن النسبة تصير الاستعمالات الثلاثة حقيقة، زيد ضارب أمس، زيد ضارب الآن، زيد ضارب غداً ولكن إذا اعتبرنا تكرر الضرب زيد ضارب أمس لكن أنا اعتبره اليوم ضارب زيد ضارب غداً أنا اعتبره الآن ضارب هذا مجاز، إذن وجه التجوز هو اعتبار أن الحدث وقع الآن كما وقع في الماضي أو في المستقبل.

ولا ينافيه ـ لا ينافي ما ذكرنا ـ أن الحال بلحاظ حال التلبس كلا زمان النطق الاتفاق يعني اتفاق الأصوليين على أن مثل زيد ضارب غداً مجاز فإن الظاهر أنه زيد ضارب غداً فيما إذا كان الجري في الحال يعني فإن الظاهر أنهم أطلقوا لفظ زيد ضارب غداً فيما إذا كان مقصودهم الجري في الحال يعني الآن كما هو قضية الإطلاق يعني كما هو مقتضى الإطلاق، كما هو مقتضى إطلاق ضارب مقتضى إطلاق ضارب يعني ضارب في الحال والغد في قوله زيد ضارب غداً إنما يكون لبيان زمان التلبس هو ضرب الآن لكن زمن التلبس في المستقبل فيكون الجري والاتصاف في الحال يعني جري الضرب على زيد واتصاف زيد بالضرب في الحال والتلبس يعني تلبس زيد بالضرب في الاستقبال صار مجاز، زمان التلبس في الاستقبال والجري في الحال هذا بالنسبة إلى الاستقبال إذا تبين الاستقبال يتضح المضي.

قال ومن هنا يعني ومن معرفة الفارق بين الجري والتلبس في الماضي ظهر الحال يعني في المستقبل، ظهر الحال في مثل زيد ضارب أمس وأنه داخل في محل الخلاف والإشكال ما هو محل الخلاف والإشكال؟ نقول في زيد ضارب أمس يكون الجري والاتصاف في الحال والتلبس في الماضي فصار مجاز لكن لو قلنا لفظة أمس في الأول ولفظة غد في الثاني هذه قرينة على تعيين زمان النسبة والجري يعني تعيين زمان التلبس صار الاستعمال حقيقي ما يصير الاستعمال مجازي ولو كانت لفظة أمس أو غد قرينة على تعيين زمان النسبة والجري يعني ليست قرينة على زمان تلبس أيضا كان المثالان حقيقة.

إلى هنا أخذنا أن المراد بالحال عبارة عن زمن التلبس يبقى تفصيل الكلام مع مزيد بيان ببيان الخلاصة، وبالجملة يأتي عليها الكلام.

 


[1] كفاية الأصول، الآخوند الخراساني، ج1، ص43.
[2] قوانين الأصول، القمّي، الميرزا أبو القاسم، ج1، ص78.
[3] الفصول الغروية في الأصول الفقهية، الحائري الاصفهاني?‌، محمد حسين، ج1، ص61.
[4] الوافية في أصول الفقه، الفاضل التوني، ج1، ص63.
[5] حقائق الأصول‌، الحكيم، السيد محسن، ج1، ص107.
[6] حواشي ‌المشكيني علی الكفاية، مشکیني، الميرزا ابوالحسن، ج1، ص239.