44/06/18
موضوع: الدرس السادس عشر:القسم الثاني في آداب المعلم مع طلبته.
كما تعلمون اسم الكتاب الذي كتبه الشهيد الثاني هو منية المريد في آداب المفيد والمستفيد إذا يوجد قسمان:
القسم الأول آداب المفيد أي المعلم.
القسم الثاني آداب المستفيد أي المتعلم.
هذه الآداب على قسمين:
آداب مشتركة وآداب مختصة.
آداب يشترك فيها المعلم والمتعلم وآداب يختص بها المعلم وآداب يختص بها المتعلم.
شرعنا في الآداب التي يختص بها المعلم، وهي ثلاثة أقسام:
القسم الأول آداب المعلم في نفسه.
وذكر الشهيد الثاني ـ أعلى الله في الخلد مقامه ـ عدة آداب.
القسم الثاني آداب المعلم مع طالبته مع طلابه.
ذكر عشرين أدب.
في القسم الأول آداب المعلم في نفسه ذكر ثمانية آداب.
القسم الثاني آداب المعلم مع طالبته ذكر عشرين أدب.
القسم الثالث والأخير آداب المعلم في درسه حينما يدرس ذكر ثلاثين أدب.
المجموع كم؟
ثلاثين، وعشرين، وخمسين، وثمانية... ثمانية وخمسين أدب خاص بالمعلم والمدرس.
نحن ولله الحمد انتهينا من ذكر الآداب المشتركة بين المعلم والمتعلم ثم ذكرنا الآداب الثمانية التي يختص بها المعلم في نفسه.
اليوم أن شاء الله نشرع في بيان القسم الثاني في آداب المعلم مع طالبته وهي عشرون.
الأدب الأول أن يؤدبهم على التدريج بالآداب السنية والشيم المرضية ورياضة النفس بالآداب الدينية والدقائق الخفية ويعودهم الصيانة في جميع أمورهم الكامنة والجلية سيما إذا أنس منهم رشدا.
وأول ذلك أن يحرص الطالب على الإخلاص لله تعالى في عمله وسعيه ومراقبة الله تعالى في جميع اللحظات.
سؤال لم جعل الشهيد الثاني هذا الأدب أول الآداب العشرين؟
الجواب لأهمية هذا الأدب.
في هذا الأدب يشير الشهيد الثاني إلى أن المعلم والمدرس ليس معلماً فقط بل هو مؤدب قبل أن يكون معلماً.
سئل أحدهم ما رأيك في التبليغ في البلد الفلاني؟
فقال رأيت علماء يعلموا ولم أرى علماء يربون وفرق بين التربية والتعليم، قال تعالى (هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة) اقترنت التزكية بالتعليم في عدة موارد في القرآن الكريم أكثر هذه الموارد يقدم فيها التزكية على التعليم وفي موردين قدم التعليم على التربية فما هو الوجه في تقديم التربية على التعليم؟ وما هو الوجه في تقديم التعليم على التربية؟ هذان بحثان مهمان.
أما البحث الأول وهو تقديم التربية على التعليم فهو يحتاج إلى مقدمة أخلاقية في بيان ثلاثة أمور وهي:
التخلية و التحلية و التجلية.
مثال ذلك: أنبوب الماء الأسن فأول عمل تقوم به هو تطهير هذا الأنبوب أو الإناء من الماء الأسن والنتن فهذا عبارة عن التخلية كذلك الإنسان أولاً يتخلى عن العيوب والذنوب والنقائص.
المرحلة الثانية التحلية وهي أن تجعل الماء في الأنبوب نظيفاً وطاهراً وتحلل الأنبوب والإناء بالماء النظيف والطاهر.
المرحلة الثالثة ومع مرور الزمن ستذهب رائحة الماء النتن والقذر وستتجلى رائحة الماء الطيب والطاهر والصافي.
إنها ثلاث كلمات الفارق في النقطة (تخلي ـ تحلي ـ تجلي) تحلي من دون نقطة تخلي نقطة من فوق تجلي نقطة من تحت.
نبدأ بالنقطة من فوق تخلي الخاء نقطة من فوق ثم تحذف النقطة تحلي ثم تنزل النقطة تجلي إنها ثلاث مراحل: (تخلية تحلية تجلية) كذلك الإنسان في سيره وسلوكه إلى الله عز وجل أولاً يتخلى من العيوب والنقائص والذنوب فيعمل بالنقطة من فوق تخلي يتخلى من النقائص والعيوب والذنوب ثم يحذف النقطة تحلي يتحلى بالفضائل ويقوم بالواجبات ويترك المحرمات ثم تأتي المرحلة الثالثة وهي التجلي بالمداومة على الطاعات والعبادات وترك المحرمات والآثام ستتجلى الفضائل والمناقب في الذات الإنسانية.
إذا عرفنا هذه المراحل الثلاث سنعرف وجه تقديم التربية على التعليم ووجه تقديم التزكية على التعليم لأن التزكية دورها دور التخلية المرحلة الأولى النقطة الواحدة تخلي التربية تعلمك كيف تتخلى من العيوب والأدران والنقائص والعيوب والتعليم يأتي في المرحلة الثانية مرحلة التحلي أنت لكي تتحلى بالفضائل والمناقب لا بدّ أن تعرف وأن تتعلم الفضائل والمناقب.
إذا وجه تقديم التزكية على التعليم هو أن التزكية تهيئ الأرضية للتعليم وأما تقديم التعليم على التزكية فلأن التزكية تتوقف على العلم أنت كيف تزكي نفسك؟! لابد أن تعلم وتعرف طرق التزكية.
فمن هنا يقدم التعليم على التزكية لأن العلم مقدمة لمعرفة التزكية لكن الأساس هو التزكية.
نذكر لكم قصة تخص هذا المطلب كيف أن الأستاذ يربي أتذكر حضرت عند بعض أساتذتنا كان مثلاً إذا يتكلم يسقط طرف عباءة الأيمن ويبقى الأيسر وحركة أيده هكذا فلما حضرت عند أستاذه في البحث الخارج وجدت أنه أستاذة في البحث الخارج هكذا وأن أستاذي قد تأثر بأستاذه حتى في حركة اليد حتى في سقوط العباءة حتى في النظرة.
إذن المعلم يمثل عنصر عنصر القدوة ليس مجرد شخص يعطي معلومات الهارد ديسك فيه معلومات كثيرة لذلك مصطلح العالم في مدرسة أهل البيت ليس عبارة عن الشخص الذي يحفظ معلومات أو يفهم معلومات هذا ليس بعالم.
"العالم في مدرسة أهل البيت وفي الاسلام هو الشخص الذي تجسد وتمثلت فيه العلوم التي تعلمها"
لذلك المصداق البارز للعالم هو النبي محمد ومن بعده الأئمة ـ عليهم السلام ـ والأنبياء ثم يأتي الفقهاء وبقية العلماء.
في يوم من الأيام صاحب الكفاية الآخوند الشيخ محمد كاظم الخراساني كان جالساً في مجلس الدرس وحوله طلابه ويذكر هذه القصة الشيخ رضا مختاري في كتابه سيماء الصالحين يقول:
لحظات بعد مجلس الدرس جاء شخص عامي عراقي وجاء بخمس مبلغ حقوق شرعية وسلمه الآخوند الخراساني أمام الطلاب.
ففرح الطلاب قالوا: (
جاء الخير وصلت الحقوق الشرعية والأخماس لأستاذنا الآخوند الخرساني صاحب كفاية الأصول ـ وذاك الوقت وقت فقر ـ .
فأخذ الآخوند المبلغ وجعله تحت الذي كان جالساً عليه لحظات.
وإذا بهذا العامي يسر إلى صاحب الكفاية يكلمه في أذنه فأخرج صاحب الكفاية نصف المبلغ وأعطاه إياه ثم أسر له مرة ثانية فأخرج صاحب الكفاية النصف الثاني من المبلغ وأعطاه إياه أي أن صاحب الكفاية ارجع له تمام المبلغ.
ثم خرج هذا الحاج وبعد خروجه، قال الطلبة لصاحب الكفاية شيخنا ماذا صنعت؟! نحن فقراء وقد أنسنا حينما رأيناه يعطيك الخمس قلنا أن الخير قد جاء وإذا بك تعطيه تمام المبلغ.
فبكى صاحب والكفاية ـ رحمه الله ـ .
فقيل له لم تبكي؟
قال أبكي لأني قد تعبت عليكم سنين في تعليمكم لكن لم أوفق لتربيتكم أولم تعلموا ولم تعرفوا التوحيد الأفعالي؟!
التوحيد الأفعالي مفاده أن الله هو الرازق الرزق بيد الله الواحد الأحد فما الفائدة في أنكم حفظتم مصطلحات علمية ولكن في مقام العمل لم تربوا أنفسكم على التوحيد الأفعالي؟!
هذه قصة مهمة نستفيد منها أن الأستاذ كما هو معلم هو أيضاً مربي، يقول علي ـ عليه السلام ـ في حق رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ (وكنت أتبعه إتباع الفصيل أثر أمه يرفع لي في كل يوم).
إذاً أمير المؤمنين ـ سلام الله عليه ـ أنا يوم من الأيام كنت أشوف سلسلة جمال مربوطة وتمشي لاحظت أن فصيل الناقة لم يربطوه ربطوا جميع الجمال لكن ابن الناقة لم يربطوه مع أمه إذا تحركت أمه هو يمشي خلف أمه فذكرت أمير المؤمنين وكنت أتبعه إتباع الفصيل أثر أمه يعني الفصيل لا يناقش يلحظ أمه كيف تعمل يعمل مثلها.
هكذا ربى رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ أمير المؤمنين حتى قال بعض العلماء المعروف أن معجزة النبي هي القرآن ولكن أدعي أن من أكبر معجزات النبي صناعة شخصية علي بن أبي طالب ـ صلوات وسلامه عليه ـ .
يقول الشهيد الثاني:
وأول ذلك أن يحرص الطالب على الإخلاص لله تعالى في عمله وسعيه ومراقبة الله تعالى في جميع اللحظات وأن يكون دائماً على ذلك حتى الممات.
ويعرفه أن بذلك ينفتح عليه أبواب المعارف وينشرح صدره وينفجر من قلبه ينابيع الحكمة واللطائف ويبارك له في حاله وعلمه ويوفق للإصابة في قوله وفعله وحكمه ويتلو عليه الآثار الواردة في ذلك.
ويضرب له الأمثال الدالة على ما هنالك ويزهده في الدنيا ويصرفه عن التعلق بها والركون إليها والاغترار بزخرفها ويذكرهم أنها فانية وأن الآخرة باقية والتأهب للباقي والإعراض عن الفاني هو طريق الحازمين ودأب عباد الله الصالحين.
وأنها إنما جعلت ظرفاً ومزرعة لإقتناء الكمال ووقتاً للعلم والعمل فيها ليحرز ثمرته في دار الإقبال بصالح الأعمال.
إذا أول أدب من آداب المعلم مع المتعلم أن يؤدبه بالتدريج على الإخلاص ومراقبة الله في السرّ والعلن.
الأدب الثاني أن يرغبهم في العلم وفضائل العلم لا أن ينفرهم بعض الأساتذة أنت وش فهمك؟ اسكت يكسره.
دور المعلم دور المرغب لا دور المنفر.
يقال إن صاحب الميزان السيد محمد حسين الطباطبائي ـ رضوان الله عليه ـ أول ما ذهب إلى النجف الأشراف أربع سنوات كل ما يدرس ما يفهم حضر عند أستاذ كان بذيء اللسان كان يعنف صاحب الميزان تأذى صاحب الميزان.
ذهب إلى أمير المؤمنين صلى ركعتين عند قبر أمير المؤمنين دعا الله قال سيدي ومولاه إما أن تقطعوا لسان الأستاذ أو ترفع ذهني ما أتحمل إما ترفع ذهني أو الأستاذ يراعيني.
يقول صاحب الميزان وبعد هاتين الركعتين والدعاء انفتح ذهني وتفتق حتى طار الأستاذ من التعجب، قال كيف تفهم؟!
يقول لكنني كتمت ذلك ولم أخبره.
هذا من فيوضات وإفاضات أمير المؤمنين ـ عليه أفضل صلوات المصلين ـ لذلك الطالب لا يعتد بنفسه وبغروره وأنه يفهم التوسل عنصر مهم في فتح الذهن وتوسعة الآفاق.
إذا الأدب الثاني أن يرغبهم في العلم ويذكرهم بفضائله وفضائل العلماء وأنهم ورثة الأنبياء وأنهم على منابر من نور يغبطهم الأنبياء والشهداء ونحو ذلك مما ورد في فضائل العلم والعلماء من الآيات والأخبار والآثار والأشعار والأمثال ففي الأدلة الخطابية والأمارات الشعرية هزّ عظيم للنفوس الإنسانية ويرغبهم مع ذلك بالتدريج على ما يعين عليه من الاقتصار على الميسور وقدر الكفاية من الدنيا والقناعة بذلك عما يشغل القلب من التعلق بها وتفريق الهم بسببها.
يقول الشيخ محمد جواد مغنية ـ رحمه الله ـ في كتاب تجارب محمد جواد مغنية الذي كتبه ولكنه طبع بعد وفاته يقول:
كنت أفقر طالب في النجف الأشرف وكان أستاذي السيد حسين الحمامي أفقر أستاذ في النجف الأشرف.
يقول أحياناً تهيج بي الذكريات وأشكر الله عزّ وجل كيف انتقل حالي وأنا الآن قاضي القضاة في لبنان وحينما ذهبت إلى النجف الأشرف كنت لا أجد ما أتدثر به في البرد وكنت أنام بحيث اضم رجلي وأضع يدي على رجلي لتبريدهما وأبقى طوال الليل البارد هكذا حتى أتدثر وأتدفئ.
وكان لي سلوى في أستاذي السيد الحمامي حينما انظر إلى ثيابه المرقعة والممزقة فاصبر وأتصبر.
الأدب الثالث أن يحب لهم ما يحب لنفسه ويكره لهم ما يكره لنفسه من الشرّ فإن ذلك من تمام الإيمان ومقتضى المواساة ففي صحيح الأخبار (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه).
وعن محمد بن مسلم قال دخل رجل من أهل الجبل على أبي جعفر ـ عليه السلام ـ فقال له عند الوداع أوصني.
فقال (عليك بتقوى وبرّ أخاك المؤمن وأحب له كما تحب لنفسك وأكره له ما تكره لنفسك وإن سألك فأعطه وإن كفّ عنك فأعرض عليه) هو وما سألك أنت أعرض عليه لا تخليه يضطر يسألك.
(ولا تمله خيراً) يعني لا تمل من عمل الخير له.
(وإنه لا يمل لك كن له عضداً وإنه لك عضدٌ وإن وجد عليك) يعني غضب عليك زعل عليك.
(فلا تفارقه حتى تسل سخيمته) مو تقول ما أنا محتاج إليه تركه خله يولي الله لا يحوجنا إليه هذا غير صحيح.
أخوك هذا أخاك أخاك إن من لا أخا له كساع إلى الحومة بغير سلاح.
(وإن غاب فاحفظه في غيبته وإن شهد فاكفه وأعضده أزره وأكرمه وألطفه فإنه منك وأنت منه) وكل خبر ورد في حقوق الإخوان أتٍ هنا مع الزيادة.
وبعبارة أخرى:
المتعلم بمثابة الابن والولد والمعلم بمثابة الأب فإن العلم قرب روحاني وهو أجل من الجسماني.
وعن ابن عباس (أكرم الناس علي جليسي الذي يتخطى الناس حتى يجلس إلي لو استطعت أن لا يقع الذباب عليه لفعلت).
وفي رواية (إن الذباب ليقع عليه فيؤذيني).
هذا جليسك هذا زميله يقول خليل بن أحمد الفراهيدي:
لي أبوان أب أولدني وأب علمني.
ويقولون الآباء كم شيخنا؟
الآباء ثلاثة:
أبٌ أولدك وأبٌ زوجك وأبٌ علمك يعني كل واحد له منة عليك.
إذا أبوك هو الذي زوجك صار أباك وإذا علمك صار ثلاثة في واحد هم أولدك وهم زوجك وهم علمك.
وأبٌ زوجك أي العم يعني له فضل عليك مَنّ عليك بأن منحك كريمته.
جيد إلى هنا أخذنا ثلاثة آداب يختص بها المعلم مع طالبته:
الأول يأدبهم على الإخلاص ومراقبة النفس.
الثاني يرغبهم في العلم.
الثالث أن يحب لهم ما يحب لنفسه ويعتبرهم كأولاده.
الرابع أن يزجرهم عن سوء الأخلاق يأتي عليه الكلام.