44/05/26
موضوع: الدرس الرابع عشر:النوع الثاني آداب يختص بها المعلم
انتهينا بحمد الله عزّ وجل من النوع الأول وهو آداب اشترك فيها المعلم والمتعلم لا زلنا نبحث في الباب الأول من كتاب منيه المريد في آداب المفيد والمستفيد الباب الأول يتطرق إلى ثلاثة أنواع:
النوع الأول آداب اشترك فيها المعلم والمتعلم.
النوع الثاني آداب يختص بها المعلم.
النوع الثالث آداب يختص بها المتعلم.
وبعد أن انتهينا بحمد الله عزّ وجل من الآداب المشتركة بين المعلم والمتعلم وهي النوع الأول نشرع اليوم إن شاء الله في النوع الثاني وهي الآداب التي يختص بها المعلم.
ذكرنا في الدرس السابق رواية عن كشاف الحقائق سيدنا ومولانا جعفر بن محمد الصادق ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ بشر المخبتين بالجنة ـ وهم أربعة ـ بريد بن معاوية العجلي، الثاني ذكرنا معروف بن خربوذ.. هذا كان اشتباه أحد الإخوة جزاه الله خيراً نبهنا في الأثناء وقال مكان معروف بن خربوذ أبو بصير وأنا كان مرتكز في ذهني رواية أصحاب الإجماع (أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عن هؤلاء.. لما راجعت كتاب الكشي وجدت أن ما قاله أخونا صحيح الثاني هو أبو بصير جزاه الله ألف خير.
الرواية هكذا بشر المختبين بالجنة بريد بن معاوية العجلي وأبو بصير ليث بن البختري المرادي ومحمد بن مسلم وزرارة أربعة نجباء أمناء الله على حلاله وحرامه لولا هؤلاء لاندرست آثار النبوة.
نشرع في النوع الثاني آداب يختص بها المعلم ..
يتكلم الشهيد الثاني ـ رضوان الله عليه ـ عن أهمية التعلم في الإسلام يقول (قوام الدين بالتعليم) بل إذا رجعنا إلى القرآن الكريم وجدنا أن أهم صفات الأنبياء والمرسلين عليهم أفضل صلوات المصلين هي عبارة عن ماذا؟
التعليم والتزكية، قال تعالى (هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة) موارد كثيرة تقدمت التزكية على التعليم في القرآن الكريم ولكن لعله في موردين تقدم التعليم على التزكية.
إذا يقول الشهيد الثاني:
(اعلم أن التعليم هو الأصل الذي به قوام الدين وبه يؤمن انمحاق العلم فهو من أهم العبادات وأكد فروض الكفايات) الكفايات جمع كفاية والمراد به الواجب الكفائي، مثل تغسيل الميت ودفن الميت والصلاة على الميت فالواجب الكفائي هو الواجب الذي إذا قام به البعض سقط عن البعض الآخر وإذا تركه الجميع استحقوا العقاب جميعاً.
إذا طلب العلم واجب كفائي لكن بعض مسائل العلم واجبة عيناً وهي التي تحتاجها في يومك في صلاتك في عباداتك اليومية المسائل الابتلائية التي تحتاجها تجب عليك عيناً يعني على عين شخصك أما التي ليست في مورد الابتلاء يجب كفاية.
قال تعالى (وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكمونه) وقال الله تعالى (إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس والكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون)، ومن مشاهير الأخبار قوله ـ صلى الله عليه وآله ـ (ليبلغ الشاهد منكم الغائب) في رواية أخرى عنه ـ صلى الله عليه وآله ـ (وربّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه) والأخبار بهذا المضمون كثيرة.
آداب المعلم ثلاثة أقسام:
القسم الأول آدابه في نفسه.
القسم الثاني آدابه مع طلبته.
القسم الثالث آدابه في مجلس درسه.
نشرع في القسم الأول آداب المعلم في نفسه، فقد مضت كثير من الآداب المشتركة بين المعلم والمتعلم وهي أيضاً تصلح أن تكون من آداب المعلم في نفسه مثل ماذا؟
الإخلاص وصدق النية.
مثل ماذا؟
الجهد والاجتهاد والاشتغال في الدرس والمباحثة والتحقيق.
فالكثير مما تقدم في الآداب المشتركة بين المعلم والمتعلم بعضها يدخل في آداب المعلم في نفسه ونضيف إليها ثمانية آداب يختص بها المعلم:
الآدب الأول أن ينتصب للتدريس حتى تكمل أهليته ويظهر استحقاقه لذلك على صفحات وجهه ونفحات لسانه وتشهد له به صلحاء مشايخه، ففي الخبر المشهور (المتشبع بما لم يعطى كـ لابس ثوبي زور) ما المراد بالزور؟ الزور بمعنى الغصب يعني كأنه لابس ثوبين مغصوبين.
كان العرب لباس العرب ما هو؟ ثوبان، مئزر نحن نسميه وزار وقميص والقميص من الكتفين إلى منتصف الساق ولذلك في تكفين الميت ثلاثة قطع: مئزر من السرة إلى الركبتين وقميص من الترقوتين والكتفين إلى منتصف الساق والإزار اللفافة الكاملة التي يلف بها الميت، هذا لباس العرب والآن تشوف اليمانية يلبوس وزار هذا اللباس العربي أما الثوب لباس متأخر والعقال هذا متأخر أول من لبس العقال مروان بن الحكم لباس العرب العمامة والقميص والمئزر، وقد يلبسون سروالاً تحت المئزر ويتردون وقد بات مسلوب العمامة والردى هذا لباس العرب.
الرواية تقول من تصدى للتدريس وليس بأهلٍ فهو كـ لابس ثوبي غصبٍ يعني اغتصب ما ليس حقه.
يقول أستاذنا المرجع الديني سماحة آية الله العظمى السيد كاظم الحسيني الحائري ـ حفظه الله ـ في بعض محاضراته المكتوبة التي كتبت ينبغي أن يكون مستوى الأستاذ فوق مستوى الكتاب الذي يدرسه لا تدرس كتاب أرفع من مستواك أو مساوي لمستواك ينبغي أن يكون مستوى الأستاذ أرقى من مستوى الكتاب إلا من أوتي حظاً من الفهم والعلم.
يقال إن المرجع الأعلى سماحة آية الله العظمى السيد أبو القاسم الخوئي ـ أعلى الله في الخلد مقامه ـ كان يحضر الصباح درس الخارج عند الميرزا النائيني وفي العصر يقرر الدرس يدرس نفس الدرس العصر، فقيل له ألا تخشى أن يشكلوا عليك بإشكالٍ ولا تستطيع الإجابة عليه؟!
فقال لو ورد الإشكال لورد في الصباح.
طاقة واستعداد وذكاء وجدّ.
عموماً لا ينبغي أن تتصدى إلا إذا كان مستواك أرفع من مستوى الكتاب الذي تدرسه أو لا أقل تهضم مادة الكتاب، قال بعض الفضلاء (من تصدى قبل أوانة فقد تصدى لهوانه) وقال آخر (من طلب الرئاسة في غير حينه لم يزل في ذلٍّ ما بقي)، وقال الشاعر:
لا تطمحن إلى المراتب قبل أن تتكامل الأدوات والأسباب
إن الثمار تمر قبل بلوغها طعماً وهن إذا بلغن عذاب
إذاً الأدب الأول من الآداب المختصة بالمعلم أن لا ينتصب للتدريس إلى أن تكمل أهليته للتدريس.
الأدب الثاني أن لا يذل العلم فيبذله لغير أهله، هناك حكمة لطيفة ظريفة تقول: (لا تظلموا الحكمة بإعطاءها لغير أهلها فتظلموا أنفسكم) أعطي الحكمة والعلم لمن يقدر العلم ويثمن العلم وأما الذي لا يفهمه ولا يدركه بل ربما يتجبر ويتكبر على العلم فلا تعطه هذا العلم الذي لا يفهمه ولا يقدره.
إذاً الثاني أن لا يذل العلم فيبذله إلى غير أهله ويذهب به إلى مكان ينسب إلى من يتعلمه منه وإن كان المتعلم كبير القدر بل يصون العلم عن ذلك كما صانه السلف وأخبار السلف كثيرة مشهورة مع الخلفاء وغيرهم، قال الزهري: (هوان العلم أن يحمله العالم إلى بيت المتعلم).
اللهم إلا أن تدعوا إليه ضرورة وتقتضيه مصلحة دينية راجحة على مفسدة ابتذاله ويحسن به نية صالحة فلا بأس، وما أحسن ما أنشده القاضي أبو الحسن علي بن عبد العزيز الجرجاني لنفسه، اسمع هذه القصيدة:
١يَقُولونَ لِيْ فِيْكَ انْقِبَاضٌ وَإِنَّما*رَأَوا رَجلاً عَنْ مَوْقِفِ الذُّلِّ أَحْجَمَا
٢أَرَى النَّاسَ مَن دَانَاهُمُ هَانَ عِنْدَهمْ*وَمَنْ أَكْرَمَتْهُ عِزَّةُ النَّفْسِ أُكْرِمَا
٣وَمَا كُلُّ بَرْقٍ لاحَ لي يَسْتَفِزُّنِي*ولا كُلُّ مَنْ لاقَيْتُ أَرْضَاهُ مُنْعِمَا
٤وَإِنِّي إذاما فَاتَنِي الأَمْرُ لَمْ أَبِتْ*أُقَلِّبُ كَفِّي إِثْرَهُ مُتَنَدِّمَا
٥وَلَمْ أَقْضِ حَقَّ العِلْمِ إِنْ كانَ كُلَّمَا*بَدَا طَمَعٌ صَيَّرْتُهُ لِيَ سُلَّمَا
٦إذا قِيلَ : هذا مَنْهَلٌ قُلْتُ قَدْ أَرَى*وَلكِنَّ نَفْسَ الحُرِّ تَحْتَمِلُ الظَّمَا
٧ولم أَبْتَذِلْ في خِدْمَةِ العِلْمِ مُهْجَتِي*لأَخْدِمَ مَن لاقَيْتُ لكنْ لأُخْدَمَا
٨أَأَشْقَى بِهِ غَرْسًا وَأَجْنِيهِ ذِلَّةً*إِذِنْ فَاتِّبَاعُ الجَهْلِ قَدْ كانَ أَحْزَمَا
المهم هذان البيتان الأخيران، قال:
٩ولو أَنَّ أَهْلَ العِلْمِ صَانُوهُ صَانَهَمْ*ولو عَظَّمُوهُ في النُّفُوسِ لَعُظِّمَا
١٠ولكنْ أَذَلُّوهَ فَهَانَ وَدَنَّسُوا*مُحَيَّاهُ بالأَطْمَاعِ حَتَّى تَجَهَّمَا
جاء رجلٌ إلى الحجاج بن يوسف الثقفي فقال له الحجاج: ما وراءك؟ هذا من صحابة رسول الله ممن سمع عن رسول الله، الحجاج حاكم ظالم جائر سفك الدماء في العراق، ما وراءك؟!
قال حديثٌ سمعته عن رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ أنه قال (من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميته جاهليه) وجئت لمبايعتك، فماذا قال له الحجاج؟
إن يدي لمشغوله دونك رجلي فبايعها.
هذا قيمة العالم إذا يبيع علمه إلى حاكم جائر وسلطان جائر، لذلك قال بعضهم: (العلم يؤتى ولا يأتي).. لا الأهل أهلي ولا الأولاد أولادي إذا دنا يوم تحصيل العلى داني.
ويقول الصادق ـ عليه السلام ـ (لو علم الناس ما في العلم لخاضوه ولو بخوض اللجج وسفك المهج).
إذاً الأدب الثاني من آداب المعلم أن لا يذل العلم بل يحفظ العزة للعلم.
الآدب الثالث أن يكون عاملاً بعلمه زيادة على ما تقدم في الأمر المشترك، يعني العمل بالعلم وظيفة الجميع ولكن في المعلم أكد، لماذا؟
يا أَيُّها الرَجُلُ المُعَلِّمُ غَيرَهُ
هَلا لِنَفسِكَ كانَ ذا التَعليمُ
تَصِفُ الدَّواءَ لِذي السَّقامِ وَذي الضَّنا
كيما يَصحّ بِهِ وَأَنتَ سَقيمُ
وَتَراكَ تُصلِحُ بالرشادِ عُقولَنا
أَبَداً وَأَنتَ مِن الرَّشادِ عَديمُ
فابدأ بِنَفسِكَ فانهَها عَن غَيِّها
فَإِذا اِنتَهَت عَنهُ فأنتَ حَكيمُ
فَهُناكَ يُقبَلُ ما تَقولُ وَيَهتَدي
بِالقَولِ منك وَينفَعُ التعليمُ
قال تعالى (أتأمرون الناس بالبرّ وتنسون أنفسكم؟!) وقال تعالى (كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تعلمون).
عن أبي عبد الله الصادق ـ عليه السلام ـ في قول الله عزّ وجل (إنما يخشى الله في عباده العلماء) قال (من صدق فعله قوله، ومن لم يصدق فعله قوله فليس بعالم).
يا إخوة يا أحبة العالم في روايات أهل البيت ليس هو الشخص الذي عنده مقدار من المعلومات العالم في القرآن والروايات من تتجسد فيه المعلومات يعني تتجسد في كيانه وشخصيته العلم، وفرق بين أن أنت تحفظ العلم فالهارد ديسك فيه ملايين المعلومات فلا يقال للهارد ديسك أو الكمبيوتر أنه عالم، فالعالم الذي قام به العلم وتجسد به العلم وليس العالم الذي حافظ مجموعة معلومات.
يقولون في يوم من الأيام جاء ابن سينا لابن مسكويه رمى عليه جوزه قم وأحسب أبعادها الطول في العرض في العمق فقال ابن مسكويه والله إنك أحوج إلى الأخلاق من أبعاد هذه الجوزة، ماذا تسفيد من مجرد معلومات هندسية من دون أن تتجسد مبادئ الأخلاق في كيانك وشخصيتك؟!
عن الإمام الصادق ـ عليه السلام ـ (العلم مقرون بالعمل فمن علم عمل ومن عمل علم والعلم يهتف بالعمل فإن أجابه وإلا ارتحل).
وعن الصادق ـ عليه السلام ـ (إن العالم إذا لم يعمل بعلمه زلت موعظته عن القلوب كما يزل المطر عن الصفا).
وقال علي ـ عليه السلام ـ (قسم ظهري عالم متهتك وجاهل متنسك، فالجاهل يغش الناس بتنسكه والعالم ينفرهم بتهتكه).
وقد أنشد ذلك بعضهم فقال:
فساد كبير عالم متهتك وأكبر منه جاهل متنسك
هما فتنة للعالمين عظيمة لمن بهما في دينه يتمسك
الأمر الرابع زيادة حسن الخلق في الأستاذ والتواضع يعني حسن الخلق والتواضع مطلوبان في المعلم والمتعلم ولكن في العالم والمعلم بشكل أكد أن يكون عنده تمام الرفق في طلابه ويبذل الوسع في تكميل نفسه فإن العالم الصالح في هذا الزمان بمنزلة نبي من الأنبياء كما قال النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ (علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل) بل العلماء في هذا الزمان أعظم لأنه أنبياء بني إسرائيل في زمن الأزمان كان يجتمع منهم عدة أنبياء في منطقة واحدة والآن بعض المناطق لا يوجد فيها عالم واحد.
فليعلم هذا العالم أنه قد علق في عنقه أمانة عظيمة وحمل أعباء الدين ثقيلة فليجتهد في الدين جهده وليبذل في التعليم جده عسى أن يكون من الفائزين.
روي عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ قال كان أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ يقول (إن للعالم ثلاث علامات: العلم والحلم والصمت وللمتكلف ثلاث علامات: ينازع من فوقه بالمعصية ويظلم من دونه بالغلبة ويظاهر الظلمة).
نختم بهذه الرواية الذهبية يوم من الأيام المسيح ـ عليه السلام ـ بين الحواريين قال أنا لي إليكم حاجة، قالوا مجابة يا روح الله مجابة.
فقام وغسل أرجلهم.
قالوا يا روح الله نحن أولى بتغسيل رجليك.
قال أنا تواضعت لكم حتى تتواضعوا للناس.
أقرأ هذه الرواية عن محمد بن سنان رفعه قال: قال عيسى بن مريم يا معشر الحواريين لي إليكم حاجة أقضوها لي.
قالوا قضية حاجتك يا روح الله.
فقام فغسل أقدامهم ـ أربعين واحد كانوا فغسل أقدامهم ـ .
فقالوا كنا نحن أحق بهذا يا روح الله.
فقال إن أحق الناس بالخدمة العالم، إنما تواضعت هكذا كيما تتواضعوا بعدي في الناس كتواضعي لكم.
ثم قال عيسى ـ عليه السلام ـ بالتواضع تعمر الحكمة لا بالتكبر وكذلك في السهل ينبت الزرع لا في الجبل.
الزرع في السهول في الوديان ينبت ما ينبت في أعلى الجبل، رزقنا الله وإياكم التواضع ولين الكلمة ولين العشرة وحسن السريرة وحسن الخدمة.
الخامس يأتي عليه الكلام.