الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الأخلاق

44/05/19

بسم الله الرحمن الرحيم

 

موضوع: الدرس الثالث عشر:الثالث أن لا يستنكف من التعلم والاستفادة ممن هو دونه في منصب أو سن أو شهرة أو دين..

كان الكلام في القسم الثاني في آداب المعلم والمتعلم في درسهما واشتغالهما الشهيد الثاني ـ أعلى الله في الخلد مقامه ـ ستة أمور تطرقنا في الدرس السابق إلى الأمر الأول والثاني:

الأمر الأول المواظبة على الجدّ والاجتهاد ودوام الاشتغال بالتحصيل العلمي.

الأمر الثاني ترك الجدال والسؤال عن تعنت وتعجيز.

اليوم إن شاء الله نشرع في بيان الأمر الثالث إلى ختام الأمر السادس.

الأمر الثالث أن لا يستنكف عن التعلم، فقد جاء في الرواية (منهومان لا يشبعان طالب علم وطالب دنيا) المتعلم لا يشبع من الاستزاده والتعلم إلى آخر عمره ولا يستنكف أن يتعلم حتى لو من طفل صغير، فقد جاء في الرواية (الحكمة ضالة المؤمن يتبعها حينما كانت).

يقولون لم يجتمع العلم والورع في رجل قطّ كما اجتمع في الشيخ الأنصاري حتى قيل الشيخ الأعظم الأنصاري، الآن جميع الفقهاء على مائدة الشيخ الأنصاري فقهاً وأصولاً كل دراساتكم الحوزوية في الفقه والأصول على مائدة وإبداعات الشيخ مرتضى الأنصاري.

هذا الشيخ مرتضى الأنصاري في الفقه والاصول رأى أن أحد طلبته متميز في الأخلاق، فقال له درسني أخلاق.

فقال له شيخنا أنت أستاذنا في الفقه والأصول.

قال صحيح أنا اعلم منك في الفقه والأصول ولكنك أفضل مني في الأخلاق.

فتعلم الشيخ الأنصاري عنده أخلاق، وهكذا في الفلسفة درس عند غيره في الفلسفة وعلم ذاك الفقه والأصول.

في يوم من الأيام جاء طالب تونسي إلى مدينة قم المقدسة وسمع بسماحة آية الله المرحوم الشيخ حسن حسن زادها آملي وكما تعرفون طلاب شمال إفريقيا تونس جزائر مغرب يعتنون بالعقليات كثيراً فأراد أن يلقى الشيخ حسن زاد آملي.

ذهب إلى الشيخ حسن زاده آملي وألتقى به في منزله فسأله الشيخ حسن زاده آملي عن اللغات التي يتقنها؟!

فقال أنا أتقن الفرنسية نحن في شمال إفريقيا تونس الجزائر المغرب الاستعمار الفرنسي.

فقال الشيخ حسن زاد آملي وأنا أريد أن أتعلم الفرنسية، هل تعلمني الفرنسية؟!

فخجل الطالب التونسي قال شيخنا أنت آية الله وفيلسوف وأنا طالب جديد أعلمك الفرنسية؟!

فقال الشيخ حسن زاده آملي أنا أستاذك في الفقه والأصول والفلسفة ولكني تلميذك في اللغة فرنسية دعّ عنك هذه الألقاب والاعتبارات إذا عندك وقت إتني غداً نتفق على وقت وتدرسني الفرنسية.

فقال الطالب لعله من تونس أو الجزائر جيد شيخنا آتيك غداً الوقت الفلاني.

يقول هذا الطالب أتصور لعله من الجزائر، يقول فذهبت إلى الشيخ حسن زاد آملي أجلسني في صدر المجلس وجاء بكوب الشاي وضعه أمامي وجلس أمامي جلسة العابد والتلميذ قال تفضل يا أستاذ.

فقلت له شيخنا لقد أخجلتني.

قال لا هذا أدب المتعلم مع المعلم.

قم للمعلم وفه التبجيلا كاد المعلم أن يكون رسولا.

يقول وعلمته إلى أن أتقن الفرنسية.

هكذا كان علماؤنا فالمرحوم الشيخ أحمد النراقي صاحب كتاب مستند الشيعة وصاحب كتاب معراج السعادة، الشيخ الأنصاري دراسته للبحث الخارج عشر سنوات خمس سنوات منها عند الشيخ أحمد النراقي بن الشيخ محمد المهدي النراقي صاحب كتاب السعادة وقد اختصر وترجم كتاب والده جامع السعادات تحت عنوان كتاب معراج السعادة.

الشيخ أحمد النراقي لما رأى اليهود قد غزو إيران ذهب وتعلم العبرية وهكذا الشيخ محمد جواد البلاغي صاحب كتاب الرحلة المدرسية وصاحب كتاب الهدى إلى دين المصطفى وصاحب التفسير والسيد الخوئي أخذ التفسير من أستاذه الشيخ محمد جواد البلاغي ذهب وتعلم العبرية لكي يرد على اليهودية والمسيحية، إذا لا تستنكف عن طلب العلم.

بعد يا أخي يا أخي بعد يا أخي يا أخي في يوم من الأيام صاحب الميزان السيد محمد حسين الطباطباني جالس في الدرس وصل إلى مطلب في الرياضيات وقال:

وهذا مطلب عميق في الرياضيات ومن أراد أن يتعلم الرياضيات فعليه بدراسة كتاب تحرير أصول إقليدس ومن أراد أن يتقن كتاب تحرير أصول إقليدس فليدرسه عند هذا الجالس وأشار إلى آية الله الشيخ حسن زاد آملي.

وبعد أن خرج صاحب الميزان من الدرس ذهب سماحة آية الله العظمى الشيخ جوادي آملي إلى الشيخ حسن زاد قال شيخنا أريدك أن تدرسني كتاب تحرير أصول إقليدس فدرسه وهو زميله، هل هذا موجود بيننا نحن الطلبة؟! أن تدرس عند زميلك أو تدرس عند طالب عندك.

لا تقل فلان الطويلب أو طالب طلاب طلابي شوف هذه الأنا أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي واسمعت كلماتي من به صمم هذا البيت الذي قتل المتنبي.

المتنبي لما خرج من مصر خرج من كافور الإخشيدي وأراد أن يرجع إلى حلب الشهباء رآه عدوه الذي هجاه طالما المتنبي هجى ذلك العدو ففر المتنبي وهرب.

فقال له عبده إلى أين يا متنبي أولست القائل أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي واسمعت كلماتي من به صمم الروح والسيف والبيداء تعرفني والرمح والسيف والقرطاس والقلم، فرجع المتنبي وبان العرق العجمي فيه وهو يقول لغلامه قتلتني قتلك الله فقاتل حتى قتل، لذلك قالوا قتله شعره.

إذا هذه الأنا قد تقتلك لا تستنكف عن طلب العلم الحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها طلبها إذا يقول الأدب الثالث أن لا يستنكف من التعلم والاستزادة ممن هو دونه في منصب أو سن أو شهرة أو دين أو في علم آخر يقول هذا فاسق أنا أدرس عنده هذا فاسق خوب إذا أنت في هذا العلم ما تستطيع تحصل إلا منه؟!

بعض علماء الشيعة الإمامية حضروا عند ماذا؟ عند بعض السنة يقول الشيخ الصدوق ـ رضوان الله عليه ـ الشيخ الصدوق ثقة المحدثين صاحب كتاب من لا يحضره الفقيه يقول وقد درست عند فلان وأخذت منه إجازة في الرواية ولم ألقى في حياتي من هو أشد نصباً منه، ناصبين أخذ منه علم الحديث.

خذوا لذلك ورد في الرواية خذ ما رووا وذروا ما رأوا بل يستفيد ممن يمكن الاستفادة منه ولا يمنعه ارتفاع منصبه وشهرته من استفادة ما لا يعرفه فتخسر صفقته ويقل علمه ويستحق المقت من الله تعالى وقد قال النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ (الحكمة ضالة المؤمن فحيث وجدها فهو أحق بها).

وقال سعيد ابن جبير ـ رحمه الله ـ (لا يزال الرجل عالماً ما تعلم فإذا ترك التعلم وظن أنه قد استغنى واكتفى بما عنده فهو أجهل ما يكون).

أول خطوة إلى الجهل أن تقول أنت عالم، إذا قلت أنا عالم إذا ما تحتاج تتعلم، إذا قلت أنا جاهل يحتاج تتعلم أما إذا قلت أنا عالم واكتفيت أنت عالم غير معلم وفاهم غير مفاهم.

لذا ورد في دعاء عرفة لسيد الشهداء ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ وهو يناجي الله عز وجل في عرصات عرفة وفي ذلك الوقت يقول (إلهي أنا الجاهل في علمي فكيف لا أكون جهولاً في جهلي؟! إلهي أنا الفقير فكيف لا أكون فقيراً في فقري؟! إلهي مني ما يليق بلؤمي ومنك ما يليق بكرمك.

وانشد بعضهم في ذلك قائلاً وليس العمى طول السؤال وإنما تمام العمى طول السكوت على الجهل (لكل شيء مفتاح ومفتاح العلم السؤال) ومن هذا الباب أن يترك السؤال استحياء يستحي يسأل فيظل جاهل ومن هنا قيل: من استحيا من المسألة لم يستحي الجهل منه، وقيل أيضاً من رق وجهه رق علمه، وقيل أيضاً لا يتعلم العلم مستحي ولا متكبر الذي يستحي ويخجل ما يتعلم والذي يتكبر يستنكف عن التعلم.

وروى زرارة بن أعين ومحمد بن مسلم وبريد ان معاوية العجلي قالوا قال أبو عبد الله ـ عليه السلام ـ هؤلاء أعاظم.. تعرف ماذا يقول الإمام الصادق ـ عليه السلام ـ يقول (بشر المخبتين بالجنة) المخبتون يعني الخاشعين، بشر المخبتين بالجنة بريد بن معاوية العجلي ومحمد بن مسلم الطائفي وزرارة بن أعين ومعروف بن خذبوذ أربعة نجباء أمناء الله على حلاله وحرام).

ثم يقول الإمام الصادق ـ عليه السلام ـ بأبي هو وأمي يقول: (لولا هؤلاء لاندست آثار النبوة وذهب فقه أبي).

ما هي العظمة التي حملها هؤلاء الأربعة؟! زرار محمد بن مسلم ومعروف بنخربوذ وبريدة بن معاوية العجلي الآن ثلاثة من هؤلاء الأربعة الأعاظم يرون هذه الرواية.

نعم لا أبو بصير هذا في أصحاب الإجماع ذاك قول الكشي أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عن هؤلاء ووقع الخلاف في أبي بصير هل هو أبو بصير الأسدي المكفوف أو أبو بصير الليث بن البختري المرادي وتفصيله في علم الرجال بارك الله بك.

قال أبو عبد الله بعثنا بحث أخلاقي ليس رجالياً يا رجال.

قال أبو عبد الله ـ عليه السلام ـ إنما يهلك الناس لأنهم لا يسألون.

وعن الصادق ـ عليه السلام ـ إن هذا العلم عليه قفلٌ ومفتاحه المسألة.

هذا تمام الكلام في الأمر الثالث مفتاح العلم السؤال لا تستنكف.

أتذكر أول ما جيت الحوزة قبل ثلاثين سنة ألف وتسعمائة وثلاثة وتسعين ذهبت إلى حرم السيدة المعصومة ـ سلام الله عليها ـ شفت واحد عمامتي كبيرة ولحيته كبيرة، قلت هذا شكله مرجع ذهبت وسألته الآن هو من المراجع في النجف الأشرف وهو سماحة آية الله الشيخ شمس الدين الواعظي نصحني نصائح قال اذهب واكتبها في دفتر وبعد عشرين ثلاثين سنة راجعها وانظر إلى مستواك في نماء جئت الحوزة العلمية.

أتذكر زرناه في بيته.. قال أنتم فيكم خصوصية لا توجد عندنا قلنا وما هي الخصوصية؟

قال ليست عمامتكم كبيرة ولا لحيتكم طويلة فلا تخجلوا من السؤال ربما إذا عمامتك كبيرة أو اللحية بيضة وطويلة تخجل من السؤال ولكن ما دام أنت شاب وعودك طري فسأل.

الأمر الرابع وهو من أهمها الانقياد للحق بالرجوع عند الهفوة.

يا أخي اثنين يمشون رأوا شبح من بعيد واحد قال هذه عنيزة عنيزة سودة وواحد قال لا طائر أسود، مشوا قليل طار الشبح الأسود، فقال من قال أنه طائر؟ ألم أقل لك أنه طائر أسود؟ فقال من إدعى أنها عنيزة يعني غنمة أي عنزة ولو طارت؟

أحياناً هكذا تأخذك العصبية والعياذ بالله.

لذلك حتى لو ظهر على يدي لو ظهر الحق على يدّ من هو أصغر منه فإنه مع وجوبه من بركة العلم والإصرار على تركه كبر مذموم عند الله تعالى كيف أنت تصر على الباطن؟! الحق أحق أن يتبع هذا موجب للطرد والبعد عن الله.

قال النبي صلى الله عليه وآله (لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال حبة من كبر)، فقال بعض أصحابه هلكنا يا رسول الله إن أحدنا يكون نعله حسناً وثوبه حسناً.

فقال النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ (ليس هذا الكبر إنما بطر الحق وغمص الناس) غمص الناس يعني تحقير الناس استصغار الناس.

يقول الشهيد الثاني والمراد ببطر الحقّ ردّه على قائلين وعدم الاعتراف به بعد ظهوره وذلك أعم من ظهوره على يدي الصغير والكبير والجليل والحقير وكفى بهذا زجراً وردعاً يعني وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم هذا تمام الكلام في الأمر الرابع.

الخامس أن يتأمل فيما يذكره ويورده إذا تتدرس أو تدرس أو تكتب تدقق في الكلام لا تلقي الكلام على عواهله هذي مسؤولية شرعية.

كان أحد أساتذتنا يقول إذا مطلب مشوش عندك وغير واضح لا تكتبه لأنك إذا كتبتك سوف يقر في ذهنك المطلب الذي فيه اشتباه ما حفظ فرّ وما كتب قرّ لا تكتب إلا الذي أنت متأكد في ذهنك حتى لا يترسخ في ذهنك المفهوم الخاطئ.

لذلك يقول الشهيد الثاني الخامس أن يتأمل ويهذب ما يريد أن يورده أو يسأل عنه قبل إبرازه يعني قبل إظهاره والتفوه ليأمن من صدوره هفوة أو زلة أو وهم أو انعكاس فهمه فيصير له بذلك مهلكة صالحة.

كان أحد الإخوة دائماً يلقي الكلام على عواهله وإذا تقول له هذا الكلام غير صحيح، قال ها هذا دليل على عدم عصمتي يا مولاي.

هو صح يغير الجو هذا دليل على عدم عصمتي يا مولاي ولكن ليس من الصحيح أن يصير الانطباع عنك أنه الأصل أن تأتي شيء بشيء مخدوش فيه.

بعد وخلاف ذلك خلاف التدقيق إذا اعتاد الإسراع في السؤال والجواب فيكثر سقطه ويعظم نقصه ويظهر خطأه فيعرف بذلك.

في الرواية (من كثر خطأه من كثر كلامه كثر خطؤه ومن كثر خطؤه قل ورعه ومن قل ورعه دخل النار والعياذ بالله) فقد يعرف بكثرة الخطأ والاشتباه وهذا مشكل له.

سيما إذا كان هناك من قرناء السوء من يخشى أن يصير ذلك عليه وصمه ويجعله له عند نظرائه وحسدته وسمة.

البعض يتصيد عليك خاصة الحسود والحقود والذي عنده غيره فلا تجعل له مخرجاً.

الأمر السادس والأخير أن لا يحضر مجلس الدرس إلا متطهرا من الحدث والخبث متنظفاً متطيباً في بدنه وثوبه.

أحد الإخوة كلفته بكتابة بحث أعطيته الأصول قلت اذهب واكتب، البارحة سلم البحث، البارحة طالعت البحث كتبت له تقريضاً، نمت أصبح الصباح كتب لي رسالة هز كياني.

قال شيخنا هذا خمسمئة صفحة قال لم اكتب حرفاً إلا على وضوء.

يقول أبو الفتوح السيد روح الله الموسوي الخميني مخاطباً المقاتلين في الجبهة المفروضة على الجمهورية الإسلامية في إيران يخاطب حاملي السلاح يقول: توضؤوا فإن اليد المتوضأة التي تحمل السلاح تختلف عن اليد غير المتوضأة.

سئلت والدات الشيخ مرتضى الأنصاري كيف وصل الشيخ مرتضى الأنصاري إلى ما وصل إليه؟! قالت هذا قليل كنت أتوقع أكثر.

فقيل لها ولم ذلك؟

قالت لم أكن أرضعه إلا على وضوء، لم أطعمه إلا من حلال.

إذا الأمور المعنوية لها أثراً أيضاً ليست مجرد أمور مادية، لذلك يقول السادس أن لا يحضر مجلس الدرس إلا متطهراً من الحدث والخبث متنظفاً متطبيباً في بدنه وثوبه لابساً أحسن ثيابه.

في الرواية الصلاة يصليها متعطر ثوابها سبعين صلاة عن صلاة غير المتعطر.

قاصداً بذلك تعظيم العلم وترويح الحاضرين الحاضرين يتمنون متى يخلص الدرس هذا بروايحه متعبهم قاصداً تعظيم العلم وترويح الحاضرين من الجلساء والملائكة سيما إن كان في مسجد وجميع ما ورد من الترغيب في ذلك لمطلق الناس يعني الترغيب في التعطر والتطيب والتنظف والنظافة من الإيمان فهو في حق العالم والمتعلم أكد.

هذا تمام الكلام في النوع الأول وهو الآداب المشتركة.

النوع الثاني آداب يختص بها المعلم يأتي عليها الكلام.