الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الأخلاق

44/05/12

بسم الله الرحمن الرحيم

 

موضوع: الدرس الثانی عشر:القسم الثاني في آدابهما درسهما واشتغالهما

بحث الشهيد الثاني ـ أعلى الله في الخلد مقامه ـ آداب المفيد والمستفيد في كتابه منية المريد في قسمين:

القسم الأول الآداب المشتركة.

القسم الثاني الآداب الخاصة.

القسم الأول الآداب المشتركة قسمه إلى قسمين:

القسم الأول آدابهما في أنفسهما.

والقسم الثاني آدابهما في درسهما واشتغالهما.

هناك آداب عامة كالإخلاص لله عز وجل وهناك آداب تختص بالدرس ذكر الشهيد الثاني ستة أمور:

الأمر الأول الجدّ والاجتهاد ودوام القراءة والمطالعة والتعليق والمباحثة والمذاكرة والفكر والاجتهاد والحفظ طالب العلم ينبغي أن يلازم الدراسة تكون رأس ماله.

يقول الشيخ محمد جواد مغنية في كتابه تجارب محمد جواد مغنية الذي طبع بعد وفاته:

كنت اشتغل في اليوم ستة عشر ساعة بين كتابة وقراءة ومطالعة خصصت ستة عشر ساعة للبحث والتحقيق.

ويقول في مقدمة كتاب نهج البلاغة كتابه في ظلال نهج البلاغة:

قررت أن أترك الكتابة والتأليف ولكن طغت عليّ عادة الكتابة فكانت النتيجة كتابة تفسير الكاشف سبعة مجلدات وفي ظلال نهج البلاغة أربع مجلدات فعرفت أنني لا أستطيع ترك الكتاب ولهذا أسأل الله عز وجل أن يمن عليّ في قبري بقلم وقرطاس حتى أواصل الكتابة.

فهل أنت كذلك يا طالب العلم؟!

ويقول سماحة الشيخ محمد رضا النعماني في كتابه الشهيد الصدر سنوات المحنة وأيام الحصار:

كان الشهيد السيد محمد باقر الصدر يشتغل في اليوم عشرين ساعة بين القراءة والكتابة والتدريس والتفكير وكان أكثر وقته في التفكير في المادة العلمية.

الشهيد الصدر في صغره كان يذهب إلى ضريح أمير المؤمنين ـ عليه أفضل صلوات المصلين ـ ويجلس مقابل ضريح أمير المؤمنين ويتفكر ويتأمل في المطالب العلمية ويصل إلى نتائج فكرية هذا أيام عزوبيته.

في يوم من الأيام مرض الشهيد الصدر ولم يذهب لزيارة أمير المؤمنين فرأت أمه أمير المؤمنين ـ عليه أفضل صلوات المصلين ـ في المنام وقال لها لِمَ لم يحضر السيد محمد باقر الصدر إلى الدرس اليوم؟

فعلم أن هذه التأملات التي تحصل لديه مقابل ضريح أمير المؤمنين تعليم وإلهام من علي بن أبي طالب ـ عليه أفضل صلوات المصلين ـ .

ويقول صدر المتألهين الشيخ محمد إبراهيم صدر الدين الشيرازي صاحب الأسفار الأربعة الذي اعتزل الناس في قم وهرب إلى كهك يعبد الله في سفح هضبة إلى الآن موجود إذا تزورون كهك موجود المكان الذي كان يتعبد ويتهجد فيه صدر المتألهين حورب لم يفهم في ذلك الأيام لم يفهم رأيه يقول:

إذا أشكلت عليّ مسألة أخرج ماشياً من كهك إلى ضريح المعصوم كم كيلو متر؟ قرابة خمسة وثلاثين كيلو متر ثم ينصّ:

وقد توصلت إلى المسألة مقابل ضريح السيدة فاطمة المعصومة ـ صلوات الله وسلامه عليها ـ .

العلم وحشي إن ترك يمشي، العلم حرف وتكراره ألف، يقول صاحب العروة الفقه فرار فاستعينوا عليه بالمدارسة.. فعليك بدوام المدارسة ودوام المباحثة وأن لا تشغلك الشواغل عن طلب العلم.

هناك مقولة مشهورة إلى الشهيد الثاني صاحب يقول:

لو كلفت ببصلة ما حفظت مسألة.

حاول أن تتفرغ لطلب العلم خصوصاً عن الأمور الدنيوية حاول تقتصر على قدر الضرورة من أمورك الدنيوية لذلك يقولون:

العلم إن أعطيته كلك أعطاك بعضه.

عن أبي عبد الله الصادق كشاف الحقائق ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ قال (قال رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ إن الله عز وجل يقول تذاكر العلم بين عبادي مما تحيا عليه القلوب الميتة إذا هم انتهوا فيه إلى أمري) يعني المهم يراد بطلب أمر الله ووجه الله.

وعن الباقر ـ عليه السلام ـ (رحم الله عبداً أحيا العلم، فقيل: وما إحياؤه؟ قال أن يذاكر به أهل الدين والورع)، وعن الباقر ـ عليه السلام ـ (تذاكر العلم دراسة والدراسة صلاة حسنة).

إذا الأمر الأول والآدب الأول من آداب العلم الدراسة، يقولون:

الشهيد الصدر كان عنده غرفة يسمونه طاقتچه باللهجة العراقية غرفة صغيرة أعلى الدار هذه تكون حارة جداً يذهب ويتفرغ للدراسة فيها.

وحدثني سماحة آية الله المجاهد الشيخ عيسى أحمد قاسم في مجلس الدرس مجلس درس الأخلاق في بيته بقم قبل خمسة وعشرين سنة يقول:

الشهيد السيد محمد باقر الصدر كان نابغة في صغره وقد عرضوا على عائلته أن يذهب للدراسة في أوروبا تقبله أفضل الجامعات عبقري كان، وقال بعضهم لما تدرس في الحوزة فيها فقر فيها جوع فيها تعب والمستقبل مفتوح أمامك، فخيرته العائلة وكان أبوه السيد حيدر ـ رحمة الله عليه ـ يرغب أن ابنه يصير على مسلكة طالب علم لكنه خيره.

فقال لهم الشهيد الصدر أمهلوني أسبوع وبعد الأسبوع أعطيكم الجواب، بعد الأسبوع قال الشهيد الصدر قررت أن أدرس في الحوزة العلمية، قيل له لم أمهلتنا أسبوع؟

قال أنا سمعت أن الحوزة فيها فقر وجوع وأردت أن أجرب نفسي واختبر نفسي أتحمل ففي هذا الأسبوع اكتفيت بالخبز اليابس والماء.

أنتم الآن ما شاء الله تشربون الشاي والكيك إن هذا الشاي لو يشربه ميت في قبره أحيا عظامه، الشهيد الصدر أسبوع ماي وخبز يابس، يقول بعد الأسبوع اكتشفت أنني أتحمل فقررت أن أدخل الحوزة العلمية، ألا وإن الشجرة البرية أصلب وعوداً وأقوى وقوداً كما يقول جده علي بن أبي طالب ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ إذا الآدب الأول دوام وهذا ليس للطالب المبتدأ حتى للطالب المنتهي.

اسمع هاي إلقاء الخاطر والقصة في يوم من الأيام جاء سماحة حجة الإسلام والمسلمين الأمين العام لحزب لبنان السيد حسن نصر الله ـ أيده الله ـ إلى قم وزار سماحة آية الله العظمى الشيخ محمد تقي بهجت ـ رحمة الله عليه ـ وأخذ يعرض على الشيخ بهجت آخر تطورات المنطقة في لبنان وصراع حزب الله مع الكيان الصهيوني الغاصب وتحولات المنطقة وبعد أن أكمل السيد حسن نصر الله كلامه السياسي.

قال له الشيخ بهجت بقي شيء لم تتكلم عنه.

قال وما هو؟

قال الدرس أنت الآن مشغول بماذا؟

فقال السيد حسن نصر الله للشيخ بهجت مع هذه المشاغل وهذه المهام لا وقت للدرس.

قال لا قال الشيخ بهجت لا تواصل الدرس ولو بمباحثة إلى آخر العمر.

يقول الشيخ بهجت طلبت من الله أن أوفق لمواصلة التدريس إلى آخر عمري، وفعلاً إلى آخر عمره كان يدرس السيد الخوئي إلى آخر عمره السيد الخوئي درس بحث الخارج وعمره ثمانية وعشرين سنة أتوقف آخر سنتين من عمره السيد الخوئي عمر ثلاثة وتسعين سنة من عام ألف وتسعمائة ميلادية ولد إلى عام ألف وتسعمائة وثلاثة وتسعين اثنين وتسعين اثنين وتسعين اثنين وتسعين سنة عاش السيد الخوئي بالميلادي الفارق بينه وبين السيد الإمام سنتين يعني السيد الخوئي درس البحث الخارج فقط كم سنة؟ من عمره ثمانية وعشرين إلى تسعين سنة.

اثنين وستين سنة درس كتاب الصلاة مرتين ودرس كتاب البيع والمكاسب مرتين لو لم يكرر تدريس كتاب الصلاة والمكاسب لدرس الفقه بأكمله من أوله إلى آخره ويا ريت درسه بأكمله من الاجتهاد والتقليد والطهارة إلى الديار.

إذا يا أخي يا أخي عليك بدوام المباحثات ودوام المذاكرة الإمام القائد الخامنئي على الرغم من كونه ولي أمر المسلمين يدرس خارج يوم الاثنين، الإمام السيستاني لا يدرس لكن عنده مباحثة خاصة مع ابنيه السيد محمد رضا السيستاني والسيد محمد باقر السيستاني سيرة علمائنا هكذا.

نختم بهذه القصة البيروني في حالة الاحتضار زاره أحد العلماء فالبيروني سأل البيروني احتضار في حالة النزاع موت سأل العالم الذي جاءه مسألة فقال العالم هل هذا وقت مسألة وأنت في حالة الاحتضار؟

فقال البيروني أيهما أفضل؟ أن أموت وأنا عالم بهذه المسألة أو أموت وأنا جاهل بهذه المسألة قال أن تموت وأنت عالم بهذه المسألة قال إذا أجبني.

طالب العلم هكذا همه العلم والبحث والتنقيب والمباحثة والمعرفة أما الذي يمل نحن قاعدين نسولف جايب لنا مطلب علمي شنو؟ هذا ليس طالب علم.

أخذ هذي الخاطرة أخذ هذي الخاطرة صحيح درجات والذين أوتوا العلم درجات لكن عندما نحن نذكر القمم لا تقيس روحك بالقمم بس حاول تصل إليها.

الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين ـ لعنة الله عليه ـ حاصر بيت السيد الخوئي وأنزل الهيلوكبتر على بيت السيد الخوئي وأخذ السيد الخوئي من النجف إلى بغداد وطلع في التلفاز مع السيد الخوئي.

صدام يخاطب السيد الخوئي كيف صحتكم سيدنا؟

السيد الخوئي يقول لم يبقى من العمر إلا القليل.

تبكي إذا تشوف هاي المنظر.

أراد أن يكسر السيد الخوئي وأن يؤذيه وأن يكسر الشيعة بإهانة المرجعية الدينية في النجف الأشرف.

لما رجع السيد الخوئي إلى بيته في النجف الأشرف كان متأذن جداً متأثر.

فقال أحد العلماء نريد أن نغير الجو للسيد الخوئي، فقال لأحدهم اطرح مسألة علمية، فلما طرح المسألة العلمية ناقشه السيد الخوئي ومسألة علمية ثانية وثالثة فتغيرت الأجواء عند السيد الخوئي هل أنت هكذا؟!.. لو تقول أنا في مصيبة والناس في سلسلة والعروس تريد رجل.

إذا أنت فعلاً نهمك العلم عشقك العلم.

الأمر الثاني مهم جداً واقعاً بعض كلمات الشهيد الثاني إذا أقرأها ارتعش اهتز الأمر الثاني مما يوجب الرعشة الأدب الثاني أن لا تسأل أحداً تعنتا أو تعجيزه يعني ترك المراء ترك الجدل تسأل لله تسأل من أجل طلب الحقيقة لا من أجل الشهرة أو التأمر في المجالس تسأل قاصداً الإرشاد أو طلب الاسترشاد زبدة العلم التعليم أو التعلم للعمل.

أما إذا كان قصدك مجرد المراء والجدال والخصام وحبّ الظهور وحبّ الشهرة وحبّ الغلبة هذا يثمر في النفس شجرة خبيثة وملكة رديئة توجب المقت من الله عز وجل وغضب الله عز وجل هذا إرضاء للقوة الغضبية يشفي غليل نفسه.

وفيها آثام كثيرة من هذه الآثام إيذاء المخاطب وتجهيل المخاطب والطعن فيه وفيه ثناء على النفس وتزكية لها وهذه كلها ذنوب مؤكدة وعيوب منهي عنها في محلها من السنة المطهرة وأيضاً يوجب تشويش العيش لذلك لا تماري سفيهاً ولا تجادل سفيها فإنه سيؤذيك ولا تماري حليماً إلا ويقليك يبغضك ينفر منك إذا هو حليم ينفر منك وإذا هو سفيه يأذنك.

وقد أكد الله على لسان نبيه والأئمة ـ عليهم السلام ـ تحريم المراء، قال النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ لا تماري أخاك يعني لا تجادله لا تماري أخاك ولا تمازحه ولا تعده موعداً فتخلفه.

وقال ـ صلى الله عليه وآله ـ ذروا المراء فإنه لا تفهم حكمته ولا تؤمن فتنته.

وقال ـ صلى الله عليه وآله ـ من ترك المراء وهو محق بنى بني له بيت في أعلى الجنة ومن ترك المراء وهو مبطل بني له بيت في ربض الجنة.

وعن أم سلمة ـ صلى الله عليه وآله ـ عن أم سلمة ـ رضي الله عنها ـ قالت قال رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ إن أول ما عهد إلي ربّي ونهاني عنه بعد عبادة الأوثان وشرب الخمر ملاحاة الرجال.

وقال ـ صلى الله عليه وآله ـ ما ضلّ قوم إلا أوثقوا الجدل.

وقال ـ صلى الله عليه وآله ـ لا يستكمل عبد حقيقة الإيمان حتى يدع المراء وإن كان محقاً.

وقال الصادق ـ عليه السلام ـ المراء داء دوي يعني مرض مدوي وكبير المراء داء دوي وليس في الإنسان خصلة شرّ منه وهو خلق إبليس ونسبته فلا يماري أي حال كان إلا من كان جاهلاً بنفسه وبغيره محروماً من حقائق الدين.

وروي هذه رواية عن الصادق رواية طويلة رواية عن الإمام الصادق من الراوي؟ الإمام الصادق وروي أن رجلاً قال للحسين بن علي ـ عليهما السلام ـ اجلس حتى نتناظر في الدين، فقال يا هذا أنا بصير بديني مكشوف عليّ هداي فإن كنت جاهلاً بدينك فاذهب فاطلبه مالي وللمارات.

وإن الشيطان ليوسوس للرجل ويناجيه ويقول ناظر الناس لأن لا يظنوا بك العجز والجهل ثم المراء لا يخلو من أربعة أوجه:

إما أن تتمارى أنت وصاحبك فيما تعلمان فقد تركتما بذلك النصيحة وطلبتما الفضيحة وأضعتما ذلك العلم أو تجهلانه فأظهرتما جهلاً وخاصمتما جهلاً وإما تعلمهانه فظلمت صاحبك بطلب عثرته أو يعلمه صاحبك فتركت حرمته ولم تنزل منزلته وهذا كله محال فمن أنصف وقبل الحق وترك المماراة فقد أوثق إيمانه وأحسن صحبة دينه وصان عقله.

يعني إما كلاكما يعلم أو كلاكما يجهل أو الأول يعلم دون الثاني أو الثاني يعلم دون الأول هذا كله من كلام الصادق ـ عليه السلام ـ .

ثم يقول الشهيد الثاني كلمات حلوة واعلم أن حقيقة المراء الاعتراض على كلام الغير بإظهار خلل فيه لفظاً أو معنى أو قصداً لغير غرض ديني أمر الله به.

في يوم من الأيام يقول سماحة آية الله الشيخ إبراهيم الأميني إمام جمعة قم وعضو مجلس الخبراء ـ رحمة الله عليه ـ يقول:

صارت فاتحة في قم وفي الفاتحة جلس الإمام الخميني إلى جانب السيد محمد حسين الطباطبائي صاحب تفسير الميزان فأحببت أن اعرف أيهما أقوى في الفلسفة؟ فجئت وطرحت السؤال الفلسفي ولم أوجه لأي منهما، فلما انتهيت من السؤال التفت صاحب الميزان إلى السيد الإمام وابتسم فابتسم له السيد الإمام الخميني وأذن له بالجواب فأجاب صاحب الميزان ولم يعلق الإمام الخميني.

ثم يقول الشيخ الأميني طرحت سؤال فلسفي ثاني فالتفت السيد الإمام الخميني مبتسماً إلى السيد صاحب الميزان فابتسم صاحب الميزان وأذن للإمام فأجاب الإمام الخميني ولم يعلق صاحب الميزان على الجواب.

يقول فعلمت أن هذين العلمين لا يمكن أن أوقعهما في مجادلة أبداً هذا مهم.

ومرّ أنا بنفسي حضرت مجلس في طلاب علم وجاء واحد قال تريد أن أوقع المشاجرة بينهم؟ قلت له كفّ عن ذلك قال لاحظ الآن لاحظ الآن، ماذا تقول في صحيحة ابن أبي يعفور؟

فاشتبكوا وحصل صراخ كاد أن يصل إلى الأيدي وتزاعل وخرجنا متزاعلين.

مشكلة قلت كيف هذا تحكم فيهم يعني؟ يحتاج الواحد يروض نفسه فلا تزكوا أنفسكم هو اعلم بمن ارتضى.

يا أخي الجدال فيه شهوتان رديتان إما شهوة إظهار الفضل أو شهوة تنقيص الآخرين خطير الجدال خطير إما تقول أنا عندي أنا رجل أو أنت رجل هذا معنى الجدال خطير.

ولذلك قد يقول يتصيد عليه في كلماته هذه الكلمة غير صحيحة هذه الحركة هنا غير دقيقة هذه كذا غير كذا أو هذا المعنى غير كذا.

سؤال كيف تعرف أن أنت لما تجادل ها مقصدك صحيح أو فاسد لله أو لغير الله يقول: إذا ظهر الحق على لسان غيرك إذا الذي جاوب صح غيرك إذا أنت تفرح فأنت قصدك لله أما إذا تحزن لست أنا الذي أجاب فلان الذي أجاب فاعلم أن مقصدك سيء، يقول:

وعلامة فساد مقصد المتكلم تتحقق بكراهة ظهور الحق على غير يده ليتبين فضله ومعرفته بالمسألة والباعث عليه الترفع بإظهار الفضل والتهجم على الغير بإظهار نقص وهما شهوتان رديتان للنفس.

أما إظهار الفضل فهو تزكية للنفس وهو من مقتضى ما في العبد من طغيان دعوة الغلو الكبرياء وقد نهى الله تعالى عنه في محكم كتابه فقال سبحانه (فلا تزكوا أنفسكم) واقعاً هذه الكلمات كتبها الشهيد الثاني بعد المجاهدة تخجل من نفسك إذا تقرأها.

وأما تنقيص الآخر فهو مقتضى طبع السبعية فإنه يقتضي أن يمزق غيره ويصدمه ويؤذيه وهي مهلكة الذئب هذا ديدنته الذئب صبر يؤذي النمر الأسد الفهد ينقض على الفريسة يؤذي.

والمراء والجدال مقويان لهذه الصفات المهلكة ولا تنفك المماراة عن الإيذاء وتهييج الغضب وحمل المعترض على أن يعود فينصر كلامه بما يمكنه من حق أو باطل ويقدح في قائله بكل ما يتصور فيثور التشاجر بين المتمارين كما يثور التهارش بين الكلبين يقصد كل منهما أن يعضد صاحبه بما هو أعظم نكاية وأقوى في إفحامه وإنكائه.

سؤال ما هو علاج المراء والجدل؟

أن يكسر الكبر الباعث له على إظهار فضله ويكسر السبعية الباعثة له على تنقيص غيره بالأدوية النافعة في علاج الكبر والغضب.

إذا يراجع بحث الكبر وبحث الغضب، كيف تسيطر على قوة الغضب عندك؟ وكيف تسيطر على غريزة الكبر التابعة للقوة الغضبية؟

لا يخدك الشيطان يقول لك أظهر الحق ولا تداهن فيه فإنه أبداً يستجر الحمقى إلى الشر في معرض الخير فلا تكن ضحكة الشيطان يسخر منك يخليك مسخرة فإظهار الحق حسن مع من يقبل منه إذا وقع على وجه الإخلاص ومع ذلك من طريق النصيحة بالتي هي أحسن لا بطريق المماراة.

فلنصيحة صفة وهيئة تحتاج إلى التلطف وإلا صارت فضيحة فكان فسادها أعظم من صلاحها ثم يقول صاحب المنيه في الختام اسمع القنبلة قال:

ومن خالط متفقهة هذا الزمان والمتسمين بالعلم غلب على طبعه المراء والجدل وعثر عليه الصمت إذا ألقى عليه قرناء السوء أن ذلك هو الفضل ففر منهم فرارك من الأسد.

نختم بهذه القصة وإن انتهى الوقت اختم بهذه القصة:

في يوم من الأيام أشقياء أصفهان أرادوا يؤذوا العلامة المجلسي صاحب بحار الأنوار مؤلف مئة وعشرة جزء بحار الأنوار وكان برتبة وزير عند الدولة الصفوية رتبة شيخ الإسلام يعني مفتي الديار.

جاء بعض الأشقياء في الليل بعد منتصف الليل طرقوا باب العلامة المجلسي خرج خادمه ما الخطب؟

قالوا عندنا مسألة ضرورية قال الشيخ نايم قال أيقظوه أيقظوا العلامة المجلسي، قال نعم.

قالوا ها نسينا المسألة.

قال جيد إذا اذهبوا وإذا رجعتم إن شاء الله أجيبكم.

بعد ساعة جاؤوا مرة ثانية طرقوا الباب نعم تذكرنا المسألة، قال الشيخ نايم، قال أيقظوه، أيقظوا العلامة المجلسي جاء العلامة المجلسي نعم تفضلوا.

قالوا وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره الآن نسينا المسألة سبحان الله نسيناها.

قال جيد اذهبوا إذا تذكرتم جاؤوا في مرة الثالثة أيقظوا العلامة المجلسي جاء نعم قال إن شا الله ما نسيتم قالوا لا لم ننسى، قال ما هي مسألتكم؟

قالوا العذراء حلوة أو حامضة أو مرة.

فأجاب العلامة المجلسي بهدوء قال العذرة أول ما تخرج حلوة والدليل على ذلك يحل عليها الذباب والذباب يتواجد على الشيء الحلو ثم بعد مدة تصبح حامضة والدليل على ذلك حلول البعوض عليها والبعوض يحل على الشيء الحامل ثم بعد مدة تصبح مرة لأنها تتفسخ والديدان تخرج منها والديدان تتواجد في الشيء المر هذا جواب مسألتكم.

فانكبوا على يديه يقبلونها قالوا نحن نشهد أنك عالم حليم نحن جادلناك لاختبارك قلنا لعله أنت صرت الآن قاضي القضاة وصرت شيخ الإسلام أخذك المنصب ولكننا وجدناك عالماً ربانياً طبقت روايات أهل البيت ونعاهدك أن نصلي معك جماعة يومياً صلاة الصب.ح

فاهتدى أشقياء أصفهان على يدّ العلامة المجلسي ببركة سؤال العذرة أستغفر الله أو ببركة حلم العلامة المجلسي هكذا كان علماؤنا الحديث عن العلماء حلو وممتع وأنتوا حلوين.