44/03/21
موضوع: آدابهما فی انفسهما ذکر لبعض النکات والروایات
انتهينا بحمد الله عزّ وجل من مقدمة كتاب منية المريد في آداب المفيد والمستفيد للشهيد الثاني زين الدين العاملي ـ أعلى الله مقامه الشريف ـ المقدمة فيها شواهد حول أهمية طلب العلم، أولاً شواهد قرآنية ثم شواهد من السنة ثم شواهد من الأئمة ثم شواهد من كلمات العلماء ويجمعها أنها شواهد نقلية هذا القسم الأول من المقدمة، القسم الثاني من المقدمة شواهد عقلية ماذا يقول العقل في أهمية طلب العلم؟
فذكر الشهيد الثاني ـ رضوان الله عليه ـ شواهد من النقل والعقل في أهمية طلب العلم وبعد الانتهاء من المقدمة شرع في الباب الأول في آداب المعلم والمتعلم وقسمها إلى ثلاثة أنواع:
النوع الأول آداب اشتركا فيها.
النوع الثاني آداب يختص بها المعلم.
النوع الثالث آداب يختص بها المتعلم.
نشرع اليوم إن شاء الله تعالى في النوع الأول الآداب المشتركة بين المعلم والمتعلم وقسمها إلى قسمين:
القسم الأول آدبها في أنفسهما، هذا القسم الأول يعني آدب المعلم مع نفسه وآدب المتعلم مع نفسه، ركز فيها الشهيد الثاني على أهمية الإخلاص وأهمية النية، وذكر عدة فصول تحت عنوان فصلٌ فصلٌ فصلٌ من دون تقييده بالأول والثاني والثالث هذا في أصل نسخة منية المريد وفقاً لتحقيق جماعة المدرسين في الحوزة العلمية في قم المشرفة.
ولكن هذه النسخة التي طبعتها منشورات إسماعيليان ـ الله يرحمه ـ الحجي سيف الله إسماعيليان ما لحقتون عليه أولما ما جيت الحوزة قبل ثلاثين سنة ذهبت وزرته في المكتبة يتكلم عربي، قلت له عندك شرح ابن أبي الحديد للمعتزلي، قال وشبك وشبك، خذّ هذا الشرح على جامع السعادات (يزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة) أولاً إبدأ بالتزكية بعدين التعليم، رحمة الله عليه.
الأمر الأول وركز فيه في عدة فصول على أهمية الإخلاص، في هذه النسخة نسخة إسماعيليان عنون الفصول:
الفصل الأول من طريق الخاصة يعني الروايات طبعاً الذي قبله في فصل قبله يعني المفروض الفصل الأول الروايات من طريق العامة روايات سنة أكثرها وردت في كتاب كنز العمال للمتقي الهندي.
الفصل الثاني من طريق الخاصة أما هنا عنونة الفصل الأول، كله روايات من طريق الشيعة الإمامية أكثرها من أصول الكافي وآخر رواية من كتاب الخصال للشيخ الصدوق.
الفصل الثالث من أحاديث الأنبياء والرسل.
هذه الفصول كلها روايات، إلى الفصل الثالث في درجة الإخلاص، نحن اليوم في هذه الربع ساعة سوف نأخذ الفصول الثلاثة الأول التي كلها روايات ولكن من كل فصل نقرأ رواية واحدة والباقي تقرؤونه إن شاء الله، إلى أن نصل للفصل الثالث في درجة الإخلاص ثم بعد ذلك يرجع الفصل الأول منزلة العلم من العمل هذه كلها ترتيبات من عندهم من نفس انتشارات إسماعيليان وإلا النسخة الأصلية للشهيد الثاني فصلٌ فصلٌ إذا نريد نعنون هذه الفصول المفروض الفصل الأول من العامة، الفصل الثاني الروايات من طريق الخاصة، الفصل الثالث الروايات من أحاديث الأنبياء والرسل، الفصل الرابع في درجة الإخلاص، الفصل الخامس في منزلة العلم من العمل، الفصل السادس في ضروب تقسيم العالم، الفصل السابع التوكل على الله، هذا تمام الكلام في القسم الأول.
يعني آدب المتعلم والمعلم مع نفسه ثم يأتي القسم الثاني آداب المعلم والمتعلم في درسهما واشتغالهما، القسم الأول آدبه مع نفسه والقسم الثاني آدبه عند الدرس والتدريس.
إذا في القسم الأول آدب المعلم والمتعلم مع نفسه ذكر الشهيد الثاني ـ رضوان الله عليه ـ أمرين: الأول الإخلاص والثاني التوكل على الله تبارك وتعالى.
نحن اليوم نشرع من الأول الإخلاص في الروايات، القسم الأول روايات أهل السنة والقسم الثاني روايات الشيعة الإمامية والقسم الثالث ما ورد على لسان الأنبياء والمرسلين عليهم أفضل صلوات المصلين، وفي هذه الربع ساعة اليوم نختم ثلاثة فصول الروايات، لنأتي إلى الفصل الرابع لنبحث درجة الإخلاص، تعلم في الدرس تعرف كيف تلخص؟ وكيف تفصل؟
الإلقاء والتدريس بين الإطناب والإيجاز إذا تصير خطيب بارع وأستاذ مصقل تعلم كيف تستطيع تختصر وكيف تستطيع تسهب وتطنب.
اذكر نكتين في الإخلاص ـ ما يضحكون ـ نقطتين علميتين مهمتين:
النكتة الأولى جاء في بعض الروايات (ما عظم أمرٌ كما عظمت عليه النية)، (ما قوي أمرٌ كما قويت عليه النية)، يعني المائز بين عمل المؤمن والكافر والمنافق هو النية، من هنا ورد (نية المؤمن خيرٌ من عمله) لأن العمل بما هو عمل يقوم به الكافر ويقوم به المنافق ويقوم به المؤمن، من هنا ورد (ضربت علي لعمر يوم الخندق أفضل من عمل الثقلين إلى يوم القيامة).
سؤال: لماذا ضربت علي بن أبي طالب لعمر بن ودّ العامري يوم الخندق تعدل عمل الثقلين، ما المراد بالثقلين؟ الأنس والجن إلى يوم القيامة كل أعمالهم، لماذا؟ لأنهم لن يستطيعوا أن يأتوا بإخلاص ونية علي بن أبي طالب.
إذاً النكته الأولى ما قوي أمرٌ كما قويت عليه النية.
النكتة الثانية في بعض الروايات إشارة إلى نكتة الخلود والجنة في النار وأن الخلود بسبب النية والإخلاص، عجيب كيف توجه؟ بعض الروايات تقول هكذا إن الله عزّ وجل علم نية الكافر والمنافق، وأنه لو ارجعه إلى الدنيا لعمل مثل العمل الذي كان يقوم به ولا يتراجع عنه، لذلك خلده في النار، كما علم أيضاً نية المؤمن وأنه لو ارجعه إلى الدنيا لقام ما يقوم به من عبادات وطاعات إذا سرّ خلود المؤمن في الجنة هو خلود الكافر والمنافق في النار هو استمرار نيته وإخلاصه في عمله، قال تعالى (وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ).
الآن نقرأ الروايات تبركاً، من كل فصل رواية، ومن كل بستان زهرة وأنتم زهور والحقل لا يزدان إلا بالألوان المختلفة والروائح المتباينة والبهية.
القسم الأول آدابهما في أنفسهما
أول ما يجب عليهما إخلاص النية للع تعالى في طلبه وبذله فإن مدار الأعمال على النيات.
سؤال: الله عزّ وجل يثيب على الكم أم على الكيف؟
الجواب: على الكم والكيف معاً، فالآن ثواب صلاة واحدة مثل صلاة ألف ركعة؟! الله يثيب على الكيف ولكن مقدار الثواب على الكم يتحكم فيه الكيف، لذلك ورد (إن من الصلاة ما يلف كما تلف السجادة ويضرب بها وجه صاحبها لأنه ما في كيفية ولا إخلاص لله عزّ وجلً) إذاً الثواب على الكيف والكم معاً، ولكن الأهمية إلى الكيف والكيفية يعني الإخلاص وصدق النية.
سؤال: ما هو مدار الإخلاص وضابط الإخلاص؟
الجواب: إخراج ما عدا الله، المراد بالإخلاص التوجه إلى الله وصرف القلب عن التوجه عما عدا الله، لا يرى إلا الله، هذا هو الإخلاص، قال تعالى (فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ) قال تعالى (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) إذاً الفصل الأول الآيات الواردة في الإخلاص كثيرة.
الفصل الثاني الروايات من طرق العامة قال رسول الله صلى الله عليه وآله (نية المؤمن خير من عمله) وجاء في رواية أخرى عن النبي صلى الله عليه وآله (إنما يبعث الناس على نياتهم) هذا الفصل الثاني.
روايات العامة أكثرها من كنز العمال للمتقي الهندي وسنن الترمذي وسنن ابن ماجه، الروايات التي من طرق الخاصة كلها من أصول الكافي عدا الرواية الأخيرة فهي من الخصال.
الفصل الثالث هو الروايات من طرق الخاص، قال رسول الله صلى الله عليه وآله (منهومان لا يشبعان طالب دنيا وطالب علم، فمن اقتصر من الدنيا على ما أحل الله له سلم، ومن تناولها من غير حلها هلك إلا أن يتوب وأن يراجع ومن أخذ العلم من أهله وعمل به نجا ومن أراد به الدنيا فهي حظّه).
هناك نكته مهمة أشارت لها الرواية الشريفة أنت تطلب العلم لتعمل أم تطلب العلم لتعمل أم تطلب العلم لكي تتلفظ؟ أحياناً شخص يطلب علم لكي يتفوه به حتى يصير مدرس في الحوزة أو الجامعة هذا مبغوض، أحياناً يطلب العلم لكي يعمل به ومن العمل بالعلم تعليمه (زكاة العلم نشره وتعليمه) هذه رواية من طريق الخاصة.
الفصل الرابع من أحاديث الأنبياء والرسل، عن النبي صلى الله عليه وآله (أن موسى ـ عليه السلام ـ لقي الخضر ـ عليه السلام ـ فقال أوصني، فقال الخضر يا طالب العلم إن القائل أقل ملالة من المستمع فلا تمل جلساءك إذا حدثتهم، واعلم أن قلبك وعاء فانظر ماذا تحشوا به وعاءك، واعرف الدنيا وانبذها وراءك فإنها ليست لك بدار ولا لك فيها محل قرار وإنها جعلت بلغه للعباد ليتزودوا منها للمعاد، يا موسى وطن نفسك على الصبر تلقى الحلم، وأشعر قلبك التقوى تنل العلم، ورضي نفسك على الصبر تخلص من الإثم، يا موسى! تفرغ للعلم إن كنت تريده فإنما العلم لمن تفرغ له، ولا تكون مكثاراً في المنطق مهذاراً) مهذاراً على وزن مفعال صيغة مبالغة يعني كثير الهذر كثير الكلام، علامة العالم الصمت ما يتكلم كثير، العرفاء ما يتكلمون كثير يخشى يتكلم ويؤذي مؤمن تجده في حالة هدوء وطمئنينه واستقرار.
(إن كثرة المنطق تشين العلماء، وتبدئ مساوئ السخفاء، ولكن عليك بذي اقتصاد، فإن ذلك من التوفيق والسداد، وأعرض عن الجهال، واحلم عن السفهاء، فإن ذلك فضل الحلماء وزين العلماء، إذا شتمك الجاهل فاسكت عنه سلماً) يعني طلباً للسلم من أجل طلب السلام (وجانبه حزماً، فإن ما بقي من جهله عليك وشتمه إياك أكثر).
(يا ابن عمران! لا تفتحن بابا لا تدري ما غلقه، ولا تغلقن بابا لا تدري ما فتحه، يا ابن عمران! من لا تنتهي عن الدنيا نهمته، ولا تنقضي فيها رغبته كيف يكون . عابدا؟ من يحقر حاله ويتهم الله بما قضى له كيف يكون زاهدا؟ يا موسى! تعلم ما تعلم لتعمل به، ولا تعلمه لتحدث به، فيكون عليك بوره ـ يعني وزره ـ، ويكون على غيرك نوره).
نختصر نكتفي بهذه الرواية التي عليها مسحه من نور، إن شاء الله تقرؤون هذه الروايات روايات أهل بيت العصمة والطهارة.
هناك نكته مهمة قراءة القرآن جيدة ولكن القراءة مع النظر في المصحف أجود، روايات تقول إذا تقرأ وأنت تنظر إلى خطّ المصحف هذه فيها نور، كذلك الروايات تسمع مضمون الرواية جيد ولكن تقرأ نصّ الرواية أجود فإن فيه مسحه من نور، لذلك الشهيد الثاني نقل نصّ الروايات الشريفة.
كانت أستاذنا الشيخ ميرزا جواد التبريزي ـ رحمه الله ـ يمشي من المكتبة إلى الدرس ويحمل كتابين العروة الوثقى (فقه آل محمد) ووسائل الشيعة (روايات وأحاديث آل بيت محمد) ويقول أنا أحملهما تبركاً أحمل روايات أهل البيت وأحمل فقه أهل البيت ـ عليهم السلام ـ هذا الجانب جانب التنسك جانب التعبد مطلوب في طالب العلم.
طالب العلم يختلف عن طالب الجامعة فطالب الجامعة يدرس دراسة أكاديمية يختصص في حقل علمي معين، ولا دخل للتنسك في ذلك إذا أضاف إليه نور على نور، ولكن طالب العلم المطلوب فيه عنصر الأسوة عنصر القدوة أن يكون متعبداً أن يكون متهجداً أن يكون متنسكاً.
وفقنا الله وإياكم لما يحب ويرضى الفصل الثالث في درجة الإخلاص يأتي عليه الكلام وصلى الله على محمدٍ وآله الطيبين الطاهرين.