الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الأخلاق

43/08/17

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: فی فضل العلم من القرآن الکریم

قال الله تبارك وتعالى في كتابه الكريم وخطابه المجيد بسم الله الرحمن الرحيم (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات) آمنا بالله صدق الله العلي العظيم.

الكلام في الفصل الأول من كتاب منية المريد في آداب المفيد والمستفيد.

الفصل الأول شواهد نقلية، الشواهد النقلية أقسام:

القسم الأول شواهد من القرآن.

القسم الثاني شواهد من السنة.

القسم الثالث شواهد من الأثر والأثر في مصطلح الدراية وعلم الحديث ما ينسب إلى التابعين أو ما ينسب إلى الصحابة والتابعين والسنة هي خصوص ما ينسب إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ هذا مصطلح في علم الدراية عند أهل السنة يفرقون بين الحديث وبين الأثر هناك اختلاف في المصطلحات هذا اصطلاح مشهور أن الحديث ما نسب إلى رسول الله والأثر ما نسب إلى صحابة رسول الله أو التابعين لهم بإحسان.

الرابع القسم الرابع دليل العاقل.

اليوم إن شاء الله نأخذ الشواهد النقلية من القرآن الكريم، القرآن الكريم ركز كثيراً على العلم لأهميته بل إن أول آية قرآنية تطرقت إلى العلم، ما هي أول آية نزلت على رسول الله حينما كان يتعبد في غار حراء؟

بسم الله الرحمن الرحيم إقرأ باسم ربك الذي خلق * خلق الإنسان من علق * إقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم * علم الإنسان ما لم يعلم).

هناك مقارنة لطيفة بين أخس شيء وأرفع شيء القرآن الكريم ابتدأ بذكر أخس شيء إقرأ باسم ربك الذي خلق ابتداء بالرب عزّ وجل لكن لما تطرق إلى الإنسان ذكر أخس شيء (إقرأ باسم الذي خلق خلق الإنسان من علق) العلق مرحلة من مراحل تطور نطفة الإنسان ومني الإنسان.

الإنسان عادة يستقذر النطفة يستقذر المني نجس فالقرآن حينما تطرق إلى الإنسان في سورة العلق أول ما بدأ قمة الخساسة العلق ثم ذكر ما يقابل العلق (إقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم) ركز على حيثية العلم فذكر العلم والتعليم في مقابل النطفة يعني كنت في قمة الخساسة فرفعتك إلى أرفع درجات الشرف.

يعني يقول بعض العلماء لو كانت هناك صفة أشرف وأعلى من العلم لذكرها القرآن الكريم لأن هنا مقابلة بين قمة الخساسة والرجاسة في النطفة وبين قمة الشرف المتمثلة في العلم.

بعد يقولون في علم الأصول التعليق على الوصف مشعر بالعلية مثلاً شخص محتاج مساعدة يأتي إليك تقول اذهب إلى الكريم فلان هذه صفة كريم أو أكرم حاتم الطائي مشعرة بالعلية يعني لماذا تذهب إلى حاتم الطائي؟ لأنه كريم وسيقضي حاجتك.

هنا القرآن الكريم علق القضية على صفة الأكرام ما ذكر الموصوف قال (إقرأ وربك الأكرم) الموصوف ربك ثم الأكرم إذا الأكرمية لهم مدخلية في صفة تعليم الإنسان يعني الله عز وجل لأنه أكرم الأكرمين أراد أن يكرم الإنسان بأفضل شيء يكرم به وما هو أفضل شيء؟ علم الإنسان ما لم يعلم.

إذا هذه نكات مهمة ينبغي الالتفات إليها في فهم وتفسير سورة العلق يعني تكفي هذه أول سورة وأول آيات نزلت في القرآن الكريم كشواهد نقلية على بيان أهمية العلم.

أولاً قابل الله عز وجل في سورة العلق بين قمة الخساسة و قمة النفاسة وهي العلم.

وثانياً بين أن مقتضى أكرمية الله تعليم الإنسان وهذا حيثية جداً مهمة يعني إذا أنت تفد على الكريم يعطيك أكثر وأفضل ما عنده الله عز وجل أكرم الأكرمين حينما أراد أن يكرم الإنسان أكرمه بالعلم (الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم).

آيات كثيرة نصت على العلم قوله تعالى (الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن لتعلم أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما).

لاحظ بعد إن الله على كل شيء قدير ثم وأن الله قد أحاط بكل شيء علما ذكرنا في الدرس السابق أو المحاضرة السابقة أن مرجع الصفات الذاتية الإلهية الثبوتية إلى صفة العلم، يقولون أهم الصفات الذاتية الحياة والقدرة والعلم القدرة مرجعها إلى العلم، الله كيف يكون قادر؟ لعلمه.

فهنا لاحظ الآية الكريمة (لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما) لأن الله قد أحاط بكل شيء علما هو على كل شيء قدير.

الله عز وجل حينما أراد أن يصف كتابه الكريم القرآن الكريم قال (لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد).

الحكمة من أهم صفات العالم ومن يؤتى الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً.

بعد الله عز وجل رتب قبول الحق والأخذ به على التذكر (سيتذكر من يخشى) يعني الذي له أهلية التذكر هو من رزق الخشية، سؤال ومن الذي يخشى؟

قال تعالى (إنما يخشى الله من عباده العلماء) فحصر إنما حرف توكيد ونصب وحصر حصر الخشية في العلماء وبالتالي يكون العلماء هم أهل التذكر لأن الخشية محصورة في العلماء ومن أهم صفات الخاشعين التذكر.

قال تعالى (ومن يؤتى الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً) سمى العلم بالحكمة وعظم أمر الحكمة، قال تعالى (ومن يؤتى الحكمة) ثم قال في آية أخرى (وآتيناه الحكم صبيا) وفي آية أخرى (فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة) كل هذه الأمور الحكمة والحكم وإيتاء الكتاب يرجع إلى العلم كلها ترجع إلى صفة العلم.

ثم الله عز وجل رجح صفة العالمين على غيرهم، قال تعالى (هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب).

ثم الله عز وجل قارن بين أشياء كثيرة عشرة موارد يقول: هذا لا يستوي مع هذا، هل يستوي هذا مع هذا؟! هذه العشرة إذا تلاحظها وتدقق فيها مرجع الترجيح خمسة على خمسة هو العلم.

الآية الأولى (قل لا يستوي الخبيث والطيب) كيف أنت تميز بين الخبيث والطيب بالعلم.

المورد الثاني (الظلمة والنور) تفرق بينهما بالعلم.

المورد الثالث (الأعمى والبصير) تفرقة بينهما أيضاً بالعلم.

الجنة والنار التفرقة بينهما أيضاً بالعلم (الظل والحرور) التفرقة بينهما أيضاً بالعلم.

بعد يا أخي خلنا نترقى لعظمة أهل العلم الله قرن أهل العلم به وبملائكته لعظمة أهل العلم يقول الله لست أنا لوحدي أشهد أنا وملائكتي وأولو العلم قال تعالى (شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم) لكن فصل بينهم لم يقل شهدت أنا والملائكة وأولو العلم دائما القرآن يفصل بين الله عز وجل وبين أنبيائه وملائكته و يفصل بينهم (شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم).

بعد حصر العلم بتأويل القرآن به وبالراسخين في العلم قال تعالى (وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم)، قال تعالى (قل كفى بالله شهيداً بيني وبينكم ومن عنده علم كتاب)، قال تعالى (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات).

بعد الله عز وجل ذكر الدرجات لأربعة أصناف أفضل هذه الأربعة أصناف هم العلماء:

الصنف الأول أهل بدر قال تعالى (إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم) إلى أن يقول (لهم درجات عند ربهم) نصّ على أن البدريين ومن قاتلوا في بدر لهم درجات عند الله هذا المورد الأول.

المورد الثاني (وفضل الله المجاهدين).

المورد الثالث من عمل الصالحات قال تعالى (ومن يأتيه مؤمناً قد عمل الصالحات فأولئك لهم الدرجات العلى).

لكن المورد الرابع والأخير والمهم هم العلماء (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات).

الله عز وجل ذكر خمس مناقب للعلماء في كتابه:

المنقبة الأولى الإيمان، يعني من شأن العلم أن يكون الإنسان مؤمناً العلم يقتضي الإيمان، قال تعالى (والراسخون في العلم يقولون آمنا به) يعني نتيجة رسوخ علمهم آمنوا بالقرآن الكريم، لذلك يقولون العلم يدعو إلى الإيمان.

الخصيصة الثانية التوحيد، من شأن العلم أن يقودك إلى توحيد الله عز وجل قال تعالى (شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وألوا العلم).

الخصيصة الثالثة البكاء والحزن قال تعالى (إن الذين أوتوا العلم من قبله إلى أن يقول ويخرون للأذقان يبكون).

الخصيصة الرابعة الخشوع، قال تعالى (إن الذين أوتوا العلم من قبله) إلى أن يأتي في الآية ما يدل على الخشوع.

الخامسة الخشية (إنما يخشى الله إنما يخشى الله من عباده العلماء).

بعد الله عز وجل يخاطب نبيه ويأدب نبيه، ماذا يطلب؟ قال له (وقل ربي زدني علما) أن يزداد في العلم، قال تعالى (بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم) وقال تعالى (وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون) إلى هنا انتهت الشواهد القرآنية التي ذكرها الشهيد الثاني ـ رضوان الله عليه ـ في منية المريد تبقى شواهد من السنة إن شاء الله المحاضرة القادمة.

لكن لابد أن نذكر بعض القصص والشواهد من التاريخ سمي الإمام الباقر باقراً لأنه قد بقر العلم بقراً، إذا تراجعون سير الباقر وأن الخليفة الأموي قد استدعاه هشام بن الحكم استدعاه إلى الشام والإمام استطاع التخلص من الخليفة الأموي بالعلم وبالمناظرة ثم أذن له بالانصراف والرجوع إلى المدينة.

في الطريق الإمام الباقر ـ عليه السلام ـ مرّ على منطقة فرأى تجمعاً كبيراً فسأل ما هذا الخطب؟

قالوا حبر كبير من الأحبار لا يخرج في السنة إلا مرة واحدة لكي يجيب على أسئلة الناس، فتلثم الإمام الباقر ـ عليه السلام ـ حتى لا يعرف وجهه ودنا ثم سأل الراهب الإمام الباقر محادثة طويلة.

قال له أخبرني عن ساعة ليست من ساعات الليل ولا من ساعات النهار.

فقال الإمام الباقر ـ عليه السلام ـ هي بين الطلوعين بين طلوع الفجر وطلوع الشمس فإن المريض ينام في هذه الساعة المريض الذي لا ينام طول الليل في هذه الساعة ينام، عدة أسئلة أجاب عليها الإمام الباقر.

في البداية الراهب سأل الإمام الباقر أنت من هذه الأمة؟

قال نعم أنا من الأمة المرحومة أمة محمد ـ صلى الله عليه وآله ـ ثم سأله الراهب هل أنت من علمائها؟ قال لست من جهالها لاحظ تواضع الإمام الباقر لم يقل لست من علمائها يلزم الكذب قال لست من جهالها.

الإمام الباقر لما أفحم الراهب قال ما دام يوجد مثل هذا الرجل أنا لا أخرج أبداً فاعتكف في ديره انتشر الخبر رأسا الخليفة الأموي سارع بعث ناس دفعوا أموال حتى الإمام الباقر لا يلتقي بأحد في الطرقات التي يمر عليها بحيث يرجع إلى المدينة من دون أن يعرفه أحد.

وصفة العلم صفة بارزة في جميع أئمتنا ـ عليهم السلام ـ وهو السلاح الذي قلب به الإمام الرضا السحر على الساحر فالمأمون العباسي أراد من تنصيب الإمام الرضا لولاية العهد أن يضرب عصفورين بحجر.

العصفور الأول كانت هناك ثورات من العلويين بما فيها إخوة الإمام الرضا زيد النار الذي أحرق بيوت العباسيين فأراد المأمون أن يخمد الثورات العلوية، يقول هذا إمامكم الرضا هذا سيد العلويين الآن معنا ولي العهد.

ومن جهة أخرى أراد أن يحرج الإمام الرضا بالمناظرات فجاء بالصابئة وبالجاثليق وجاء المسيح وبالأحبار وعلماء اليهود لمناظرة الإمام الرضا وإظهار الإمام الرضا أمام الناس أنه لا علم له.

لكن الإمام الرضا هزمهم بأجمعهم وذاع صيته في البلدان حتى لقب بعالم آل محمد.

لذلك كل الأئمة من بعد الإمام الرضا من الإمام الجواد إلى الإمام الحسن العسكري لقبوا بابن الرضا يعني بالك عنا ها هذا ابن الرضا هذا ابن عالم آل محمد لصفة العلم البارزة.

لذلك طالب العلم ينبغي أن يتحلى بهذه الصفة المهمة أن يكون من أهل التحصيل العلمي حتى يكون إن شاء الله من الراسخين في العلم.

اختم بهذه النكتة القديمة الحديثة ما حدا غزا اليمن ما حد غزا اليمن وطلع منتصر اليمن مقبرة الغزاة ومين الذي فتح اليمن؟ علي بن أبي طالب ـ عليه السلام ـ وبماذا فتحها؟ بعلمه.

راجع التاريخ رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ بعث إليهم خالد بن الوليد فلم يستطع فتح اليمن أولو بأس شديد متعلمين على الجبال شجعان.

ثم النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ ارجع خالد بن الوليد وبعث علي بن أبي طالب وحينما بعثه قال يا علي اقض بينهم، قال كيف اقضي بينهم وأنا لا اعلم؟ فوضع يده على صدر علي ـ عليه السلام ـ قال الآن ستجيب على أي سؤال يسألونك.

فيقول علي ـ عليه السلام ـ وبعد أن وضع يده المباركة على صدره لم أحر في جواب قط.

الإمام علي ـ سلام الله عليه ـ لما راح إلى أهل وكانوا مستعدين للقتال قالوا له من أنت؟ قال أنا علي بن أبي طالب قالوا سمعنا أنك عالم فتناظروا معه لما شافوا علم علي بن أبي طالب دخلوا في الإسلام.

الشاهد هنا لما وصل الخبر إلى النبي محمد ـ صلى الله عليه وآله ـ بدخول أهل اليمن في الإسلام يقول المؤرخون سجد النبي سجدة طويلة شكراً لله يعني أهل اليمن أشاوس لم يدخلهم النبي في الإسلام إلا عن طريق علم علي بن أبي طالب.

إذا السلاح مو دائما بندقية وعتاد حربي سلاح العلم والمعرفة من أقوى الأسلحة فعليكم بسلاح العلم وفقنا الله وإياكم جميعاً لما يحب ويرضى وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين.