46/06/21
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: الأصول العملية/أصالة الاستصحاب /التنبیه السابع؛ المطلب الثالث: الموارد المستثناة من موارد عدم حجّیة الأصل المثبت
المطلب الثالث: الموارد المستثناة من عدم حجّیة الأصل المثبت
هنا ثلاثة موارد من الأصل المثبت قد ادّعی حجیتها بعض أعلام الأصوليين و إن كانت من مثبتات الاستصحاب، فلابدّ من البحث حولها.
المورد الأوّل: خفاء الواسطة
إنّ الشیخ الأعظم الأنصاري و بعض من تبعه مثل صاحب الكفایة قالوا بحجّیة الاستصحاب بالنسبة إلى لوازم المستصحب فیما إذا كانت الواسطة أمراً خفیاً و قد خالفهم البعض مثل المحقّق النائینی و المحقّق الخوئي و قالوا بعدم حجّیة الاستصحاب بالنسبة إلى تلك اللوازم و المثبتات.
نظرية الشیخ الأعظم الأنصاري
«إنّ بعض الموضوعات الخارجیة المتوسطة بین المستصحب و بین الحكم الشرعي من الوسائط الخفیة بحیث یعدّ في العرف الأحكام الشرعیة المترتّبة علیها أحكاماً لنفس المستصحب، و هذا المعنی یختلف وضوحاً و خفاءً باختلاف مراتب خفاء الوسائط عن أنظار العرف»([1] ).
ذکر الشيخ الأنصاري ثلاثة أمثلة لخفاء الواسطة:
المثال الأوّل
أفاد الشیخ الأعظم الأنصاري([2] [3] ) مثالاً لذلك و هو ما إذا كان هناك شيء نجس مرطوب و هو لاقی شیئا آخر یابساً و احتملنا تنجّس الشيء الیابس و الوجه في تنجّسه لیس إلا سرایة الرطوبة من الشيء النجس إلیه و أمّا صرف وجود الرطوبة في الشيء النجس فلایكفي في سرایة النجاسة إلیه و اتصافه بالتنجّس.
و بعبارة أخری إنّ وصف التنجّس لیس من أحكام ملاقاة الشيء الیابس للشيء النجس المرطوب ، بل لابدّ من أن تكون الرطوبة مسریة حین الملاقاة.
و يُتَسامَح في ذلك و یُظَنّ بأنّ التنجّس من أحكام نفس ملاقاة الشيء الیابس للشيء النجس المرطوب مع أنّ هناك واسطة خفیّة و هي سرایة الرطوبة من الشيء النجس إلى الشيء الآخر بسبب الملاقاة و لذلك اكتفوا في تنجّس الشيء الآخر باستصحاب بقاء الرطوبة في الشيء النجس المرطوب.
و من خالفهم في ذلك یقول بأنّ استصحاب الرطوبة في الشيء النجس بالنسبة إلى لوازمها العادیة و هي سرایة الرطوبة أصل مثبت، فالمقام لیس إلا مجری أصالة الطهارة.
ثمّ قال بعد ذلك: «و حكى في الذكرى عن المحقّق تعليل الحكم بطهارة الثوب الذي طارت الذبابة عن النجاسة إليه، بعدم الجزم ببقاء رطوبة الذبابة، و ارتضاه. فيحتمل أن يكون لعدم إثبات الاستصحاب لوصول الرطوبة إلى الثوب كما ذكرنا، و يحتمل أن يكون لمعارضته باستصحاب طهارة الثوب إغماضا عن قاعدة حكومة بعض الاستصحابات على بعض كما يظهر من المحقّق؛ حيث عارض استصحاب طهارة الشاكّ في الحدث باستصحاب اشتغال ذمّته».([4] [5] [6] [7] [8] [9] [10] [11] )
المثال الثاني
و ضرب الشیخ الأعظم الأنصاري([12] ) مثالاً آخر في المقام و هو ما إذا كان یوم الشك من آخر شهر رمضان، فشككنا في دخول هلال شهر شوّال، فإنّه تجري أصالة عدم حلول شهر شوّال و لازم ذلك هو أنّ الیوم الآتي هو یوم العید فیترتّب علیه أحكام العید من الصلاة و الغسل و الأدعیة الواردة فیه مع أنّ مجرد عدم ثبوت الهلال في یوم لایثبت أنّ غده هو أوّل الشهر اللاحق و لكن العرف لایفهمون منه إلا وجوب ترتیب آثار شهر رمضان في یوم الشك و أوّلیة غده لشهر شوّال مثلاً.
ثمّ قال الشیخ العلامة الأنصاري: «و كیف كان فالمعیار خفاء توسّط الأمر العادي و العقلي بحیث یعدّ آثاره آثاراً لنفس المستصحب».
المثال الثالث
إنّ الشیخ الأعظم الأنصاري اعتقد بأنّ جریان أصالة عدم المانع عند الشك في وجود المانع على محلّ الغَسل في الوضوء و الغسل من هذا القبیل، لأنّ الأثر الشرعي یترتّب على لازمه و هو إیصال الماء إلى البشرة أو تحقّق عنوان غسل البشرة، و أصالة عدم المانع بالنسبة إلى إیصال الماء و تحقّق الغسل أصل مثبت، لكن العرف لایرون الواسطة لخفائها.
و بعض الأعلام تمسّكوا بحجّیة الاستصحاب في هذا المورد من الأصول المثبتة بالسیرة و الإجماع([13] [14] [15] ).
و أجیب عنه([16] ) بأنّ الشك إن كان قبل الفراغ فالسیرة قائمة على وجوب الفحص ما لمیحصل الاطمینان بعدم المانع، و إن كان بعد الفراغ عن العمل فالوجه في صحّة الوضوء و الغسل قاعدة الفراغ لا حجّیة الأصل المثبت في المقام.
نعم إن قلنا بعدم جریان قاعدة الفراغ لعدم تمامیة أركانها من جهة أنّها تجري فیما إذا لمیعلم بعدم التفاته حین العمل و إلا فلو علم المكلّف بأنّه حین العمل لمیكن ملتفتاً إلى ذلك فلا وجه لجریانها، فحینئذٍ صحّة الوضوء و الغسل تتوقّف على حجّیة الأصل المثبت و لكن السیرة المدّعاة مخدوشة من حیث الصغری لعدم تحقّق السیرة على صحّة الوضوء و الغسل بل صحتهما عند القائل بها لحجّیة مثبتات الاستصحاب عند خفاء الواسطة. ([17] [18] [19] [20] [21] [22] )