46/06/19
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: الأصول العملية/أصالة الاستصحاب /التنبیه السابع؛ المطلب الثاني؛ الامتیاز بین الأمارات و الأصول؛ المناقشة الثانیة
المناقشة الثانیة: من المحقق الخوئي أیضا
«إنّا ننقل الكلام إلى الأمارات، فإنّه لا دلیل على حجّیة مثبتاتها و ما ذكره -من أنّ العلم الوجداني بشيء یقتضي ترتّب جمیع الآثار حتّی ما كان منها بتوسط اللوازم العقلیة أو العادیة، فكذا العلم التعبّدي- غیر تامّ؛ لأنّ العلم الوجداني إنّما یقتضي ذلك لأنّه من العلم بالملزوم یتولّد العلم باللازم بعد الالتفات إلى الملازمة، فترتّب آثار اللازم لیس من جهة العلم بالملزوم، بل من جهة العلم بنفس اللازم المتولّد من العلم بالملزوم و لذا یقولون: إنّ العلم بالنتیجة یتولّد من العلم بالصغری و العلم بالكبری، فإنّ العلم بالصغری هو العلم بالملزوم، و العلم بالكبری هو العلم بالملازمة، و یتولّد من هذین العلمین العلم الوجداني باللازم و هو العلم بالنتیجة.
بخلاف العلم التعبّدي المجعول، فإنّه لایتولّد منه العلم الوجداني باللازم و هو واضح و لا العلم التعبّدی به؛ لأنّ العلم التعبّدي تابع لدلیل التعبّد، و هو مختصّ بالملزوم دون لازمه، لما عرفت من أنّ المخبر إنّما أخبر عنه لا عن لازمه.
فالذي تحصّل ممّا ذكرناه في المقام أنّ الصحیح عدم الفرق بین الأمارات و الاستصحاب، و عدم حجّیة المثبتات في المقامین، فإنّ الظنّ في تشخیص القبلة و إن كان من الأمارات المعتبرة بمقتضى روایات خاصّة واردة في الباب، لكنه إذا ظنّ المكلّف بكون القبلة في جهة، و كان دخول الوقت لازماً لكون القبلة في هذه الجهة لتجاوز الشمس عن سمت الرأس على تقدیر كون القبلة في هذه الجهة، فلاینبغي الشك في عدم صحّة ترتیب هذا اللازم و هو دخول الوقت و عدم جواز الدخول في الصلاة.
نعم تكون مثبتات الأمارة حجّة في باب الأخبار فقط، لأجل قیام السیرة القطعیة من العقلاء على ترتیب اللوازم على الإخبار بالملزوم و لو مع الوسائط الكثیرة؛ ففي مثل الإقرار و البیّنة و خبر العادل یترتّب جمیع الآثار و لو كانت بوساطة اللوازم العقلیة أو العادیة، و هذا مختصّ بباب الأخبار و ما یصدق علیه عنوان الحكایة دون غیره من الأمارات»([1] ).
ملاحظتان علی المناقشة الثانیة
الملاحظة الأولی
ما أفاده في الأمارات في باب الأخبار و إن كان صحیحاً إلا أنّه لیس من جهة قیام السیرة القطعیة العقلائیة على ترتّب الإخبار عن اللازم على الإخبار عن الملزوم، بل إنّ ذلك باقتضاء نفس العلم و إن كان تعبّدیاً و قد تقدّم بیان المحقّق الإصفهاني حول ذلك حیث قال :«اعتبار كون الشخص محرزاً حقیقةً للواقع یستلزم كونه بحسب الاعتبار محرزاً للوازمه»([2] ) فإنّ العلم بالشيء و انكشافه لدی العالم بالكشف التامّ یقتضي العلم بلوازمه، و تعبّدیة ذلك العلم و الكشف التامّ لایوجب عدم استلزام العلم بلوازمه.
مع أنّ ما أفاده من عدم حجّیة مثبتات الأمارات ثم الاستدراك عن ذلك و الالتزام بحجّیة مثبتات الأمارات في باب الأخبار، استدراك بالنسبة إلى أكثر الأفراد و هو أمر مستهجن كما أنّ التخصیص بالأكثر أیضاً مستهجن.
الملاحظة الثانیة
ما أفاده في باب الظنّ في تشخیص القبلة فلیس ذلك من باب العلم التعبّدي بل هو من باب اكتفاء الشارع في الاتجاه نحو القبلة بحصول الظنّ بذلك، فالدلیل الوارد لمیدلّ على تتمیم الكشف بل المدلول اعتبار الطریق الناقص و هذا الاعتبار متعدّ إلى مفعول واحد و لیس متعدیاً إلى مفعولین و بعبارة أخری إنّ الشارع اعتبر هذا الظنّ الطریقي الذي هو الكاشف الناقص، و لمنقل: اعتبر الشارع هذا الطریق الناقص طریقاً تامّاً فالحجّیة هنا لیست إلا بمعنی التنجیز و لیست بمعنی تتمیم الكشف و اعتبار الظنّ علماً حتّی یقال بعدم الشك في عدم صحّة ترتیب لوازمه و نستدلّ على ذلك بعدم اعتبار اللوازم و المثبتات في سائر الأمارات.
و من ذلك یتّضح لك أنّ معنی الحجّیة له دور أساسي في حجّیة المثبتات كما نقلنا بیان ذلك عن المحقّق الإصفهاني، فإنّه قال على مبنی تفسیر الحجّیة بجعل الحكم المماثل و المنجّزیة لیست مثبتات الأمارات حجة، فحینئذ لو قلنا في حجّیة الأمارات بمقالة المحقّق الخراساني صاحب الكفایة -حیث قال بأنّ حجیتها بمعنی التنجیز- یلزم منه الالتزام بعدم حجّیة مثبتات الأمارات.
و الحاصل حجّیة مثبتات الأمارات التي تكون الحجّیة فیها بمعنی تتمیم الكشف كما ذهب إلیه المحقّق النائیني أو بمعنی تتمیم الكشف و جعل الحكم المماثل معاً كما اخترنا خلافاً للمحقّق الإصفهاني حیث ذهب إلى أنّ الحجّیة في الأمارات بمعنی جعل الحكم المماثل و خلافاً للمحقّق الخوئي حیث ذهب إلى أنّ الحجّیة و إن كانت بمعنی تتمیم الكشف إلا أنّ مثبتات الأمارات لیست بحجّة إلا في باب الأخبار.
و أمّا مثبتات الاستصحاب فلیست بحجّة عندنا، لأنّ الحجّیة فیه بمعنی جعل الحكم المماثل بلسان إبقاء الكاشف التامّ عن المتیقّن و الكاشف التامّ عن المتیقّن بما أنّه كاشف عن المجهولات غیر مجعول و إلا فلو قلنا بجعله بما أنّه كاشف عن المجهولات لالتزمنا بحجّیة مثبتات الاستصحاب، لكن إبقاء الكاشف التامّ لیس إلا لإحراز المتیقّن تعبّداً.