46/06/16
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: الأصول العملية/أصالة الاستصحاب /التنبیه السابع؛ المطلب الثاني؛ مناقشتان في نظریة المحقق الثاني
مناقشتان في نظریة المحقّق النائیني
المناقشة الأولی: من المحقّق الخوئي
قال: «إنّ المجعول في باب الاستصحاب أیضاً هو الطریقیة و اعتبار غیر العالم عالماً بالتعبّد فإنّه الظاهر من الأمر بإبقاء الیقین و عدم نقضه بالشك، فلا فرق بین الأمارة و الاستصحاب من هذه الجهة بل التحقیق أنّ الاستصحاب أیضاً من الأمارات و لاینافي ذلك تقدیم الأمارات علیه لأنّ كونه من الأمارات لایقتضي كونه في عرض سائر الأمارات، فإنّ الأمارات الأخر أیضاً بعضها مقدّم على بعض، فإنّ البیّنة مقدّمة على الید و حكم الحاكم مقدّم على البینة و الإقرار مقدّم على حكم الحاكم»([1] ).
يلاحظ عليه
إنّ المجعول في باب الاستصحاب یفترق عن المجعول في باب الأمارات الظنّیة من جهة أنّ الأمارات الظنّیة بنفسها طرق إلى الواقع و لكن طریقیتها ناقصة و لذا تكون حجّیتها بمعنی جعل الطریقیة التامّة و بعبارة أخری تكون بمعنى جعل تتمیم الكشف.
أمّا في باب الاستصحاب فلیس هناك طریق ناقص و أمارة ظنّیة حتّی یكون المجعول فيه تتمیم كشفها بأن یجعل الطریق الناقص طریقاً تامّاً و یعتبر الشارع الظنّ علماً بالواقع و وصولاً له.
بل الأمر في الاستصحاب هو إبقاء الیقین السابق الذي كان طریقاً تامّاً و موصلاً للواقع، فلیس في مورد الاستصحاب كاشفیة ناقصة حتّی یتمّم كشفها فیكون الجعل فیها بلسان جعل الطریقیة التامّة لما هو الطریق الناقص بمفاد كان الناقصة، بل الأمر في الاستصحاب هو الأمر بإبقاء الیقین السابق بمفاد كان التامّة إلّا أنّ إبقاءها ليس إبقاءً حقیقیاً، لأنّ الیقین قد تبدّل بالشك فلمیبق بحسب الواقع و إنّما تعلّق الجعل ببقائه تعبّداً.
ثم إنّه یقع الكلام في أنّ النقض المنهي عنه بالنسبة إلى الیقین السابق هل هو النقض العملي فیكون المجعول إحرازاً عملیاً للیقین لا إحرازاً علمیاً كما ادّعاه المحقّق النائیني حیث قال بأنّ الإحراز في باب الأمارات هو إحراز الواقع مع قطع النظر عن العمل و أمّا الإحراز في باب الأصول المحرزة فهو الإحراز العملي في مقام تطبیق العمل على المؤدّی.
أو لیس نقضاً عملیاً فقط بل هو النقض الأعم من أن یكون علمیاً أو عملیاً و نتیجة ذلك هو أنّ الإحراز أیضاً لیس إحرازاً عملیاً فحسب بل هو إحراز علمي و عملي.
و الظاهر من أدلّة حجّیة الاستصحاب أعني الأخبار هو أنّ المجعول إبقاء الیقین و الیقین بحسب ظاهر لفظه هو الإحراز العلمي و یترتّب علیه الإحراز العملي الذي ادّعاه هذا المحقّق بجعل تبعي.
نعم إنّ الظاهر من تلك الأخبار أنّه لمیجعل في باب الاستصحاب طریق عرفي أو شرعي لكشف الواقع بحیث یكون إحدی الطرق الفنّیة لكشف المجهولات.
بل إنّ المجعول في الاستصحاب و إن كان إبقاء الیقین المضاف إلى المتیقّن مع صفة كاشفیته و إحرازه العلمي إلا أنّ ذلك لتحیّر المكلّف بالنسبة إلى الحكم المتیقّن سابقاً أو حكم الموضوع المتیقّن سابقاً تحیّراً في مقام أداء وظیفته العملیة، و الشارع اعتبر بقاء الحكم السابق أو بقاء الموضوع الذي له حكم سابقاً بلسان إبقاء الیقین الكاشف الذي تعلّق بنفس المتیقّن، بأن یكون الیقین السابق المتعلّق بالمتیقّن واسطة لإثبات الحكم الواقعي عنواناً و هذا معنی جعل الحكم المماثل بلسان إبقاء الكاشف.
و بهذا یفترق باب الاستصحاب عن باب الأمارات الظنّیة، فإنّ الأمارات الظنّیة كلّها طرق فنّیة لكشف المجهولات إلا أنّها طرق ظنّیة و الشارع یحكم بحجّیتها و اعتبارها إمّا بجعل الحكم الظاهري على مفادها و مؤدّاها و هذا هو مبنی جعل الحكم المماثل، و إمّا بجعل الكاشفیة التامّة لها و تتمیم كشفها و هذا هو مبنی الطریقیة المحضة التي ادّعاه المحقّق النائیني و إمّا باعتبار الطریق الناقص بأن یكون منجّزاً أو معذّراً، كما ادّعاه صاحب الكفایة بالنسبة إلى الأمارات الظنّیة و إمّا بجعل الحكم الظاهري على مفاد الأمارة و تتمیم كشفها و یترتّب علیها المنجّزیة و المعذریة كما هو المختار عندنا في باب حجّیة الخبر، و هناك مبانٍ أُخر في تفسیر الحجّیة لانشیر إلیها اختصاراً.
أمّا الاستصحاب فلیس طریقاً فنّیاً لكشف المجهولات أي لایكون طریقاً عرفیاً أو عقلائیاً للوصول إلى الواقع بحسب ذاته و الأمارات لابدّ لها أن تكون بالذات طریقاً إلى الواقع بالكشف الناقص حتّی یعتبرها الشارع و هذه الطریقیة الناقصة مفقودة في الاستصحاب فلایكون الاستصحاب أمارة و إن كان المعتبر فیه هو الیقین الكاشف.
و هذه قرینة خارجیة لتفسیر أخبار الاستصحاب فلولا هذه القرینة لقلنا بدلالة تلك الأخبار على جعل الیقین الذي هو الكاشف التامّ فلیس المجعول الحكم المماثل و لكن مع الالتفات إلى تلك القرینة الخارجیة ینعكس الأمر و لابدّ من القول بأنّ المجعول في الاستصحاب هو الحكم المماثل إلّا أنّه بلسان إبقاء الكاشف التامّ عنه -و قد أكّد المحقّق النائیني على هذه المقدّمة الخارجیة في بحثه- بل هو إبقاء للیقین السابق الذي هو الطریق التامّ لكشف المجهولات إلا أنّ إبقاءه لیس من جهة كشفه عن المجهولات لأنّ الیقین بما أنّه كاشف عن المجهولات قد تبدّل بالشك و لذا تحیّر المكلّف في حكم الواقعة من دون أن یكون له كاشف فنّي، و الشارع لمیعتبر هنا علماً تعبّدیاً بل اعتبر كاشفیة الیقین عن المتیقّن فلیس المعتبر هو العلم حتّی یقال بكاشفیته عن المتیقّن و عن لوازمه بل المجعول هو الیقین بما أنّه مضاف إلى المتیقّن بنفسه و بهذا جمعنا بین كاشفیة الاستصحاب بإبقاء الیقین الكاشف عنواناً عن الواقع و بین كونه أصلاً عملیاً مجعولاً في مقام رفع تحیّر المكلّف.([2] )