46/06/08
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: الأصول العملية/أصالة الاستصحاب /التنبیه السابع؛ المطلب الأول؛ طریقان آخران لحجیة مثبتات الاستصحاب
ایراد المحقق الإصفهاني
... و أمّا مجرّد الإسناد المجازي فتقریبه أنّ رفع الید عن الملزوم تارة بالحقیقة بعدم الإنفاق المرتب شرعاً على الحیاة، و أخری مجازاً برفع الید عن لازمه، فإنّه رفع الید عنه حقیقة و رفع الید عن الملزوم مجازاً.
و رفع الید عن الملزوم سواء كان حقیقیاً أو مجازیاً منهي عنه، فرفع الید عن اللازم بهذا الاعتبار موجب لرفع الید عن الملزوم، منهي عنه بالتبع و إلا فلا معنی للنهي عن رفع الید عن الملزوم حقیقة و مجازاً.
و یندفع بأنّ التعبّد بالملزوم إن كان بمجرّد النهي عن رفع الید عنه، لأمكن دعوی الإطلاق من حیث الرفع الحقیقی و المجازي، و أمّا إن كان بعنوان نقض الیقین عملاً، فلابدّ من صدق نقض الیقین حقیقة أو مجازاً على مورد التعبّد.
و من الواضح أنّ رفع الید عن اللازم لیس مصداقَ نقض الیقین عملاً حتّی یکون موجباً لكون رفع الید عن الملزوم من أجل رفع الید عن اللازم نقضاً للیقین بالملزوم مجازاً، و إن عمل بالملزوم بنفسه، لیكون نقض الیقین بالملزوم تارة حقیقیاً، و هو ما إذا لمیتعبّد به بنفسه و أخری مجازیاً و هو ما إذا لمیتعبّد بلازمه، فإنّ عدم التعبّد بلازمه و إن كان عدم التعبّد بملزومه مجازاً، إلا أنّه لیس كلّ عدم التعبّد بشيء مصداقاً لنقض الیقین حقیقة أو مجازاً، حیث أنّه لیس هذا العنوان للازم المحسوب من الملزوم حقیقة حتّی یكون بسبب التبعیة له مسنداً إلى الملزوم مجازاً فتدبّره فإنّه حقیق به»([1] ).
الطریق الثاني لحجّیة مثبتات الأصول
هنا قاعدة عقلیة و هي «إنّ أثر الأثر أثرٌ» فإنّ معلول معلول الشيء یكون معلولاً للشيء الأوّل مع الواسطة و لذا یعدّ الشيء الأوّل علّة له مع الواسطة و هكذا الأمر في جمیع آثار الشيء فإنّ الأثر المترتّب على أثر الشيء یكون أثراً للشيء الأوّل مع الواسطة و حینئذٍ یقال: إنّ التعبّد بشيء تعبّد بجمیع آثاره المترتّبة طبعاً و وجوداً.
إیرادان علی هذا الطریق
الإیراد الأول: من صاحب الكفایة ([2] )
و صاحب الكفایة ذهب إلى أنّ الأخبار إنّما تدلّ على التعبّد بما كان على یقینٍ منه فشك بلحاظ ما لنفسه من آثاره و أحكامه و أنّه لا دلالة للأخبار التي هي أدلّة الاستصحاب على تنزیل المتیقّن مع لوازمه التي لاتكون متیقّنة سابقاً و لمیكن المكلّف متیقّناً بتلك اللوازم سابقاً، كما أنّه لا دلالة لتلك الأخبار على تنزیل المتیقّن بلحاظ مطلق آثاره و لو بالواسطة، و ذلك لأنّ القدر المتیقّن من أدلّة الاستصحاب في مقام التخاطب هو تنزیل المتیقّن بلحاظ آثار نفسه لا آثاره مطلقاً و لو مع الواسطة و هذا القدر المتیقّن في مقام التخاطب یمنع عن انعقاد الإطلاق في الأخبار التي تكون دلیلاً على حجّیة الاستصحاب.
الإیراد الثاني: من المحقّق الإصفهاني
«إنّه مسلّم إذا كان كلّ أثر موضوعاً شرعاً لأثر، حتّی یكون التعبّد بالأثر السابق بمنزلة التعبّد بموضوع ذي أثر، مثلاً إذا رتّب على الحیاة وجوب الإنفاق و على وجوب الإنفاق وجوب شيء آخر، فالتعبّد بالحیاة تعبّد بوجوب الإنفاق، و التعبّد بوجوب الإنفاق تعبّد بوجوب ذلك الشيء الآخر فهناك تعبّدان طولیان.
و أمّا لو كان للحیاة أثر شرعي و هو وجوب الإنفاق، و أثر عادي و هو نبات اللحیة، فهما أثران في عرض واحد، أحدهما شرعي و الآخر عادي، فالتعبّد بالحیاة تعبّد بأثرها الشرعي، لا بأثرها العادي، حتّی یكون التعبّد بأثرها العادي تعبّداً بأثر ذلك الأثر العادي شرعاً.
فما هو أثر الأثر شرعاً لیس موضوعه بنفسه مورد التعبّد، و لا بلحاظ كونه أثر الحیاة، و ما لمیتعبّد بموضوع الأثر إمّا بنفسه أو بالواسطة لایعقل التعبّد بأثر ذلك الأثر العادي ... فالجواب ما عرفت من عدم انطباق هذه الكلّیة و هي «إنّ أثر الأثر أثر» فإنّ موردها ما إذا كان نفس المؤثر مورد التعبّد، حتّی یكون بالإضافة إلى أثر الأثر بمنزلة الموضوع الذي یكون التعبّد به تعبّداً بأثره فتدبر جیداً»([3] ).
و قد استفاد المحقّق الخوئي من هذا البیان و جعله توضیحاً لمرام صاحب الكفایة و قال:
«لایمكن الالتزام بترتّب الآثار الشرعیة المترتّبة على اللوازم العقلیة أو العادیة لأجل القاعدة المعروفة، و هي «إنّ أثر الأثر أثر» على طریق قیاس المساواة لأنّ هذه [القاعدة] الكلّیة مسلّمة فیما كانت الآثار الطولیة من سنخ واحد، بأن كان كلّها آثاراً عقلیة أو آثاراً شرعیة، كما في الحكم بنجاسة الملاقي للنجس و نجاسة ملاقي الملاقي و هكذا، فحیث أنّ لازم نجاسة الشيء نجاسة ملاقیه و لازم نجاسة الملاقي نجاسة ملاقي الملاقي و هكذا فكلّ هذه اللوازم الطولیة شرعیة، فتجري قاعدة أنّ أثر الأثر أثر بخلاف المقام، فإنّ الأثر الشرعي لشيء لایكون أثراً شرعیاً لما یستلزمه عقلاً أو عادة، فلایشمله دلیل حجّیة الاستصحاب»([4] ).
هذا ما أفاده المحقّق الخوئي في توضیح نظریة المحقّق الخراساني و لكنك عرفت أنّ صاحب الكفایة استدلّ في المقام بمنع إطلاق الأخبار في المقام بالقدر المتیقّن في مقام التخاطب.
نتیجة البحث إلى هنا هي أنّ مثبتات الأصول العملیة خصوصاً الاستصحاب لیست بحجّة لما تقدّم([5] ) في كلام المحقّق الإصفهاني من أنّ حجّیة الاستصحاب بمعنی جعل الحكم المماثل أو المنجزیة و لیست حجّیته بمعنی اعتبار الظنّ علماً و لا بمعنی الالتزام القلبي و لا بمعنی الجري العملي.