بحث الأصول الأستاذ محمدعلي البهبهاني

46/05/24

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: الأصول العملية/أصالة الاستصحاب /التنبیه السادس؛ الاستدلال علی عدم جریان استصحاب عدم النسخ؛ الدلیل الثالث

 

الدلیل الثالث من صاحب الفصول أيضاً

إنّه قد اشتهر بین الأعلام ناسخیة شریعة الإسلام لجمیع الشرائع السابقة، و حینئذٍ لانشك في عدم بقاء أحكامها حتّی یقال باستصحاب حكم الشرائع السابقة.([1] )

إيراد الشیخ الأعظم الأنصاري على هذا الدلیل

«إن أرید نسخ كلّ حكم إلهي من أحكام الشریعة السابقة فهو ممنوع، و إن أرید نسخ البعض فالمتیقّن من المنسوخ ما علم بالدلیل، فیبقی غیره على ما كان علیه و لو بحكم الاستصحاب»([2] ).

تقریر المحقّق النائیني للدلیل الثالث

إنّ المحقّق النائیني قرّر الدلیل الثالث ببیان أبسط و التزم به و لذلك ذهب إلى عدم جریان استصحاب عدم النسخ بالنسبة إلى الشرائع السابقة.

و توضیح ما أفاده هو أنّه احتمل كلا الوجهین المذكورین في كلام العلامة الأنصاري و هما نسخ جمیع أحكام الشرائع السابقة و نسخ بعضها.

أمّا الوجه الأوّل و هو نسخ جمیع أحكام الشرائع السابقة، فحینئذٍ لا مجال لاستصحاب عدم النسخ، لأنّ أحكام الشریعة اللاحقة تكون كلّها مجعولة بجعل جدید، و جمیع أحكام الشرائع السابقة تكون منسوخة لا‌نحتمل بقاءها و الشك لیس في بقائها بل الشك عند المحقّق النائیني في جعل الحكم المماثل لحكم الشریعة السابقة.

أمّا الوجه الثاني و هو نسخ بعض أحكام الشرائع السابقة فحینئذٍ نحتمل بقاء حكم الشریعة السابقة و لكن بقاءه محتاج إلى إمضاء الشریعة اللاحقة له و المحقّق النائیني یری أنّ استصحاب بقاء هذا الحكم أصل مثبت، لأنّ هذا الاستصحاب لایثبت إمضاء الشریعة اللاحقة لهذا الحكم و ما لم‌یحرز إمضاؤه لایمكن الالتزام بكونه من الشریعة اللاحقة. ([3] [4] )

إیراد المحقّق الخوئي علی تقریر المحقّق النائیني

«إنّ نسخ جمیع أحكام الشریعة السابقة و إن كان مانعاً عن جریان استصحاب عدم النسخ إلا أنّ الالتزام به بلا‌موجب، فإنّه لا داعي إلى جعل إباحة شرب الماء مثلاً في الشریعة اللاحقة مماثلة للإباحة التي كانت في الشریعة السابقة. و النبوة لیست ملازمة للجعل فإنّ النبي هو المبلّغ للأحكام الإلهیة.

و أمّا ما ذكره من أنّ بقاء حكم الشریعة السابقة یحتاج إلى الإمضاء في الشریعة اللاحقة، فهو صحیح، إلا أنّ نفس أدلّة الاستصحاب كافیة في إثبات الإمضاء و لیس التمسّك به من التمسّك بالأصل المثبت؛ فإنّ الأصل المثبت إنّما هو فیما إذا وقع التعبّد بما هو خارج عن مفاد الاستصحاب، و في المقام نفس دلیل الاستصحاب دلیل على الإمضاء، فكما لو ورد دلیل خاصّ على وجوب البناء على بقاء أحكام الشریعة السابقة إلا فیما علم النسخ فیه، یجب التعبّد به، فیحكم بالبقاء في غیر ما علم نسخه و یكون هذا الدلیل الخاصّ دلیلاً على الإمضاء، فكذا في المقام، فإنّ أدلّة الاستصحاب تدلّ على وجوب البناء على البقاء في كلّ متیقّن شك في بقائه، سواء كان من أحكام الشریعة السابقة أم من أحكام هذه الشریعة المقدّسة أو من الموضوعات الخارجیة، فلا إشكال في استصحاب عدم النسخ من هذه الجهة»([5] [6] [7] ).


الدلیل الرابع من الشيخ الأنصاري

إنّا سلّمنا نسخ بعض أحكام الشرائع السابقة إلا أنّ العلم الإجمالي بنسخ كثیر من الأحكام مانع عن التمسّك باستصحاب عدم النسخ.([8] )

إيراد المحقّق النائیني علی هذا الدلیل

«إنّ العلم الإجمالي بنسخ جملة من الأحكام التي كانت في الشرائع السابقة ینحلّ بالظفر بمقدار من الأحكام المنسوخة التي یمكن انطباق المعلوم بالإجمال علیها فتكون الشبهة فیما عدا ذلك بدویة و یجري فیها الأصل بلا مزاحم»([9] [10] [11] [12] ).

و المتحصّل تمامیة جریان استصحاب عدم النسخ و بطلان الأدلّة الأربعة التي أقاموها على عدم جریانه.([13] [14] [15] [16] [17] [18] [19] [20] )

التنبیه السابع: الأصل المثبت

(فیه مطالب أربعة)

المطلب الأوّل: المباني المعروفة لحجّیة الاستصحاب

المطلب الثاني: ما تمتاز به الأمارة عن الأصل العملي

المطلب الثالث: الموارد المستثناة من عدم حجّیة الأصل المثبت

المطلب الرابع: الفروع التي تمسّك القدماء فیها بالأصل المثبت

إنّ هذا التنبیه من أهمّ المباحث التي عقدوها في الاستصحاب و له دور أساسي عملي في الفقه، و قد اختلف فیه المتأخّرون مع بعض المتقدّمین من أصحابنا القائلین بجریان الاستصحاب و حجّیتها في المثبتات، و موضوع البحث هنا ترتّب الآثار الشرعیة على المستصحب بواسطة عقلیة أو عادیة، و بعبارة أخری ثبوت الآثار الشرعیة المترتّبة على اللوازم العقلیة و العادیة للمستصحب مضافاً إلى الآثار الشرعیة لنفس المستصحب.

إنّ المشهور بین المتأخرین حجّیة مثبتات الأمارات دون مثبتات الأصول العملیة، خلافاً لبعض المتقدّمین حیث قالوا بحجّیة مثبتات الأمارات و مثبتات الاستصحاب، و لعلّ وجه ذلك عندهم هو الدلیل الدالّ عندهم على حجّیة الاستصحاب، فإنّ الاستصحاب إن كان حجّة من باب الظنّ النوعي الحاصل ببقاء ما كان على ما كان فلا مناص عن القول بحجّیة الأصل المثبت، لعدم انفكاك الظنّ بالملزوم عن الظنّ باللازم شرعیاً كان أو غیره، فإنّ الظنّ بالملزوم یوجب الظنّ باللازم و لو كان عادیاً.([21] )

و هنا قول ثالث و قد ذهب إلیه المحقّق الإصفهاني و هي عدم حجّیة مثبتات الأمارات و الأصول و تبعه في ذلك المحقّق الخوئي مع اختلافهما في المبنی، و التحقیق في ذلك یستدعي بیان الفرق بین الأمارات و الأصول و اللم الأساسي هنا ملاحظة مباني حجّیة الاستصحاب و الفرق بین حجّیته و حجّیة الأمارات و حیث أنّ الأمارات مختلفة من جهة مباني حجّیتها فیمكن أن یكون بعضها حجّة من باب و بعضها الآخر حجّة من باب آخر، فلا‌بدّ من ملاحظة خصوص الأمارات و معنی حجّیتها، حتّی یمكن البحث عن حجّیة مثبتاتها.

 

المطلب الأوّل: المباني المعروفة لحجّیة الاستصحاب

ذهب بعض الأعلام مثل صاحب الكفایة هنا إلى أنّ الحجّیة في باب الاستصحاب هي بمعنی إنشاء الحكم المماثل، فقال:

«لا شبهة في أنّ قضیة أخبار الباب هو إنشاء حكم مماثل للمستصحب في استصحاب الأحكام و لأحكامه في استصحاب الموضوعات»([22] [23] ).

و قد ذهب جمع آخر مثل المحقّق النائیني إلى أنّ المجعول في باب الأصول العملیة هو الجري العملي مطلقاً، غایة الأمر أنّ المجعول في الأصول المحرزة مثل الاستصحاب إنّما یكون بمؤونة البناء على أحد طرفي الشك و في غیر الأصول المحرزة بدون مؤونة البناء المذكور.([24] [25] ) نعم قال في موضع آخر بأنّ المجعول في الأصول المحرزة مثل الاستصحاب هو البناء على وجود المتیقّن و عقد القلب علیه المترتّب علیه الرغبة أو الهرب عنه([26] ).

و قد ذهب بعضهم مثل المحقّق الخوئي إلى أنّ المجعول في باب الاستصحاب هو الطریقیة و اعتبار غیر العالم عالماً بالتعبّد.([27] )

نعم إنّ المحقّق الخوئي لاختیاره هذا القول في معنی الحجّیة، التزم بأنّ الاستصحاب أیضاً أمارة من الأمارات الشرعیة، إلا أنّه لیس في عرض سائر الأمارات، كما سیأتي إن شاء الله تعالى بیانه.([28] )

و هنا مبنیً آخر التزم به بعض الأصولیین و هو أنّ معنی حجّیة الاستصحاب لیس إلا المنجزیّة، و معنی ذلك هو أنّ الیقین السابق یكون منجّزاً على المكلّف في الزمان اللاحق([29] ).


[1] الفصول الغروية في الأصول الفقهية، الحائري الاصفهاني، محمد حسين، ج1، ص315..: «إنّ الظاهر من نسخ هذه الشريعة للشريعة السّابقة عليها نسخها بالكلية إلا ما قام الدليل على عدم نسخه كوجوب المعارف‌»
[2] فرائد الأصول، الشيخ مرتضى الأنصاري، ج3، ص227.
[3] فوائد الاُصول، الغروي النّائيني، الميرزا محمد حسين، ج4، ص480..: «يمكن أن يقال: إنه لا جدوى لاستصحاب حكم الشريعة السابقة، فإنه على فرض بقاء الحكم في هذه الشريعة فإنما يكون بقائه بإمضاء من الصادع بها ... فمع عدم العلم بالإمضاء لا جدوى لاستصحاب بقاء حكم الشريعة السابقة فتأمل»
[4] أجود التقريرات، الخوئي، السيد أبوالقاسم، ج2، ص415.. «التحقیق یقتضي عدم جریان الاستصحاب في الأحکام الثابتة في الشرائع السابقة و هذا بناء على کون کلّ حکم ثابت في الشریعة اللاحقة مجعولاً بجعل جدید في غایة الوضوح ... و أما بناء على عدمه و کون جملة من الأحکام السابقة ممضاة في شریعتنا فلأن ...»
[5] مصباح الأصول( مباحث حجج و امارات- مكتبة الداوري)، الواعظ الحسيني، السيد محمد؛ تقرير بحث السيد أبو القاسم الخوئي، ج2، ص150.
[6] قال بعض الأساطين في المغني في الأصول، ج2، ص101في الإيراد على المحقق النائيني: «بأنا نسلّم بأن حقيقة الإمضاء هي جعل المماثل، و لكن كما يكون جعله بالدليل الخاص، كأن يقول الشارع: أمضيت ما أتي به النبي عيسى.، يمكن أن يكون بالدليل العام فيقول: كلما تيقّنت بحكم و شككت في بقائه فلا‌تنقضه بالشك، و بعض ما تيقنت به و شككت في بقائه هو أحكام الشريعة السابقة، فيحرز الإمضاء بعموم دليل الاستصحاب فيندفع إشكال المثبتية»
[7] قال الشیخ حسین الحلّي) في أصول الفقه، الحلي، الشيخ حسين، ج10، ص80.: «لا‌يخفى أنّ هذه المسألة لا‌يترتّب عليها أثر عملي، للقطع بأنّ شريعتنا المقدّسة قد نسخت الشرائع السابقة، على وجهٍ لو كان لنا حكم موافق للشريعة السابقة لم‌يكن ذلك من باب الإمضاء و عدم النسخ، بل هو من باب جعل المماثل كما في مثل قوله تعالى: (وَ كَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ ... وَ الْجُرُوحَ قِصاصٌ) إلخ‌ و نحو ذلك.و يمكن إقامة الدليل على هذه الدعوى من النسخ الكلّي، من ناحية الأخبار الواردة مثل قوله صلى الله عليه و آله: «ما عمل يقرّبكم إلى اللَّه» إلخ و مثل قوله صلى اللَّه عليه و آله لعمر: «لوكان موسى و عيسى. حيّين لَاتّبعاني»، بل يمكن تحصيل الاتّفاق العملي من جميع طوائف المسلمين، فإنّك ترى الفقيه منهم يتتبّع النصّ في المسألة، فإن عثر على نصّ أخذ به، سواء كان الحكم في الشريعة السابقة على طبقه أو كان على خلافه، و ما لم‌يجد فيه رجع فيه إلى قاعدته فيما لا نصّ فيه من براءة أو احتياط أو استحسان أو قياس، و نحو ذلك ممّا أسّسوه لما لا نصّ فيه، و لو كان أحدهم يحتمل بقاء جملة من أحكام الشرائع السابقة لكان اللازم فيما لا نصّ فيه أن يراجع الشرائع السابقة، فلعلّ أن تتضمّن حكماً لتلك المسألة، فيلزمه الأخذ به و استصحاب عدم نسخه، و لم نر أحداً منهم صنع ذلك، فهذا دليل على تسالمهم على النسخ الكلّي، فراجع.و لا‌يخفى أنّه بعد البناء على ذلك لا‌يكون لنا معنى محصّل لاستصحاب الحكم السابق أو لاستصحاب عدم نسخه، فإنّا لو بنينا على النسخ الكلّي لم‌يعقل بقاء حكم من الأحكام السابقة لم‌ينسخ، بل تكون كلّها منسوخة و غير باقية، غايته أنّ نسخها تارةً يكون بجعل ضدّها و أُخرى يكون بجعل المماثل، و في كلّ منهما لا وجه لاحتمال البقاء و عدم النسخ كي يجري استصحابه.نعم، يجري استصحاب عدم جعل الضدّ، لكنّه مثبت و معارض باستصحاب عدم جعل المماثل. أمّا الإمضاء فهو راجع إلى جعل المماثل. نعم لو قلنا إنّ الإمضاء مرجعه إلى إبقاء الحكم السابق من باب الرضا ببقائه، لا من باب جعل مثله، ففيه أوّلًا: أنّه حينئذ عبارة أُخرى عن عدم النسخ، و قد فرضنا النسخ الكلّي. و ثانياً: أنّا لو أخرجناه حينئذ عن عدم النسخ، و قلنا إنّه ليس من بابه و لا من‌ باب جعل المماثل بل من باب الرّضا بالبقاء، و يكون نفس الحكم السابق باقياً لكن برضا من صاحب شريعتنا، لكان استصحاب بقائه و عدم نسخه مثبتاً لما هو المطلوب من رضا صاحب شريعتنا ببقائه، على أنّ الرضا إذا لم‌يكن راجعاً إلى جعل المماثل و لا إلى مجرّد عدم النسخ، كان غير معقول كما هو واضح»
[8] ذكر هذا الإشكال الشيخ الأنصاري) في فرائد الأصول، الشيخ مرتضى الأنصاري، ج3، ص227.: «إن قلت: إنا نعلم قطعاً بنسخ كثير من الأحكام السابقة و المعلوم تفصيلاً منها قليل في الغاية فيعلم بوجود المنسوخ في غيره». و أجاب عنه: «قلت: لو سلّم ذلك لم يقدح في إجراء أصالة عدم النسخ في المشكوكات لأن الأحكام المعلومة في شرعنا بالأدلة واجبة العمل، سواء كانت من موارد النسخ أم لا، فأصالة عدم النسخ فيها غير محتاج إليها فيبقى أصالة عدم النسخ في محلّ الحاجة سليمة عن المعارض لما تقرّر في الشبهة المحصورة من أن الأصل في بعض أطراف الشبهة إذا لم‌يكن جاريا أو لم‌يحتج إليه فلا ضير في إجراء الأصل في البعض الآخر.و لأجل ما ذكرنا استمرّ بناء المسلمين في أول البعثة على الاستمرار على ما كانوا عليه حتى يطلعواعلى الخلاف.إلا أن يقال: إن ذلك كان قبل إكمال شريعتنا، و أما بعده فقد جاء النبي صلى اللَّه عليه و آله بجميع ما تحتاج إليه الأمة إلى يوم القيامة، سواء خالف الشريعة السابقة أم وافقها، فنحن مكلّفون بتحصيل ذلك الحكم موافقاً أم مخالفاً لأنه مقتضى التديّن بهذا الدين.و لكن يدفعه أن المفروض حصول الظن المعتبر من الاستصحاب ببقاء حكم الله السابق في هذه الشريعة فيظنّ بكونه مما جاء به النبي. و لو بنينا على الاستصحاب تعبداً فالأمر أوضح لكونه حكماً كلياً في شريعتنا بإبقاء ما ثبت في السابق»
[9] فوائد الاُصول، الغروي النّائيني، الميرزا محمد حسين، ج4، ص480.
[10] علّق عليه الشيخ حسين الحلّي) في أصول الفقه، الحلي، الشيخ حسين، ج10، ص83..: «لكن هذا إنّما ينفع بعد العثور على المقدار المذكور، أمّا قبله فينبغي أن يكون العلم الاجمالي مانعاً من إجراء استصحاب عدم النسخ، فلاحظ و تأمّل»
[11] و علّق عليه الشيخ محمد علي الكاظمي الخراساني المقرّر) في فوائد الاُصول، الغروي النّائيني، الميرزا محمد حسين، ج4، ص480..: «بناء على كون العلم الإجمالي تعلّق بالنسخ الوارد فيما بأيدينا من الكتب لا مجال لانحلاله على مبناه السابق في مسألة الفحص في الأحكام. و لكن قد عرفت ما فيه»
[12] و قال السيد الصدر) في بحوث في علم الأصول، الهاشمي الشاهرودي، السيد محمود، ج6، ص298..: «إنّ هذا العلم الإجمالي حتى مع فرض عدم انحلاله لا أثر له في المقام، لأنّ تأثيره في إبطال استصحاب عدم النسخ منوطٌ بأن تتمّ ثلاثة أمور:1) أن يكون الحكم المراد استصحاب عدم نسخه ترخيصياً إذ لو كان إلزامياً فالاستصحاب منجز له و العلم الإجمالي بالترخيص لا‌يوجب سقوط الأصول الإلزامية في الأطراف كما حقّق في محله.2) أن يكون العلم الإجمالي بانتساخ جملة من الأحكام علماً إجمالياً بنسخ بعض الترخيصات بالخصوص، و أما إذا علم إجمالًا بالنسخ في الدائرة الأوسع من الأحكام الترخيصية أو الإلزامية فلا أثر تنجيزي لمثل هذا العلم الإجمالي ليوجب تساقط الاستصحابات الترخيصية في أطرافه.3) فعلية الشك و الالتفات إلى أطراف العلم الإجمالي بنحو يترتب الأثر عليها و يجري الاستصحاب فيها جميعاً فتتعارض الاستصحابات، إمّا إذا لم‌يكن يعلم من أحكام الشريعة السابقة إلّا حكماً واحداً كالجعالة مثلًا المستفادة من قصة يوسف في القرآن الكريم من غير اطلاع على سائر أحكام شريعة يوسف فلا بأس بإجراء الاستصحاب فيه، و إن علم بنسخ أحكام تلك الشريعة إجمالاً»
[13] قد تقدّم أوّل التنبيه أنّه قد اختلف الأصوليون في استصحاب الشرايع السابقة، و أمّا من تمسّك باستصحاب الشرايع السابقة:الوحيد البهبهاني) في الفوائد الحائرية، الوحيد البهبهاني، محمّد باقر، ج1، ص413..: «الحكم الشرعي الثّابت من الشرع السابق على شرعنا، يكون الأصل بقاءه إلى زماننا، إلا أن يثبت خلافه، لأن الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ما نسخ جميع الأحكام السابقة، بل معلوم من الأخبار و الإجماع بقاء كثير منها، بل ربما صرّحوا عليهم السلام: «بأنّ هذا ملّة إبراهيم عليه السلام، و هذا شرع آدم عليه السلام». على أنّ نسخ الجميع لم‌يثبت، و هذا القدر يكفي. و من هذا يستدلّ الفقهاء بكثير ممّا ورد في الشرع السابق، مع أنّه ربما يظهر حسنه الآن أيضاً، لأنّه تعالى يذكره في مقام مدحهم على وجه يظهر أن حسنه ذاتي، و أنه كذلك في جميع الشرائع، و كذا الحال في القبح و الذم، فتأمّل»
[14] و يظهر من صاحب الجواهر التزامه بذلك في مواضع عديدة منها ما جاء في استحباب ترك التزويج في جواهر الكلام، النجفي الجواهري، الشيخ محمد حسن، ج29، ص20..: «دعوي أن الأصل بقاء الشرائع السابقة إلا ما دلّ الدليل على نسخه- فإن شرعنا ليس ناسخاً لجميع ما في الشرائع السابقة بل المجموع من حيث هو مجموع، للقطع ببقاء كثير منها كأكل الطيبات، و نكاح الحلال، و العبادات الثابتة في جميع الملل، و أيضا فوروده في كتابنا الذي هو في شرعنا من دون إشارة إلى نسخه دليل على بقائه فيه، و إلا لم يحسن مدحه عندنا - يدفعها أن الكتاب العزيز و السنة المتواترة الدالّين على استحباب النكاح في شرعنا مطلقاً يثبت بهما النسخ»
[15] فرائد الأصول، الشيخ مرتضى الأنصاري، ج3، ص225..: «إنه لا فرق في المستصحب بين أن يكون حكماً ثابتاً في هذه الشريعة أو حكماً من أحكام الشريعة السابقة»
[16] كفاية الأصول - ط آل البيت، الآخوند الخراساني، ج1، ص412..: «لا فرق أيضا بين أن يكون المتيقن من أحكام هذه الشريعة أو الشريعة السابقة إذا شك في بقائه و ارتفاعه بنسخه في هذه الشريعة لعموم أدلة الاستصحاب‌»
[17] و قال به المحقق الحائري في درر الفوائد، الحائري اليزدي، الشيخ عبد الكريم، ج2، ص182.: لو شك في بقاء الحكم الثابت في الشريعة السابقة فهل يحكم‌ بالبقاء بواسطة الاستصحاب أم لا؟ توضيح المقام أن هذا الشك: تارة يفرض بعد القطع بنسخ اصل الشريعة السابقة، و أخرى يفرض بواسطة الشك في ذلك.أما الأول فالحقّ جواز إجراء الاستصحاب و الحكم ببقاء الحكم المشكوك فيه في هذه الشريعة، فإن المقتضى- أعني عمومات الأدلة- موجود، و ليس في المقام ما يصلح للمانعية عدا أمور توهّم كونها مانع...
[18] و راجع نهاية الافكار، العراقي، آقا ضياء الدين، ج3، ص173.
[19] و أمّا من خالف في التمسّك باستصحاب الشرايع السابقة:قال المحقق النراقي الأوّل) بعد أن استدلّ على أنّ النبي صلى الله عليه و آله لم‌يكن تابعاً للشرايع السابقة في أنيس المجتهدين، النراقي، المولى محمد مهدي، ج1، ص332..: «و إذا عرفت ذلك فتعلم أنّ شرع من قبلنا ليس شرعاً لنا- و إن لم‌يرد عليه ناسخ- ما لم‌يعلم ثبوته في ديننا، و على قول من خالفنا يكون ما ثبت من شرعهم شرعاً لنا و إن لم‌يعلم ثبوته من خارج في ديننا». ثمّ ذكر الفروع التي استدلّ بها الفقهاء على بعض الأحكام و ردّ الاستدلال بها و قال بعد ذلك: «نعم، ما علم ثبوته في ديننا بدليل من خارج فهو طريق آخر، و لا مدخليّة له بهذا الطريق، كثبوت الحكم المذكور في بعض الموارد بشروط خاصّة؛ فإنّه مرويّ عندنا، و قس عليها أمثالها»
[20] و بعض الأساطين. في المغني في الأصول، ج2، ص109
[21] فرائد الأصول، الشيخ مرتضى الأنصاري، ج3، ص238..: «لو قلنا باعتبار الاستصحاب من باب الظن لم‌يكن مناص عن الالتزام بالأصول المثبتة لعدم انفكاك الظن بالملزوم عن الظن باللازم شرعياً كان أو غيره»
[22] كفاية الأصول - ط آل البيت، الآخوند الخراساني، ج1، ص414.. ثمّ قال: «و التحقيق أن الأخبار إنما تدلّ على التعبد بما كان على يقين منه فشك بلحاظ ما لنفسه من آثاره و أحكامه و لا دلالة لها بوجه على تنزيله ب لوازمه التي لا‌يكون كذلك كما هي محلّ ثمرة الخلاف و لا على تنزيله بلحاظ ما له مطلقاً و لو بالواسطة فإن المتيقن إنما هو لحاظ آثار نفسه و أما آثار لوازمه فلا دلالة هناك على لحاظها أصلاً و ما لم‌يثبت لحاظها بوجه أيضاً لما كان وجه لترتيبها عليه باستصحابه كما لا‌يخفى.نعم لا‌يبعد ترتيب خصوص ما كان منها محسوباً بنظر العرف من آثار نفسه لخفاء ما بوساطته بدعوى أن مفاد الأخبار عرفاً ما يعمّه أيضاً حقيقة فافهم.كما لا‌يبعد ترتيب ما كان بوساطة ما لا‌يمكن التفكيك عرفاً بينه و بين المستصحب تنزيلاً كما لا تفكيك بينهما واقعا أو بوساطة ما لأجل وضوح‌ لزومه له أو ملازمته معه بمثابة عد أثره أثراً لهما فإن عدم ترتيب مثل هذا الأثر عليه يكون نقضاً ليقينه بالشك أيضاً بحسب ما يفهم من النهي عن نقضه عرفاً فافهم.ثم لا‌يخفى وضوح‌ الفرق‌ بين‌ الاستصحاب‌ و سائر الأصول التعبدية و بين الطرق و الأمارات فإن الطريق و الأمارة حيث أنه كما يحكي عن المؤدى و يشير إليه كذا يحكي عن أطرافه من ملزومه و لوازمه و ملازماته و يشير إليها كان مقتضى إطلاق دليل اعتبارها لزوم تصديقها في حكايتها و قضيته حجية المثبت منها كما لا‌يخفى بخلاف مثل دليل الاستصحاب فإنه لا‌بدّ من الاقتصار مما فيه من الدلالة على التعبد بثبوته و لا دلالة له إلا على التعبد بثبوت المشكوك بلحاظ أثره حسب ما عرفت فلا دلالة له على اعتبار المثبت منه كسائر الأصول التعبدية إلا فيما عد أثر الواسطة أثراً له لخفائها أو لشدّة وضوحها و جلائها حسب ما حقّقناه»
[23] و أورد عليه في نهاية الدراية في شرح الکفاية - ط قديم، الغروي الإصفهاني، الشيخ محمد حسين، ج3، ص229..: «و الجواب: أنّ الدلالة الكلامية الوضعية- حيث أنها- على المعروف- تصورية، فلا‌محالة يدلّ الكلام بهذه الدلالة على جميع مداليلها.إلا أن الحكاية قصدية، و دلالتها تصديقية متقوّمة بالشعور و الالتفات و القصد، و العمد و المدلول الالتزامي- إن كان ملتفتاً إليه و لو نوعاً- صحّ أن يحكم على الحاكي المخبر بالحكاية عنه.و أما مطلق اللوازم و الملازمات فلا، فمثل هذه اللوازم غير الملتفت إليها لوازم المخبر به لا لوازم مخبر بها، و لو إجمالًا و ارتكازاً، فلا معنى‌ لأن يؤاخذ المخبر بها».ثمّ وجّهه بقوله: «و يندفع الإشكال عنه بتقريب: أن الأمارة: تارة تقوم على الموضوعات، كالبيّنة على شي‌ء فاللازم حينئذٍ كون ما يخبر به الشاهدان- من عمد و قصد- ملتفتاً إليه نوعاً. و أخرى‌- كالخبر عن الإمام عليه السلام فإن شأن المخبر- بما هو مخبر- حكاية الكلام الصادر عن الإمام عليه السلام بما له من المعنى الملتفت إليه- بجميع خصوصياته- للإمام عليه السلام، لا للمخبر، إذ ربّ حامل فقه و ليس بفقيه، و رب حامل فقه إلى‌ من هو أفقه منه، فمجرد عدم التفات المخبر- بلوازم الكلام المخبر عنه- لا‌يوجب عدم حجية المداليل الالتزامية للكلام، الصادر عن الإمام عليه السلام، فإنّ كلّها ملتفت إليها للمتكلم بها»
[24] أجود التقريرات، الخوئي، السيد أبوالقاسم، ج2، ص416..: «إن المجعول في الأمارات على ما عرفت في بحث جعل الطريق إنما هو نفس صفة المحرزية و الوسطية في الإثبات، و بعبارة أخرى جعل فرد تشريعي من العلم و هذا بخلاف الأصل فإن المجعول فيه هو الجري العملي مطلقاً. غاية الأمر أنه في الأصول المحرزة إنما يكون بمؤونة البناء على أحد طرفي الشك و في غيرها بدونها».فوائد الأصول، ج3، ص16-17: «... يجتمع في القطع جهات ثلاث: الجهة الأولى: جهة كونه صفة قائمة بنفس العالم من حيث إنشاء النفس في صقعها الداخلي صورة على طبق ذي الصورة ... الجهة الثانية: جهة إضافة الصورة لذي الصورة، و هي جهة كشفه عن المعلوم و محرزيته له و إراءته للواقع المنكشف‌ ... الجهة الثالثة: جهة البناء و الجري العملي على وفق العلم‌ ... ثم أنّ المجعول في باب الطرق و الأمارات هي الجهة الثانية من جهات العلم، و في باب الأصول المحرزة هي الجهة الثالثة»
[25] فوائد الاُصول، الغروي النّائيني، الميرزا محمد حسين، ج3، ص16.. «... يجتمع في القطع جهات ثلاث: الجهة الأولى: جهة كونه صفة قائمة بنفس العالم من حيث إنشاء النفس في صقعها الداخلي صورة على طبق ذي الصورة ... الجهة الثانية: جهة إضافة الصورة لذي الصورة، و هي جهة كشفه عن المعلوم و محرزيته له و إراءته للواقع المنكشف‌ ... الجهة الثالثة: جهة البناء و الجري العملي على وفق العلم‌ ... ثم أنّ المجعول في باب الطرق و الأمارات هي الجهة الثانية من جهات العلم، و في باب الأصول المحرزة هي الجهة الثالثة»
[26] أجود التقريرات، الخوئي، السيد أبوالقاسم، ج2، ص9.. «إن العلم و إن اختلف في کونه من مقولة الفعل أو الانفعال أو الکیف أو الإضافة إلا أن الحقّ أن فیه جهات کلّ منها إذ ... ثم بعد ذلك تکون تلك الصورة المعلومة بالذّات للنفس إضافة بینها و بین الموجود الخارجي ... ثم إن المرتبة الأخیرة لها جهتان: ... ثانیتهما: البناء على وجوده و عقد القلب علیه المترتب علیه الرغبة أو الهرب عنه ... و في مثل الأصول المحرزة ... یکون المجعول الشرعي هي الجهة الثانیة من المرتبة الرابعة»
[27] مصباح الأصول( مباحث حجج و امارات- مكتبة الداوري)، الواعظ الحسيني، السيد محمد؛ تقرير بحث السيد أبو القاسم الخوئي، ج2، ص154..: «فإنّ المجعول في باب الاستصحاب أيضاً هو الطريقية و اعتبار غير العالم عالماً بالتعبد، فإنّه الظاهر من الأمر بإبقاء اليقين و عدم نقضه بالشك، فلا فرق بين الأمارة و الاستصحاب من هذه الجهة، بل التحقيق أنّ الاستصحاب أيضاً من الأمارات‌ و لا‌ينافي ذلك تقديم الأمارات عليه، لأن كونه من الأمارات لا‌يقتضي كونه في عرض سائر الأمارات، فإنّ الأمارات الأخر أيضاً بعضها مقدم على بعض‌»
[28] سيأتي في ص297.
[29] و في موسوعة الإمام الخميني 05 (الاستصحاب)، الخميني، السيد روح الله، ج1، ص4.. اعتناقه هذا القول حيث قال: «و إمّا أنْ يكون حُجّة على الواقع، سواء كان أصلًا اعتبر لأجل التحفّظ على الواقع، كأصالة الاحتياط في الشبهة البَدْويّة، أو طريقاً كاشفاً عنه كسائر الأمارات الكاشفة عن الواقع، فحينئذٍ يكون مسألة اصوليّة، و إطلاق الحُجّة عليه صحيح؛ فإنّ معنى الحجية هو كون الشي‌ء منجزاً للواقع؛ بحيث لو خالفه المكلَّف مع قيامه عليه يكون مستحقّاً للعُقوبة». و یصرّح في مواضع من الكتاب بهذا