الموضوع: الأصول العملية/أصالة الاستصحاب /التنبیه الخامس؛ المقام الثالث؛ عدم جریان الاستصحاب التعلیقی عند المحقق الخوئی
یلاحظ علیه
إذا تحقّقت الصلاة في الخارج و شُك في كونها مصاحبة لأجزاء ما لایؤكل لحمه فهناك استصحابان متعارضان و هما استصحاب عدم تحقّق الصلاة في أجزاء ما لایؤكل لحمه (و هو یوافق الاستصحاب التعلیقي في مؤداه) و استصحاب عدم تحقّق الصلاة في غیر أجزاء ما لایؤكل لحمه (أي الاستصحاب التنجیزي الذي ادّعی المحقّق الخوئي تعارضه مع الاستصحاب التعلیقي).
و حینئذٍ یقع التعارض بین الاستصحابین التنجیزیین العدمیین و یبقی الاستصحاب التعلیقي الوجودي الموضوعي (و هو تحقّق الصلاة في غیر أجزاء ما لایؤكل لحمه) بلا معارض. هذا على فرض تمامیة الاستصحابین التنجیزیین، و الحقّ عدم تمامیتهما كما سنشیر إلیه في الملاحظة على الوجه الثاني.
الوجه الثاني
إنّ المحقّق الخوئي یری عدم تمامیة الاستصحاب التعلیقي في الموضوعات من جهة عدم تحقّق مقتضیه أو من جهة عدم وجود شرطه قال:
«یعتبر في الاستصحاب أن یكون المستصحب بنفسه حكماً شرعیاً لیقع التعبّد ببقائه للاستصحاب أو یكون ذا أثر شرعي لیقع التعبّد بترتیب أثره الشرعي.
و المستصحب في المقام لیس حكماً شرعیاً و هو واضحٌ، و لا ذا أثر شرعي، لأنّ الأثر مترتّب على الغسل المتحقّق في الخارج و على الصلاة المتحقّقة في الخارج المتّصفة بما یعتبر فیها من الأجزاء و الشرائط.
و المستصحب في المقام أمر فرضي لا واقعي، و لایمكن إثباتهما بالاستصحاب المذكور إلا على القول بالأصل المثبت فإنّ تحقّقهما في الخارج [أي تحقّق الغسل المتحقّق في الخارج أو الصلاة المتحقّقة في الخارج المتّصفة بما یعتبر فیها من الأجزاء و الشرائط] من لوازم بقاء القضیة الفرضیة.
و لایجري هذا الإشكال على جریان الاستصحاب التعلیقي في الأحكام؛ لأنّ المستصحب فیها هو المجعول الشرعي و هو الحكم المعلّق على وجود شيء و یكون الحكم الفعلي بعد تحقّق المعلّق علیه نفس هذا الحكم المعلّق لا لازمه حتّی یكون الاستصحاب المذكور بالنسبة إلى إثبات الحكم الفعلي من الأصل المثبت»([1]
[2]
).
یلاحظ علیه
أوّلاً: إنّ المستصحب هنا نفس موضوع الحكم الشرعي و بعبارة أدقّ نفس متعلّق الحكم الشرعي، لأنّ حكم الوجوب قد تعلّق بنفس الصلاة في غیر أجزاء ما لایؤكل لحمه، فإنّ المكلّف لو صلّی قبل لبس هذا الثوب المشكوك لكانت صلاته في غیر أجزاء ما لایؤكل لحمه، فالآن نستصحب تلك الصلاة و نتیجة الاستصحاب هو التعبّد بوقوعها الخارجي لا التعبّد بطبیعتها الماهویة.
ثانیاً: إنّ هذا الإشكال یتوجّه إلى الاستصحابین التنجیزیین حیث أنّ كلیهما عدمیان فلیسا موضوعاً للحكم الشرعي إلا على الأصل المثبت.
وجه عدم جریان الاستصحاب التعلیقي في الموضوعات عندنا
إنّ الموضوع في الاستصحاب التعلیقي لا حالة سابقة له حتّی یستصحب، فأركان الاستصحاب فیه غیر تامّة فإنّ المستصحب إذا كان حكماً شرعیاً، له حالة سابقة و هي مرتبة كونه حكماً إنشائیاً، و أمّا الموضوع الخارجي مثل الصلاة لمتكن متحقّقة فیما قبل إلا على فرض و المستصحب لابدّ أن یكون له وجود واقعي في السابق لا فرضي و لعل المحقّق الخوئي أشار في ضمن الوجه الثاني إلى ذلك حیث قال: «المستصحب في المقام أمر فرضي لا واقعي».
و المتحصّل تمامیة الاستصحاب التعلیقي في الأحكام و عدم تمامیته في الموضوعات.
التنبیه السادس: استصحاب عدم النسخ
إنّ المعروف بین الأصولیین هو جریان استصحاب عدم النسخ عند الشك في بقاء أحكام شریعتنا المقدّسة أو بقاء أحكام الشرائع السابقة من جهة احتمال النسخ، و قد یترتّب علیه ثمرات كثیرة، أمّا في استصحاب عدم نسخ أحكام شریعة الإسلام فواضح و قد ادّعی المحدث الأسترآبادي كونه ضروریاً([3]
) ، و أمّا في استصحاب بقاء أحكام الشرائع السابقة أیضاً فقد ذكروا ثمرات مهمّة، نقلها الشیخ الأعظم الأنصاري([4]
) عن تمهید القواعد للشهید الثاني، نشیر إلى بعضها:
ثمرتان لاستصحاب أحكام الشرائع السابقة
الثمرة الأولی ([5]
)
و هي حكم جواز الجهالة في مال الجعالة المستفاد من قوله تعالى: ﴿وَ لِمَنْ جاءَ به حِمْلُ بَعیرٍ﴾ ([6]
) و الحكم بجواز ضمان ما لم یجب المستفاد من تتمة هذه الآیة الشریفة و هي قوله تعالى: ﴿وَ أنَا بِهِ زَعیمٌ﴾ ([7]
[8]
[9]
[10]
[11]
[12]
).
إیراد الشيخ الأنصاري
«إنّ حمل البعیر لعلّه كان معلوم المقدار عندهم([13]
[14]
[15]
)، مع احتمال كونه مجرّد وعدٍ لا جُعالةً مع أنّه لمیثبت الشرعُ بمجرد فعل المؤذّن، لأنّه غیرُ حجّة، و لمیثبت إذن یوسف في ذلك و لا تقریره.
و منه یظهر عدم ثبوت شرعیة الضمان المذكور خصوصاً مع كون كلّ من الجُعالة و الضمان صوریّاً قصد بهما تلبیس الأمر على إخوة یوسف، و لا بأس بذكر معاملة فاسدة یحصل به الغرض مع احتمال إرادة أنّ الحِمل في ماله و أنّه ملتزم به، فإنّ الزعیم هو الكفیل و الضامن، و هما [أي الكفالة و الضمان] لغةً مطلق الالتزام، و لمیثبت كونهما في ذلك الزمان حقیقة في الالتزام عن الغیر، فیكون الفقرة الثانیة تأكیداً لظاهر الأولى و دفعاً لتوهّم كونه من الملك فیصعب تحصیله»([16]
[17]
).
الثمرة الثانیة([18]
)
و هي حكم ترجیح التعفّف على التزویج و استحباب الامتناع عن مباشرة النساء المستفاد من قوله تعالى في شأن نبي الله یحیی على نبینا و آله و علیه السلام: ﴿وَ سَيِّداً وَ حَصُوراً وَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحين﴾ ([19]
[20]
[21]
).
إیراد الشيخ الأنصاري
«إنّ الآیة لاتدلّ إلّا على حسن هذه الصفة لما فیه من المصالح و التخلّص عما یترتّب علیه، و لا دلیل فیه على رجحان هذه الصفة على صفة أخری»([22]
[23]
[24]
).
الاستدلال على عدم جريان استصحاب عدم النسخ
و كیف كان قد اختلف الأعلام فقال المشهور بتمامیة استصحاب عدم النسخ، و خالفهم بعض الأعلام مثل المحقّق القمي في القوانین و الشیخ محمد حسین الإصفهاني في الفصول و المحقّق الخوئي في مصباح الأصول.([25]
[26]
[27]
)
[2] قال الشیخ حسین الحلي
في
أصول الفقه، الحلي، الشيخ حسين، ج10، ص9..:« لميكن استصحاب الحرمة الملحوظ بها الغليان في إثبات الحرمة الفعلية إلّا من قبيل الأصل المثبت، لأنّ لازم بقاء تلك الحرمة اللحاظية هو تحقّق فعلية الحرمة عند الغليان بعد التبدّل إلى الزبيبية. نعم لو كان المستصحب هو نفس الملازمة بين الحرمة و الغليان، لقلنا إنّ استصحابها قاضٍ بتحقّق الحرمة خارجاً عند تحقّق الغليان خارجاً، بناءً على أنّ فعلية الحكم لازمة قهراً لوجود الملزوم، سواء كانت الملازمة واقعية أو كانت ظاهرية، فالملازمة الواقعية يتبعها وجود اللازم عند وجود الملزوم وجوداً واقعياً، و الملازمة الظاهرية يتبعها تحقّق اللازم ظاهراً عند وجود الملزوم، و لكن لايخلو عن تأمّل.و الإنصاف: إنّا لميتّضح لنا المراد من كون المستصحب هو الحرمة المنوطة بوجود الغليان اللحاظي، فهل المراد أنّ الحرمة الموجودة هي الحرمة اللحاظية فلايخفى فساده، أو أنّ المراد هو الحرمة الخارجية المعلّقة على لحاظ الغليان فهو أفسد، لأنّ لازمه تحقّق الحرمة فعلًا بمجرّد لحاظ الشارع الغليان، و إن كان المراد هو أنّ الجعل منوط باللحاظ لا المجعول، فهذا راجع إلى شرط الجعل الذي هو فعل اختياري للشارع لا إلى شرط المجعول»
[3] الفوائد المدنيّة، الأسترآبادي، محمّد أمين، ج1، ص288. : «إعلم أنّ للاستصحاب صورتين معتبرتين باتّفاق الأمّة، بل أقول: اعتبارهما من ضروريّات الدين:إحداهما: أنّ الصحابة و غيرهم كانوا يستصحبون ما جاء به نبيّنا صلّى اللّه عليه و آله إلى أن يجيء صلّى الله عليه و آله بنسخه.و ثانيهما: أنّا نستصحب كلّ أمر من الأمور الشرعيّة مثل كون رجل مالك أرض، و كونه زوج امرأة، و كونه عبد رجل آخر ...».
[5] تمهيد القواعد، الشهيد الثاني، ج1، ص240.. : «و منها: الاحتجاج على صحة كون عوض الجعالة مجهولاً بقوله تعالى: (وَ لِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ) مع أنّ حمل البعير غير معلوم المقدار، لاختلافه بالزيادة و النقيصة. و يمكن الاحتجاج أيضاً على مشروعية أصل الجعالة بالآية المذكورة. و منها: الاحتجاج على صحّة ضمان (مال) الجعالة قبل العمل، بقوله تعالى: (وَ أَنَا بِهِ زَعِيمٌ) أي: ضامن للحمل، و هو ضمان واقع قبل العمل»
[7] و استدلّ بالآية شيخ الطائفة
لضمان ما لميوجب في
المبسوط في فقه الإمامية، الشيخ الطوسي، ج2، ص325.. قال: «و أما الرابع فهو مال الجعالة فإنه ليس بلازم في الحال، لكنه يؤول إلى اللزوم بفعل ما شرط المال له و يصحّ ضمانه و يلزمه لقوله صلى الله عليه و آله: «الزعيم غارم»، و لقوله تعالى: (وَ لِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَ أَنَا بِهِ زَعِيمٌ)»
[8] و في
الخلاف، الشيخ الطوسي، ج3، ص316..: «يصحّ ضمان مال الجعالة إذا فعل ما شرط الجعالة له. و للشافعي فيه وجهان: أحدهما مثل ما قلناه، و الثاني: لايصحّ ضمانه. دليلنا: قوله تعالى: (وَ لِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَ أَنَا بِهِ زَعِيمٌ) و هذا نصّ. و قول النبي صلى اللّه عليه و آله: «الزعيم غارم»، و هذا عام إلا ما أخرجه الدليل»
[13] قال بمعلومیة حمل البعير شيخ الطائفة
في
المبسوط في فقه الإمامية، الشيخ الطوسي، ج2، ص322.: «الضمان جائز للكتاب و السنة و الإجماع؛ فالكتاب قول الله -عز و جل- في قصة يوسف
.: (وَ لِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَ أَنَا بِهِ زَعِيمٌ) و الزعيم الكفيل، و يقال: ضمين و كفيل و جميل و صبير و قتيل، و ليس لأحد أن يقول: إن الحمل مجهول لايصح أن يكون كفيلاً فيه، و ذلك أن الحمل حمل البعير و هو ستّون وسقاً عند العرب و أيضاً فإنه مال الجعالة و ذلك يصح عندنا ضمانه لأنه يؤول إلى اللزوم»
[20] قال الشيخ الطوسي
في
المبسوط في فقه الإمامية، الشيخ الطوسي، ج4، ص160.: «النكاح مستحب في الجملة للرجل و المرأة، ليس بواجب خلافاً لداود، و الناس ضربان: ضرب مشتهٍ للجماع و قادر على النكاح، و ضرب لايشتهيه، فالمشتهى يستحبّ له أن يتزوج، و الذي لايشتهيه المستحب أن لايتزوج لقوله تعالى: (وَ سَيِّداً وَ حَصُوراً) فمدحه على كونه حَصوراً، و هو الذي لايشتهي النساء. و قال قوم: هو الذي يمكنه أن يأتي النساء و لكن لايفعله».و مثله في فقه القرآن، ج2، ص95.
[21] قال فخر الدين
) في
إيضاح الفوائد، ابن العلامة، ج2، ص3..: «إنه مستحب لمن تاقت نفسه إليه و أجمعت الأمة على ترجيح فعله حينئذ، و من لميتقّ نفسه - قال المصنف و كثير من العلماء- يستحب له أيضاً لقوله عليه السّلام: «تناكحوا تكثروا» الحديث، و هو عام. و قال الشيخ في المبسوط: تركه له مستحب لقوله تعالى: (سَيِّداً وَ حَصُوراً) مدحه على الترك و كلّ ممدوح عليه راجح»
[22] فرائد الأصول، ج2، ص658.و هناك ثمار أخر ذكرها الشهيد الثاني
. في تمهيد القواعد قال: «و فروعه كثيرة: منها: ما لو حلف ليضربنّ زيداً مثلاً مائة خشبة، فضربه بالعثكال و نحوه، فإنه يبرأ على القول بثبوته، لقوله تعالى لأيّوب لما حلف ليضربنّ زوجته ذلك: (وَ خُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَ لا تَحْنَثْ) و الضغث: هو الشماريخ القائمة على الساق الواحد، و هو المسمى بالعثكال. و هذا الحكم مروي عندنا في اليمين بشروط خاصة. و في الحدود كذلك لا مطلقاً. و منها: الحكم باشتراط الإخلاص في العبادة، و بطلان عبادة الرياء، لقوله تعالى: (وَ ما أُمِرُوا إِلّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) فإنه حكاية عن أهل الكتاب، فيتوقف ثبوته في حقّنا على استمرار حكمه. و ربما قيل هنا بثبوت الحكم و إن لمتثبت القاعدة، لتعقّبه بقوله: (وَ ذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ)؛ فقد قيل في تفسيره: إن المراد بها الثابتة في جهة الصواب بحيث لمتنسخ»
[24] و هناك ثمار أخر ذكرها الشهيد الثاني
في
تمهيد القواعد، الشهيد الثاني، ج1، ص239.. قال: «و فروعه كثيرة: منها: ما لو حلف ليضربنّ زيداً مثلاً مائة خشبة، فضربه بالعثكال و نحوه، فإنه يبرأ على القول بثبوته، لقوله تعالى لأيّوب لما حلف ليضربنّ زوجته ذلك: (وَ خُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَ لا تَحْنَثْ) و الضغث: هو الشماريخ القائمة على الساق الواحد، و هو المسمى بالعثكال. و هذا الحكم مروي عندنا في اليمين بشروط خاصة. و في الحدود كذلك لا مطلقاً. و منها: الحكم باشتراط الإخلاص في العبادة، و بطلان عبادة الرياء، لقوله تعالى: (وَ ما أُمِرُوا إِلّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) فإنه حكاية عن أهل الكتاب، فيتوقف ثبوته في حقّنا على استمرار حكمه. و ربما قيل هنا بثبوت الحكم و إن لمتثبت القاعدة، لتعقّبه بقوله: (وَ ذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ)؛ فقد قيل في تفسيره: إن المراد بها الثابتة في جهة الصواب بحيث لمتنسخ»
[27] حكى الشيخ الدربندي
في
خزائن الأحكام، آقا بن عابد دربندی، ج2، ص381. قولاً ثالثاً في المسألة قال
: «فاعلم إن في هذه المسألة أقوالاً: ثالثها التفصيل بأنه إن فهم أنّ اللّه تعالى أو نبيّه
. نقل ذلك على طريق المدح لهذه الأمة أيضاً بحيث يدلّ على حسنه مطلقاً فالأول و إلا فالثاني»