46/05/18
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: الأصول العملية/أصالة الاستصحاب /التنبیه الخامس؛ المقام الثالث: الاستصحاب التعلیقي في الموضوعات
المقام الثالث: الاستصحاب التعلیقي في الموضوعات
ضابط جریان الاستصحاب التعلیقي عند المحقّق النائیني
إنّ المحقّق النائیني أفاد في المقام ضابطاً لجریان الاستصحاب التعلیقي في الأحكام و الموضوعات بناءً على القول بجریانه، فهذا الضابط جارٍ في حقّ القائلین بأصل جریان الاستصحاب التعلیقي و لایعتبر الضابط المذكور عند المحقّق النائیني لأنّه من المنكرین لجریان الاستصحاب التعلیقي في الأحكام فضلاً عن الموضوعات.
قال: «لایخفی أنّ الاستصحاب التعلیقي على تقدیر جریانه إنّما یختصّ بما إذا كان الموجود في الزمان السابق هو الجزء الركین للموضوع، و كان الجزء الآخر غیر المتحقّق ممّا یعدّ من حالاته حتّی یصحّ أن یقال: إنّ الموجود في الزمان السابق كان محكوماً بحكم تقدیري فیستصحب.
و أمّا إذا انعكس الأمر و كان الموجود سابقاً ممّا یعدّ من حالات الموضوع و كان الجزء الركین معدوماً، فلا موجب لتوهّم ثبوت الحكم التقدیري أصلاً حتّی یجري فیه الاستصحاب.
و من هنا یظهر عدم جواز الحكم بصحّة الصلاة الواقعة في اللباس المشكوك، نظراً إلى استصحاب الصحّة التقدیریة الثابتة للصلاة على تقدیر وجودها قبل لُبس المشكوك، فإنّ الموضوع للصحّة إنّما هي الصلاة المقیّدة بعدم وقوعها في غیر المأكول و الركن الركین لهذا الموضوع نفس الصلاة و هي لمتكن موجودة سابقاً كي تستصحب صحّتها التقدیریة.
و أوضح من ذلك عدم جریان الاستصحاب في خصوص مثال العنب إذا صار زبیباً، فإنّ الموضوع للحكم هو العصیر العنبي، و من المعلوم انتفاء هذا الموضوع عند تبدّله زبیباً، فإنّ الغلیان حینئذٍ لامحالة یكون عارضاً لماء خارجي منضمّ إلى الأجزاء الزبیبیة، ضرورة أنّ نفس الرطوبة الزبیبیة غیر قابلة للغلیان، فما هو الموضوع للحكم غیر باقٍ یقیناً، و ما هو متّصف بالغلیان فعلاً لمیكن الحكم ثابتاً له سابقاً»([1] ).
مناقشة المحقّق الخوئي في الضابط المذكور
إنّ المحقّق الخوئي یری أنّ الضابط المذكور یجري في الموضوعات كما في الأحكام و لذا أخذ بالنقاش فیه في هذا المقام و إن كان كلام المحقّق النائیني ناظراً إلى بیان الضابط الكلّي في الاستصحاب التعلیقي من دون اختصاص له بالاستصحاب التعلیقي في الموضوعات.
و لذلك قال المحقّق الخوئي ذیل كلام أستاذه المحقّق النائیني:
«و للمناقشة فیما أفاده مجال واسع و ذلك لما ذكرناه غیر مرّة وفاقاً لما ذهب) إلیه من أنّ متعلّقات الأحكام لیست هي الأفراد الخارجیة، بل هي الطبائع الكلّیة مجردة عن الخصوصیات الفردیة، و الفرد الخارجي مسقط للوجوب، لكونه مصداقاً للواجب لا لكونه بخصوصیته هو الواجب، فلیس الموضوع للاستصحاب في المقام هو الصلاة الواقعة في الخارج حتّی یقال: إنّها لمتكن موجودة حتّی یشك في بقائها على صفة من صفاتها كي تكون مجریً للاستصحاب، بل الموضوع للاستصحاب هو الطبیعة.
فنقول: إنّ هذه الطبیعة لو وقعت في الخارج قبل لبس هذا اللباس لكانت غیر مصاحبة مع أجزاء غیر المأكول و الآن كما كانت بمقتضى الاستصحاب.
و لیس المراد من وحدة القضیة المتیقّنة و القضیة المشكوكة هو بقاء الموضوع في الخارج، و إلا لمیجر الاستصحاب فیما إذا كان الشك في بقاء نفس الوجود، كحیاة زید مثلاً أو كان الشك في بقاء العدم، مع أنّ جریان الاستصحاب فیهما ممّا لا إشكال فیه.
بل المراد من وحدة القضیتین كون الموضوع فیهما واحداً، بحیث لو ثبت الحكم في الآن الثاني لعدّه العرف بقاء للحكم الأوّل لا حكماً جدیداً، و في المقام كذلك على ما ذكرناه.
و كذا الكلام في مسألة غسل الثوب، فإنّه لو تحقّق وقوع هذا الثوب في الحوض سابقاً لكان مغسولاً [للیقین بوجود الماء الكر في الحوض سابقاً و حیث نشك الآن في بقاء الماء في الحوض نستصحب ذلك و نقول:] و الآن كما كان بمقتضى الاستصحاب فلا إشكال في جریان الاستصحاب التعلیقي في الموضوعات من هذه الجهة»([2] ).
عدم جریان الاستصحاب التعلیقي عند المحقّق الخوئي
إنّ المحقّق الخوئي أفاد وجهین لعدم جریان الاستصحاب التعلیقي في الموضوعات أحدهما راجع إلى وجود المانع و ثانیهما راجع إلى عدم المقتضي أو عدم الشرط.
الوجه الأوّل ([3] )
إنّ المحقّق الخوئي یری تعارض الاستصحاب التعلیقي في ناحیة الموضوعات و الاستصحاب التنجیزي مثل أصالة الحلّ أو أصالة الطهارة، و هذا الإشكال بعینه قد تقدّم([4] ) ذكره في الأمر الأوّل، و قد أجاب عنه الشیخ الأعظم الأنصاري و صاحب الكفایة، و المحقّق الخوئي اختار جواب صاحب الكفایة حیث قال بأنّ الحكم المنجّز كان مغيّاً بغایة بحسب مقام الجعل فلایجري فیه الاستصحاب التنجیزي في ظرف تحقّق الغایة.
و لكن المحقّق الخوئي یری أنّ هذا الجواب لایجري في الاستصحاب التعلیقي في الموضوعات و قال في وجه ذلك:
«إنّ الموضوع لیس قابلاً للجعل التشریعي، و لا معنی لكونه مغيّاً بغایة، بل هو تابع لتكوّنه الواقعي، فیجري فیه الاستصحاب التنجیزي و یكون معارضاً للاستصحاب التعلیقي فإنّه في مسألة الصلاة في اللباس المشكوك فیه و إن اقتضی تحقّق صلاة متّصفة بعدم كونها مصاحبة لأجزاء غیر المأكول، إلا أنّ مقتضی الاستصحاب التنجیزي عدم تحقّق صلاة متّصفة بهذه الصفة، للعلم بعدم تحقّقها قبل الإتیان بالصلاة في اللباس المشكوك فیه و الآن كما كان، فتقع المعارضة بینهما لامحالة»([5] ).