بحث الأصول الأستاذ محمدعلي البهبهاني

46/05/17

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: الأصول العملية/أصالة الاستصحاب /التنبیه الخامس؛ المقام الثاني؛ الاشکال بمعارضة الاستصحاب التعلیقي للاستصحاب التنجیزي

 

الإشکال بمعارضة الاستصحاب التعلیقي للاستصحاب التنجیزي

قد ذكر الشیخ الأعظم الأنصاري([1] ) أن بعض الأعلام ناقش في الاستصحاب التعلیقي بمعارضته لاستصحاب الإباحة قبل الغلیان الذي هو استصحاب تنجیزي، بل قالوا بترجیح استصحاب الإباحة على الاستصحاب التعلیقي بالشهرة و العمومات.

تقریر هذه المعارضة:

قد قرّر ذلك بأنّ الاستصحاب التعلیقي كما یقتضي نجاسة الزبیب و حرمته بعد الغلیان، كذلك استصحاب حلّیة الزبیب و طهارته الثابتة له قبل الغلیان یقتضي حلّیته و طهارته بعد الغلیان، و لیس الشك في أحدهما مسبّباً عن الشك في الآخر، فإنّ الشك في بقاء الطهارة و الحلّیة یلازم الشك في بقاء النجاسة و الحرمة و بالعكس، فهما في رتبة واحدة، و الاستصحابان یجریان في عرض واحد، فیتعارضان و یتساقطان و یرجع إلى أصالة الطهارة و الحلّیة([2] [3] [4] [5] [6] ).

الجواب الأوّل عن المعارضة: من العلامة الأنصاري و المحقّق النائیني

إنّ العلامة الأنصاري أجاب عن ذلك مختصراً فقال: «الثاني فاسد لحكومة استصحاب الحرمة على تقدیر الغلیان على استصحاب الإباحة قبل الغلیان»([7] ).

و أوضحه المحقّق النائیني فقال:

«إنّ الشك في حلّیة الزبیب و طهارته الفعلیة بعد الغلیان و إن لم‌یكن مسبّباً عن الشك في نجاسته و حرمته الفعلیة بعد الغلیان و إنّما كان الشك في أحدهما ملازماً للشك في الآخر، بل الشك في أحدهما عین الشك في الآخر إلا أنّ الشك في الطهارة و الحلّیة الفعلیة في الزبیب المغلي مسبّب عن الشك في کون المجعول الشرعي هل هو نجاسة العنب المغلي و حرمته مطلقاً حتّی في حال كونه زبیباً أو أنّ المجعول الشرعي خصوص نجاسة العنب المغلي و حرمته و لایعمّ الزبیب المغلي؟

فإذا حكم الشارع بالنجاسة و الحرمة المطلقة بمقتضی الاستصحاب التعلیقي یرتفع الشك في حلّیة الزبیب المغلي و طهارته»([8] [9] [10] [11] ).

الإیراد الأوّل علی هذا الجواب: من المحقّق الخوئي

«إنّ الشكّین في رتبة واحدة، و لیس أحدهما مسبّباً عن الآخر، بل كلاهما مسبّب عن العلم الإجمالي بأنّ المجعول في حقّ المكلّف في هذه الحالة إمّا الحلّیة أو الحرمة.

و حیث أنّ الشك في حرمة الزبیب بعد الغلیان مسبوق بأمرین مقطوعین:

أحدهما حلّیة هذا الزبیب قبل الغلیان.

و ثانیهما حرمة العنب على تقدیر الغلیان،.

فباعتبار حلّیته قبل الغلیان یجري الاستصحاب التنجیزي و یحكم بحلّیته، و باعتبار حرمته على تقدیر الغلیان یجري الاستصحاب التعلیقي و یحكم بالحرمة، و حیث لایمكن اجتماعهما فیتساقطان بالمعارضة»([12] ).

الإیراد الثاني علی هذا الجواب: من المحقّق الخوئي أیضا

«لو سلمنا السببیة و المسبّبیة، فلیس كلّ أصل سببي حاكماً على كلّ أصل مسبّبي و إنّما ذلك في مورد یكون الحكم في الأصل المسبّبي من الآثار الشرعیة للأصل السببي كما إذا غسلنا ثوباً متنجساً بماء مشكوك الطهارة، فإنّ أصالة طهارة الماء أو استصحابها یكون حاكماً على استصحاب نجاسة الثوب، لكون طهارة الثوب من الآثار الشرعیة لطهارة الماء.

بخلاف المقام فإنّ حرمة الزبیب بعد الغلیان لیست من الآثار الشرعیة لجعل الحرمة للعنب على تقدیر الغلیان مطلقاً و بلا اختصاص لها بحال كونه عنباً، بل هي من اللوازم العقلیة، فلا مجال للحكومة فیبقی التعارض بحاله»([13] ).

الجواب الثاني عن المعارضة: من صاحب الكفایة و المحقّق الخوئي

إنّ هذا الجواب هو ما ذكره صاحب الكفایة([14] ) و اختاره المحقّق الخوئي و قال في توضیحه:

«إنّ الحلّیة الثابتة للزبیب قبل الغلیان غیر قابلة للبقاء، و لایجري فیها الاستصحاب، لوجود أصل حاكم علیه، و ذلك لأنّ الحلّیة في العنب كانت مغیّاة بالغلیان، إذ الحرمة فیه كانت معلّقة على الغلیان، و یستحیل اجتماع الحلّیة المطلقة مع الحرمة على تقدیر الغلیان كما هو واضح.

و أمّا الحلّیة في الزبیب، فهي و إن كانت متیقّنة إلا أنّها مردّدة بین أنّها هي الحلّیة التي كانت ثابتة للعنب بعینها، حتّی تكون مغیّاة بالغلیان أو أنّها حادثة للزبیب بعنوانه فتكون باقیة و لو بالاستصحاب؟ و الأصل عدم حدوث حلّیة جدیدة و بقاء الحلّیة السابقة المغیّاة بالغلیان، و هي ترتفع به، فلاتكون قابلة للاستصحاب فالمعارضة المتوهّمة غیر تامّة.

و نظیر ذلك ما ذكرناه في بحث استصحاب الكلّي من أنّه إذا كان المكلّف محدثاً بالحدث الأصغر و رأی بللاً مردّداً بین البول و المني فتوضأ، لم‌یمكن جریان استصحاب كلّي الحدث، لوجود أصل حاكم علیه، و هو أصالة عدم حدوث الجنابة و أصالة عدم تبدّل الحدث الأصغر بالحدث الأكبر و المقام من هذا القبیل بعینه و هذا الجواب متینٌ جدّاً»([15] [16] [17] [18] [19] [20] ).

نتیجة البحث في الأمر الأوّل هي أنّ الاستصحاب التعلیقي جارٍ من غیر أن یعارضه الاستصحاب التنجیزي، أي استصحاب الحلّیة و الإباحة و الطهارة([21] [22] [23] [24] [25] [26] [27] [28] [29] [30] [31] ).


[1] فرائد الأصول، الشيخ مرتضى الأنصاري، ج3، ص223.. : «ربما يناقش في الاستصحاب المذكور تارة ... و أخرى بمعارضته باستصحاب الإباحة قبل الغليان بل ترجيحه عليه بمثل الشهرة و العمومات»
[2] قال بالمعارضة کثیر من الأعلام:كتاب المناهل، الطباطبائي المجاهد، السيد محمد، ج1، ص653..: «غایة الأمر تعارض الاستصحابین: أحدهما هذا الاستصحاب الذي ذکره و ثانیهما استصحاب الحلّ و هو الذي أشرنا إلیه، و من الظاهر أن هذا أولى بالترجیح؛ أما أولاً فلاعتضاده بالعمومات الدالة على الحلیة هنا و سائر ما یدلّ علیها، و أما ثانیاً فلاعتضاده بالشهرة بناء على ما صرّح به جماعة من اشتهار القول بالحلیة ...»
[3] الأصول في علم الأصول، الإيرواني، الشيخ علي، ج2، ص397.. الأصول في علم الأصول، ج‌2، ص397: «هل الاستصحاب جارٍ في الأحكام التعليقية كجريانه في الاستصحابات التنجيزية؟ إشكال ... و الحقّ عدم جريان الاستصحاب، لا لما يقال من عدم الحالة السابقة؛ لأجل أن الحكم التعليقي معناه عدم الحكم فعلاً، بل لأجل ابتلائه بالمعارض دائماً»
[4] درر الفوائد، الحائري اليزدي، الشيخ عبد الكريم، ج2، ص181. دررالفوائد (ط.ج): ص545: «إنما الإشكال في تعارضه مع استصحاب الحكم الفعلي ... قال شيخنا المرتضى: إن استصحاب الحكم التعليقي مقدّمٌ لحكومته على استصحاب الحكم الفعلى، أقول: عندي فيما أفاده. نظر فإن الشك في بقاء الإباحة الفعلية و إن كان مسبباً عن الشك في جعل الحرمة التعليقية، إلا أن ترتّب عدم الإباحة من جهة أن العقل يحكم بثبوت الحرمة الفعلية عند تحقق الشرط و هي تضاد الإباحة، و هذا الحكم العقلي ... لا‌يصحّح الحكومة»
[5] مستمسك العروة الوثقى، الحكيم، السيد محسن، ج1، ص18.: «لکنه ربما یکون معارضاً بالاستصحاب التنجیزي لعدم الدلیل على حکومته علیه و حینئذ یسقط للمعارضة».و في ج1، ص116: «لکنه من الاستصحاب التعلیقي المعارض بالاستصحاب التنجیزي غالباً».و في ج1، ص419: «قد یشکل الاستصحاب التعلیقي بمعارضته بالاستصحاب التنجیزي ... و أجاب عنه شیخنا الأعظم). في رسائله بحکومته على الاستصحاب التنجیزي و لم‌یتّضح وجه الحکومة المذکورة»
[6] منتهى الأصول (ط.ج): ج‌2، ص615؛ و جامع المدارك، ج4، ص373؛ الاستصحاب (السید المحقق السیستاني.)، ص578؛ زبدة الأصول، ج‌5، ص476، و ص479؛ المحكم في أصول الفقه، ج‌5، ص307
[7] فرائد الأصول، الشيخ مرتضى الأنصاري، ج3، ص223.
[8] فوائد الاُصول، الغروي النّائيني، الميرزا محمد حسين، ج4، ص474.
[9] تبع الشیخ الأنصاري و المحقق النائیني) في القول بالحکومة بعضُ الأعلام:المحاضرات - تقريرات، الطاهري الاصفهاني، السيد جلال الدين، ج3، ص79..: «الإنصاف صحة دفع التعارض بالحكومة أيضاً، و بيانه ... لأنّ الاستصحاب متمّمٌ للدليل، و معناه أنه يتمّ دلالة الدليل و يحكم بوجوده فى مورد الشك ظاهراً فكان ما هو الوجه فى تقدّم أحد دليلى الاجتهادي على الآخر هو الوجه فى تقدّم أحد الاستصحابين على الآخر، من دون فرقٍ أصلاً، و لعلّ هذا مراد الشيخ قدس سره و لا إشكال فيه، فتدبر»
[10] مباني الأحكام، ج‌3، ص121: «و منها ثبوت التعارض الدائم بين الاستصحاب التعليقي و الفعلي المخالف له، و قد كثر كلام الأصحاب في ذلك و الذي يؤدي إليه النظر القاصر هو تقدم التعليقي على الفعلي، من جهة حكومته عليه».
[11] الاستصحاب، ص143: «التحقيق في المقام أن يقال: إن استصحاب الحرمة التعليقية حاكم على استصحاب الإباحة كسائر الحكومات»‌.
[12] مصباح الأصول( مباحث حجج و امارات- مكتبة الداوري)، الواعظ الحسيني، السيد محمد؛ تقرير بحث السيد أبو القاسم الخوئي، ج2، ص141.
[13] مصباح الأصول( مباحث حجج و امارات- مكتبة الداوري)، الواعظ الحسيني، السيد محمد؛ تقرير بحث السيد أبو القاسم الخوئي، ج2، ص141.
[14] كفاية الأصول - ط آل البيت، الآخوند الخراساني، ج1، ص411..: «إن قلت: ... لا مجال لاستصحاب المعلق لمعارضته باستصحاب ضدّه المطلق ... قلت: لا‌یکاد یضرّ استصحابه على نحوٍ کان قبل عروض الحالة التي شك في بقاء حکم المعلق بعده ...»
[15] مصباح الأصول( مباحث حجج و امارات- مكتبة الداوري)، الواعظ الحسيني، السيد محمد؛ تقرير بحث السيد أبو القاسم الخوئي، ج2، ص142.
[16] كتاب المناهل، الطباطبائي المجاهد، السيد محمد، ج1، ص652. ذکر هذا الجواب قبله السید محمد المجاهد). فقال في المناهل، ص652: «و على أي تقدیر ففي المسألة قولان: أحدهما القول بالحلیة ... للأولین وجوه: منها: ما نبّه علیه في المصابیح قائلاً في مقام ذکر أدلة الحلّ: و جملة ما قیل في الاستدلال علیه و ما یمکن أن یقال وجوه: الأول: أصل الإباحة ... الثاني: استصحاب الحلّ فإن المعتصر من الزبیب کان حلالاً قبل غلیانه إجماعاً فیبقی على الحلیة بعده حتی یثبت المزیل ... و لکن أجاب عنه فیه قائلاً: و عن الثاني بأن المعتصر من الزبیب و إن کان حلالاً قبل غلیانه إلا أن حلیته کحلیة العصیر العنبي مشروطة بعدم الغلیان فإن الزبیب قد جفّ و اختص بعد الجفاف بهذا الاسم فیستصحب فیه الحکم الثابت له قبل جفافه و تغییر صفته و هو حلیته بالفعل ما لم‌یغل و تحریمه إذا غلا و یکون حلیته مقرونة بتحریمه المعلق على الشرط فلا‌یصح استصحابها مع تحقق الشرط کما هو المفروض
[17] و لم‌یستشکل السید المحقق الإصفهاني في منتهی الوصول، ص118 و 119 جواب المحقق الخراساني عن المعارضة.و تبع صاحب الکفایة). بعض الأعلام:
[18] المحاضرات - تقريرات، الطاهري الاصفهاني، السيد جلال الدين، ج3، ص79.. المحاضرات (مباحث أصول الفقه)، ج‌3، ص79: «عدل المحقق فى الكفاية عن هذا البيان و دفع التعارض بوجه آخر ... أقول: و هذا كلام جيد لا غائلة عليه»
[19] نتائج الأفكار في الأصول، ج‌6، ص211و 212: «قد أجاب عنه في الكفاية بما حاصله عدم التعارض بينهما في حال القطع بالحكمين فضلاً عن استصحابهما ... هذا ما أفاده في الكفاية بتحريرٍ منّا و هو الصواب».
[20] المغني في الأصول، الاستصحاب، ج2، ص88: «إن لم‌یتم الإشکال [أي إشکال التعارض بین استصحاب الحرمة التعلیقیة و استصحاب الحلیة] کما هو الحقّ الموافق لجواب المحقق الخراساني). فلا محذور في الاستصحاب التعلیقي من هذه الجهة»
[21] أشكل المحقق العراقي) في نهاية الافكار، العراقي، آقا ضياء الدين، ج3، ص173. على جواب صاحب الكفاية. حيث قال: «فيه: إنّ القطع بالحلية المغياة بالغليان و إن كان يجتمع مع الحرمة المنوطة بالغليان، حيث كان العنب دائماً يثبت له الحلية و الحرمة المنوطة بالغليان بلا أول مثله إلى اجتماع الحكمين الفعليين في زمان بلحاظ أنّ الغليان الّذي هو غاية للحلية و شرط للحرمة بوجوده ينفي الأول و يثبت الثاني، و لكن القطع بالحلية المغيّاة قبل حصول الغاية لما يلازم القطع بالحلية الفعلية للعنب فلا جرم مهما شك في ارتفاعها و لو من جهة احتمال بقائها في الزمان اللاحق بلا تعليق على عدم الغليان يجري استصحاب تلك الحلية الفعلية، كما لو شك في ارتفاعها يمثل مواجهة الشمس أو غيرها من محتمل الرافعية، فالمعارض لاستصحاب الحرمة التعليقية حينئذ هو هذا الاستصحاب، لا استصحاب الحلية المنوطة بعدم الغليان كي يقال: إن القطع ببقائها غيرُ ضائرٍ فضلاً عن استصحابها، و عليه فالحريّ هو إبداء أصل المعارضة بين الاستصحابين ثم علاج التعارض بينهما بحكومة الاستصحاب التعليقي على الاستصحاب الفعلي بالتقريب الّذي ذكرناه»
[22] أجاب عنه بعض الأساطين في المغني في الأصول، ج2، ص85 بقوله: «إن حلية العنب الفعلية لا‌تخلو من حالات ثلاث: إما أن تكون مهملة أو مطلقة أو مقيدة، و الإهمال محال كما هو واضح، و كذلك الإطلاق؛ لأن الفرض أن الحرمة مشروطة بالغليان، فالحلية مغياة به قطعاً، فيتعين تقييدها بالغليان فترتفع بتحقق قيدها؛ لاستحالة تخلف العقيد عن قيده».
[23] و أورد المحقق الإصفهاني) على صاحب الكفاية في نهاية الدراية في شرح الکفاية - ط قديم، الغروي الإصفهاني، الشيخ محمد حسين، ج3، ص209..: و التحقيق: إجراء استصحاب‌ الحلية شخصاً و معارضته لاستصحاب الحرمة التعليقية لما مرّ من عدم الحكومة.هذا إذا كانت الغاية- كما هو مفروض المتن- عقلية، للبرهان على أنّ ما كان شرطاً للضد، فهو غاية للضد الآخر.و أما إذا كانت الغاية شرعية، و الحلية المجعولة حلية مغياة شرعاً فلا‌يعقل استصحاب الحلية المغياة بعد حصول الغاية شخصاً.نعم يمكن استصحاب الحلية المهملة للزبيب، للقطع بأنه حلال- فعلًا- إما بالحلية المغياة، كالعنب، أو بحلية مطلقة حادثة بعد تبدل العنبية إلى‌ الزبيبية، فكلي الحلية- الّتي لم‌يعلم تخصصها بإحدى الخصوصيّتين- مقطوع به و يشك في بقائه بعد الغليان، فزمان الشك في بقاء الحلية المغياة زمان القطع بالحلية المهملة، و من الواضح أنّ الشك- في بقاء الحلية المهملة- غير الشك في بقاء الحلية المغياة.نعم، كما يكون استصحاب كلي الحلية معارضاً لاستصحاب الحرمة المعلقة كذلك يكون معارضاً باستصحاب الحلية المغياة، و باستصحاب عدم الحلية المطلقة الثابت قبل تبدل العنبية إلى‌ الزبيبية، و لا حكومة لهما عليه.أما استصحاب الحلية المغياة، فإن الغاية، و إن كانت شرعية، إلّا أنّ ارتفاع الحلية- بعد حصول الغاية- لازم عقلي لكون الحلية مغياة، لا أنّ ارتفاعها شرعي، ليكون التعبد بالحلية المغياة تعبداً برفع الحلية بعد الغاية، ليكون حاكماً على استصحاب الحلية الكلية.و أما استصحاب عدم الحلية المطلقة فبالإضافة إلى‌ استصحاب الحلية المهملة، من استصحاب عدم الفرد، بالنسبة إلى‌ استصحاب وجود الكلي.و قد مرّ في محله أنه لا ترتب للكلي- وجوداً و عدماً- على الفرد كذلك شرعاً و لا عقلًا، فراجع إلى‌ ما فصلناه سابقاً... .و أما الاكتفاء بالوضوء- فيما إذا كان محدثاً بالحدث الأصغر، و لو استصحاباً، مع جريان استصحاب كلي الحدث، للقطع ببقاء الحدث الأصغر أو حدوث الحدث الأكبر على تقدير ارتفاع الحدث الأصغر- فليس من حيث تقدم الأصل في أحد الفردين على الأصل في القدر المشترك، بل من أجل أنّ مقتضى‌ استصحاب الحدث ليس التعبد بوجوب الوضوء و الغسل معاً ليعارض أصالة عدم الجنابة الموجبة لعدم وجوب الغسل.و ليس أثر أصالة عدم الجنابة هو جواز الدخول في الصلاة أو عدم المنع من الدخول، بل الأول أثر وجود الطهارة من وضوء أو غسل، أو ما هو بدل لهما، و الثاني أثر عدم الحدث، لا عدم الجنابة و إنما أثر الأصل المزبور عدم وجوب الغسل، و موضوع وجوب الوضوء من كان محدثاً بالحدث الأصغر بأحد موجباته، و لم‌يكن جنباً، فأصالة عدم الجنابة بعد كونه محدثاً بالحدث الأصغر- و لو تعبداً- تحقق أحد جزئي الموضوع لوجوب الوضوء، و من كان متطهراً بما وجب عليه من الطهارة شرعاً يجوز له الدخول في الصلاة قطعاً
[24] و راجع لتوضيح كلامه كلمات بعض الأساطين في المغني في الأصول، ج2، ص5، ثمّ أشكل عليه: نحن و إن قوينا كلام المحقق الأصفهاني في الدورة السابقة إلا أنا نقول الآن ببطلانه؛ إذ بعد التأمل في روايات باب الزكاة نعلم بأن الفرق بين العنب و الزبيب - كالفرق بين الرطب و التمر- إنما يكون بالرطوبة و اليبوسة، فاحتمال حلية أخرى ناشئة للزبيب بعنوانه، و للتمر بعنوانه، غير حلية العنب و الرطب غیر عقلائي، و مخالف للارتكاز العرفي القطعي، فحلية الزبيب هي نفس حلية العنب، و عليه فيجري الاستصحاب التعليقي للحكومة بلا معارض.و على فرض تصوّر استصحاب الكلي هنا فحل العويصة يحتاج إلى إنعام النظر في حقيقة استصحاب الكلي هذا، فهل هو من القسم الثاني حتی يجري فيعارض استصحاب الحرمة التعليقي، أو من القسم الثالث فيبتني على الخلاف في جريانه، فيجريه من يراه، و يمتنع جريانه عند من لا‌يراه - كما هو الحقّ- فيسلم استصحاب الحرمة عن المعارض؟الحقّ أن هذا الاستصحاب من استصحاب الكلي، القسم الثالث؛ لأن قوام استصحاب الكلي، القسم الثاني أن يتردد الفرد الموجود بين الباقي و الزائل من أول الأمر، كما لو علمنا بدخول حيوان للدار و دار أمره - من الأول- بین البعوضة و الفيل، فإن كان بعوضة فهي قد ماتت بعد الثلاثة الأيام، . و إن كانت فيلا فهو لا زال باقياً بعدها، فأركان استصحاب کلي الحيوان تامة.و أما استصحاب الكلي، القسم الثالث فقوامه بالعلم بحدوث الفرد مقطوع الزوال، و الشك في حدوث فرد آخر، في ظرف وجود الأول أو مقارنة لزواله، كما لو علم بدخول البعوضة للدار و شك في دخول حيوان آخر للدار في ظرف وجودها، أو مقارنة لموتها.و ما نحن فيه من هذا القبيل، لأنا نعلم بوجود الحلية بعنوان العنبية، و بعد تحول العنب إلى زبيب و غليانه نقطع بارتفاعها، و لكنّا نشك في حدوث حلية أخرى للزبيب بعنوانه، و الأصل عدمها، فينتفي الاستصحاب.و بعبارة أخرى: إن الحلية المشكوكة للزبيب إن كانت هي حلية العنب فقد ارتفعت بالغليان قطعة، و إن كانت حادثة لعنوان الزبيبية فهي مشكوكة الحدوث من الأول، و الأصل عدم جعل الحلية للزبيب بعنوانه، فينتفي الشك في بقاء کلي الحلية»
[25] أجاب بعض الأعلام عن المعارضة بوجوه غیر ما أجاب به الشیخ و صاحب الکفایة: تحرير الأصول، النجفي المظاهري، الشيخ مرتضى، ج1، ص219.: «تارة يفرض الشك في ثبوت الحكم التنجيزي الثابت للموضوع في حالته الأولى ... بعد تبدل تلك الحالة بحالة أخرى .. لفرض عدم قيام دليل اجتهادي على ثبوت ذلك الحكم التنجيزي في الحالة الثانية ... و أخرى يفرض إحراز ثبوت ذلك الحكم التنجيزي في الحالة الثانية بدليل آخر غير ما أثبته في الحالة الأولى مع فرض السكوت و عدم التعرض في هذا الدليل لكونه مغياً بالغاية المعلق عليها الحكم التعليقي ... فيشك في بقاء ذلك الحكم التنجيزي بعد تحقق تلك الغاية من جهة احتمال كونه مغياً واقعاً ... أما الفرض الأول فالحقّ فيه ما ذهب إليه المحقق صاحب الكفاية من جريان الاستصحابين معاً لعدم التنافي بينهما و لا حكومة لأحدهما ... و أما الفرض الثاني ... فالحقّ فيه ما أفاده شيخنا العلامة الأنصارى. من التنافي بين الاستصحابين و حكومة استصحاب الأحكام المعلقة على استصحاب الأحكام المنجزة الثابتة في الحالة الثانية بالدليل الآخر»
[26] الحاشية على كفاية الأصول، البروجردي، السيد حسين، ج2، ص410..: «بناء على ما أفاده السيد الأستاذ في تصحيح استصحاب الحرمة التعليقية من أن الاستصحاب و غيره من ساير الأصول إنما يكون جارياً بالإضافة إلى الأحكام الكلية المتعلقة بالموضوعات الكلية مثل الأدلة الاجتهادية ... لا‌يبقى مجال لاستصحاب الحلية في الفرد الخارجي الذي يشك في حليته، لأنه مع ثبوت الحرمة للكلي و لو بالأصل لا‌يبقی موقع لإثبات الحلية في فرد خارجي»
[27] منتقى الأصول، الحكيم، السيد عبد الصاحب، ج6، ص208..: «التحقيق أن استصحاب الحرمة المعلقة و إن لم‌يكن سببياً بلحاظ استصحاب الحلية لما ذكر، إلا أنه مقدم عليه بنفس ملاك تقدم الأصل السببي على الأصل المسببي»‌
[28] مباحث الأصول، ج‌5، ص416: «الصحيح أنه حينما يجري استصحاب الحرمة التعليقية لا‌يجري استصحاب الحلية التنجيزية، لكن لا من باب الحكومة المألوفة كما ادعي في الاتجاه الأول، بل من باب أن إحدى الحالتين السابقتين تغطي على الحالة الأخرى و تخيم عليها و كأنها تفنيها».
[29] دروس في مسائل علم الأصول، التبريزي، الميرزا جواد، ج5، ص295..: «يمكن أن يقال: لا مجال للاستصحاب في الحلية بعد صيرورة العنب زبيباً؛ لأن حليته بعد صيرورته زبيباً ما لم‌يغل يقينية و لكن الاستصحاب في الحرمة التعليقية بعد صيرورته زبيباً جارٍ، و مقتضى هذا الاستصحاب العلم بحرمة الزبيب بغليانه فلا‌يبقى شك في حرمته و حليته بعد غليانه ليجري الاستصحاب في ناحية بقاء حليته»
[30] المحجة في تقريرات الحجة، الصافي الگلپايگاني، الشيخ علي، ج2، ص407..: «يمكن أن يقال ... لو كان المستصحب من أول الأمر مضيّقاً فلا‌يجري استصحاب الفعلي مع وجود موضوع استصحاب التعليقي، و بالعكس، و في المقام يكون كذلك، لأن الحلية من أول الأمر مقيدة بعدم الغليان، ففي حال الغليان لا‌يجري استصحاب الفعلي حتى يقع التعارض، فتدبر»
[31] مجمع الافكار و مطرح الانظار، الآملي، الميرزا هاشم، ج4، ص130..: «العنب بعد الغليان كان حراماً و نجساً فإذا شك في الحرمة و النجاسة يستصحب نفسها، و الحاصل إما أن يجري الأصل في منشئهما و هو الإناطة أو في نفسهما و إما استصحاب الحلية قبل الغليان فلا أثر له بعد حصول غايته به»