46/05/16
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: الأصول العملية/أصالة الاستصحاب /التنبیه الخامس؛ المقام الثاني: القول بعدم جریان الاستصحاب التعلیقي
المقام الثاني: القول بعدم جريان الاستصحاب التعليقي
استدلال المحقّق النائیني
قال: «في جریان استصحاب الحكم في هذا الوجه و عدم جریانه قولان: أقواهما عدم الجریان، لأنّ الحكم المترتّب على الموضوع المركب إنّما یكون وجوده و تقرّره بوجود الموضوع بما له من الأجزاء و الشرائط، لأنّ نسبة الموضوع إلى الحكم نسبة العلّة إلى المعلول، و لایعقل أن یتقدّم الحكم على موضوعه، و الموضوع للنجاسة و الحرمة في مثال العنب إنّما یكون مركباً من جزئین: العنب و الغلیان، من غیر فرق بین أخذ الغلیان وصفاً للعنب، كقوله: "العنب المغلي یحرم([1] [2] [3] [4] [5] [6] ) و ینجس" أو أخذه شرطاً له كقوله: "العنب إذا غلی یحرم و ینجس" لأنّ الشرط یرجع إلى الموضوع و یكون من قیوده لامحالة.
فقبل فرض غلیان العنب لایمكن فرض وجود الحكم، و مع عدم فرض وجود الحكم لا معنی لاستصحاب بقائه، لما تقدّم من أنّه یعتبر في الاستصحاب الوجودي أن یكون للمستصحب نحو وجود و تقرّر في الوعاء المناسب له، فوجود أحد جزئي الموضوع المركب كعدمه لایترتب علیه الحكم الشرعي ما لمینضمّ إلیه الجزء الآخر.
نعم الأثر المترتّب على أحد جزئي المركب هو أنّه لو انضمّ إلیه الجزء الآخر لترتّب علیه الأثر، و هذا المعنی مع أنّه عقلي مقطوع البقاء في كلّ مركب وجد أحد جزئیه، فلا معنی لاستصحابه، و قد تقدّم في مبحث الأقل و الأكثر أنّه لایمكن استصحاب الصحّة التأهّلیة لجزء المركب عند احتمال طروّ القاطع أو المانع، لأنّ الصحّة التأهّلیة ممّا لا شك في بقائها، فإنّها عبارة عن كون الجزء على وجه لو انضمّ إلیه الجزء الآخر لترتّب علیه الأثر، ففي ما نحن فیه لیس للعنب المجرّد عن الغلیان أثر إلا كونه لو انضمّ إلیه الغلیان لثبتت حرمته و عرضت علیه النجاسة، و هذا المعنی ممّا لا شك في بقائه، فلا معنی لاستصحابه ... .
و ما یقال من أنّه یمكن فرض بقاء النجاسة و الحرمة في المثال بوجه آخر لایرجع إلى الوجهین السابقین - بتقریب أنّ العنب قبل غلیانه و إن لمیكن معروضاً للحرمة و النجاسة الفعلیة لعدم تحقّق شرط الموضوع، إلا أنّه معروض للحرمة و النجاسة التقدیریة لأنّه یصدق على العنب عند وجوده قبل غلیانه أنّه حرام و نجس على تقدیر الغلیان؛ فالحرمة و النجاسة التقدیریة ثابتتان للعنب قبل غلیانه، فیشك في بقاء النجاسة و الحرمة التقدیریة عند صیرورة العنب زبیباً، بعد ما كان عنوان العنبیة و الزبیبیة من حالات الموضوع لا من مقوّماته، فعدم حصول الغلیان إنّما یمنع عن الشك في بقاء الحرمة و النجاسة الفعلیة و استصحابهما، لا عن الشك في بقاء الحرمة و النجاسة التقدیریة و استصحابهما- فهو واضح الفساد، فإنّ الحرمة و النجاسة الفرضیة التقدیریة لا معنی لاستصحابهما، إذ لیست الحرمة و النجاسة الفرضیة في العنب الغیر المغلي إلا عبارة عن أنّ العنب لو انضمّ إلیه الغلیان لترتّبت علیه النجاسة و الحرمة و هذه القضیة التعلیقیة مضافاً إلى أنّها عقلیة -لأنّها لازم جعل الحكم على الموضوع المركب الذي وجد أحد جزئیه- مقطوعة البقاء لا معنی لاستصحابها كما تقدّم.
و أمّا حدیث كون عنوان العنب و الزبیب من حالات الموضوع لا مقوّماته فهو أجنبي عمّا نحن بصدده، فإنّ اعتبار كون الخصوصیة المنتفیة من الحالات لا المقوّمات إنّما هو في مرحلة الحكم ببقاء المتیقّن بعد الفراغ عن ثبوته و حدوثه، و الكلام في المقام إنّما هو في مرحلة الثبوت و الحدوث، لما عرفت من أنّه لمیحدث الحكم المترتب على الموضوع المركب إلا بعد وجود جمیع أجزائه، و العنب قبل الغلیان جزء الموضوع فلم تحدث فیه النجاسة و الحرمة حتّی یقال: إنّ خصوصیة العنبیة و الزبیبیة من الحالات لا المقوّمات»([7] ).
یلاحظ علیه
أولا: إنّ الصحّة التأهّلیة ترجع إلى الجزئیة أي جزئیة هذا الأمر للموضوع و هو مشكوك بعد تبدّل العصیر العنبي بالعصیر الزبیبي فیستصحب فإنّ جریان الاستصحاب فیه من قبیل استصحاب موضوع الحكم الشرعي لأنّه یرجع إلى استصحاب جزئیة العصیر الزبیبي لموضوع الحرمة.
ثانیا: قد تقدّم([8] ) أنّ حقیقة الحكم هي ما أنشأه الشارع في عالم الاعتبار على موضوع مفروض، و قد یكون لشيء واحد أحكام متعدّدة بحسب تعدّد الظروف و الشرائط و تلك الأحكام مجعولة و موجودة في عالم الاعتبار و لكن لمتصل إلى مرحلة الفعلیة و التنجّز لفقدان شرائطه أو لوجود ما یمنع عن الفعلیة أو التنجّز.
ثم إنّ تلك الأحكام بما أنّها تتعلّق بموضوع كلّي لمیعرض علیها الشك حتّی نحتاج إلى جریان الاستصحاب إلا أنّه قد یتغیّر بعض أجزاء الموضوع على نحو یثیر الشك في أنّ الحكم یشمل هذا الموضوع بعد ذاك التغیّر أو لا؟ و التغیّر و إن كان أمراً خارجیاً إلا أنّه قد یفرض ذلك في ماهیة الموضوع في عالم الاعتبار من دون أن یقع تغیّر في الخارج، و ذلك بأن یقال: هل یشمل الموضوع في هذه القضیة الشرعیة أي قضية «إنّ العصیر العنبي إذا غلی یحرم» العصیر الزبیبي أیضاً حتّی تكون الحرمة باقیة أو لا؟
فإنّ الفقیه هنا یتصدّی عملیة الاستنباط بالنسبة إلى عالم الجعل و الإنشاء فیرجع إلى القواعد و الأصول حتّی یخرج بحكم المسألة بحسب مقام الإنشاء سواء بلغ هذا الحكم إلى حدّ الفعلیة و التنجّز أم لمیبلغ.
فالاستصحاب جارٍ بحسب مقام الإنشاء، فلایضرّنا عدم فعلیة الحكم بالنسبة إلى الموضوع الخارجي مثل الزبیب الموجود عندنا في البیت، فإنّ حكم الحرمة لمیكن فعلیاً قبل الغلیان، و أمّا بعد الغلیان فشك في تعلّق الحرمة بالعصیر الزبیبي و الشك في جعل الحرمة یوجب الشك في فعلیة الحكم، و لذا یشك المكلّف في الحرمة الفعلیة للعصیر الزبیبي إذا غلی، و جریان الاستصحاب في مقام الإنشاء یقتضي الیقین و التعبّد بجعل الحرمة للعصیر الزبیبي و نتیجة ذلك التعبّد بالحرمة الفعلیة للعصیر الزبیبي إذا غلی.
استدلال المحقّق الخوئي
«الظاهر ابتناء هذا البحث على أنّ القیود المأخوذة في الحكم هل هي راجعة إلى نفس الحكم و لا دخل لها بالموضوع أو راجعة إلى الموضوع؟
فعلى تقدیر القول برجوعها إلى نفس الحكم، یكون الحكم الثابت للموضوع حصّة خاصّة من الحكم فیثبت الحكم عند تحقّق موضوعه، فإذا وجد العنب في الخارج في مفروض المثال، كان الحكم بحرمته الخاصّة فعلیاً لامحالة، فلا مانع من جریان الاستصحاب فیه عند الشك في بقائه.
و أمّا على تقدیر القول برجوعها إلى الموضوع فلا مجال لجریان الاستصحاب فیه لكون الموضوع حینئذٍ مركباً من العصیر و غلیانه و فعلیة الحكم المترتّب على الموضوع المركب متوقّفة على وجود موضوعه بتمام أجزائه، لأنّ نسبة الحكم إلى موضوعه نسبة المعلول إلى علته و لایمكن تحقّق المعلول إلا بعد تحقّق العلّة بما لها من الأجزاء، فوجود أحد جزئي الموضوع بمنزلة العدم، لعدم ترتّب الحكم علیه، فلمیتحقّق حكم حتّی نشك في بقائه لیكون مورداً للاستصحاب.
و حیث أنّ الصحیح في القیود هو كونها راجعة إلى الموضوع على ما ذكرنا في مبحث الواجب المشروط، فلا مجال لجریان الاستصحاب في المقام»([9] ).
یلاحظ علیه
إنّ المحقّق الخوئي صرّح هنا بأنّ فعلیة الحكم متوقّفة على وجود الموضوع بتمام أجزائه، و نتیجة ذلك هو أنّ فقدان أحد الجزئین یوجب عدم تحقّق فعلیة الحكم لا عدم تحقّق الحكم و لكنّه قال بأنّ نتیجة فقدان أحد الجزئین عدم تحقّق الحكم، و هذا یستقیم على المبنى الذي أشرنا إلیه من أنّ الحكم الإنشائي لیس حكماً بالحمل الشائع بل هو حكم بالحمل الأوّلي أمّا على المبنی المختار فنقول: إنّ الحكم الإنشائي هو الحكم حقیقة، لأنّه هو مجعول الشارع في عالم الاعتبار، و وجود كلّ شيء بحسبه، فإنّ وجود الحكم لیس وجوداً خارجیاً و لایمكن إیجاده في الخارج بل وعاؤه عالم الاعتبار و هو یوجد في وعاء الاعتبار بمحض إنشاء الشارع للحكم، و تحقّق موضوعه في الخارج لایوجب إیجاده في الخارج بل هو من مراتب الحكم الحقیقي و الحكم بعد تحقّق موضوعه یسمّی حكماً فعلیاً و لیس المراد من الفعلیة، فعلیة نفس الحكم كما توهّم، بل المراد فعلیة الحكم في حقّ المكلّف.
حاصل البحث هو تمامیة الاستصحاب التعلیقي لتمامیة أركانه.