بحث الأصول الأستاذ محمدعلي البهبهاني

46/05/07

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: الأصول العملية/أصالة الاستصحاب /التنبیه الخامس؛ مقدمات خمس

 

ثم لایخفی أنّ مناسبة الحكم و الموضوع ربما تختلف باختلاف الموارد، فقد یكون عنوان واحد مأخوذاً في موضوعات أحكام متعدّدة لكن العرف یری دخله في موضوع بعضها، فیحكم بارتفاعه عند ارتفاعه، و لایری دخله في موضوع بعضها الآخر.

مثلاً ورد في خیار العیب جواز ردّ المعیب إذا كان قائماً بعینه، و ورد في التفلیس أنّ الغریم یرجع إلى ماله إذا كان قائماً بعینه، و ورد في الهبة جواز رجوع الواهب إذا كانت العین قائمة بعینها.

مع أنّ الفقهاء، كما تری حكموا في بابي الخیار و الهبة أنّ مجرّد تغیّر العین و لو بأدنی تغیر یوجب المنع عن الردّ و الرجوع و هذا بخلاف التفلیس فإنّهم حكموا فیه بجواز الرجوع و لو مع تغیّرها بتلك التغیّرات.

و لیس الاختلاف في الأبواب إلا من جهة اختلاف مناسبات الأحكام مع موضوعاتها».([1] [2] )

المقدمة الثالثة: النزاع جارٍ عند القائلين بجريان الاستصحاب الكلي فقط

قال المحقّق الخوئي:

«الكلام في جریان الاستصحاب في الحكم التعلیقي إنّما هو بعد الفراغ عن جریان الاستصحاب في الأحكام الكلّیة التنجیزیة، لأنّه مع الالتزام بعدم جریان الاستصحاب فیها كما هو المختار كان البحث عن جریان الاستصحاب في الأحكام التعلیقیة ساقطاً»([3] [4] [5] [6] [7] [8] ).

المقدمة الرابعة: تبیین محل النزاع

قال المحقّق النائیني:

«المستصحب إذا كان حكماً شرعیاً، فإمّا أن یكون حكماً جزئیاً و إمّا أن یكون حكماً كلّیاً و نعني بالحكم الجزئي هو الحكم الثابت على موضوعه عند تحقّق الموضوع خارجاً الموجب لفعلیة الحكم، على ما تكرّر منّا من أنّ فعلیة الحكم إنّما تكون بوجود موضوعه في الخارج، فعند وجود زید المستطیع خارجاً یكون وجوب الحجّ في حقّه فعلیاً و هو المراد من الحكم الجزئي في مقابل الحكم الكلّي، و هو الحكم المنشأ على موضوعه المقدّر وجوده على نهج القضایا الحقیقیة، كوجوب الحجّ المنشأ أزلاً على البالغ العاقل المستطیع.

ثم إنّ الشك في بقاء الحكم الجزئي لایتصوّر إلا إذا عرض لموضوعه الخارجي ما یشك في بقاء الحكم معه، و لا إشكال في استصحابه.

و أما الشك في بقاء الحكم الكلّي فهو یتصوّر على أحد وجوه ثلاثة:

[الوجه] الأوّل: الشك في بقائه من جهة احتمال النسخ، كما إذا شك في نسخ الحكم الكلّي المجعول على موضوعه المقدّر وجوده، فیستصحب بقاء الحكم الكلّي المترتّب على الموضوع أو بقاء سببیة الموضوع للحكم، على القولین في أنّ المجعول الشرعي هل هو نفس الحكم الشرعي أو سببیّة الموضوع للحكم؟

و قد تقدّم تفصیل ذلك في الأحكام الوضعیة؛ و على كلا الوجهین المستصحب إنّما هو المجعول الشرعي و المنشأ الأزلي قبل وجود الموضوع خارجاً إذا فرض الشك في بقائه و ارتفاعه لأجل الشك في النسخ و عدمه، و لا إشكال أیضاً في جریان استصحاب بقاء الحكم على موضوعه و عدم نسخه عنه... .

الوجه الثاني: الشك في بقاء الحكم الكلّي على موضوعه المقدّر وجوده عند فرض تغیّر بعض حالات الموضوع، كما لو شك في بقاء النجاسة في الماء المتغیّر الذي زال عنه التغیّر من قبل نفسه، و لا إشكال في جریان استصحاب بقاء الحكم في هذا الوجه أیضاً.

و هذا القسم من استصحاب الحكم الكلّي هو الذي تعمّ به البلوی و یحتاج إلیه المجتهد في الشبهات الحكمیة و لا حظّ للمقلّد فیه.

و الفرق بین هذا الوجه من استصحاب الكلّي و الوجه الأوّل، هو أنّه في الوجه الأوّل لایتوقّف حصول الشك في بقاء الحكم الكلّي على فرض وجود الموضوع خارجاً و تبدّل بعض حالاته، لأنّ الشك في الوجه الأوّل إنّما كان في نسخ الحكم و عدمه، و نسخ الحكم عن موضوعه لایتوقّف على فرض وجود الموضوع و أمّا الشك في بقاء الحكم الكلّي في الوجه الثاني فهو لایمكن إلا بعد فرض وجود الموضوع خارجاً و تبدّل بعض حالاته، بداهة أنّه لولا فرض وجود الماء المتغیّر بالنجاسة و الزائل عنه التغیّر لایعقل الشك في بقاء نجاسته، فلا‌بدّ من فرض وجود الموضوع لیمكن حصول الشك في بقاء حكمه عند فرض تبدّل بعض حالاته.

نعم لایتوقّف الشك فیه على فعلیة وجود الموضوع خارجاً، فإنّ فعلیة وجود الموضوع إنّما یتوقّف علیه حصول الشك في بقاء الحكم الجزئي؛ و أمّا الشك في بقاء الحكم الكلّي فیكفي فیه فرض وجود الموضوع و تبدّل بعض حالاته، فهذا الوجه یشارك الوجه الأوّل من جهةٍ و هي كون المستصحب فیه حكماً كلّیاً و یفارقه من جهة أخری و هي توقّف حصول الشك فیه على فرض وجود الموضوع بخلاف الوجه الأوّل.

نعم المستصحب في كلّ منهما لایخلو عن نحو من التقدیر و التعلیق، فإنّ المستصحب عند الشك في النسخ هو الحكم الكلّي المعلّق على موضوعه المقدّر وجوده عند إنشائه و إن كان لایحتاج إلى تقدیر وجود الموضوع عند نسخه و استصحابه، و المستصحب في غیر الشك في النسخ هو الحكم الفعلي على فرض وجود الموضوع و تبدّل بعض حالاته، فیحتاج إلى تقدیر وجود الموضوع عند استصحابه.

و على كل حال، لا مجال للتأمّل في صحّة الاستصحاب عند الشك في بقاء الحكم الكلّي في كلّ من الوجهین.

الوجه الثالث من الوجوه المتصوّرة في الشك في بقاء الحكم الكلّي، هو الشك في بقاء الحكم المرتّب على موضوع مركّب من جزئین عند فرض وجود أحد جزئیه و تبدّل بعض حالاته قبل فرض وجود الجزء الآخر، كما إذا شك في بقاء الحرمة و النجاسة المترتّبة على العنب على تقدیر الغلیان عند فرض وجود العنب و تبدّله إلى الزبیب قبل غلیانه، فیستصحب بقاء النجاسة و الحرمة للعنب على تقدیر الغلیان، و یترتّب علیه نجاسة الزبیب عند غلیانه إذا فرض أنّ وصف العنبیة و الزبیبیة من حالات الموضوع لا أركانه.

و هذا القسم من الاستصحاب هو المصطلح علیه بالاستصحاب التعلیقي.

و بعبارة أوضح: نعني بالاستصحاب التعلیقي استصحاب الحكم الثابت على الموضوع بشرط بعض ما یلحقه من التقادیر فیستصحب الحكم بعد فرض وجود المشروط و تبدّل بعض حالاته قبل وجود الشرط، كاستصحاب بقاء حرمة العنب عند صیرورته زبیباً قبل فرض غلیانه»([9] [10] [11] ).

المقدّمة الخامسة: المناقشة في المثال المعروف للاستصحاب التعلیقي

إنّ المثال المعروف للاستصحاب التعلیقي هو العصیر العنبي إذا غلا فإنّ الشارع حكم بحرمته كما ورد حرمة العصير العنبي بالغليان([12] ) و لكن المحقّق النائیني ناقش في هذا المثال و ذهب إلى أنّه لیس من أمثلة الاستصحاب التعلیقي([13] ) و تبعه المحقّق الخوئي و قال: «إنّ تمثیلهم له بماء الزبیب غیر صحیح، فإنّ الاستصحاب إنّما هو فیما إذا تبدّلت حالة من حالات الموضوع فشك في بقاء حكمه، و المقام لیس كذلك؛ إذ لیس المأخوذ في دلیل الحرمة هو عنوان العنب لیجري استصحاب الحرمة بعد كونه زبیباً، بل المأخوذ فیه هو عصیر العنب و هو الماء المخلوق في كامن ذاته بقدرة الله تعالى.

فإنّ العصیر ما یعصر من الشيء من الماء و بعد الجفاف و صیرورته زبیباً لایبقی ماؤه الذي كان موضوعاً للحرمة بعد الغلیان.

و أمّا عصیر الزبیب فلیس هو إلا ماء آخر خارج عن حقیقته و صار حلواً بمجاورته، فموضوع الحرمة غیر باقٍ لیكون الشك شكاً في بقاء حكمه، فیجري فیه الاستصحاب»([14] [15] [16] [17] [18] [19] [20] [21] [22] [23] [24] [25] [26] [27] [28] [29] ).

و لنشرع -بعد المقدمات- في ذكر أدلّة الطرفین[30] :

المقام الأول: القول بجريان الاستصحاب التعليقي

استدلال الشيخ الأنصاري

«لا إشكال في أنّه یعتبر في الاستصحاب تحقّق المستصحب سابقاً و الشك في ارتفاع ذلك المحقّق، و لا إشكال أیضاً في عدم اعتبار أزید من ذلك، و من المعلوم أنّ تحقّق كلّ شيء بحسبه.

فإذا قلنا: العنب یحرم ماؤه إذا غلا أو بسبب الغلیان، فهناك لازم و ملزوم و ملازمة:

أمّا الملازمة و بعبارة أخری سببیة الغلیان لتحریم ماء العصیر، فهي متحقّقة بالفعل من دون تعلیق.

و أمّا اللازم و هي الحرمة فله وجود مقیّد بكونه على تقدیر الملزوم [أي الغلیان] و هذا الوجود التقدیري أمر متحقّق في نفسه في مقابل عدمه.

و حینئذ فإذا شككنا في أنّ وصف العنبیة له مدخل في تأثیر الغلیان في حرمة مائه -فلا أثر للغلیان في التحریم بعد جفاف العنب و صیرورته زبیباً- فأيُّ فرق بین هذا و بین سائر الأحكام الثابتة للعنب إذا شك في بقائها بعد صیرورته زبیباً ... .

فالتحقیق أنّه لایعقل فرق في جریان الاستصحاب و لا في اعتباره من حیث الأخبار أو من حیث العقل بین أنحاء تحقّق المستصحب.

فكلّ نحو من التحقّق ثبت للمستصحب و شك في ارتفاعه، فالأصل بقاؤه مع أنّك عرفت أنّ الملازمة و سببیة الملزوم للازم موجودة بالفعل وجد اللازم أم لم‌یوجد، لأنّ صدق الشرطیة لایتوقّف على صدق الشرط، و هذا الاستصحاب غیر متوقف على وجود الملزوم»([31] ).


[1] أجود التقريرات، الخوئي، السيد أبوالقاسم، ج2، ص410.
[2] قال الشيخ حسين الحلي في أصول الفقه، الحلي، الشيخ حسين، ج10، ص3. في تقريره لما أفاده المحقق النائيني: «أفاد حسبما حرّرته عنه. أنّ الحالات اللاحقة للموضوع إمّا أن تكون مغيّرة للحقيقة، كما في مثل صيرورة الكلب ملحاً، و إمّا أن تكون موجبة لارتفاع التسمية عرفاً، كما في مثل العنب إذا صار زبيباً و الخشب إذا صار فحماً، و إمّا أن لا‌تكون موجبة لهذا و لا لذاك، كما في الحنطة إذا صارت دقيقاً مثلًا.أمّا التغيير الموجب لتغيّر الحقيقة، فلا شبهة في عدم لحوق الحكم المجعول لتلك الحقيقة إذا طرأها مثل هذا التغيير، فالكلب إذا صار ملحاً لا‌تلحقه الأحكام المجعولة للكلب.و أمّا الحالة التي لا‌يكون التغيير إليها موجباً لاختلاف الاسم و العنوان، فلا شبهة في سراية الحكم إلى ما تغيّر منها، فإنّ الحلية اللاحقة للحنطة لاحقة لها بجميع حالاتها الطارئة عليها، من كونها دقيقاً أو عجيناً أو خبزاً و نحو ذلك من الحالات.و أمّا الحالة المغيّرة للاسم دون الحقيقة، فإن فهم من لسان الدليل و لو بواسطة القرائن الخارجية- و منها مناسبة الحكم و الموضوع- كون الحكم معلّقاًعلى نفس الحقيقة، كان الحكم سارياً إليها، و إن فهم من لسان الدليل أنّ الحكم معلّق على الاسم و العنوان لم‌يكن الحكم سارياً إليها، و لو شكّ في ذلك كان المرجع هو الاستصحاب إن كانت القضية المشكوكة متّحدة مع القضية المتيقّنة عرفاً، فإنّ الاتحاد العرفي بين القضيتين أمر آخر غير ما يفهم عرفاً من لسان الدليل، لما سيأتي في محلّه‌ إن شاء اللّه تعالى من أنّ المدار في الاتّحاد العرفي على ما يفهمه العرف من تحقّق النقض و عدمه، لا على ما يفهمه العرف من لسان الدليل، فإنّ التوسعة العرفية المأخوذة من لسان الدليل لا‌تحتاج إلى الاستصحاب.و لكن سيأتي إن شاء الله في خاتمة الاستصحاب أنّ الاستصحاب لا‌يجري في ذلك، و أنّ هذه الموارد ليست ممّا يدخلها التسامح العرفي، فراجعه»
[3] مصباح الأصول( مباحث حجج و امارات- مكتبة الداوري)، الواعظ الحسيني، السيد محمد؛ تقرير بحث السيد أبو القاسم الخوئي، ج2، ص135.
[4] قال بعض الأعلام بعدم جریان الاستصحاب التعلیقي لعدم جریان الاستصحاب في الشبهات الحکمیة الکلية:تحرير الأصول، النجفي المظاهري، الشيخ مرتضى، ج1، ص217..: «لا‌ينبغي المناقشة في استصحاب بقاء الاحكام الكلية الشرعية في موارد احتمال النسخ ... و أما بالنسبة إلى غيرها من الشبهات الحكمية لموارد الاستصحاب التنجيزي أو التعليقي فجميع تلك الإشكالات قابلة الدفع عدا الأخير منها ... و إن فرض العجز عن دفعه و لم‌يمكننا التخلص عنه كما هو الواقع لم‌يصح الالتزام باعتباره في شي‌ء منهما»
[5] جامع المدارك، ج4، ص373: «أما الاستصحاب التعلیقي المذکور فهو مبني على جریان الاستصحاب في الشبهات الحکمیة و ... و کلاهما محل إشکال».
[6] و قال بعض الأساطين في المغني في الأصول، ج2، ص88: «إن البحث في المقتضي للاستصحاب التعليقي و المانع منه يتمّ على رأي المشهور القائلين بجريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية الكلية، و أما من لا‌يرى جريانه فيها - کالمحققين النراقي و السيد الخوئي.- فعدم جریان الاستصحاب التعليقي إنما هو للإشكال العامّ في جريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية الكلية، و هو التعارض بين عدم الجعل و بقاء المجعول»
[7] زبدة الأصول، الروحاني، السيد محمد صادق، ج4، ص105..: «البحث في جريان هذا الاستصحاب و عدمه، يكون مبتنياً على جريان الاستصحاب في الأحكام الكلية، و أما بناء على عدم جريانه فيها كما هو المختار على ما عرفت، فلا وجه للنزاع أصلاً كما لا‌يخفى»
[8] زبدة الأصول، الروحاني، السيد محمد صادق، ج4، ص110..: «يرد عليه ... أنه لو سلّم جريانه، فهو محكوم، باستصحاب عدم الجعل الذي لأجله اخترنا عدم جريان الاستصحاب في الأحكام الكلية مطلقاً»
[9] فوائد الاُصول، الغروي النّائيني، الميرزا محمد حسين، ج4، ص460.
[10] أجود التقريرات، الخوئي، السيد أبوالقاسم، ج2، ص411.. 121: «الثالث: قد ذکرنا مراراً أن جعل الأحکام على موضوعاتها إنما هو من قبیل القضایا الحقیقیة المفروضة فیها وجودات موضوعاتها فقد یکون الشك في بقائها من جهة الشك في النسخ و انتهاء الحکم بانتهاء أمده ... و قد یکون الشك في بقاء الحکم لا من جهة احتمال النسخ بل من جهة تغیر ما في الموضوع بزوال بعض ما هو علیه من أوصافه ... و قد یکون الشك في البقاء لا من جهة احتمال النسخ و لا من جهة تغیر بعض حالات الموضوع بل من جهة الأمور الخارجیة ...»
[11] علّق الشيخ حسين الحلي في أصول الفقه، الحلي، الشيخ حسين، ج10، ص6. على ما أفاده المحقق النائيني. في الفوائد: «لا‌يخفى أنّ الشكّ في بقاء الحكم الجزئي قد يكون من جهة الشكّ في النسخ، و قد يكون من جهة الشكّ في الرافع، و قد يكون من جهة الشكّ في رافعية الموجود و كذا من حيث الغاية. و أمّا ما أفاد من جهة الشكّ في عارض عرض لموضوعه، فهو محلّ الإشكال من حيث وحدة الموضوع، و هو داخل في القسم الثاني الذي ذكره لاستصحاب الحكم الكلّي، في مقابل القسم الأوّل الذي يكون منشأ الشكّ فيه هو النسخ، فتأمّل.و الحاصل: أنّ الذي ينبغي أوّلًا هو إخراج الشكّ في النسخ، ثمّ إخراج الشكّ في الغاية و الرافع، سواء كانا على نحو الشبهة الموضوعية أو كانا على نحو الشبهة الحكمية. و في كلّ منهما لا‌يكون المستصحب إلّا الحكم الفعلي الشخصي، غايته أنّ مجري الاستصحاب في الشبهة الموضوعية هو المقلّد، و في الشبهة الحكمية هو المجتهد.و‌اعلم أنّ الشكّ في رافعية الموجود و غائية الموجود كما يتصوّر فيه الشبهة الحكمية، فكذلك يتصوّر فيه الشبهة الموضوعية، بأن يتردّد في الظلام الموجود هل هو ليل أو هو من جهة الغيم، أو يتردّد في البلل الخارج بين البول و المذي.ثمّ بعد إخراج هذه الأقسام، ينحصر استصحاب الحكم بموارد الشكّ في بقائه لأجل تبدّل حالة من حالات الموضوع التي يحتمل مدخليتها، فيجري الاستصحاب بعد الفراغ عن التسامح العرفي، إمّا بدعوى كون الجهة الزائلة بنظر العرف من الحالات، أو بدعوى كونها بنظرهم من قبيل العلّة لا الموضوع، على التفصيل الذي مرّ بعضه و يأتي في خاتمة الاستصحاب إن شاء الله تعالى»
[12] هذه العبارة مضمون رواية هي: «مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ عَبْدِ‌اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ أَبِي‌عَبْدِ‌اللَّهِ قَالَ: كُلُّ عَصِيرٍ أَصَابَتْهُ النَّارُ فَهُوَ حَرَامٌ حَتَّى يَذْهَبَ ثُلُثَاهُ وَ يَبْقَى ثُلُثُهُ». الكافي- ط الاسلامية، الشيخ الكليني، ج6، ص419..و قد عقد في الوسائل باباً في ج25، كتاب الأطعمة و الأشربة، الباب2، بَابُ تَحْرِيمِ الْعَصِيرِ الْعِنَبِيِّ وَ التَّمْرِيِّ وَ غَيْرِهِمَا إِذَا غَلَى وَ لَمْ يَذْهَبْ ثُلُثَاهُ وَ إِبَاحَتِهِ بَعْدَ ذَهَابِهِمَا مِن أبواب الأشربة المحرّمة، و فيه أحد عشر حديثاً
[13] فوائد الاُصول، الغروي النّائيني، الميرزا محمد حسين، ج4، ص472.. «هذا كلّه مضافاً إلى ما في خصوص مثال العنب و الزبيب من المناقشة في الموضوع، فإن الذي ينجس بالغليان إنما هو ماء العنب لا جرمه إلا تبعاً فالموضوع للنجاسة هو الماء و قد انعدم بصيرورة العنب زبيباً، و الباقي في الحالين إنما هو الجرم و هو ليس موضوعاً للنجاسة و الحرمة، و الزبيب لا‌يغلي إلا إذا اكتسب ماءً جديداً من الخارج، و غليان الماء المكتسب من الخارج ليس موضوعاً للنجاسة و الحرمة، فالموضوع لهما قد ارتفع قطعاً، فتأمل في أطراف ما ذكرناه جيداً»
[14] مصباح الأصول( مباحث حجج و امارات- مكتبة الداوري)، الواعظ الحسيني، السيد محمد؛ تقرير بحث السيد أبو القاسم الخوئي، ج2، ص136.
[15] نذکر هنا نکتتین: النکتة الأولى: للسید محمد المجاهد المخالف لجريان الاستصحاب التعليقي مناقشة أخری في المثال:قال في كتاب المناهل، الطباطبائي المجاهد، السيد محمد، ج1، ص652..: «و قد یناقش في ما ذکره أیضاً بأن من شرط الاستصحاب بقاء الموضوع و من الظاهر أن الحکم الثابت للعنب و في حال العنبیة لم یبق موضوعه بعد صیرورة العنب زبیباً لأن الزبیب حقیقة أخری غیر حقیقة العنب و إن کان هو سابقاً على الزبیب و أصلا له و لذا یصحّ سلب اسم کلّ منهما عن الآخر و لایندرج أحدهما تحت الآخر و لا جعل کلٍّ منهما قسماً للآخر و لا التقیید به و لا الاستفهام عنه و لا استثناؤه من ذلك فیکون محل البحث کما إذا صار الخمر خلاً فما دلّ على حرمة المسبوق بالخمریة و لم یجز التمسك بالاستصحاب في إثبات الحکم الثابت یقیناً في حال الخمر في حال الخلیة فکذلك هنا لاتّحاد طریق المسألتین کما لایخفی»
[16] النکتة الثانیة: في القائلین بحرمة عصیر الزبیب و حلیته.القائلون بالحلية: المحقق الحلي في شرائع الإسلام في مسائل الحلال و الحرام -ط اسماعیلیان)، المحقق الحلي، ج4، ص156..: «أما التمر إذا غلى و لم يبلغ حدّ الإسكار ففي تحريمه تردد و الأشبه بقاؤه على التحليل حتى يبلغ. و كذا البحث في الزبيب إذا نقع بالماء فغلى من نفسه أو بالنار فالأشبه أنه لا‌يحرم ما لم‌يبلغ الشدة المسكرة»
[17] العلامة الحلي) في قواعد الأحكام، العلامة الحلي، ج3، ص550.: «و كذا الزبيب إذا نقع بالماء فغلى من نفسه أو بالنار، و الأقرب البقاء على الحلّ‌ ما لم يبلغ الشدّة المسكرة». و مثله في تحرير الأحكام الشرعية على مذهب الإمامية، العلامة الحلي، ج5، ص344.
[18] و في إرشاد الأذهان إلى أحكام الإيمان، العلامة الحلي، ج2، ص180..: «و لو غلى التمر أو الزبيب و لم‌يسكر فلا تحريم»
[19] و فخر المحققين في إيضاح الفوائد، ابن العلامة، ج4، ص512..: «و الأقوى عندي ما هو الأقرب عند المصنف رحمه اللّه»
[20] الصيمري) في غاية المرام في شرح شرائع الإسلام، الصيمري البحراني، الشيخ مفلح، ج4، ص337..: «و يحتمل عدم التحريم لأصالة الإباحة، فيقتصر على موضع النص، و هو المشهور بين الأصحاب و اختاره المصنف و العلامة و ابنه و هو المعتمد»
[21] الشهيد الأول في اللمعة الدمشقية، الشهيد الأول، ج1، ص219..: «و لا‌يحرم من الزبيب وإن غلى على الأقوى»
[22] و في الدروس الشرعية في فقه الإمامية‌، الشهيد الأول، ج3، ص16..: «و لا‌يحرم المعتصر من الزبيب ما لم‌يحصل فيه نشيش، فيحلّ طبيخ الزبيب على الأصحّ، لذهاب ثلثيه بالشمس غالباً، و خروجه عن مسمّى العنب، و حرّمه بعض مشايخنا المعاصرين، و هو مذهب بعض فضلائنا المتقدّمين ...»
[23] الفاضل المقداد في التنقيح الرائع لمختصر الشرائع‌، الفاضل مقداد‌، ج4، ص368..: «و أما عصير الزبيب إذا لم‌يسكر فالأقرب بقاؤه على الحلّ و إن غلا، مع احتمال أن يكون كالأول لأنه عنب قد جفّ، و العمل على الأول»
[24] و الشهيد الثاني في مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام، الشهيد الثاني، ج14، ص460..: «و أمّا نقيع الزبيب أو هو إذا غلى و لم‌يذهب ثلثاه، فقيل بتحريمه كعصير العنب، لاشتراكهما في أصل الحقيقة، و لفحوى رواية عليّ‌ بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام. و الأصحّ‌ حلّه، للأصل، و استصحاب الحلّ‌، و خروجه عن اسم العنب الذي عصيره متعلّق التحريم، و لذهاب ثلثيه بالشمس. و دلالة الرواية على التحريم ممنوعة». و راجع أيضاً ج12، ص76: «و الحكم مختصّ‌ بعصير العنب، فلا‌يتعدّى إلى غيره - كعصير التمر - ما لم‌يسكر، للأصل، و لا إلى عصير الزبيب على الأصحّ»
[25] و في روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان، الشهيد الثاني، ج1، ص439..: «و الحكم مخصوص بعصير العنب كما ذكرناه، فلا‌يلحق به عصير التمر و غيره حتّى الزبيب على الأصحّ‌ ما لم‌يحصل فيه خاصّة الفقّاع؛ للأصل، و خروجه عن مسمّى العنب، و ذهاب ثلثيه بالشمس، فكما تعتبر في نجاسته فكذا في طهارته، فيحلّ‌ طبيخه، خلافاً لجماعة من الأصحاب»
[26] العلامة المجلسي في بحار الأنوار - ط دارالاحیاء التراث، العلامة المجلسي، ج63، ص516..: «و أقول: القول بعدم تحريم عصير الزبيب و التمر لا‌يخلو من قوة لما مر من عمومات الحل و عدم ورود ما يصلح لتخصيصها»
[27] المحقق السبزواري في ذخیرة المعاد في شرح الإرشاد، المحقق السبزواري، ج1، ص155..: «و هل يلحق به عصير الزبيب إذا غلى في النجاسة لا أعلم بذلك قائلاً، و أما في التحريم فالأكثر على عدمه»
[28] و في الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة، البحراني، الشيخ يوسف، ج5، ص125..: «أما عصير الزبيب فالظاهر أنه لا خلاف في طهارته و عدم نجاسته بالغليان فإني لم أقف على قائل بالنجاسة هنا».و في شرح الوسائل لبعض معاصري صاحب الحدائق –كما في كتاب الطهارة للشيخ الأنصاري-: أنّ‌ الإجماع منعقد على عدم نجاسة عصير غير العنب. و ظاهر هذه الإجماعات هي نجاسة الزبيب لا بالنسبة للتحريم
[29] الشيخ الأنصاري، ج5، ص173: «ثمّ‌ إنّه لا‌يلحق بالعنب الزبيب، بل الأقوى طهارته ... فيكفي في طهارته: الأصل لعدم الدليل على النجاسة و الحرمة. و لا‌يرد عليه ما ذكره العلّامة الطباطبائي.: من استصحاب حكمه الثابت له حال العنبيّة؛ لتغيّر الموضوع، أمّا بناءً‌ على عدم صدق العصير على المستخرج من الزبيب فواضح، و أمّا بناءً‌ على تسليم الصدق؛ فلأنّ‌ المعتصر من العنب مغاير للماء المطلق الممزوج بالأجزاء اللطيفة من الزبيب، و إن سلّمنا صدق العصير على كلٍّ‌ منهما لكنّه لا‌ينفع مع تغاير عصير العنب لعصير الزبيب، و بالجملة فالأمر واضح. و ربما يجاب عن هذا الاستصحاب: بأنّ‌ المستصحب تعليقي‌، و هي حرمة ماء العنب لو غلا، و هو ليس بحجّة. و فيه: أنّ‌ هذا ليس من الاستصحاب التعليقي، بل هو استصحاب حكمٍ‌ شرعي تنجيزي، و هي: سببيّة غليانه للحرمة و استلزامه لها، فالمستصحب هو الاستلزام المنجّز، لا ثبوت اللازم المعلّق، و تمام الكلام في محلّه»
[30] القائلون بالتحريم:من حكى عنه في الدروس و المسالك القول بالتحريم و قد مرّ.و ما مرّ من كلام السيد بحر العلوم في أول التنبيه و قال في ج3، ص269: «و روى تحريمه الأقدمون من رؤساء أصحاب الحديث، و أطلق جماعة من الفقهاء تحريم العصير و لم‌يقيّدوه بشيء».رياض المسائل، ج13، ص451: «و الإنصاف أنّ‌ الحكم الباتّ‌ بالحلّ‌ في الزبيبي لا‌يخلو عن نوع إشكال».المناهل، ص647: «... و ثانیهما: أنه یلحق بعصیر العنب و یشارکه في التحریم ... و مال إلى هذا القول في الریاض قائلاً، و الإنصاف أن الحکم الباتّ بالحل في الزبیبي لایخلو من نوع إشکال ... و اختار هذا القول السید الأستاذ في المصابیح، و استفاده من کثیر من الأصحاب قائلاً ... و قد ذهب إلى التحریم صریحاً جماعة من متأخري الأصحاب منهم الشیخ محمد بن الحسن الحرّ العاملي و الشیخ الفقیه سلیمان بن عبد‌الله البحراني و کذا السید الفاضل عبد‌الله بن نور الدین الجزائري في شرحه على النخبة ... و إلى هذا القول میل الشیخ الفقیه الشهیر بالفاضل الهندي) ... و هو ظاهر الفاضل القاساني في الوافي و أطعمة المفاتیح و هو اختیار شیخنا المحقق دام ظله و قد یناقش في جمیع ما ذکره ...».و من المعاصرين القائلين بالحرمة شيخنا المحقق البهجت. قال في وسيلة النجاة، ص149: «و كذلك الحال في الزبيبي، و التمري؛ فلا‌يترك الاحتياط في الاجتناب منهما»
[31] فرائد الأصول، الشيخ مرتضى الأنصاري، ج3، ص223.