بحث الأصول الأستاذ محمدعلي البهبهاني

46/05/02

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: الأصول العملية/أصالة الاستصحاب /التنبیه الرابع؛ المقام الثاني؛ القسم الثاني

 

مناقشة العلامة الأنصاري في نظریة المحقّق النراقي

«إنّ الأمر الوجودي المجعول إن لوحظ الزمان قیداً له أو لمتعلّقه، بأن لوحظ وجوب الجلوس المقیّد بكونه إلى الزوال شیئاً و المقیّد بكونه بعد الزوال شیئاً آخر متعلّقاً للوجوب، فلا مجال لاستصحاب الوجوب للقطع بارتفاع ما علم وجوده و الشك في حدوث ما عداه، و لذا لایجوز الاستصحاب في مثل صم یوم الخمیس إذا شك في وجوب صوم یوم الجمعة.

و إن لوحظ الزمان ظرفاً لوجوب الجلوس، فلا مجال لاستصحاب العدم، لأنّه إذا انقلب العدم إلى الوجود المردّد بین كونه في قطعة خاصّة من الزمان و كونه أزید – و المفروض تسلیم حكم الشارع بأنّ المتیقّن في زمان لا‌بدّ من إبقائه- فلا وجه لاعتبار العدم السابق ... .

و الحاصل أنّ الموجود في الزمان الأوّل، إن لوحظ مغایراً من حیث القیود المأخوذة فیه للموجود الثاني، فیكون الموجود الثاني حادثاً مغایراً للحادث الأوّل فلا مجال لاستصحاب الموجود، إذ لایتصور البقاء لذلك الموجود بعد فرض كون الزمان الأوّل من مقوّماته.

و إن لوحظ متّحداً مع الثاني لا مغایراً له إلا من حیث الظرف الزماني، فلا معنی لاستصحاب عدم ذلك الموجود، لأنّه انقلب إلى الوجود».

ثم قال في آخر كلامه: «إنّ الزمان إن أُخذ ظرفاً للشيء فلا‌یجري إلا استصحاب وجوده ... و إن أُخذ قیداً له فلایجري إلا استصحاب العدم، لأنّ انتقاض عدم وجود المقیّد لایستلزم انتقاض المطلق و الأصل عدم الانتقاض»([1] ).

إیراد المحقّق النائیني علی مناقشة العلامة الأنصاري[2]

«أوّلاّ: إنّ ما أفاده من التمسّك باستصحاب الوجود في ما إذا أُخذ الزمان ظرفاً غیرُ مستقیم، لما عرفت من رجوع الشك فیه إلى الشك في المقتضي نعم، لایجري استصحاب العدم أیضاً، لما ذكره من أنّه لیس هناك إلا عدم واحد متیقّن انتقض قطعاً و لیس كلّ قطعة من الزمان فرداً مغایراً للقطعة الأخری.

و ثانیاً: إنّ عدم جریان استصحاب الوجود في ما إذا أخذ الزمان قیداً و إن كان صحیحاً إلا أنّ ما أفاده من الرجوع حینئذٍ إلى استصحاب العدم لیس بصحیح فإنّ الوجود المشكوك بعد القید و إن كان مسبوقاً بالعدم إلا أنّ المتّصف بالعدم المستصحب لیس هو الوجود قطعاً، لاستحالة اتصاف أحد النقیضین بالآخر، بل المتّصف بكلّ من الوجود و العدم هو نفس الماهیة المعرّاة عن الوجود و العدم، و المستصحب إنّما هو خلّو صفحة الوجود عنها.

ثم إنّ التقیید بالزمان إنّما هو بالقیاس إلى الوجود و العدم و أمّا نفس الماهیة التي هي جامعة بین الموجود و المعدوم فیستحیل أن تتقیّد بزمان، بل التقیّد الناشئ عن اعتبار معتبر لابدّ و أن یرجع إلى أحد الوصفین [أي الوجود و العدم] لامحالة ثم إنّ المتیقّن في المقام إنّما هو نفس عدم الماهیة، و أمّا الوجوب المقیّد بما بعد الزوال مثلاً المغایر للوجوب السابق لتقیّد نفسه أو تقیّد متعلّقه و هو الجلوس مثلاً، فلیس وجوده و لا عدمه متیقّناً، فإنّ ظرف وجوده و عدمه هو ما بعد الزوال، و أمّا قبله فلا‌یكون الوجوب المقیّد معدوماً إلا من باب السالبة بانتفاء الموضوع [و هو عدم محمولي و لایجري الاستصحاب فیه] فما هو المتیقّن ـ -و هو عدم الوجوب المطلق- انتقض یقیناً، و ما هو المشكوك ـ-وهو الوجوب المقیّد بما بعد الزوال [أي العدم النعتي]- لیس له حالة سابقة.


[1] فرائد الأصول، الشيخ مرتضى الأنصاري، ج3، ص210.
[2] أجود التقريرات، الخوئي، السيد أبوالقاسم، ج2، ص405.