بحث الأصول الأستاذ محمدعلي البهبهاني

46/04/26

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: الأصول العملية/أصالة الاستصحاب /التنبیه الرابع؛ المقام الثاني؛ القسم الثاني: الأمور التدریجیة القارة

 

القسم الثاني: الأمور التدريجية القارّة

و هو التدریجي الذي كان قارّاً في نفسه و لكنه لمكان تقییده بالزمان صار تدریجیاً.

و هنا اختلف أیضاً الأعلام فقال الشیخ([1] ) بعدم جریان الاستصحاب بناء على قیدیة الزمان و بجریانه بناء على ظرفیته، و قال المحقّق النائیني([2] ) بعدم جریان الاستصحاب سواء قلنا بالقیدیة أو الظرفیة.

نظریة الشیخ الأنصاري: عدم جریان الاستصحاب

«و أما القسم الثالث و هو ما كان مقیّداً بالزمان فینبغي القطع بعدم جریان الاستصحاب فیه، و وجهه أنّ الشيء المقیّد بزمان خاصّ لایعقل فیه البقاء؛ لأنّ البقاء وجود الموجود الأوّل في الآن الثاني.

و قد تقدّم([3] ) الإشكال في جریان الاستصحاب في الأحكام التكلیفیة لكون متعلّقاتها هي الأفعال المتشخّصة بالمشخصات التي لها دخل وجوداً و عدماً في تعلّق الحكم، و من جملتها الزمان [و قد تقدّم ذلك کما في مثل: صم يوم الخميس]»([4] ).

نظریة المحقّق النائیني في الدورة الأولی: التفصیل في جریان الاستصحاب

«الحقّ فیه أیضاً التفصیل بین كون الزمان قیداً للجلوس مكثّراً للموضوع بحیث كان الجلوس بعد الزوال مغایراً للجلوس قبله و بین كون الزمان ظرفاً له، ففي الأوّل لایجري الاستصحاب و في الثاني یجري و مجرّد أخذ الزمان الخاصّ في دلیل الحكم لایقتضي القیدیة الموجبة لتكثّر الموضوع، بل یمكن فیه الظرفیة أیضاً»([5] ).

یلاحظ علیها

إنّ ما أفاده المحقّق النائیني لیس تفصیلاً في قبال الشیخ بل الشیخ الأنصاري بنفسه ملتزم بذلك كما صرّح بذلك ضمن إیراده على المحقّق النراقي، فإنّ المحقق النائیني فصّل بین القیدیة و الظرفیة و قال بعدم جریان استصحاب وجود الشيء المقیّد بالزمان على تقدیر قیدیة الزمان و قال بجریان استصحاب وجود الشيء الذي كان الزمان ظرفاً بالنسبة إلیه على تقدیر ظرفیة الزمان، و هذا بعینه مختار الشیخ الأنصاري عند مناقشته في كلام المحقّق النراقي لكن الشیخ أطلق القول هنا بعدم جریان الاستصحاب، لأنّه قد افترض في القسم الثاني قیدیة الزمان لما هو قارّ في نفسه و لم‌یفترض فیه الظرفیة لأنّ الظرفیة لاتوجب تدریجیة المظروف بل الموجب لتدریجیة الأمر القارّ هو قیدیة الزمان له لا ظرفیته له.

نظریة المحقّق النائیني في الدورة الأخیرة: عدم جریان الاستصحاب

إنّ المحقّق النائیني في الدورة الأخیرة نقل كلام الشیخ و تفصیله بین أخذ الزمان بنحو القیدیة فلا‌یجري الاستصحاب و بنحو الظرفیة فیجري الاستصحاب و لذا استشكل جریان الاستصحاب فیما إذا أخذ الزمان بنحو الظرفیة و التزم هنا بعدم جریان الاستصحاب فقال:

«أمّا لو أخذ الزمان بنحو الظرفیة فقد أفاد شیخنا العلامة الأنصاري صحّة التمسك بالاستصحاب فیه، و لكنّه لا‌یخلو عن إشكال بل منع بناءً على ما اخترناه من عدم جریان الاستصحاب في موارد الشك في المقتضي، فإنّ الشك في بقاء الحكم السابق فیما بعد ذلك الزمان المأخوذ ظرفاً لا قیداً لاینفك لا‌محالة عن احتمال كونه مغیّیً بالجزء الأخیر من الزمان المأخوذ ظرفاً و مع الشك في كون الحكم الثابت مغیّیً بغایةٍ أو مرسلاً لایمكن التمسك بالاستصحاب كما عرفت مفصّلاً، فكلّ حكم أخذ فیه الزمان بنحو القیدیة أو الظرفیة لایمكن التمسك فیه بالاستصحاب، إمّا لتعدد متعلّقي الیقین و الشك و إمّا لرجوع الشك في البقاء إلى الشك في المقتضي الذي عرفت عدم شمول أدلّة الاستصحاب لموارده»([6] ).

التحقیق حول القسم الثاني علی منهج المحقّق الخوئي

إنّ المحقّق الخوئي فصّل بین الشبهة الحكمیة و الموضوعیة و قال بعدم جریان الاستصحاب في القسم الأوّل و الثاني من الشبهة الحكمیة و بجریانه في القسم الثالث منها و أیضاً بجریانه في الشبهة الموضوعیة.

قال في وجه عدم جریان الاستصحاب في الشبهة الحكمیة:

«إنّ الإهمال في مقام الثبوت غیر معقول ... فالأمر بشيء إمّا أن یكون مطلقاً و إمّا أن یكون مقیّداً بزمان خاص و لا‌تتصور الواسطة بینهما، و معنی كونه مقیّداً بذلك الزمان الخاص عدم وجوبه بعده.

فأخذ الزمان ظرفاً للمأمور به بحیث لاینتفي المأمور به بانتفائه قبالاً لأخذه قیداً للمأمور به ممّا لایرجع إلى معنی معقول، فإنّ الزمان بنفسه ظرف لایحتاج إلى الجعل التشریعي فإذا أخذ زمان خاص في المأمور به فلامحالة یكون قیداً له، فلا معنی للفرق بین كون الزمان قیداً أو ظرفاً، فإنّ أخذه ظرفاً لیس إلا عبارة أخری عن كونه قیداً»([7] ).

البحث في القسم الثاني يجري في موضعين:

الموضع الأول: الشبهة الحكمیة و أنواعها الثلاثة

«[الأوّل:] قد یكون الشك فیه لشبهة مفهومیة كما إذا شككنا في أنّ الغروب الذي جعل غایة لوجوب الإمساك هل هو عبارة عن استتار القرص أو عن ذهاب الحمرة المشرقیة؟

[الثاني:] و قد یكون الشك فیه لتعارض الأدلّة، كما في آخر وقت العشاءین لتردّده بین انتصاف اللیل كما هو المشهور أو طلوع الفجر كما ذهب إلیه بعض، مع الالتزام بحرمة التأخیر عمداً عن نصف اللیل ...

[الثالث:] إذا کان الشك في الحكم ناشئاً من احتمال حدوث تكلیف آخر مع الیقین بتحقّق الغایة، كما إذا علمنا بوجوب الجلوس إلى الزوال و علمنا بتحقّق الزوال و شككنا في وجوب الجلوس بعد الزوال لاحتمال حدوث تكلیف جدید»([8] ).


[1] أنيس المجتهدين، النراقي، المولى محمد مهدي، ج1، ص405.. «أوّلهما: أن يعلم ثبوت حكم شرعي أو وضعي في وقت خاصّ، أو حالة خاصّة، بحيث يكون للزمان و الحالة مدخل فيه، فلا‌يجري الاستصحاب فيما بعدهما. و هذا القسم إمّا أن يتجدّد الحكم فيه بتجدّدهما، كالصلاة و مثلها، فيمكن إجراؤه فيه من جهة دون أخرى، أو لا، كوجوب الحجّ عند الاستطاعة.و ثانيهما: أن يعلم ثبوت حكم في وقت لم‌يسبقه وقت آخر يثبت فيه هذا الحكم.»
[2] أجود التقريرات، الخوئي، السيد أبوالقاسم، ج2، ص404.
[3] . يقصد ما ذكره في أدلة القول السابع في فرائد الأصول، الشيخ مرتضى الأنصاري، ج3، ص145..: «ثم اعلم أنه بقي هنا شبهه أخرى في منع جريان الاستصحاب في الأحكام التكليفية مطلقا و هي أن الموضوع للحكم التكليفي ليس إلا فعل المكلف و لا ريب أن الشارع بل كل حاكم إنما يلاحظ الموضوع بجميع مشخصاته التي لها دخل في ذلك الحكم ثم يحكم عليه ... »
[4] فرائد الأصول، الشيخ مرتضى الأنصاري، ج3، ص208.
[5] فوائد الاُصول، الغروي النّائيني، الميرزا محمد حسين، ج4، ص442.
[6] أجود التقريرات، الخوئي، السيد أبوالقاسم، ج2، ص404.
[7] مصباح الأصول( مباحث حجج و امارات- مكتبة الداوري)، الواعظ الحسيني، السيد محمد؛ تقرير بحث السيد أبو القاسم الخوئي، ج2، ص131.
[8] مصباح الأصول( مباحث حجج و امارات- مكتبة الداوري)، الواعظ الحسيني، السيد محمد؛ تقرير بحث السيد أبو القاسم الخوئي، ج2، ص131.