بحث الأصول الأستاذ محمدعلي البهبهاني

46/04/25

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: الأصول العملية/أصالة الاستصحاب /التنبیه الرابع؛ المقام الثاني؛ الموضع الثاني

 

الموضع الثاني: ما استدلّ لعدم جريان الاستصحاب

استدلال المحقّق النائیني علی عدم جریان الاستصحاب

قال: «الأقوی عدم جریان الاستصحاب فیه، لأنّه یرجع إلى [الوجه] الثاني من القسم الثالث من أقسام استصحاب الكلّي؛ فإنّ وحدة الكلام عرفاً إنّما تكون بوحدة الداعي، فیتعدّد الكلام بتعدّد الداعي، فیشك في حدوثِ فردٍ آخر للكلام مقارنٍ لارتفاع الأوّل عند احتمال قیام داعٍ آخر في النفس بعد القطع بارتفاع ما كان منقدحاً في النفس أوّلاً، فلا‌یجري فیه الاستصحاب، و كذا الحال في الماء و الدم و نحو ذلك من الأمور التدریجیة فتأمّل»([1] [2] ).

إیراد المحقّق الخوئي علی المحقّق النائیني

«إنّ الحافظ للوحدة لیس هو الداعي، بل هو الاتّصال، فما لم‌یتخلّل العدم فالحركة واحدة و إن كان حدوثها بداعٍ و بقاؤها بداعٍ آخر، و إذا تخلّل العدم، كانت الحركة متعدّدة و إن كان الداعي واحداً.

و قد نقضنا علیه) في الدورة السابقة بالسجدة، فمن سجد في الصلاة بداعي الامتثال ثم بعد إتمام الذكر بقي في السجدة آناً ما للاستراحة مثلاً، فهل یمكن القول ببطلان الصلاة لأجل زیادة السجدة؟»([3] ).

وجه آخر لعدم جریان الاستصحاب

إنّ جریان الاستصحاب مسبّب عن وجود المقتضي الجدید، لأنّ الشك في بقاء الحركة أو استمرار التكلّم و الجریان مسبّب عن الشك في حدوث المقتضي الجدید و الأصل عدم حدوثه، و هذا الأصل حاكم على استصحاب بقاء الحركة أو استمرار التكلم أو الجریان.

إیراد المحقّق الخوئي علی هذا الوجه

«إنّ ارتفاع الحركة لیس من الآثار الشرعیة لعدم حدوث الداعي الآخر، فلا‌یمكن إثبات ارتفاعها بأصالة عدم حدوثه إلا على القول بالأصل المثبت»([4] ).

فإنّ ارتفاع الحركة و التكلم و الجریان من اللوازم العقلیة لعدم حدوث المقتضي و أصالة عدم حدوثه بالنسبة إلى ارتفاع تلك الأمور أصل مثبت.

ثم إنّ الأمر في التكلّم بل الصلاة مثل ما تقدّم في الحركة و إن كان بینهما بون من جهات، فإنّ الحركة و التكلم من مقولة واحدة و أمّا الصلاة فهي مركبة من مقولات مختلفة مثل الكیف المسموع كالقراءة و مقولة الوضع كالركوع و السجود و الكیف النفساني كالنیّة و هكذا، و لكن كلّها تشترك في أمر واحد و هي الوحدة العرفیة، فإنّ العرف یری هذه الصلاة مع تلك المقولات المعتبرة فیها أمراً واحداً و على ذلك تخلّل العدم بین تلك الأجزاء المتباینة ماهیة لایضرّ إذا كان یسیراً بحیث لاترتفع الموالاة، لبقاء الوحدة العرفیة مع التخلّل الیسیر و هكذا الأمر في تخلّل العدم بین التكلم أو الجریان فإنّه ما لم‌یضرّ بالوحدة العرفیة لایوجب ارتفاع الاتّصال كما صرّح بذلك المحقّق الخراساني فقال: «ما لم‌یتخلّل في البین العدم، بل و إن تخلّل [العدم] بما لایخلّ بالاتّصال عرفاً و إن انفصل حقیقة كانت باقیةً مطلقاً أو عرفاً و یكون رفع الید عنها مع الشك في استمرارها و انقطاعها نقضاً»([5] ).

الموضع الثالث: استصحاب التكلم من أي قسم من الكلي؟

نظریة الشیخ الأنصاري

إنّ الشیخ الأنصاري جعل استصحاب التكلّم من قبیل القسم الأوّل من استصحاب الكلّي لا القسم الثالث كما تُوُهّم فقال:

«یفرض التكلّم مثلاً، مجموع أجزائه أمراً واحداً [مستمراً] و الشك في بقائه لأجل الشك في قلّة أجزاء ذلك الفرد الموجود منه في الخارج و كثرتها، فیستصحب القدر المشترك المردّد بین قلیل الأجزاء و كثیرها.

و دعوی أنّ الشك في بقاء القدر المشترك ناشٍ عن حدوث جزء آخر من الكلام و الأصل عدمه المستلزم لارتفاع القدر المشترك، فهو من قبیل القسم الثالث من الأقسام الثلاثة المذكورة في الأمر السابق مدفوعةٌ بأنّ الظاهر كونه من قبیل الأوّل من تلك الأقسام الثلاثة، لأنّ المفروض في توجیه الاستصحاب جعل كلّ فرد من التكلّم مجموع ما یقع في الخارج من الأجزاء التي یجمعها رابطة توجب عدّها شیئاً واحداً و فرداً من الطبیعة، لا جعلُ كلّ قطعة من الكلام الواحد فرداً واحداً حتّی یكون بقاء الطبیعة بتبادل أفراده. غایة الأمر كون المراد بالبقاء هنا وجود المجموع في الزمان الأوّل بوجود فرد منه و وجوده في الزمان الثاني بوجود جزء آخر منه و الحاصل إنّ المفروض كون كلّ قطعة جزءاً من الكلّ لا جرئیاً من الكلّي»([6] ).

ثم التزم في آخر كلامه بأنّ الاستصحاب یجري هنا و لو بنینا على أنّ المثال المذكور من صغریات الكلّي القسم الثالث، و وجّهه بأنّ المقام من قبیل الكلّي التشكیكي الذي ارتفعت المرتبة الشدیدة منه و بقیت المرتبة الضعیفة، و هذا من قبیل النوع الثالث من الكلّي القسم الثالث الذي یجري فیه الاستصحاب، فقال:

«هذا مع ما عرفت في الأمر السابق من جریان الاستصحاب فیما كان من القسم الثالث فیما إذا لم‌یعدّ الفرد اللاحق على تقدیر وجوده موجوداً آخر مغایراً للموجود الأوّل، كما في السواد الضعیف الباقي بعد ارتفاع القوي، و ما نحن فیه من هذا القبیل فافهم»([7] ).

إیراد المحقّق الخراساني علی الشیخ الأنصاري

إنّ صاحب الكفایة لایلتزم في المثال المذكور بأنّه من الكلي القسم الأوّل و لایلتزم أیضاً بكونه من الكلّي القسم الثالث، بل یقول بأنّه من الكلّي القسم الثاني و وجّه ذلك بقوله: «ضرورة أنّه مردّد بین كونه كثیر الأجزاء فیبقی و قلیلها فیرتفع»([8] [9] ).

ثم أفاد ضابطاً لاندراج الأمثلة في الكلّي القسم الأوّل و الثاني و الثالث خلافاً للشیخ حیث استفاد من كلامه أنّه یقول باندراج جمیع الأمثلة تحت استصحاب الكلّي القسم الأوّل، و لذلك قال تعریضاً للشیخ:

«لایخفى أنّ استصحاب بقاء الأمر التدریجي، إمّا یكون من قبیل استصحاب الشخص، أو من قبیل استصحاب الكلّي بأقسامه، فإذا شك في أنّ السورة المعلومة التي شرع فیها تمّت أو بقي شيء منها، صحّ فیه استصحاب الشخص و الكلي [أي الكلّي القسم الأوّل] و إذا شك فیه من جهة تردّدها بین القصیرة و الطویلة، كان من القسم الثاني، و إذا شك في أنّه شرع في أخری مع القطع بأنّه قد تمّت الأولى كان من القسم الثالث كما لایخفی»([10] ).

ملاحظة علی إیراد المحقّق الخراساني

إنّ ما أفاده في آخر كلامه من أنّه «إذا شك في أنّه شرع في [سورة] أخری مع القطع بأنّه قد تمّت [قراءته للسورة] الأولى کان من القسم الثالث»([11] ) الظاهر منه أنّه یقول بعدم جریان الاستصحاب فیه، لكونه من قبیل النوع الثاني من الكلّي القسم الثالث، و لكن هذا فیما إذا قلنا بتعدّد الكلام و القراءة حسب تعدّد السور، و أمّا إذا قلنا بأنّ هنا كلّیاً تشكیكیاً و هي القراءة و هي جامعة لجمیع مراتب قراءة السور فیمكن القول بجریان الاستصحاب في القراءة من قبیل الكلّي القسم الأوّل.

و المتحصّل هو جریان الاستصحاب في الأمور التدیجیة غیر القارة سواء كان الشك في المقتضي أو الرافع أو الشك في حدوث المقتضي الجدید بعد العلم بارتفاع المقتضي الأوّل.

نعم لایجري الاستصحاب إن لم‌یكن المستصحب واحداً بالوحدة العرفیة بأن لم‌یكن فیه الاتّصال العرفي أو قل إن كان الاستصحاب فیه من الكلّي القسم الثالث من النوع الأوّل أو الثاني.

 


[1] فوائد الاُصول، الغروي النّائيني، الميرزا محمد حسين، ج4، ص441.
[2] أجود التقريرات، الخوئي، السيد أبوالقاسم، ج2، ص403..: «و أما القسم الثالث فهو من صغریات القسم الثالث من استصحاب الکلي و الکلام فیه هو الکلام فیه بعینه»
[3] مصباح الأصول( مباحث حجج و امارات- مكتبة الداوري)، الواعظ الحسيني، السيد محمد؛ تقرير بحث السيد أبو القاسم الخوئي، ج2، ص128.
[4] مصباح الأصول( مباحث حجج و امارات- مكتبة الداوري)، الواعظ الحسيني، السيد محمد؛ تقرير بحث السيد أبو القاسم الخوئي، ج2، ص128.
[5] كفاية الأصول - ط آل البيت، الآخوند الخراساني، ج1، ص408.
[6] فرائد الأصول، الشيخ مرتضى الأنصاري، ج3، ص205.
[7] . فرائد الأصول، الشيخ مرتضى الأنصاري، ج3، ص206.
[8] فرائد الأصول، الشيخ مرتضى الأنصاري، ج3، ص206..: «و دعوى أن الشك في بقاء القدر المشترك ناشٍ عن حدوث جزء آخر من الكلام و الأصل عدمه المستلزم لارتفاع القدر المشترك فهو من قبيل القسم الثالث من الأقسام الثلاثة المذكورة في الأمر السابق مدفوعة بأن‌ الظاهر كونه من قبيل الأول من تلك الأقسام الثلاثة»
[9] درر الفوائد في الحاشية على الفرائد، الآخوند الخراساني، ج1، ص343.في التعلیقة على قوله.: «مدفوعة بأن الظاهر»: «الظاهر كونه من قبيل القسم الثاني، ضرورة أنه‌ مردد بين‌ كونه كثير الأجزاء فيبقى، و قليلها فيرتفع. نعم ما أحرز كمية أجزائه و شك مع ذلك في ارتفاعه يكون من قبيل القسم الأول، و لا‌يخفى جريان الأقسام الثلاثة في استصحاب الكلي فيه، كما يظهر بأدنى تأمل»
[10] . كفاية الأصول - ط آل البيت، الآخوند الخراساني، ج1، ص408.
[11] . كفاية الأصول - ط آل البيت، الآخوند الخراساني، ج1، ص408.