46/04/24
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: الأصول العملية/أصالة الاستصحاب /التنبیه الرابع؛ المقام الأول؛ الاتجاه الرابع
الاتّجاه الرابع: من المحقّق النائیني و المحقّق الخوئي ([1] )
إنّهما ذهبا إلى جریان الاستصحاب في الزمان سواء أُخذ الزمان بنحو القیدیة أو الظرفیة.
قال المحقّق النائیني: «التحقیق عدم ورود الإشكال من أصله و صحّة جریان الاستصحاب في نفس الزمان.
بیان ذلك أنّه بعد ما عرفت من أنّ استصحاب الزمان إنّما یجري فیما إذا لوحظ الزمان بنحو مفاد كان أو لیس التامّتین دون الناقصتین نقول:
إنّ الزمان إذا كان متمحّضاً في الشرطیة للحكم، فلامحالة یكون مأخوذاً بنحو مفاد كان التامّة، إذ اعتبار وقوع العبادة في زمان مخصوص الذي هو مفاد كان الناقصة إنّما یكون متأخراً عن التكلیف و واقعاً في مرتبة الامتثال، فكیف یعقل أن یكون شرطاً للتكلیف المتقدّم علیه رتبة؟ و علیه فلا إشكال في استصحابه و ترتیب أثره الشرعي علیه.
و أمّا إذا كان مأخوذاً في متعلّق التكلیف فیمكن أن یؤخذ بنحو مفاد كان التامّة كما في غیره من الزمانیات التي نعبّر فیها عن ذلك باعتبار مجرّد اجتماعهما في الزمان من دون اعتبار عنوان آخر من حال و نحوه و لكن التعبیر عنه في الزمان ضیق؛ لعدم كون الزمان واقعاً في زمان آخر حتّی یعبّر عنه باجتماعهما في الزمان فلنعبّر عنه باعتبار وقوع العبادة و وجود الزمان في الخارج و یمكن أن یؤخذ بنحو مفاد كان الناقصة بأن تعتبر الظرفیة و حیثیة وقوع العبادة فیه. و من المعلوم أنّ الأخذ على النحو الثاني غیر ملازم لأخذ الزمان قیداً في الواجب بل هو محتاج إلى مؤونة أخری، إذ لیس الزمان و العبادة من قبیل العرض و محلّه حتّی یقال: إنّ التركیب فیهما لابدّ و أن یرجع إلى مفاد كان الناقصة ... فلایستفاد من التقیید به إلا مجرّد اجتماعهما في الوجود الذي هو مفاد كان التامّة ... و هذا المقدار یثبت بالاستصحاب بعد ضمّه إلى الوجدان، فلا إشكال من أصله حتّی نحتاج إلى الرجوع إلى الأصل الحكمي»([2] [3] ).
مقتضى التحقيق
و على هذا مقتضى التحقیق جریان الاستصحاب في نفس الزمان، و أیضاً یمكن جریان الاستصحاب في الحكم المرتّب على الزمان كما ذهب إلیه الشیخ الأنصاري، و هكذا یمكن جریانه في الفعل المقیّد بالزمان كما ذهب إلیه صاحب الكفایة.
هذا تمام الكلام في المقام الأوّل.
المقام الثاني: في غیر الزمان من التدریجیات غير القارّة و القارّة
التدریجیات على قسمین: غیر القارّ و القارّ. الأول: مثل الحركة و التكلّم و جریان الماء أو الدم، و الثاني و هو القارّ في نفسه الذي هو مقیّد بالزمان، مثل الأمر بالجلوس من طلوع الشمس إلى الزوال.
القسم الأوّل: الأمور التدريجية غير القارّة ([4] )
الموضع الأول: مناشئ الشكّ في بقاء الأمور التدريجية غير القارّة
هي أمور ثلاثة:
المنشأ الأوّل: احتمال وجود الرافع
و هنا یجري الاستصحاب كما ذهب إلیه الشیخ و المحقّق الخراساني و المحقّق النائیني و قد مثّلوا لذلك بوجود المقتضي للحركة من النجف إلى الكوفة ثم إلى الحلّة و الشك في عروض المانع([5] ) و لكن لابدّ في الحركة من الاتّصال العرفي و وجود الاتّصال في الحركة المذكورة فیما استقرّ في الكوفة ممنوع لتخلل العدم في الحركة و لذا نحن نمثّل برمي الحجر فیما كان المقتضي لحركة الحجر للوصول إلى الجمرات و الإصابة بها موجوداً و المانع هو إصابة حجر آخر إلیه قبل وصوله و إصابته إلى الجمرات فإنّ الحركة في هذا المثال متّصلة من دون تخلل العدم فیها.
و قد یتوهّم عدم جریان الاستصحاب هنا من جهة أنّ الشك هنا یرجع إلى حدوث جزء آخر من الحركة أو الجریان، لأنّ ما تیقّن به انقضی و ما لمیتیقّن به جزء آخر مشكوك الحدوث.
و الجواب هو ما تقدّم عند الإشكال الأوّل على جریان الاستصحاب في الزمان حیث أجبنا عنه بالوحدة العرفیة لقطعات الزمان و هنا أیضاً نقول بالوحدة العرفیة للحركات المتّصلة التدریجیة بل یمكن أن یقال بأنّ الحركة المتّصلة موجودٌ واحد حقیقةً فهي تتّصف بالوحدة عقلاً و عرفاً.
المنشأ الثاني: الشك في المقتضي
و هنا اختلف الأعلام فإنّ المشهور یقولون بجریان الاستصحاب كما هو الصحیح على ما تقدّم بیانه، و خالفهم بعض الأعلام مثل المحقّق النائیني([6] ) فقال بعدم جریان الاستصحاب عند الشك في المقتضي.
و قد مثّل لذلك المحقّق الخوئي بما إذا عُلم بحركة زید من النجف إلى الكوفة و شُكّ في أنّه قاصد للحركة إلیها فقط أو إلى الحلّة أیضاً، فبعد الوصول إلى الكوفة يشك في بقاء الحركة من جهة الشك في المقتضي. ([7] )
و قد تقدّم أنّ الحركة لابدّ أن تكون متّصلة عرفاً و الاتّصال المذكور فیما فرضنا استقراره في الكوفة و سكونه فیها قبل الحلّة ممنوع. نعم القعود بقدر رفع التعب و النزول في المنازل غیر قادحٍ بالاتّصال عرفاً.
المنشأ الثالث: العلم بارتفاع المقتضي و الشك في حدوث مقتض جدید
و هنا أیضاً اختلفوا في جریان الاستصحاب، فقال المحقّق النائیني بعدم الجریان و قال بعضهم مثل المحقّق الخوئي بجریانه.