بحث الأصول الأستاذ محمدعلي البهبهاني

46/04/24

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: الأصول العملية/أصالة الاستصحاب /التنبیه الرابع؛ المقام الأول؛ الاتجاه الرابع

 

الاتّجاه الرابع: من المحقّق النائیني و المحقّق الخوئي ([1] )

إنّهما ذهبا إلى جریان الاستصحاب في الزمان سواء أُخذ الزمان بنحو القیدیة أو الظرفیة.

قال المحقّق النائیني: «التحقیق عدم ورود الإشكال من أصله و صحّة جریان الاستصحاب في نفس الزمان.

بیان ذلك أنّه بعد ما عرفت من أنّ استصحاب الزمان إنّما یجري فیما إذا لوحظ الزمان بنحو مفاد كان أو لیس التامّتین دون الناقصتین نقول:

إنّ الزمان إذا كان متمحّضاً في الشرطیة للحكم، فلا‌محالة یكون مأخوذاً بنحو مفاد كان التامّة، إذ اعتبار وقوع العبادة في زمان مخصوص الذي هو مفاد كان الناقصة إنّما یكون متأخراً عن التكلیف و واقعاً في مرتبة الامتثال، فكیف یعقل أن یكون شرطاً للتكلیف المتقدّم علیه رتبة؟ و علیه فلا إشكال في استصحابه و ترتیب أثره الشرعي علیه.

و أمّا إذا كان مأخوذاً في متعلّق التكلیف فیمكن أن یؤخذ بنحو مفاد كان التامّة كما في غیره من الزمانیات التي نعبّر فیها عن ذلك باعتبار مجرّد اجتماعهما في الزمان من دون اعتبار عنوان آخر من حال و نحوه و لكن التعبیر عنه في الزمان ضیق؛ لعدم كون الزمان واقعاً في زمان آخر حتّی یعبّر عنه باجتماعهما في الزمان فلنعبّر عنه باعتبار وقوع العبادة و وجود الزمان في الخارج و یمكن أن یؤخذ بنحو مفاد كان الناقصة بأن تعتبر الظرفیة و حیثیة وقوع العبادة فیه. و من المعلوم أنّ الأخذ على النحو الثاني غیر ملازم لأخذ الزمان قیداً في الواجب بل هو محتاج إلى مؤونة أخری، إذ لیس الزمان و العبادة من قبیل العرض و محلّه حتّی یقال: إنّ التركیب فیهما لابدّ و أن یرجع إلى مفاد كان الناقصة ... فلا‌یستفاد من التقیید به إلا مجرّد اجتماعهما في الوجود الذي هو مفاد كان التامّة ... و هذا المقدار یثبت بالاستصحاب بعد ضمّه إلى الوجدان، فلا إشكال من أصله حتّی نحتاج إلى الرجوع إلى الأصل الحكمي»([2] [3] ).

مقتضى التحقيق

و على هذا مقتضى التحقیق جریان الاستصحاب في نفس الزمان، و أیضاً یمكن جریان الاستصحاب في الحكم المرتّب على الزمان كما ذهب إلیه الشیخ الأنصاري، و هكذا یمكن جریانه في الفعل المقیّد بالزمان كما ذهب إلیه صاحب الكفایة.

هذا تمام الكلام في المقام الأوّل.

المقام الثاني: في غیر الزمان من التدریجیات غير القارّة و القارّة

التدریجیات على قسمین: غیر القارّ و القارّ. الأول: مثل الحركة و التكلّم و جریان الماء أو الدم، و الثاني و هو القارّ في نفسه الذي هو مقیّد بالزمان، مثل الأمر بالجلوس من طلوع الشمس إلى الزوال.

القسم الأوّل: الأمور التدريجية غير القارّة ([4] )

الموضع الأول: مناشئ الشكّ في بقاء الأمور التدريجية غير القارّة

هي أمور ثلاثة:

المنشأ الأوّل: احتمال وجود الرافع

و هنا یجري الاستصحاب كما ذهب إلیه الشیخ و المحقّق الخراساني و المحقّق النائیني و قد مثّلوا لذلك بوجود المقتضي للحركة من النجف إلى الكوفة ثم إلى الحلّة و الشك في عروض المانع([5] ) و لكن لابدّ في الحركة من الاتّصال العرفي و وجود الاتّصال في الحركة المذكورة فیما استقرّ في الكوفة ممنوع لتخلل العدم في الحركة و لذا نحن نمثّل برمي الحجر فیما كان المقتضي لحركة الحجر للوصول إلى الجمرات و الإصابة بها موجوداً و المانع هو إصابة حجر آخر إلیه قبل وصوله و إصابته إلى الجمرات فإنّ الحركة في هذا المثال متّصلة من دون تخلل العدم فیها.

و قد یتوهّم عدم جریان الاستصحاب هنا من جهة أنّ الشك هنا یرجع إلى حدوث جزء آخر من الحركة أو الجریان، لأنّ ما تیقّن به انقضی و ما لم‌یتیقّن به جزء آخر مشكوك الحدوث.

و الجواب هو ما تقدّم عند الإشكال الأوّل على جریان الاستصحاب في الزمان حیث أجبنا عنه بالوحدة العرفیة لقطعات الزمان و هنا أیضاً نقول بالوحدة العرفیة للحركات المتّصلة التدریجیة بل یمكن أن یقال بأنّ الحركة المتّصلة موجودٌ واحد حقیقةً فهي تتّصف بالوحدة عقلاً و عرفاً.

المنشأ الثاني: الشك في المقتضي

و هنا اختلف الأعلام فإنّ المشهور یقولون بجریان الاستصحاب كما هو الصحیح على ما تقدّم بیانه، و خالفهم بعض الأعلام مثل المحقّق النائیني([6] ) فقال بعدم جریان الاستصحاب عند الشك في المقتضي.

و قد مثّل لذلك المحقّق الخوئي بما إذا عُلم بحركة زید من النجف إلى الكوفة و شُكّ في أنّه قاصد للحركة إلیها فقط أو إلى الحلّة أیضاً، فبعد الوصول إلى الكوفة يشك في بقاء الحركة من جهة الشك في المقتضي. ([7] )

و قد تقدّم أنّ الحركة لابدّ أن تكون متّصلة عرفاً و الاتّصال المذكور فیما فرضنا استقراره في الكوفة و سكونه فیها قبل الحلّة ممنوع. نعم القعود بقدر رفع التعب و النزول في المنازل غیر قادحٍ بالاتّصال عرفاً.

المنشأ الثالث: العلم بارتفاع المقتضي و الشك في حدوث مقتض جدید

و هنا أیضاً اختلفوا في جریان الاستصحاب، فقال المحقّق النائیني بعدم الجریان و قال بعضهم مثل المحقّق الخوئي بجریانه.

 


[1] مصباح الأصول( مباحث حجج و امارات- مكتبة الداوري)، الواعظ الحسيني، السيد محمد؛ تقرير بحث السيد أبو القاسم الخوئي، ج2، ص124.. «هذه الوجوه التي ذكرها هؤلاء الأعلام لا‌تفيد في دفع الإشكال، فلا‌بدّ من بيان وجه آخر و هو يحتاج إلى ذكر مقدمة و هي أن الموضوع المركب على قسمين: فتارة يكون الموضوع مركباً من المعروض و عرضه ... و أخرى يكون الموضوع مركباً بنحو الاجتماع في الوجود من دون أن يكون أحدهما وصفاً للآخر ... إذا عرفت ذلك فنقول: إن اعتبار الزمان قيداً لشي‌ء من هذا القبيل، فإن معنى الإمساك النهاري هو اجتماع الإمساك مع النهار في الوجود، إذ النهار موجود من الموجودات الخارجية، و الإمساك عرض قائم بالمكلف، فلا معنى لاتّصاف أحدهما بالآخر، فإذا شك في بقاء النهار يكفي جريان الاستصحاب فيه بنحو مفاد كان التامة، و لا‌يكون من الأصل المثبت في شي‌ء ... فالمتحصّل مما ذكرناه في المقام صحة جريان الاستصحاب في الزمان مطلقاً»
[2] أجود التقريرات، الخوئي، السيد أبوالقاسم، ج2، ص402.
[3] أجاب بعض الأساطين في المغني في الأصول، ج2، ص12 بوجهين عن الإشكال:«الأوّل: إن الزمان واحد عرفاً و إن لم‌يكن كذلك بالدقّة العقلية و الأحكام مبنية على النظر العرفي فنجري الاستصحاب عند الشك في البقاء.الثاني: إنّ الزمان بالنظر العقلي أيضاً موجود واحد أخذ في ذاته التصرّم و التصرّم في الذات يستحيل أن يزيلها، فنحن نتيقن بوجود هذا الموجود المتصرّم بالذات و نشكّ في بقائه، فنجري فيه الاستصحاب لتمامية أركانه من اليقين السابق و الشك اللاحق فنستصحب الزمان إذا كان شرطاً في موضوع الحكم و نرتّب عليه الأثر، فنستصحب بقاء النهار إذا شككنا في انقضائه و دخول الليل».و أجاب السيد الصدر. في بحوث في علم الأصول، ج6، ص269 بوجهين عقلي و عرفي فقال: «أمّا عقلًا فلما يبرهن عليه في الحكمة من استحالة أن يكون الزمان مجموعة تجددات و حدوث بعد حدوث فإنه يلزم منه امّا القول بالجزء الذي لا‌يتجزأ أو القول بانحصار ما لا نهاية له بين حاصرين و كلاهما محال.و أمّا عرفاً- و الّذي هو المهم في المقام- فباعتبار أنّ العرف يرى الزمان أمراً واحداً له حدوث و بقاء و زوال، فالنهار مثلًا الذي هو اسم لقطعة معينة من الزمان يفهمه العرف بما أنه أمر يتحقق منذ تحقق أول آن من آناته و يبقى إلى أن ينصرم آخر أجزائه و هو يرى الاتّصال بين هذه الآنات بحيث يعتبرها و يراها شيئاً واحداً يوجد بهذا النحو من الوجود فلا‌يكون كلّ آن جزئيا و فرداً مستقلًا للنهار ليكون من القسم الثالث للكلي و لا كلّ آن جزء في مجموعة كلها تسمّى بالنهار لكي لا‌يصدق النهار إلّا بعد تحققها جميعاً، بل نسبة الزمان إلى الآنات نسبة الشي‌ء إلى اجزائه و لكن بنحو يختلف عن الكلّ و الجزء في الأمور القارّة و التي لا‌يوجد الكلّ إلّا بعد تحقق جميع الأجزاء لأنّ هذا الوجود متحرك و مرن بطبعه فهو يوجد حقيقة بالجزء الأول و يبقى واحداً و متصلًا و ممتداً حتى ينتهي آخر الأجزاء، و بهذا الاعتبار يكون استصحاب الزمان جارياً لانحفاظ الوحدة المعتبرة في صدق نقض اليقين بالشك فإنّ الميزان في ذلك بالمتفاهم العرفي فحتى إذا قلنا بعدم الوحدة و الاتصال عقلًا- و لا‌نقول به- كفانا الوحدة بحسب النظر العرفي، و الدليل على الوحدة عرفاً ما نلاحظه من تسمية العرف و تقطيعه للزمان إلى قطعات متعددة لكل قطعة منها وجود و بقاء و انقضاء على حدّ الأمور القارّة»
[4] . على ما ذكره المحقق النائیني راجع أجود التقريرات، الخوئي، السيد أبوالقاسم، ج2، ص402..: «أما المقام الثاني فتوضیح الحال فیه إن الشك في بقاء الزماني الذي تتقوّم حقیقته بالانصرام و التقضي ... إنما ینشأ من أمور ثلاثة: الأول: أن یشك في بقائه لاحتمال وجود الرافع بعد إحراز المبدأ الذي اقتضی وجوده من أول الأمر ... الثاني: أن یشك في بقائه لعدم إحراز مقدار المبدأ المقتضي لوجوده ... الثالث: أن یعلم انتهاء اقتضاء المبدأ الأول و لکن احتمل وجود مبدأ آخر مقتضٍ للوجود ثانیاً ...»
[5] هذا المثال مذكور في مصباح الأصول( مباحث حجج و امارات- مكتبة الداوري)، الواعظ الحسيني، السيد محمد؛ تقرير بحث السيد أبو القاسم الخوئي، ج2، ص127..قال: «کما إذا علمنا بکونه قاصداً للحلّة و لکن لا‌ندری إنه هل عرض له مانع أم لا»
[6] . أجود التقريرات، الخوئي، السيد أبوالقاسم، ج2، ص403.:: «و أما القسم الثاني فجریان الاستصحاب و عدمه فیه مبني على ما تقدم من اعتبار إحراز المقتضي في جریانه و عدمه».
[7] مصباح الأصول( مباحث حجج و امارات- مكتبة الداوري)، الواعظ الحسيني، السيد محمد؛ تقرير بحث السيد أبو القاسم الخوئي، ج2، ص127.