بحث الأصول الأستاذ محمدعلي البهبهاني

46/04/23

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: الأصول العملية/أصالة الاستصحاب /التنبیه الرابع؛ المقام الأول؛ الإشکال الثاني

 

جواب المحقق النائیني عن هذا الإیراد

«إنّ استصحاب الزمان و إن لم‌یترتّب علیه إحراز وقوع الفعل في النهار مثلاً إلا أنّ استصحاب الوجوب یكفي في ذلك، و ذلك لأنّ استصحاب الزمان لایترتّب علیه إلا ما هو أثره شرعاً، و من المفروض أن لیس له أثر إلا بقاء وجوب الصلاة و أمّا وقوع الصلاة في النهار فهو من آثار بقائه عقلاً لا شرعاً و هذا بخلاف استصحاب وجوبها، فإنّ معنی التعبّد ببقاء الوجوب فعلاً هو التعبّد ببقائه بجمیع خصوصیاته التي كان علیها، و من المفروض أنّ الوجوب السابق إنّما كان متعلّقاً بما إذا أتی به كان واقعاً في النهار فالآن یستصحب ذلك الوجوب على النحو الذي كان سابقاً.

و بالجملة خصوصیة الظرفیة إنّما تنتزع من وقوع العبادة في زمانٍ، فإذا أدرجنا منشأ الانتزاع الذي هو متعلّق الوجوب في المستصحب فلا‌نحتاج إلى إحراز الظرفیة بأمر آخر، بل یكفي في إثبات التقید استصحاب نفس الوجوب المتعلّق بالعبادة على النحو الذي كان متعلّقاً بها سابقاً»([1] [2] ).

یلاحظ علیه

إنّ استصحاب الحكم فیما إذا شككنا في بقاء الموضوع أو تحقّق قیوده لایوجب إحراز بقاء الموضوع أو قیوده. نعم إنّ بقاء الحكم الشرعي بالاستصحاب التعبّدي یلزمه عقلاً ذلك، لأنّ وقوع متعلّق الحكم في ظرف النهار من اللوازم العقلیة لبقاء الحكم و استصحاب الحكم بالنسبة إلیه أصل مثبت و مثال ذلك هو استصحاب طهارة الماء الذي لاقی النجاسة و كان كرّاً سابقاً و شككنا في بقاء كرّیته، فإنّ بقاء طهارته تعبّداً لیس بمعنی بقاء كرّیته فاستصحاب الطهارة هنا لایوجب إحراز الكرّیة شرعاً، فلا‌بدّ في إحراز الكریّة من الاستصحاب الموضوعي و هو استصحاب الكرّیة فإنّ استصحاب الطهارة بالنسبة إلى بقاء كرّیته أصل مثبت.

التحقیق في الجواب عن الإیراد الثاني

إنّ مراد الشیخ الأنصاري من استصحاب الحكم هو أنّه إذا لم‌یمكن إثبات وقوع الإمساك في النهار باستصحاب بقاء النهار لمثبتیته، فلا‌بدّ من استصحاب بقاء الحكم بوجوب الإمساك و إن لم‌یثبت أنّه واقع في النهار و معنی ذلك هو أنّ وظیفة المكلّف هو الإمساك فیما شك في بقاء النهار، و لیس مراده إثبات وقوع الإمساك في النهار و إحراز ذلك من استصحاب بقاء الحكم.([3] [4] )

الاتّجاه الثالث: من صاحب الكفایة

قال: «أمّا الفعل المقید بالزمان ... فإن كان [الشك في حکمه] من جهة الشك في بقاء القید، فلا بأس باستصحاب قیده من الزمان كالنهار الذي قیّد به الصوم مثلاً، فیترتّب علیه وجوب الإمساك و عدم جواز الإفطار ما لم‌یقطع بزواله، كما لا بأس باستصحاب نفس المقیّد، فیقال: إنّ الإمساك كان قبل هذا الآن في النهار و الآن كما كان فیجب فتأمّل»([5] ).

هذا صریح كلام صاحب الكفایة فظهر أنّ ما جاء في مصباح الأصول من أنّه «عدل صاحب الکفایة عن جریان الاستصحاب في الزمان و عن جریانه في الحكم إلى جریانه في فعل المكلّف المقید بالزمان»([6] [7] ) غیر صحیح، فإنّ صاحب الكفایة لم‌یعدل عن استصحاب الزمان بل قال بأنّ كلا الاتّجاهين صحیح.

نعم، إنّ القول باستصحاب فعل المكلّف المقید بالزمان أولى من استصحاب الحكم؛ لأنّ استصحاب الحكم لایوجب إحراز وقوع الإمساك في النهار بخلاف استصحاب فعل المكلّف المقیّد بالزمان فإنّه یوجب إحراز وقوع الإمساك في النهار.

إیراد المحقّق الخوئي علی الاتّجاه الثالث

«هذا الاستصحاب و إن كان جاریاً في مثل الإمساك، إلا أنّه غیر جار في جمیع موارد الشك في الزمان، فإنّه من أخّر صلاة الظهرین حتّی شك في بقاء النهار، لایمكنه إجراء الاستصحاب في الفعل، بأن یقال: الصلاة قبل هذا كانت واقعة في النهار و [هي] الآن كما كانت إذ المفروض أنّ الصلاة لم‌تكن موجودة إلى الآن»([8] ).

الجواب عن إیراد المحقّق الخوئي

یمكن استصحاب فعل المكلّف المقیّد بالزمان في تلك الموارد مثل صلاة الظهرین على نحو الاستصحاب التعلیقي فیقال: لو أتی بالصلاة قبل هذا لكانت واقعة في النهار فالآن كما كانت.

مناقشة المحقّق الخوئي في هذا الجواب ([9] )

أوّلاً: إنّ الاستصحاب التعلیقي لایصحّ جریانه في نفسه و ثانیاً: إنّ جریان هذا الاستصحاب مختصّ -عند القائلین به- بما إذا كان المستصحب من الأحكام فلا‌یجري في الموضوعات.([10] )


[1] أجود التقريرات، الخوئي، السيد أبوالقاسم، ج2، ص401.
[2] أصول الفقه، الحلي، الشيخ حسين، ج9، ص400.. «الجواب عن الإشكال الثاني لا‌يخلو من تأمّل، لأنّ حدود متعلّق التكليف لا‌تدخل في المستصحب الذي هو نفس التكليف، و لو سلّمنا دخول حدود متعلّق التكليف في الوجوب المستصحب، بأن قلنا إنّ المتيقّن السابق هو الوجوب المتعلّق بالصوم الواقع في النهار، و هذا المتيقّن برمّته نستصحبه و نجرّه إلى حالتنا الفعلية التي هي حالة الشكّ في بقاء النهار، لم‌يندفع الإشكال المزبور، فإنّ استصحاب الوجوب المتعلّق بالصوم المظروف للنهار لا‌يحقّق لنا أنّ صومنا في هذا الآن المشكوك هو صوم في النهار، و ذلك نظير ما لو كان يجوز أكل ذلك الحيوان الذي كان موجوداً في الغرفة لكونه من الغنم، لكن احتملنا زوال ذلك الحيوان و وجود الأرنب مكانه، فإنّ استصحاب جواز أكل ذلك الحيوان الموجود لا‌ينقّح لنا أنّ هذا الموجود من الغنم يجوز أكله»
[3] قال المحقق الحكيم في مستمسك العروة الوثقى، الحكيم، السيد محسن، ج8، ص394..: «هذا و لو فرض تحكّم الإشكال المذكور أمكن الرجوع - في إثبات وجوب الصوم في الزمان المشكوك كونه قبل الغروب أو بعده - إلى استصحاب نفس الوجوب، فيقال: كان الصوم واجباً، فهو على ما كان. و لا‌يقال عليه: إن المعلوم الثبوت سابقاً هو وجوب الصوم في النهار، و المقصود إبقاؤه هو وجوب نفس الصوم، فيكون المشكوك غير المتيقن، و هو مانع من جريان الاستصحاب لاعتبار اتحاد القضية المعلومة و المشكوكة في جريانه. لأنه يقال: هذا المقدار من الاختلاف إنما يقدح بناء على اعتبار الاتّحاد بينهما بحسب لسان الدليل. و أما بناء على اعتباره بحسب نظر العرف فلا إشكال فيه، كما أوضحناه فيما علقناه على مباحث الاستصحاب من الكفاية، فراجع»
[4] قال الشیخ حسين الحلي) في أصول الفقه، الحلي، الشيخ حسين، ج9، ص401..: «يمكن التأمّل فيه، من جهة أنّه لم‌يكن الإشكال من ناحية أنّ المعلوم سابقاً هو وجوب الصوم في النهار، و أنّ المقصود إبقاؤه هو وجوب نفس الصوم، ليجاب عنه بالتسامح العرفي المذكور، بل إنّ منشأ الإشكال هو أنّ المطلوب إحراز كون صومنا الفعلي صوماً في النهار، بناءً على اعتبار الظرفية في المتعلّق، كما قرّره في الصفحة السابقة، فلاحظ.و الحاصل: أنّ هذه الجملة إنّما تقال في قبال من يريد إثبات وجوب نفس الصوم فعلًا استناداً إلى أنّ الوجوب كان متعلّقاً بالصوم في النهار، فيورد عليه باختلاف المتيقّن مع المشكوك، فإنّ المتيقّن السابق هو وجوب الصوم في النهار و المشكوك هو وجوب نفس الصوم فعلًا، لا وجوب الصوم في النهار، لعدم إحراز كون الآن الحاضر نهاراً، أو لإحراز انقضاء النهار و الشكّ في بقاء وجوب الصيام بعده، كما سيأتي التعرّض له في من علم بوجوب القيام عليه نهاراً و قد انقضى النهار و لكنّه يحتمل بقاء وجوب القيام عليه في الليل أيضاً. و حينئذٍ يمكن الجواب عن هذا الإيراد: بأنّ المدار في الاتّحاد على النظر العرفي.أمّا من يريد من استصحاب وجوب الصوم في النهار إثبات وجوب الصوم في هذا الآن المشكوك كونه نهاراً، و أنّه بذلك يحرز القيد في هذا الصوم و هو كونه في النهار، فمن الواضح أنّ هذه الجهة لا‌يصلحها التسامح العرفي و أنّ الاتّحاد المعتبر إنّما هو بالنظر العرفي لا بالنظر إلى لسان الدليل». ثمّ ذكر ما أشار إليه المحقق الحكيم في شرح الكفاية و النقاش فيه فراجع
[5] كفاية الأصول - ط آل البيت، الآخوند الخراساني، ج1، ص409.
[6] . مصباح الأصول (ط.ق): ج2، ص124و (ط.ج): ج3، ص148.
[7] مصباح الأصول( مباحث حجج و امارات- مكتبة الداوري)، الواعظ الحسيني، السيد محمد؛ تقرير بحث السيد أبو القاسم الخوئي، ج2، ص124.
[8] المصدر السابق.
[9] مصباح الأصول( مباحث حجج و امارات- مكتبة الداوري)، الواعظ الحسيني، السيد محمد؛ تقرير بحث السيد أبو القاسم الخوئي، ج2، ص124..: «الاستصحاب التعليقي مع عدم صحّته في نفسه مختص عند قائله بالأحكام، فلا‌يجري في الموضوعات»
[10] قال بعض الأساطين. في الإيراد على هذا الاتجاه في المغني في الأصول، ج2، ص11: «مخدوش، لأنّ ما هو موجود في الخارج من الحركة هو الحدوث بعد العدم في كلّ آنٍ، فهناك حدوثات بعد العدمات، و الحدوث بعد العدم ليس له بقاء ليستصحب، لأنّ صدق نقض اليقين بالشك في الشيء متوقف على تصوّر البقاء فيه. نعم في الذهن و الخيال توجد صورة لأمر مستمرّ، كتصوّر الدائرة الجوّالة من الشعلة المتحرّكة»