46/04/22
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: الأصول العملية/أصالة الاستصحاب /التنبیه الرابع؛ المقام الأول؛ الإشکال الثاني
الإشكال الثاني في جریان الاستصحاب في الزمان
إنّ عنوان الزمان مثل اللیل و النهار بناءً على جریان الاستصحاب فیه، لایثبت أنّ الجزء المشكوك من اللیل أو النهار مثلاً لأنّه أصل مثبت، فإنّ جریان الاستصحاب في مفاد كان التامّة بالنسبة إلى مفاد كان الناقصة أصل مثبت.([1] )
اتجاهات أربعة لحلّ الإشكال الثاني
إنّ بعض الأعلام خضعوا للإشكال و سلكوا طریقاً آخر لجریان الاستصحاب مثل استصحاب الحكم أو استصحاب فعل المكلّف، و في قبالهم البعض الآخر منهم حاولوا حلّ الإشكال من رأسه، فلابدّ من بیان هذه الاتجاهات.
الاتجاه الأوّل
إنّ الإشكال الثاني لایرد على استصحاب الزمان في جمیع الموارد بل الإشكال ینحصر فیما كان الزمان ظرفاً لمتعلّق التكلیف، كما لو أمر المولى بالإمساك عن الطعام في النهار و شككنا في بقاء النهار، فإنّ استصحاب الزمان و هو النهار في المثال المذكور لایثبت تحقّق الإمساك في النهار، لأنّ استصحاب النهار بنحو مفاد كان التامّة بالنسبة إلى وقوع الإمساك في النهار الذي مفاده كان الناقصة، أصل مثبت فإنّ وقوع الإمساك في النهار بالنسبة إلى وجود النهار من اللوازم العقلیة و الاستصحاب لیس بحجّة فیها فالإشكال الثاني یجري في هذا المثال.
أمّا إذا كان الزمان شرطاً للحكم الشرعي التكلیفي أو الوضعي فلا مانع من جریان الاستصحاب فیه، فإنّ الإشكال الثاني لا مورد له فیما كان الزمان شرطاً للحكم الشرعي.
و نتیجة ذلك هو أنّ الإشكال الثاني لایمنع من جریان الاستصحاب في الزمان مطلقاً بل جریانه فیه في بعض الموارد لا حاصل له إلا على القول بالأصل المثبت. و هذا الاتّجاه متّخذ من كلام المحقّق النائیني ([2] ) و له اتّجاه آخر سیأتي إن شاء الله تعالى ([3] ).
الاتّجاه الثاني: من الشیخ الأنصاري
قال: «الأولى التمسّك في هذا المقام باستصحاب الحكم المرتّب على الزمان لو كان جاریاً فیه، كعدم تحقّق حكم الصوم و الإفطار عند الشك في هلال رمضان أو شوّال»([4] ).
أي لایجب الصوم عند الشك في هلال شهر رمضان و لایجب الإفطار عند الشك في هلال شوال.([5] )
إیرادان من المحقق النائیني علی الاتجاه الثاني
إن المحقّق النائیني قد أورد علیه إیرادین في الدورة السابقة و أجاب عنهما في الدورة اللاحقة التي قرّرها المحقق الخوئي في أجود التقریرات.
الإیراد الأوّل
«إنّ التمسّك بالاستصحاب الحكمي مع الشك في بقاء موضوعه - و هو الزمان في المثال المزبور- ممّا منع عنه و سنبرهن علیه فیما یأتي إن شاء الله تعالى، فإذا لمیمكن إجراء الاستصحاب في نفس الموضوع، لایمكن إجراء الاستصحاب في الحكم أیضاً»([6] ).
جواب المحقق النائیني عن الإیراد الأول
«إنّ الشك في بقاء الموضوع الذي یمنع عن الرجوع إلى الأصل الحكمي هو الشك في بقاء ما یكون نسبة الحكم إلیه نسبة العرض إلى محلّه، كوجود المكلّف مثلاً، و من المعلوم أنّ الزمان و إن كان من قیود الواجب إلا أنّ نسبة الحكم إلیه لیست نسبة العرض إلى محلّه، فإذا ثبت الحكم في زمان فشك في بقائه للشك في بقاء الزمان الذي أخذ قیداً فیه، فلا مانع من استصحابه و التعبّد ظاهراً ببقائه، و أین هذا من التعبّد ببقاء حكم لموضوع مشكوك الوجود الذي هو كالتعبّد بوجود العرض من دون إحراز موضوعه»([7] ).
الإیراد الثاني
«إنّ استصحاب وجوب الصلاة مثلاً إن ترتّب علیه إحراز وقوعها في النهار الذي أُخذ قیداً في الواجب، فیكفي في إثباته جریان الاستصحاب في نفس الزمان الذي أُخذ شرطاً و موضوعاً للوجوب، و إن لمیترتّب علیه ذلك، فما الفائدة فیه؟ لأنّ المفروض عدم إحراز تحقّق الامتثال على كلّ تقدیر، و على ذلك فتنحصر موارد جریان الاستصحاب في الزمان بما إذا كان مأخوذاً شرطاً للحكم من دون أن یكون له دخل في متعلّق التكلیف أصلاً، فتقلّ فائدة جریانه فیه جدّاً»([8] [9] ).
بیان المحقق الخوئي لهذا الإیراد
قد اعتمد المحقّق الخوئي على هذا الإیراد فقال: «إنّ استصحاب الحكم إن كان یمكن به إثبات أنّ الإمساك واقع في النهار، فیمكن إثباته باستصحاب الزمان، لأنّه باستصحابه یترتّب الحكم و هو الوجوب، و بإثباته یثبت أنّ الإمساك واقع في النهار على الفرض، فلانحتاج إلى العدول إلى جریان الاستصحاب في الحكم، بل لایصحّ جریانه فیه، لأنّ الشك فیه مسبّب عن الشك في الزمان و جریان الاستصحاب فیه یرفع الشك في الحكم. و إن كان استصحاب الحكم لایمكن إثبات وقوع الإمساك في النهار به، لكونه من الأصل المثبت، لأنّ بقاء النهار لازم عقلي لبقاء وجوب الإمساك الواقع في النهار بمعنی أنّ العقل یحكم بعد أمر المولى بوجوب الإمساك الواقع في النهار بأنّ النهار باقٍ لامحالة، فالعدول [عن استصحاب الزمان إلى استصحاب الحكم] غیر مفید في دفع الإشكال»([10] ).