46/04/18
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: الأصول العملية/أصالة الاستصحاب /التنبیه الثالث؛ المقام الثاني؛ القسم الرابع
القسم الرابع من استصحاب الكلي
الكلّي في هذا القسم كان موجوداً سابقاً في ضمن الفرد الأوّل و في ضمن عنوان نحتمل انطباقه على الفرد الأوّل كما نحتمل انطباقه على فرد آخر حتّی یكون فرداً ثانیاً للكلّي، ثم علمنا بارتفاع الفرد الأوّل فشككنا في بقاء الكلّي بالعنوان الذي نحتمل انطباقه على الفرد الأوّل أو على فرد آخر.([1] )
و الظاهر جریان الاستصحاب في هذا القسم لتمامیة أركانه فیه، لأنّ الكلّي كان موجوداً سابقاً بالقطع و الیقین أمّا الآن فهو مشكوك البقاء، للعلم بوجود الكلّي في ضمن العنوان الذي لانعلم ارتفاعه لاحتمال انطباقه على فرد آخر غیر الفرد الأوّل.([2] [3] [4] [5] [6] )
مثالان لهذا القسم من المحقّق الخوئي
المثال الأول
ما إذا علمنا بوضوءین و بتحقّق الحدث و علمنا بأنّ الوضوء الأوّل كان قبل الحدث فالطهارة الحاصلة بالوضوء الأوّل ارتفعت بالحدث و لكن لاندري أنّ الوضوء الثاني كان قبل الحدث حتّی یكون عنواناً منطبقاً على الطهارة السابقة التي ارتفعت بالحدث أو كان بعد الحدث حتّی یكون عنواناً منطبقاً على طهارة لاحقة، و حینئذٍ نحن كنّا على الطهارة المتیقّنة سابقاً و نشك في الطهارة الآن. و بعبارة أخری: علمنا بطهارتنا حین الوضوء الثاني و نشك في ارتفاعها.
المثال الثاني
استصحاب بقاء الجنابة فیما إذا علم بالجماع مرّتین و علم بتحقّق غسل واحد و یعلم أیضاً بأنّ الجماع الأوّل كان قبل الاغتسال و لایدري أنّ الجماع الثاني هل كان قبله حتّی یكون عنواناً للجنابة التي ارتفعت بالاغتسال أو كان بعده حتّی یكون عنواناً لفرد آخر من الجنابة، فهو یعلم بجنابته حین الجماع الثاني و یشك في ارتفاعها فهنا یجري استصحاب الجنابة. ([7] )
یلاحظ علیهما
إنّ الأمثلة المذكورة تفترق عن القسم الرابع في أنّ كلّي الطهارة في المثال الأوّل على فرض استصحابها لیس بقاءً لكلّي الطهارة السابقة، بل الطهارة السابقة مرتفعةً بالحدث قطعاً و إنّما الشك في حدوث طهارة جدیدة بالوضوء الثاني لاحتمال وقوعه بعد الحدث.
و حینئذٍ یقال بأنّ المكلّف كان متطهّراً سابقاً و قد ارتفعت تلك الطهارة السابقة المسبّبة عن الوضوء الأوّل بالحدث فصار محدثاً بالقطع و الیقین، أمّا الوضوء الثاني فقد نحتمل سبقه على الحدث حتّی یكون تجدیداً للطهارة السابقة كما نحتمل وقوعه بعد الحدث حتّی یكون سبباً لطهارة لاحقة، فالحالة السابقة للمكلّف هي كونه محدثاً فشك في حدوث الطهارة الجدیدة فاستصحاب كونه محدثاً جارٍ.
نعم هذا الاستصحاب یعارض استصحاب طهارته حین الوضوء الثاني حیث إنّه یشك في زوال هذه الطهارة بالحدث فیستصحب بقاؤها.
قد یقال: استصحاب الطهارة المسبّبة عن الوضوء الثاني من قبیل القسم الثاني من الكلّي ، لأنّ هذه الطهارة مردّدة بین فردین، أحدهما مقطوع الارتفاع و هو الفرد الذي كان سابقاً على الحدث و ثانیهما مقطوع البقاء و هو الفرد الذي تحقّق بعد الحدث.
فالوضوء الثاني سبب للطهارة إمّا طهارة تجدیدیة و إمّا طهارة جدیدة فهي مردّدة بین هذین الفردین، و الفرد الأوّل (و هو الطهارة التجدیدیة التي تؤكّد الطهارة الأولى و یكون وضوءه نوراً على نور) على فرض تحقّقه مقطوع الارتفاع و الفرد الثاني (و هو الطهارة الجدیدة الحادثة بعد الحدث) على فرض تحقّقه مقطوع البقاء.
فعلى هذا استصحاب القسم الثاني من الكلّي یقتضي استصحاب كلّي الطهارة الأعمّ من أن تكون تجدیدیة أو جدیدة، و من جانب آخر إنّ المكلّف محدث بالحدث الواقع بعد الوضوء الأوّل و نشك في ارتفاع الحدث بالوضوء الثاني فالاستصحاب یقتضي الحكم ببقاء الحدث فیقع التعارض بین استصحاب الطهارة و استصحاب الحدث و هذا الاستصحاب (أي استصحاب الطهارة) أسوأ حالاً من استصحاب الكلّي القسم الثالث من النوع الأوّل و الثاني، حیث أنّ الفرد الثاني في النوعین الأوّلین منه على فرض تحقّقه یكون إمّا مقارناً لحدوث الفرد الأوّل كما في النوع الأوّل من استصحاب الكلّي القسم الثالث و إمّا مقارناً لارتفاع الفرد الأوّل كما في النوع الثاني منه و لكن الطهارة في مثالنا هذا على فرض تحقّقها تكون حادثة بعد ارتفاع الفرد الأوّل.
ثم إنّه یقع الكلام في مقتضى القاعدة بعد تعارض الاستصحابین و تساقطهما قال المحقّق الخوئي:
«إذا توضّأ وضوءین و صلّی بعدهما، ثم علم بحدوث حدث بعد أحدهما، یجب الوضوء للصلاة الآتیة، لأنّ الوضوء الأوّل معلوم الانتقاض، و الثاني غیر محكوم ببقائه، للشك في تأخّره و تقدّمه على الحدث. و أمّا الصلاة فیبنی على صحّتها لقاعدة الفراغ»([8] ).
نتیجة البحث في التنبیه الثالث:
إنّ الاستصحاب یجري في الكلّي القسم الأوّل و الثاني، أمّا الكلّي القسم الثالث فلایجري الاستصحاب في النوع الأوّل و الثاني منه بل یجري في النوع الثالث منه أمّا القسم الرابع من الكلّي فیجري الاستصحاب فیه أیضاً.
فما لایجري الاستصحاب فیه من أقسام استصحاب الكلّي هو النوع الأوّل و الثاني من القسم الثالث فقط و یجري في سائر الأقسام منه.