بحث الأصول الأستاذ محمدعلي البهبهاني

46/04/16

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: الأصول العملية/أصالة الاستصحاب /التنبیه الثالث؛ المقام الثاني؛ القسم الثالث

 

القسم الثالث من استصحاب الكلي بأنواعه الثلاثة

النوع الأوّل: هو أن یحتمل بقاء الكلّي بعد العلم بارتفاع الفرد الأوّل الذي هو متیقّن الحدوث، لاحتمال وجود فرد آخر مقارنٍ لوجود الفرد الأوّل.

النوع الثاني: هو أن یحتمل بقاء الكلّي بعد العلم بارتفاع الفرد الأوّل الذي هو متیقّن الحدوث، لاحتمال وجود فرد آخر مقارن لارتفاع الفرد الأوّل.

و النوع الأوّل و الثاني مشتركان في الحكم كما سیأتي و لذا نری بعض الأعلام مثل المحقّق الخوئي لم یفرّق بینهما في الحكم و لم‌یقل بانقسام القسم الثالث إلى نوعین أو ثلاثة أنواع، و لكن الوجه في افتراق النوعین هو التفصیل الذي ذهب إلیه الشیخ الأنصاري من جریان الاستصحاب في النوع الأوّل و عدم جریانه في النوع الثاني كما سیأتي إن شاء الله تعالى.([1] [2] )

النوع الثالث: هو أن یحتمل بقاء الكلّي بعد العلم بارتفاع تلك المرتبة التي كان علیها، لاحتمال بقائه بمرتبة أخری.

البحث في النوع الأوّل

قد اختلف كلمات الأصحاب فیه، فإن الشیخ الأنصاري ذهب إلى جریان الاستصحاب فیه و خالفه صاحب الكفایة و المحقق النائیني و المحقق العراقي و المحقق الإصفهاني و المحقق الخوئي فقالوا بعدم جریان الاستصحاب في النوع الأول.([3] )

استدلال الشیخ الأنصاري علی جریان الاستصحاب فیه

إن الشیخ الأنصاري([4] [5] ) يرى جریان الاستصحاب في النوع الأول و ذلك حيث قال: «... يجري في الأول لاحتمال كون الثابت في الآن اللاحق هو عین الموجود سابقاً، فیتردّد الكلّي المعلوم سابقاً بین أن یكون وجوده الخارجي على نحو لایرتفع بارتفاع الفرد المعلوم ارتفاعه و أن یكون على نحو یرتفع بارتفاع ذلك الفرد، فالشك حقیقة إنّما هو في مقدار استعداد ذلك الكلّي [فیجري استصحاب بقاء استعداده] و استصحاب عدم حدوث الفرد المشكوك لایثبت تعیین استعداد الكلّي»([6] ).

تقریر المحقّق الإصفهاني لنظریة الشیخ الأنصاري

«إنّ مناط صدق الواحد النوعي [و هو الكلّي] على أفراده تقرّر حصّة من الواحد النوعي في مرتبة ذات الفرد، فإذا قطع بوجود فرد، فكما یقطع بوجود حصّة متعیّنة بما هي متعیّنة -و هي الماهیة الشخصیة- فكذا یقطع بوجود ذات الحصّة و بوجود ذلك الواحد النوعي الصادق على الفرد، فالقطع بالفرد و إن كان علّة للقطع بالوجود المضاف إلى ذلك الواحد النوعي، إلا أنّ زوال القطع بالتعیّن و القطع بارتفاعه لایوجب القطع بزوال الوجود المضاف إلى الواحد النوعي، لاحتمال بقائه بالفرد المحتمل حدوثه مقارناً لحدوث ذلك الفرد»([7] ).

إيرادان على استدلال الشیخ الأنصاری

الإيراد الأول: من المحقّق النائیني

«إن الكلي إنما یوجد في الخارج بوجودات متعددة و لیس مجموع الوجودات وجوداً واحداً شخصیاً له، بل هو موجود في كلّ وجودٍ بوجودٍ على حدة، فما هو المتیقّن من الوجودات متیقّن الارتفاع، و ما هو مشكوك البقاء مشكوك الحدوث.

و لو تنزّلنا عن ذلك و بنینا على وحدة الوجود الشخصي للكلّي في الخارج، فلا ریب أنّ ذلك إنّما هو بالنظر الدقیق العقلي، و إلا فبالنظر العرفي تعدّد الوجودات من أوضح البدیهیات، فعدم ترتیب الأثر على وجود الكلّي بعد ارتفاع ما هو متیقّن من الوجود لایكون من باب نقض الیقین بالشك عرفاً، و مع عدمه [أي مع عدم ترتیب الأثر] لایجري الاستصحاب»([8] ).

الإيراد الثاني: من المحقّق الإصفهاني

«إنّ وجود الواحد النوعي وجود بالعرض، و لا‌بدّ من انتهائه إلى ما بالذات و لیس هو إلا الفرد المقطوع به، فما هو موجود بالعرض و یتبع ما هو موجود بالذات یقیناً قد ارتفع یقیناً.

و وجود آخر بالعرض لموجود آخر بالذات مشكوك الحدوث من الأوّل و لیس للواحد النوعي وجود بالذات، و لا وجود بنحو الوحدة بالعرض مع تعدّد ما بالذات إلا على أصالة الماهیة، أو وجود الكلّي بوجود واحد عددي، یكون بوحدته معروضاً لتعیّنات متباینة كما حكاه الشیخ الرئیس عن بعض [و هو الرجل الهمداني ([9] )]»([10] [11] ).

 


[1] أصول الفقه- ط دفتر تبلیغات اسلامی، المظفر، الشيخ محمد رضا، ج2، ص282..: «في جريان الاستصحاب في هذا القسم الثالث من الكلي احتمالات أو أقوال ثلاثة:أ) جريانه مطلقاً. ب) عدم جريانه مطلقاً. ج) التفصيل بين النحوين المذكورين، فيجري في الأول دون الثاني مطلقاً، و هذا التفصيل هو الذي مال إليه الشيخ الأعظم»‌
[2] و في الاستصحاب (السید المحقق السیستاني)، ص424: «المشهور و منهم الشیخ الأنصاري. و أکثر من تأخر عنه عدم جریان الاستصحاب فیه [أي في النوع الثاني] ... إلا أن صاحب الدرر .. ذهب إلى جریان الاستصحاب في الکلي القسم الثالث مطلقاً کما ذهب بعض تلامذته إلى جریان الاستصحاب في بعض أقسامه ...»
[3] ذهب بعض الأساطين. إلى عدم جريان الاستصحاب في القسم الثاني في المغني في علم الأصول، ج1، ص402
[4] و هذا يظهر من المحقق الحائري في درر الفوائد، الحائري اليزدي، الشيخ عبد الكريم، ج2، ص175..؛ لأنه يري جريانه مطلقاً
[5] و هذا يظهر من المحقق الإيرواني أیضاً في نهاية النهاية في شرح الكفاية، الإيرواني، الشيخ علي، ج2، ص194.لأنه يري جريانه مطلقاً.
[6] فرائد الأصول، الشيخ مرتضى الأنصاري، ج3، ص196.
[7] نهاية الدراية في شرح الکفاية - ط قديم، الغروي الإصفهاني، الشيخ محمد حسين، ج3، ص177.
[8] أجود التقريرات، الخوئي، السيد أبوالقاسم، ج2، ص396.
[9] رسائل ابن سينا، ابن سينا، ج1، ص462..و يقول ابن سينا عنه في الرسائل: «... حتى بلغ مدينة همذان، فصادف بها شيخاً كبيراً غزير المحاسن، وافر العلوم متقناً في العلوم الحكميّة و الشريعة السمعية، فاستأنس و استطاب مجاورته، إلا أنه لما استكشف مذاهبه صادفها غريبة، عجيبة، مباينة لما فهم عن الأقدمين ...»
[10] نهاية الدراية في شرح الکفاية - ط قديم، الغروي الإصفهاني، الشيخ محمد حسين، ج3، ص177.
[11] قال بعض الأساطين. في المغني في الأصول، ج1، ص402: «و عمدة ما يرد على الشيخ هو فقد شرط وحدة القضية المتيقنة و المشكوكة في المقام، و هو قوام الاستصحاب؛ فإنه يتقوم بتعلق الیقین حدوث و الشك بقاء بشيء واحد، و ليس الأمر- هنا - كذلك؛ فإن المتيقن هو الكلي المتخصص بخصوصية الأصغر، و المشكوك هو الكلي المتخصص بخصوصية الأكبر، فهو یتیقن بكلي الحدث في ضمن النوم، و هو قد زال قطعة، و يشك في حدوث كلي الحدث في ضمن الجنابة، فالمتيقن غير المشكوك»