الموضوع: الأصول العملية/أصالة الاستصحاب /التنبیه الثالث؛ المقام الثاني؛ القسم الثاني؛ فائدة في جریان استصحاب فرد المردد
إيراد المحقّق الإصفهاني علی جریان استصحاب الفرد المردّد
قال: «إن أرید تیقّن وجود الفرد المردّد، مع قطع النظر عن خصوصیته المفردة له فهو تیقّن الكلّي دون الفرد؛ إذ المفروض إضافة الوجود المتیقّن إلى الموجود به مع قطع النظر عن الخصوصیة المفردة، فلایبقی إلا الطبیعي المضاف إلیه الوجود.
و إن أرید تیقّن الخصوصیة المفردة، التي هي مردّدة بین خصوصیتین، فقد مرّ مراراً أنّ طرف العلم معیّن لا مردّد، و أنّ أحدهما المصداقي لا ثبوت له لا ماهیة و لا وجوداً، فیستحیل تعیّن العلم الجزئي بما لا ثبوت له، و العلم المطلق لایوجد، بل یوجد متشخّصاً بمتعلّقه.
بل المتیقّن هو الوجود المضاف إلى الطبیعي الذي لا علم بخصوصیته، مع العلم بأنّ ما عدا الخصوصیّتین لیس مخصّصاً له، فالجامع الذي لایخرج عن الفردین هو المعلوم و قد مرّ توضیحه مراراً.
و منه تعرف أنّ الإشارة إلى الموجود الشخصي المبهم عندنا المعین واقعاً لایجعل الفرد -بما هو- معلوماً؛ إذ التشخّص الذي هو بعین حقیقة الوجود - لأنّه المتشخّص بذاته المشخّص لغیره- غیر مفید؛ لأنّ المستصحب على أي حال هو الوجود المضاف إمّا إلى الماهیة الشخصیة أو الماهیة الكلّیة.
و لانعني باستصحاب الكلّي استصحاب نفس الماهیة الكلّیة، بل استصحاب وجودها، بل المراد باستصحاب الفرد هنا في قبال الكلّي استصحاب وجود الماهیة الشخصیة.
و المفروض أنّه لا علم بخصوصیتها المشخّصة لها بتشخّص ماهوي، و العلم بأنّ الطبیعي له خصوصیة منطبقة على كلّ من الخصوصیتین، بنحو انطباق مفهوم الخصوصیة على مطابقها لایخرج المعلوم عن الكلّیة إلى الفردیة»([1]
).
و بعبارة أخری: إنّ الوجه في عدم جریان استصحاب الفرد المردّد هو عدم تمامیة أركان الاستصحاب من الیقین بالحدوث و الشك في البقاء.
أمّا الیقین بالحدوث فلأنّ المراد من الیقین بحدوث الفرد إمّا مع عدم لحاظ الخصوصیة المفردة لمجعولیّتها فالیقین حینئذٍ موجود إلا أنّ المتیقّن هو الكلّي و إمّا مع لحاظ الخصوصیة المفردة فهو خلف لأنّ المفروض هو أنّ الخصوصیة المفردة مردّدة و مجهولة فلایكون الفرد مع خصوصیته المفردة متیقّناً بل هو مجهول.
أمّا الشك في البقاء فلأنّ الفرد بلحاظ خصوصیته مردّد بین مقطوع الارتفاع و مقطوع البقاء فلا شك فیه أمّا الفرد بلا لحاظ خصوصیته و إن كان مشكوكاً إلا أنّه لیس بفرد بل هو كلّي.
بیان بعض الأساطین لعدم جریان استصحاب الفرد المردّد
قال بعض الأساطين: «و لتحقيق المسألة بحيث تندفع جميع الإشكالات لابدّ من تحديد المتيقن، و المشكوك، و ما له الأثر، أي لابدّ من تحديد مورد التعبد الاستصحابي، فهو إن كان الفرد المردد، فالمردد - بما هو مردد- لا ذات له، و لا وجود؛ لاستحالة التردد في أي ذات في حدّ ذاتها، و الماهية في حد ماهويتها، وفي جواب ما هو متعينة دائماً حتى في أبهم المبهمات، فالجنس مع أنه مبهم إلا أنه متعين في حد الجنسية، فلا تردد في الحيوانية مثلاً، و هكذا الحال في الوجود؛ فإنه متعين دائماً، و لايتصور التردد فيه.
و إن كان المستصحب هو مفهوم المردد فلا أثر له حتى يستصحب.
و إن كان مرادهم من استصحاب الفرد المردد هو استصحاب الجامع الانتزاعي - في قبال الفرد المردد و الجامع الحقيقي - كعنوان أحدهما، فإنه في أول الوقت يعلم بوجوب إحدى الصلاتين - الظهر أو الجمعة – و بعد أن يصلي الجمعة يشك في بقاء هذا العنوان الانتزاعي، فهو أمر معقول؛ لتعلق العلم بالجامع الانتزاعي، كما في موارد العلم الإجمالي، فلاترد عليه الإشكالات الواردة على الفرد المردد، و لكن يرد عليه:
أولاً: عدم وحدة القضيتين المتيقنة و المشكوكة؛ فإن القضية المتيقنة هي وجوب إحدى الصلاتين، إما الجمعة أو الظهر، و هي التي تعلق بها اليقين، و بعد الإتيان بصلاة الجمعة لاتبقى هذه القضية، أي وجوب إحداهما بنحو الجامع الانتزاعي، فلايمكن أن يقول: أشك في وجوب إما هذه أو تلك، و عليه فلا شك في البقاء.
ثانياً: يشترط في التعبد الاستصحابي أن يكون للمستصحب أثر شرعي، و لا أثر للجامع الانتزاعي، و لميقع موضوعاً للحكم الشرعي في شيء من أبواب الفقه، بل الأثر إما للجامع الحقيقي كالحدث المترتب عليه حرمة مسّ كتابة القرآن مع إلغاء خصوصية الأكبر و الأصغر، و إما للخصوصية كالبول الموجب للوضوء.
و الحاصل: إن كان مرادهم من الفرد المردد هو واقع الفرد المردد فيرد عليه أنه لا يقين بحدوثه، و لا شك في بقائه ، و لا أثر يترتب عليه.
و إن كان مفهومه فلا أثر له.
و إن كان مرادهم به الجامع الانتزاعی فيرد عليه انتفاء وحدة القضية المتيقنة و المشكوكة، و أنه عديم الأثر»([2]
).
فمقتضى التحقیق عدم جریان استصحاب الفرد المردّد.([3]
[4]
[5]
[6]
[7]
[8]
[9]
[10]
)
[2] المغني في الأصول، ج1، ص374.
[3] و استشکل کثیر من الأعلام جریان الاستصحاب في الفرد المردد:
اصول الفقه- ط مكتب الاعلام الاسلامي، المظفر، الشيخ محمد رضا، ج2، ص294.: «قد استقرّ الجواب عند المحققين عن هذه الشبهة على أن هذا الاستصحاب ليس من باب استصحاب الكلي، بل هو من نوع آخر سمّوه استصحاب الفرد المردد، و قد اتفقوا على عدم صحة جريانه، عدا ما نقل عن بعض الأجلّة في حاشيته على كتاب البيع للشيخ الأعظم
.»
[4] حقائق الأصول، الحكيم، السيد محسن، ج2، ص456..: «أما لو كان الأثر للفرد فإن كان ... و إن كان [الشك في بقائه] لتردّده بين فردين كما لو كان إنسان وكيلاً لزيد و لعمرو على الإنفاق على عيالهما ثم علم بموت زيد و بحياة عمرو و قد حضره إنسان واجب النفقة على أحدهما فتردد بين أن يكون عيالاً لزيد و أن يكون عيالاً لعمرو؛ فعلى الأول لايجب عليه إنفاقه عليه لموت معيله، و على الثاني يجب لحياة معيله ففي جواز استصحاب حياة معيله، لإثبات وجوب إنفاقه عليه إشكال و الذي يجري على ألسنة بعض أهل العصر ذلك لاجتماع أركان الاستصحاب فيه من اليقين بالوجود و الشك في البقاء كالكلي المردد بين فردين في القسم الثاني. لكن الظاهر المختار لجماعة من مشايخنا المعاصرين هو المنع»
[7] بحوث في علم الأصول، الهاشمي الشاهرودي، السيد محمود، ج6، ص244.: «و الصحيح: عدم جريانه لعدة مناقشات و نقاط ضعف؛ بعضها يتمّ على بعض المباني و بعضها يتمّ على كل حال، و هي كما يلي:منها: عدم اليقين بالحدوث بالنسبة إلى الفرد، لأنّاليقين الإجمالي قد تعلق بالجامع، و هذه النقطة للضعف يمكن التخلص عنها بأخذ الحدوث موضوعاً أو افتراض مبنى المحقق العراقي
. من أنّ العلم الإجمالي يتعلق بالواقع.و منها: عدم الشك في البقاء، و توضيح ذلك: أنّ استصحاب الفرد في المقام تارة يراد به استصحاب واقع الفرد ...، و أخرى يراد به استصحاب عنوان الفرد ...، فإن أُريد الأول كان من الواضح أنّ واقع الفرد- سواء أُريد به الحصّة أم هي مع المشخصات- لا شك في بقائه بل يقطع بارتفاع أحدهما و يقطع ببقاء الآخر على تقدير حدوثه، ... و إن أريد الثاني، فإذا كان المقصود من إجراء الاستصحاب في عنوان الفرد ترتيب الأثر عليه فالمفروض أنّ هذا العنوان الانتزاعي ليس هو موضوع الأثر الشرعي ليترتّب عليه و لو فرض تمامية أركان الاستصحاب فيه، و إن كان المقصود التعبد ببقاء اليقين به فيكون كالعلم الإجمالي بالجامع الانتزاعي منجزاً، كان الجواب: ... .و منها: لو افترضنا جريان الاستصحاب في أحدهما المردد بالعنوان التفصيلي بان أغمضنا النظر عن إشكال عدم الشك في البقاء و اكتفينا بالحدوث في موضوع الاستصحاب مع ذلك نقول: أنّ النتيجة العلم إجمالًا بثبوت أحد الاستصحابين في العنوانين التفصيليين، إلا أنّ مثل هذا العلم الإجمالي ليس بحجة، لأنّ الأثر المترتب على أحد الفردين و هو الفرد القصير مما يقطع بعدمه فلايكون التعبد الاستصحابي بلحاظه منجزاً، و هذا يعني عدم منجزية مثل هذا العلم الإجمالي بأحد الاستصحابين فيكون جعل مثل هذا التعبد الاستصحابي لغواً و غير معقول.و منها: لو افترضنا جريان الاستصحاب في أحدهما المردد بالعنوان الإجمالي بأن فرضنا منجزية التعبد ببقاء العلم الإجمالي بالجامع لحكم الفرد الطويل بقاءً مع ذلك نقول: أنّ هذا الاستصحاب لايجدي في إثبات التنجيز للأثر المترتب على الفرد الطويل أمّا على مسلك الاقتضاء في منجزية العلم الإجمالي فلأنّ منجزية هذا العلم الإجمالي الاستصحابي فرع عدم جريان الأصل الترخيصي في أحد أطرافه كالعلم الإجمالي الوجداني و في المقام يجري استصحاب عدم الفرد الطويل أو البراءة عن حكمه بلا معارض لأنّ الطرف الآخر- و هو الفرد القصير- لايجري عنه الأصل الترخيصي في نفسه فيكون الأصل الترخيصي عن الفرد الطويل حاكماً على منجزية استصحاب الجامع. و أمّا على مسلك العليّة في منجزية العلم الإجمالي فلوقوع المعارضة بين استصحاب عدم الفرد الطويل بالعنوان التفصيلي و استصحاب الجامع الإجمالي، لأنّ كلًّا منهما يجري في عنوان غير ما يجري فيه الآخر و هما متنافيان و ليس أحدهما رافعاً لموضوع الآخر»
[8] و في قبالهم قال بعض الأعلام بجریان هذا الاستصحاب:منهم السید المحقق الیزدي
و قد مضت نقل عبارته في من حاشيته على المكاسب.مباني الأحكام، ج3، ص105: «لا مانع من استصحاب الفرد المردد بين المقطوع ارتفاعه و بقائه، إذ هو مشكوك البقاء بعنوان الموجود في الآن السابق و إن كان بعنوان زيد مقطوع الارتفاع مثلاً؛ فلو كان شبح خاصّ في الدار و ضرب يده عليه و قال: إن كان هذا في الدار علي أن أتصدّق بدرهم في كل ليلة، ثم علم أنه مردد بين زيد و عمرو، فإن كان الأول فقد خرج من الدار، و إن كان الثاني فقد بقي، فلا مانع من استصحاب خصوص ما وجد أولاً».
[9] مصباح الأصول( مباحث حجج و امارات- مكتبة الداوري)، الواعظ الحسيني، السيد محمد؛ تقرير بحث السيد أبو القاسم الخوئي، ج2، ص110.: «قد أجاب عنه المحقق النائيني
. بجوابين في الدورتين: الجواب الأول: أن الاستصحاب الجاري في مثل العباءة ليس من استصحاب الكلي في شيء، لأن استصحاب الكلي إنما هو فيما إذا كان الكلي المتيقن مردداً ... بخلاف المقام فإن التردد فيه في خصوصية محلّ النجس ... فليس الشك حينئذ في بقاء الكلي و ارتفاعه حتى يجري الاستصحاب فيه، بل الشك في بقاء الفرد الحادث المردد من حيث المكان ... و هذا الجواب غير تامّ، فإن الإشكال ليس في تسمية الاستصحاب الجاري في مسألة العباءة باستصحاب الكلي، بل الإشكال إنما هو في أن جريان استصحاب النجاسة لايجتمع مع القول بطهارة الملاقي لأحد أطراف الشبهة، سواء كان الاستصحاب من قبيل استصحاب الكلي أو الجزئي، فكما أنه لا مانع من استصحاب حياة زيد في المثال الأول، كذلك لا مانع من جريان الاستصحاب في مسألة العباء»
[10] دروس في مسائل علم الأصول، التبريزي، الميرزا جواد، ج5، ص241..: «ما هو الموضوع لجريان الاستصحاب في ناحية الكلي من القسم الثاني من ركني الاستصحاب حاصل في مسألتي حياة زيد أو بقاء الدرهم و تنجس الثوب سمّي الاستصحاب بكون المستصحب كلياً أو فرداً حيث أن المراد من الشك احتمال البقاء فيما أحرز حصوله سابقاً».ص256: «تقدم أنه لا فرق في جريان الاستصحاب بين الكلي من القسم الثاني أو الفرد المردد»