46/04/12
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: الأصول العملية/أصالة الاستصحاب /التنبیه الثالث؛ المقام الثاني؛ القسم الثاني
یلاحظ علیه
إنّ مقتضی الاستصحاب نجاسة هذه العباءة إجمالاً بمعنی أنّ خیطاً منها أو طرفاً من طرفیها محكوم بالنجاسة، لا أنّ كلّ خیوطها و كلا طرفیها نجس، فإنّ ذلك ینافي العلم الوجداني بطهارة سائر خیوطها و بطهارة الطرف الآخر من العباءة.
فلابدّ من التفريق بین العلم التعبّدي الإجمالي بالنجاسة و العلم التعبّدي التفصیلي بها. و بعبارة أخری: هنا فرق بین نجاسة الجزء و نجاسة الكلّ؛ فإنّ نجاسة جزء العباءة معلوم بالعلم التعبّدي الإجمالي و حیث كان موضع النجاسة مجهولاً و مردّداً بین الطرفین تنجّزت النجاسة بالنسبة إلى كلّ أجزاء العباءة و لكن لیس معنی التنجّز هو وجود النجاسة في كلّ أجزاء العباءة تعبّداً بل معناه تنجّز الحكم بالنجاسة فلا نجاسة لكلّ الأجزاء.
و من جهة أخری إنّ تنجّز الحكم بالنجاسة بالنسبة إلى الطرف المغسول قد ارتفع بالعلم التفصیلي الوجداني بالطهارة حیث أنّه غسل الطرف الأسفل من العباءة و علم بطهارة الطرف الأسفل، فهذا الطرف لیس بنجس و النجاسة بالنسبة إلیها غیر منجّزة، فلم یبق إلا الطرف الأعلى ، فإنّه على فرض تنجّسه، یكون الحكم بنجاسته منجّزاً، إلا أنّ غایة ما یقتضیه العلم الإجمالي السابق بنجاسة أحد الطرفین هو تنجیز النجاسة و الاستصحاب یوجب بقاء هذا التنجیز بالنسبة إلى الطرف الأعلى دون الطرف الأسفل فالطرف الأعلى محكوم بالنجاسة تعبّداً و هذا الاستصحاب بالنسبة إلى تحقّق موضوع ملاقاة النجس في ملاقي الطرف الأعلى أصل مثبت.
و نتیجة ذلك هو أنّ استصحاب نجاسة العباءة و إن كان جاریاً في المقام إلا أنّه لاینافي ذلك استصحاب طهارة الملاقي أو استصحاب عدم تحقّق الملاقاة.
و ملخّص القول هو أنّ الشبهة العبائیة تبتني على المنافاة بین استصحاب النجاسة و طهارة الملاقي، فإنّ من یری التنافي المذكور لابدّ له إمّا من رفع الید عن استصحاب نجاسة العباءة كما ذهب إلیه السیّد الصدر و تصوّر أنّ ذلك یكون وجهاً مانعاً عن استصحاب القسم الثاني من الكلّي و إمّا من رفع الید عن قاعدة الملاقي كما ذهب إلیه المحقّق الخوئي. و أمّا المحقّق العراقي فإنّه یری عدم التنافي بین جریان الاستصحاب في نجاسه العباءة و طهارة الملاقي.
و التحقیق یقتضي عدم التنافي بین جریان الاستصحاب في نجاسة العباءة و بین طهارة الملاقي كما أفاده المحقّق العراقي ، و معنی ذلك هو أنّ استصحاب نجاسة العباءة على فرض تحقّق مقتضیه و تمامیة أركانه، لا مانع عنه من جهة المنافاة المذكورة إلا أنّ الكلام في وجود المقتضي لاستصحاب الفرد المردّد، فإنّ بعض الأعلام مثل صاحب العروة قال بجریان الاستصحاب في الفرد المردّد و استنكر ذلك المحقّق الإصفهاني.
فائدة في جريان استصحاب الفرد المردد
بیان المحقّق الطباطبائي الیزدي لجریان هذا الاستصحاب
إنّ السیّد المحقّق صاحب العروة ذهب إلى جریان الاستصحاب في الفرد المردّد حيث قال:
«إنّ التحقیق إمکان استصحاب الفرد الواقعي المردد بین الفردین... و تردّده بحسب علمنا لایضرّ بتیقّن وجوده سابقاً، و المفروض أنّ أثر القدر المشترك أثر لكلّ من الفردین، فیمكن ترتیب تلك الآثار باستصحاب الشخص الواقعي المعلوم سابقاً کما في القسم الأول الذي ذکره في الأصول و هو ما إذا کان الکلي موجوداً في ضمن فرد معین فشك في بقائه حیث أنّه حکم فیه بجواز استصحاب کل من الکلي و الفرد فتدبّر»([1] [2] ).
إیراد المحقق النائیني علی جریان استصحاب الفرد المردّد
قال في أجود التقريرات: «إن الفرد المردد على ما هو عليه من الترديد لايحتمل بقاؤه من جهة العلم بارتفاعه على تقدير فكيف يمكن الحكم ببقائه على ما هو عليه من الترديد لايحتمل بقاؤه من جهة العلم بارتفاعه على تقدير فكيف يمكن الحكم ببقائه على ما هو عليه من الترديد.
نعم لا بأس باستصحاب الكلي الجامع بين الفردين لكنه لايترتب عليه إلا الآثار المشتركة بينهما دون الأثر المختص بأحد الفردين»([3] ).
و قال في أجود التقريرات، متعرّضاً لنظرية صاحب العروة: «إن المراد من استصحاب الفرد المردد إن كان هو استصحاب نفس الموجود الخارجي مع قطع النظر عن كل من الخصوصيّتين فهذا بعينه هو استصحاب وجود الكلي الجامع لا أمر مغاير معه.
و إن كان المراد منه هو استصحاب الفرد على كلّ تقدير فهذا باطل قطعاً لعدم احتمال بقاء الفرد على كل تقدير قطعاً، و إنما المحتمل هو بقاء الكلي الجامع ببقاء الفرد الطويل ليس إلّا فكيف يعقل إجراء الاستصحاب في الفرد على كل تقدير».([4] [5] )