بحث الأصول الأستاذ محمدعلي البهبهاني

46/04/08

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: الأصول العملية/أصالة الاستصحاب /التنبیه الثالث؛ القسم الثاني؛ الاشکال الثالث

 

الإشكال الثالث: (الشبهةالعبائیة)

إنّه قد اشتهر أنّ العلامة السیّد إسماعیل الصدر في أیام زعامة صاحب الكفایة زار النجف الأشرف و أثار شبهة قویة في صحّة جریان استصحاب القسم الثاني من الكلّي و قد أخذ الأعلام بحلّها؛ فقال بعضهم مثل المحقّق النائیني بأنّ تلك الشبهة لم‌تكن من قبیل استصحاب القسم الثاني من الكلّي بل هي من قبیل استصحاب الفرد المردّد و بینهما فرق دقیق، و الأعلام اختلفوا في جریان الاستصحاب في الفرد المردّد فإنّ بعضهم مثل المحقّق النائیني و المحقّق الإصفهاني قالوا بعدم جریانه و هو المشهور و بعض آخر مثل صاحب العروة قالوا بجریانه.([1] )

بیان أصل الشبهة:

لو علمنا بوقوع النجاسة على أحد طرفي العباءة من الأسفل أو الأعلى ، ثم طهّرنا الطرف الأسفل، فطهارة الطرف الأسفل یوجب الشك في بقاء نجاسة العباءة فتكون النجاسة فيها معلومة الحدوث و مشكوك البقاء لاحتمال وقوع النجاسة في الطرف الأسفل الذي طهّرناه، فهنا یجري استصحاب بقاء كلّي النجاسة في العباءة و لازم ذلك هو القول بنجاسة الملاقي لجمیع أطرافها، لأنّه لاقی ما یستصحب نجاسته و هذا مقتضى القول بجریان الاستصحاب في القسم الثاني من الكلّي ، مع أنّ هذا اللازم ممنوع، لأنّه الملاقي للطرفین غیر متنجّس قطعاً. بیانه هو أنّ ملاقاته للطرف الأسفل لا أثر فیها للعلم بطهارته بعد تطهيره لو كان نجساً، فالطرف الأسفل طاهر إمّا بطهارة سابقة أو بطهارة لاحقة بالتطهير المذكور و أمّا ملاقاته للطرف الأعلى فهي أیضاً لاتوجب نجاسته لما تحقّق سابقاً من أنّ ملاقي أحد أطراف الشبهة المحصورة طاهر، للشك في إصابة النجاسة للطرف الأعلى فإنّ الطرف الأعلى مشكوك النجاسة من أوّل الأمر فلا‌بدّ من الحكم بطهارة الملاقي، مع أنّ مقتضى جریان الاستصحاب في القسم الثاني من الكلّي نجاسة الملاقي، فلابدّ من القول ببطلان ذلك و نتیجة ذلك عدم جریان الاستصحاب في القسم الثاني من الكلّي.([2] [3] )

جوابان عن الإشکال الثالث

الجواب الأوّل: من المحقّق النائیني

«إنّ محلّ الكلام في استصحاب الكلّي إنّما هو فیما إذا كان نفس المتیقّن السابق بهویته و حقیقته مردّداً بین ما هو مقطوع الارتفاع و ما هو مقطوع البقاء كالأمثلة المتقدّمة، و أمّا إذا كان الإجمال و التردید في محلّ المتیقّن و موضوعه لا في نفسه و هویته فهذا لایكون من الاستصحاب الکلي بل یکون کاستصحاب الفرد المردد الذي قد تقدم([4] ) المنع عن جریان الاستصحاب فیه عند ارتفاع أحد فردي التردید، فلو علم بوجود الحیوان الخاص في الدار و تردّد بین أن یكون في الجانب الشرقي أو في الجانب الغربي ثم انهدم الجانب الغربي و احتمل أن یكون الحیوان تلف بانهدامه أو علم بوجود درهم خاصّ لزید فیما بین هذه الدراهم العشرة ثم ضاع أحد الدراهم و احتمل أن یكون هو درهم زید أو علم بإصابة العباءة نجاسة خاصّة و تردّد محلّها بین كونها في الطرف الأسفل أو الأعلى ثمّ طهّر طرفها الأسفل، ففي جمیع هذه الأمثلة استصحاب بقاء المتیقّن لایجري، و لایكون من استصحاب الكلّي، لأنّ المتیقّن السابق أمر جزئي حقیقي لا تردید فیه، و إنّما التردید في المحلّ و الموضوع فهو أشبه باستصحاب الفرد المردّد عند ارتفاع أحد فردي التردید و لیس من استصحاب الکلي، و منه یظهر الجواب عن الشبهة العبائیة المشهورة»([5] ).

إیرادان علی الجواب الأول

الإیراد الأول: من المحقّق الخوئي

«هذا الجواب غیر تامّ، فإنّ الإشكال لیس في تسمیة الاستصحاب الجاري في مسألة العباءة باستصحاب الكلّي، بل الإشكال إنّما هو في أنّ جریان استصحاب النجاسة لایجتمع مع القول بطهارة الملاقي لأحد أطراف الشبهة، سواء كان الاستصحاب من قبیل استصحاب الكلّي أو الجزئي، فكما أنّه لا مانع من استصحاب حیاة زید في المثال الأوّل [على ما ذكره المحقّق الخوئي و حیاة الحیوان الخاص في مثال المحقّق النائیني] كذلك لا مانع من جریان الاستصحاب في مسألة العباءة.

و أمّا المثال الثاني فالاستصحاب فیه معارض بمثله، فإنّ أصالة عدم تلف درهم زید معارض بأصالة عدم تلف درهم غیره، و لو فرض عدم الابتلاء بالمعارض لا مانع من جریان الاستصحاب فیه، كما إذا اشتبه خشبة زید مثلاً بین أخشاب لا مالك لها، لكونها من المباحات الأصلیة فتلف أحدها، فتجري أصالة عدم تلف خشبة زید بلا‌معارض».([6] )


[1] الاستصحاب، ص360: «إن السید الیزدي یظهر منه جریان الاستصحاب و یستفاد من بعض عدم الجریان کالمحقق الإصفهاني و العراقي و یستفاد من بعضٍ التفصیل کالمحقق النائیني فإنه ذهب إلى أنه إن کان أحد الفردین مقطوع الارتفاع فلا‌یجری الاستصحاب».المغني في الأصول، ج1، ص367: «و أمّا [الفرد] المردد ففيه بحث، و اختار السيد الفقيه صاحب العروة جريان الاستصحاب فيه، فلا‌بدّ من النظر إلى وجهه في ذلك و يعرف وجه ما أفاده السيد ممّا تعرّض له في حاشيته على المكاسب و كلامه في الوقف...».و سيجيء نقل قول صاحب العروة. و المناقشة فيه، في ص99
[2] نهاية الافكار، العراقي، آقا ضياء الدين، ج3، ص130.: «وهم و دفع: قد يورد على استصحاب الكلي في هذا القسم باستلزامه المصير إلى نجاسة الملاقي لأطراف العلم الإجمالي في فرض وقوع الملاقاة بعد تطهير أحد أطرافه معيناً، كما لو علم بنجاسة أحد جانبي عباءة من الأسفل أو الأعلى فغسل منها جانب معين يحتمل كونه هو الجانب المتنجس ثمّ لاقى بدن المصلى مع الرطوبة كلا من جانبيها المطهر و غير المطهر ... و هذه الشبهة مما أوردها السيد المحقق السيد إسماعيل الصدر. في بعض مجالسه في النجف الأشرف و قد اشتهرت بالشبهة العبائية»
[3] حقائق الأصول، الحكيم، السيد محسن، ج2، ص457. «قد اشتهر أن الوجه في تحرير مسألة استصحاب الفرد المردد أن بعض الأعاظم‌ ورد النجف الأشرف في أيام حياة المصنف [المقصود صاحب الكفاية.] فسأل في بعض مجالسه عن عباءة تنجس جانب منها غير معين و طهر منها جانب معين يحتمل كونه المتنجس فلاقى بدن المصلي كلاً من جانبيها المطهر و غير المطهر ... و اشتهرت هذه المسألة بمسألة العباءة»
[4] قال فيفوائد الاُصول، الغروي النّائيني، الميرزا محمد حسين، ج4، ص126..: «فلا‌يجري استصحاب الفرد المردّد، لأنّ استصحاب الفرد المردّد معناه: بقاء الفرد الحادث على ما هو عليه من الترديد و هو يقتضي الحكم ببقاء الحادث على كلّ تقدير، سواء كان هو الفرد الباقي أو الفرد الزائل، و هذا ينافي العلم بارتفاع الحادث على تقدير أن يكون هو الفرد الزائل، فاستصحاب الفرد المردّد عند العلم بارتفاع أحد فردي الترديد ممّا لا مجال له ...»، و ذكر مثله في نفس المجلد ص411
[5] فوائد الاُصول، الغروي النّائيني، الميرزا محمد حسين، ج4، ص421.
[6] مصباح الأصول( مباحث حجج و امارات- مكتبة الداوري)، الواعظ الحسيني، السيد محمد؛ تقرير بحث السيد أبو القاسم الخوئي، ج2، ص111.