بحث الأصول الأستاذ محمدعلي البهبهاني

46/04/05

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: الأصول العملية/أصالة الاستصحاب /التنبیه الثالث؛ القسم الثاني؛ تقریر آخر لتعارض الأصلین

 

تقریر آخر لتعارض الأصلین المذكور في الجواب الثالث: من المحقّق الإصفهاني

إنّ المحقّق الإصفهاني جعل الكلام تارة في معارضة الأصلین بالنسبة إلى أثر الفرد بما هو و هذا هو ما تقدّم قبل أسطر من التفصیل في التعارض المذكور و قد تبعه في ذلك المحقّق الخوئي، و أخری في معارضة الأصلین بالنسبة إلى أثر الجامع و هو المراد من هذا التقریر للتعارض بین الأصلین، و بیانه أنّه قال([1] ):

«إنّ فرض الكلام في استصحاب الكلّي و في حكومة الأصل في الفرد على الأصل في الكلّي، فلا‌محالة یكون للجامع أثر شرعي، و نسبة كلا الأصلین في نفي الجامع على حدّ سواء و مقتضی التعبّد بهما على الفرض التعبّد بعدم الجامع، مع أنّ ثبوته مقطوع به.

ففیما إذا تردّد أمر الحادث بین أن یكون بولاً او منیّاً یكون للجامع بینهما أثر و هو حرمة مسّ المصحف و لكلّ منهما أثر مخصوص و هو وجوب الغسل للحدث الأكبر، و وجوب الوضوء للحدث الأصغر.

و لخصوص الحدث الأكبر أثر مخصوص، لایقابله فیه الأصغر و هو حرمة اللبث في المسجد، فأصالة عدم الجنابة بالنسبة إلى عدم حرمة اللبث لا معارض لها، و بالنسبة إلى عدم وجوب الغسل لها معارض و هو أصل عدم خروج البول المقتضي لوجوب الوضوء مع أنّ وجوب الغسل أو الوضوء مقطوع به و بالنسبة إلى عدم حرمة مسّ المصحف و هو أثر الجامع بین الأكبر و الأصغر أیضاً یتعارضان للقطع بالحدث المقتضي لحرمة مسّ المصحف»([2] [3] [4] [5] ).

الجواب الرابع: من المحقّق الخراساني و المحقّق الإصفهاني

قال صاحب الكفایة: «إنّ بقاء القدر المشترك إنّما هو بعین بقاء الخاصّ الذي في ضمنه لا أنّه من لوازمه»([6] ).

و قال المحقّق الإصفهاني: «إنّه یتوقف صحّة التوهم المزبور على سببیة وجود الفرد لوجود الكلّي، و ترتّب وجود الكلّي على وجود فرده ترتّب المسبّب على سببه في ذاته و على أن یکون ...([7] ) و کلاهما واضح البطلان و أمّا أصل الترتّب و السببیة و المسببیة فلما هو المعروف من العینیة بین الطبیعي و فرده و أنّ وجوده [أي وجود الكلّي] بعین وجوده [أي بعین وجود فرده] فلا اثنینیّة حتّی یتوهّم السببیة و المسبّبیة.

و أمّا العلّیة بمعنى كون الفرد مجری فیض الوجود بالإضافة إلى الماهیة النوعیة، كالفصل بالإضافة إلى الجنس و كالصورة بالإضافة إلى المادّة، فهي بمعنی لاینافي العینیة في الوجود.

فإنّ ملاك العلّیة هو ملاك العینیة و ذلك لأنّ الموجود بالذات هي الصورة و هي جهة الفعلیة، و الموجود بالعرض هي جهة القوة و هي المادّة، لأنّ التركیب بینهما على التحقیق اتحادي لا انضمامي، و المجعولان بجعل واحد لایعقل أن یستقل كلّ منهما بالوجود، فلا‌محالة یكون المجعول بالذات هو الموجود بالذات، فأحدهما مجعول و موجود بالذات و الآخر مجعول و موجود بالعرض و كلّ مجعول بالذات فاعل ما به الوجود لا منه الوجود بالإضافة إلى المجعول و الموجود بالعرض.

فملاك العینیة و هي وحدة الوجود المنسوب إلى أحدهما بالذات و إلى الآخر بالعرض هو ملاك العلیة كما عرفت.

و هكذا في الماهیة الكلّیة و الماهیة الشخصیة، فإنّ الماهیة الكلّیة اللا‌متعیّنة لایعقل استقلالها بالوجود و المتعیّن موجود و هو اللا‌متعیّن بضمیمة التعیّن تحلیلاً.

فالوجود منسوب إلى الماهیة الشخصیة المتعیّنة بالذات و إلى الماهیة الكلّیة اللامتعیّنة في ذاتها بالعرض، و لكلّ ما بالذات نحو من العلّیة بالإضافة إلى ما بالعرض، من دون تخلّل جعل لیكون أحدهما موجوداً مبایناً مترتّباً على موجود آخر.

و ممّا ذكرنا تبین أنّ القول بكون الفرد علّة للكلّي صحیح على وجه و غیر صحیح على وجه آخر، و أنّ كون الكلّي من لوازم الفرد صحیح على الوجه المزبور لكنه نظیر لوازم الماهیة المجعولة بجعلها، من دون تخلّل الجعل بینهما و أنّ العینیة في الوجود لاتنافي كون الفرد منشأ انتزاع الكلّي.

كما أنّ كلّ ما بالذات بالإضافة إلى ما بالعرض كذلك، و أنّ وجود الكلّي بالذات مبني على القول بتأصّل الماهیة، فإنّه حیث كان مناط التأصّل في نفس ذاتها، و هي واجدة لذاتها و ذاتیاتها، فهي متحصّلة في نفس ذاتها و هذا هو من مفاسد القول بأصالة الماهیة»([8] ).

مناقشة في الجواب الرابع

«إنّ العینیة لاتنفع، بل جریان الاستصحاب في الكلّي على العینیة أولى بالإشكال منه على السببیة»([9] ).

و بعبارة أخری هذا المعنی المذكور لعلّیة الفرد للكلّي و هي ما به الوجود لا منه الوجود كافٍ لحكومة الأصل في ناحیة الفرد على الأصل في ناحیة الكلّي.([10] )


[1] نهاية الدراية في شرح الکفاية - ط قديم، الغروي الإصفهاني، الشيخ محمد حسين، ج3، ص174.
[2] و قد مرّ في هامش قبل اسطر، بأنّ المحقق الخوئي ناقش في الجواب الثالث بأن التعارض ثابت على الوجه الأول –من الوجهین اللذین ذكرهما في مصباح الأصول- لا على الوجه الثاني.و هنا تفصیل آخر و هو التفصیل بین حصول العلم الإجمالي قبل خروج أحد الفردین عن مورد الابتلاء و بعده فالتعارض واقع على الأول بخلاف الثاني ففي فوائد الاُصول، الغروي النّائيني، الميرزا محمد حسين، ج4، ص418.: « ... إنه بمجرد العلم بحدوث أحد الفردين و الشك فيما هو الحادث تجري أصالة عدم‌ حدوث كل منهما و تسقط بالمعارضة و خروج أحد الفردين عن مورد الابتلاء بعد ذلك لا‌يوجب رجوع الأصل في الفرد الباقي». و علّق علیه المحقق الخوئي. فقال: «لا‌يخفى أنه على هذا ينبغي أن يفصل بين ما إذا كان خروج أحد الفردين عن مورد الابتلاء قبل العلم الإجمالي أو بعده، على ما تقدم بيانه في تنبيهات الاشتغال»
[3] و في نهاية الافكار، العراقي، آقا ضياء الدين، ج3، ص124..: «... مع خروج الفرد الزائل عن مورد الابتلاء لا‌يجري فيه الأصل كي يعارض مع الأصل الجاري في الفرد الطويل (و دعوى) أنه بمجرد العلم بحدوث أحد الفردين و الشك فيما هو الحادث تجرى أصالة عدم الحدوث في كلّ منهما فتسقط بالمعارضة (مدفوع) بأنه كذلك إذا كان العلم الإجمالي حاصلاً قبل خروج أحد الفردين عن مورد الابتلاء، لا ما إذا كان حاصلاً بعد تلفه و خروجه عن الابتلاء». و راجع منتهى الأصول (ط.ج): ج‌2، ص581؛ و دروس في مسائل علم الأصول، ج‌5، ص230 و 231؛ منتقى الأصول، ج‌6، ص170
[4] و قال بعضٌ بعدم المعارضة حتی في صورة حصول العلم قبل الخروج عن مورد الابتلاء ففي مجمع الافكار و مطرح الانظار، الآملي، الميرزا هاشم، ج4، ص94..: «إن الاستصحاب في الفرد القصير لا‌يجري حتى يكون معارضاً لأنه أصل تعبدي و يحتاج إلى الأثر و هو مفقود فيه، أما في صورة خروج الفرد القصير عن الابتلاء بعد العلم الإجمالي فعدم الأثر واضح لأن المتوضئ لا‌يحتاج إلى استصحاب الحدث الأصغر لأنه لو كان كان أثره الوضوء و قد تقدم، و هكذا في صورة حصول العلم بعد الخروج عن الابتلاء كما في مثال وجدان رطوبة علم بأنها بول فتوضأ ثم حصل العلم بأنها إما بول أو منيّ فإنه لا تأثير للعلم لأن الفرد خرج عن الابتلاء». و راجع المحصول في علم الأصول، ج‌4، ص108
[5] و قال بعض بالمعارضة حتی في صورة حصول العلم بعد الخروج عن مورد الابتلاء كما في المحكم في أصول الفقه - ط مؤسسة المنار، الحكيم، السيد محمد سعيد، ج5، ص201.
[6] كفاية الأصول - ط آل البيت، الآخوند الخراساني، ج1، ص406.
[7] و عبارته الساقطة: «و على أن يكون هذا الترتب شرعياً، حتى يكون الأصل في السبب، حاكماً على الأصل في المسبب و رافعاً للشك في ترتّبه عليه شرعاً» و عدم ذكرها في المتن لخروجها عما نحن فيه من الجواب.
[8] نهاية الدراية في شرح الکفاية - ط قديم، الغروي الإصفهاني، الشيخ محمد حسين، ج3، ص170.
[9] مصباح الأصول( مباحث حجج و امارات- مكتبة الداوري)، الواعظ الحسيني، السيد محمد؛ تقرير بحث السيد أبو القاسم الخوئي، ج2، ص106.
[10] أورد عليه بعض الأساطين. عليه في المغني في الأصول، ج1، ص388: «و هو غير وارد؛ لأن إشكال العينية يختلف عن إشكال السببية، و قد تقدم الجواب عن إشكال العينية بتصوير إضافتين للوجود: إحداهما للكلي و الأخرى للفرد، و لكلٍّ من الإضافتين حكم كما قام عليه البرهان و الوجدان فراجع.و أمّا هنا فالإشكال هو إشكال الحكومة حتى لو صوّرنا الإضافتين و كون إحداهما متعلقة لليقين و الأخرى للشك فإن الحكومة باطلة لابتنائها غلى السببية و المسببية و هي باطلة بين الكلي و فرده»