الموضوع: الأصول العملية/أصالة الاستصحاب /التنبیه الثالث؛ المقام الثاني؛ القسم الثاني
الجواب الثالث: من المحقّق النائیني
«الشك في بقاء الكلّي لایرتفع بأصالة عدم حدوث الفرد الطویل، فإنّها معارضة بأصالة عدم حدوث القصیر، فیتعارض الأصلان فیرجع إلى استصحاب الكلّي»([1]
[2]
[3]
[4]
[5]
[6]
[7]
).
مناقشة المحقّق الخوئي في الجواب الثالث
«إنّ دوران الأمر بین الفرد الطویل و القصیر یتصوّر على وجهین:([8]
)
الوجه الأوّل: أن یكون للفرد الطویل أثر مختصّ به و للفرد القصیر أیضاً أثر مختصّ به، و لهما أثر مشترك بینهما، كما في الرطوبة المرددّة بین البول و المنيّ، فإنّ الأثر المختص بالبول هو وجوب الوضوء و عدم كفایة الغسل للصلاة و الأثر المختصّ بالمنيّ هو وجوب الغسل و عدم كفایة الوضوء و عدم جواز المكث في المسجد و عدم جواز العبور عن المسجدین، و الأثر المشترك هو حرمة مسّ كتابة القرآن ففي مثل ذلك و إن كان ما ذكره من تعارض الأصول صحیحاً([9]
[10]
)، إلا أنّه لا فائدة في جریان الاستصحاب في الكلّي في مورده، لوجوب الجمع بین الوضوء و الغسل في المثال بمقتضی العلم الإجمالي([11]
[12]
)، فإنّ نفس العلم الإجمالي كافٍ في وجوب إحراز الواقع و لذا قلنا في دوران الأمر بین المتباینین بوجوب الاجتناب عن الجمیع للعلم الإجمالي فهذا الاستصحاب ممّا لایترتّب علیه أثر.
الوجه الثاني([13]
[14]
[15]
[16]
[17]
): أن یكون لهما أثر مشترك و یكون للفرد الطویل أثر مختصّ به فیكون من قبیل دوران الأمر بین الأقلّ و الأكثر، كما في المثال الذي ذكرناه من كون نجس مردّداً بین البول و عرق الكافر فإنّ وجوب الغسل في المرّة الأولى أثر مشترك فیه، و وجوب الغسل مرّة ثانیة أثر لخصوص البول، ففي مثله لو جری الاستصحاب في الكلّي وجب الغسل مرة ثانیة، و لو لمیجر كفی الغسل مرّة، لكنه لایجري لحكومة الأصل السببي علیه، و هو أصالة عدم حدوث البول أو أصالة عدم كون الحادث بولاً، و لاتعارضها أصالة عدم كون الحادث عرق كافر أو أصالة عدم حدوثه، لعدم ترتّب أثر علیها، إذ المفروض العلم بوجوب الغَسل في المرّة الأولى على كلّ تقدیر، فإذاً لایجري الأصل في القصیر حتّی یعارض جریان الأصل في الطویل.
و أمّا إثبات حدوث الفرد الطویل بأصالة عدم حدوث الفرد القصیر فهو متوقّف على القول بالأصل المثبت و لانقول به.
و ملخص الإشكال على هذا الجواب: أنّه في القسم الأوّل، و إن كانت الأصول السببیة متعارضة متساقطة، إلا أنّه لا أثر لجریان الاستصحاب في الكلّي، لتنجّز التكلیف بالعلم الإجمالي، و في القسم الثاني یكون الأصل السببي حاكماً على استصحاب الكلّي و لایكون له معارضٌ، لعدم جریان الأصل في الفرد القصیر، لعدم ترتّب الأثر علیه».([18]
[19]
)
و هذا البیان مأخوذ من كلام المحقّق الإصفهاني حیث قال:
«أمّا المعارضة بینهما [أي بین الأصلین] من الجهة الثانیة [أي بالنسبة إلى أثر الفرد بما هو] فمبنیة على وجود أثر خاصّ لكلّ منهما و عدمه فیتعارضان على الأول لمنافاتهما، للقطع بثبوت أحد الأثرین و لا معارضة على الثاني [أي إذا لمیكن أثر خاص لكلّ منهما بأن كان لأحدهما فقط أثر خاصّ] لعدم المانع من التعبّد بمفاد الأصل»([20]
[21]
[22]
[23]
[24]
[25]
).
[2] ففي
أوثق الوسائل فی شرح الرسائل، التبريزي، الميرزا موسى، ج1، ص490..: «إن الأصل المذكور تعارضه أصالة عدم كون الحادث الأقل بقاء، و هو مستلزم لكون الحادث الأكثر بقاء، و يلزمه بقاء الكلي لامحالة. نعم، غاية ما يترتب على أصالة عدم حدوث الأكثر بقاء عدم تحقق الحصّة الموجودة في ضمنه من الطبيعة من حيث تحققها في ضمنه، فإذا ترتب على عدم وجودها في ضمن هذا الفرد أثر شرعي يترتب عليه بهذا الأصل، إلا أنه لايثبت عدم وجود القدر المشترك بين الأمرين. و مما ذكرناه من المعارضة يظهر وجه إمكان قلب التوهم المذكور على المتوهم، فلاتغفل»
[4] درر الفوائد في الحاشية على الفرائد، الآخوند الخراساني، ج1، ص339. في التعلیقة على قوله
.: «و توهّم عدم جريان الأصل في القدر المشترك»: «... و أما التوهم الثاني فتوضيحه أن الشك في بقائه و ارتفاعه مسبب عن الشك في حدوث ما قطع ببقائه على تقدير وجوده و الأصل عدم حدوثه، و معه لا مجال لاستصحاب بقائه لما تقرّر من عدم جريان الأصل في طرف المسبب مع جريانه في السبب و توضيح دفعه أن ... أصالة عدم حدوث مقطوع البقاء منهما معارضة بأصالة عدم حدوث الآخر ...»
[5] مصباح الفقاهة، الخوئي، السيد أبوالقاسم، ج2، ص130..: «إن أصالة عدم حدوث أي واحد من الفردين معارض بدأ بأصالة عدم حدوث الفرد الآخر، وتسقطان بالمعارضة، فيبقى استصحاب كلي الحدث سليماً عن المعارض، و في المقام أن استصحاب عدم الفرد اللازم من الملكية يعارض استصحاب عدم الفرد الجائز منها الذي يرتفع بالفسخ، فيسقطان بالمعارضة، فيرجع إلى استصحاب نفس الكلي الذي هو متيقن سابقاً و مشكوك فيه لاحقاً»
[6] و راجع إيضاح الفرائد، ج2، ص694؛ تحرير الأصول للمیرزا باقر الزنجاني
، ص144؛ و مباني الأحكام في أصول شرائع الإسلام، ج3، ص91؛ و تحرير الأصول لميرزا هاشم الآملي
، ص106؛ و تهذيب الأصول للسید عبدالأعلى السبزوارى
، ج2، ص268؛ و أصول الفقه للشیخ محمدعلي الأراكي
).، ج2، ص320
[7] و استشكل في
حواشي المشكيني علی الكفاية، مشکیني، الميرزا ابوالحسن، ج4، ص504.. فقال: «و أجاب في الحاشية بوجه رابع: و هو كونه معارضا بأصالة عدم حدوث القصير، و فيه: أنه لايعارض الأصل المذكور بالنسبة إلى بقاء الكلي، إلا بناء على الأصل المثبت، بأن يقال: الأصل عدم حدوث القصير، فيثبت به ملازمه، و هو حدوث الطويل، و يترتب عليه بقاء الكلي، و إلا فهو بنفسه لايترتب عليه بقاء الكلي. نعم هو يتمّ بناء على الجعل في الأحكام»
[8] في
أصول الفقه، الأراكي، محمد علي، ج2، ص320.: «هنا ثلاث صور: الأولى: أن لايكون لشيء من الفرد القصير و الطويل أثر آخر غير أثر نفي الكلي. و الثانية: أن يكون لكلّ منهما أثر آخر غيره، و يكون أثراهما كعمريهما قصيراً و طويلاً، فيكون أثر قصير العمر قصيراً و أثر طويل العمر طويلاً. و الثالثة: أن يكون لكلّ منهما أثر آخر مباين للأثر الثابت للآخر».و ذكر كثیر من الأعلام مثل المحققون النائیني و الحائري و الخوئي
. صورتین من هذه الصور و فصّل بینهما فراجع
[10] أصول الفقه، الأراكي، محمد علي، ج2، ص321.. «و أما في الصورة الثالثة كما لو كان أثر الحدث الأصغر في المثال المتقدم وجوب التصدق بدرهم، و أثر الأكبر وجوب الصوم، فأصالة عدم الطويل معارضة بأصالة عدم القصير بالنسبة إلى هذين الأثرين المتباينين، فإذا سقط أصالة عدم الطويل بالنسبة إلى هذا الأثر تسقط بالنسبة إلى أثره الآخر الذي هو نفي الكلي»
[13] الوجه الثاني المذكور في مصباح الأصول موافق لتقریر السید علي الشاهرودي
) في دراسات في علم الأصول، ج4، ص104.و لكن في تقریرین آخرین جاءت الصورة الأولى من الصور الثلاث –المذكورة في كلام المحقق الأراكي
- بدل الصورة الثالثة على الظاهر ففي الهداية في الأصول، ج4، ص98؛ و في غاية المأمول، ج2، ص579.
[15] و في قبال هذا القول قال في
فوائد الاُصول، الغروي النّائيني، الميرزا محمد حسين، ج4، ص418..: «... و لكن ما نحن فيه ليس من هذا القبيل، فإن أثر وجود الكلي و القدر المشترك مما يشترك فيه كلّ من الفردين، فأصالة عدم حدوث كلّ من الفردين تجري لنفي وجود القدر المشترك و تسقط بالمعارضة، فتصل النوبة إلى الأصل المسببي، و هو أصالة بقاء القدر المشترك»
[16] و أجاب المحقق النائیني
و المحقق الحائري
عن الاستدلال المذكور في الهدایة و غایة المأمول و المحاضرات، ففي
أجود التقريرات، الخوئي، السيد أبوالقاسم، ج2، ص393..: «و توهم عدم جريان أصالة عدم حدوث القصير للقطع بارتفاعه على تقدير وجوده في زمان الشك في بقاء الكلي و ارتفاعه (مدفوع) بأن الميزان في تعارض الأصلين إنما هو لحاظ حال حدوثهما لا بقائهما؛ ففي أول زمان وجد الكلي المردّد بين القصير والطويل قد حصل التعارض بين الأصلين و تساقطا فلاتصل النوبة بعد ذلك إلى أصالة عدم حدوث الطويل أبداً وهذا نظير ما إذا خرج أحد المعلومين بالإجمال عن مورد الابتلاء بعد تعارض الأصلين و تساقطهما»
[17] درر الفوائد، الحائري اليزدي، الشيخ عبد الكريم، ج1، ص535.. «إن عدم جريان الأصل في القصير مطلقاً لا وجه له، لأنه إن كان المراد أنه مقطوع العدم في زمان الشك في بقاء الكلى فلايقدح هذا القطع، لأن ملاك المعارضة وجود الأصلين المتعارضين في زمان و إن انتفى مورد أحدهما فيما بعد ذلك، كما لو خرج أحد أطراف الشبهة المحصورة بعد تعارض الأصلين عن محلّ الابتلاء»
[18] مصباح الأصول (ط.ق): ج3، ص106 و (ط.ج): ج3، ص127.
[21] قال بعدم جریان الأصل في الفرد القصیر في الوجه الثاني كثیر من الأعلام:ففي
حاشية المكاسب، الطباطبائي اليزدي، السيد محمد كاظم، ج1، ص73..: «فإن قلت: إن أصالة عدم الفرد الطويل معارضة بأصالة عدم الفرد الآخر، قلت: نمنع ذلك لأن المفروض أنه لايترتب على الأصل الثاني أثر شرعي مثبت للتكليف حتى يصلح للمعارضة مثلاً أصالة عدم وجود النجاسة بالدّم لايثبت التكليف فيكون أصالة عدم النجاسة بالبول سليمة عن المعارض و لازمها نفي وجوب الغسلة الأخرى و هكذا»
[23] درر الفوائد، الحائري اليزدي، الشيخ عبد الكريم، ج1، ص536.. «إن كان المراد عدم جريان الأصل في القصير أصلاً فهو لايصح على الإطلاق، و إنما يصح فيما إذا كان أثر الفرد القصير أقل من أثر الفرد الطويل، كما إذا لميعلم أن الثوب تنجّس بالدّم أو بالبول و قلنا أنه في الأول يكفي الغسل مرةً و في الثاني يجب مرّتين، فإن وجوب الغسل مرةً مما يقطع به، فلايجوز استصحاب عدم تنجّسه بالدّم لنفي أثره»
[24] و قال بعضٌ بجریان الأصل في هذا الوجه أیضاً:ففي
أصول الفقه، الأراكي، محمد علي، ج2، ص321..: «القول بأن أصالة عدم الملاقاة بالدم لا أثر لها لتيقّن وجوب الغسل مرةً مخدوش؛ إذ ليس من أثر هذا الأصل عدم وجوب الغسل مرةً بالمرة، بل من جهة النجاسة الدمية، أ لاترى أنه في الشبهة البدوية ليس من أثر هذا الأصل عدم نجاسة المحلّ بالمرة، بل المكلف بعد القطع بعدم ملاقاة سائر الأمور و تكفّل هذا الأصل لعدم ملاقاة الدم يحكم بعدم مطلق النجاسة و حينئذ فالعدم من جهة لاينافي أصل الثبوت الذي هو المتيقن، فتكون أصالة عدم القصير مطلقاً جارية و معارضة لأصالة عدم الطويل، فيبقى استصحاب أصل النجاسة الذي هو الأصل المسببي سليماً عن الحاكم، فافهم و اغتنم»
[25] و قال بعضٌ بعدم جریان الأصل في الفرد القصیر و لكن لایترتب عدم الكلي على أصالة عدم الفرد الطویل:ففي
أصول الفقه، الحلي، الشيخ حسين، ج9، ص290..: «و من ذلك يظهر لك الحال في تردّد النجاسة بين البول و الدم، سواء كان ذلك بعد الغسل مرة أو قبله، فإن أصالة عدم نجاسة الدم و إن لمتكن معارضة لأصالة عدم نجاسة البول لكون الأثر فيهما من قبيل الأقلّ و الأكثر غير الارتباطيين، إلا أن أصالة عدم نجاسة البول لايترتب عليها الحكم بعدم حدوث كلي النجاسة إلا بما عرفت من الإثبات، أو التشبّث بالإحراز الوجداني و التعبدي بعد الغسل مرة و أصالة البراءة من الغسلة الثانية محكومة لاستصحاب بقاء كلي النجاسة، كما أن استصحاب عدم نجاسة البول و إن ترتّب عليه نفي الغسلة الثانية، إلا أنه بعد فرض أنه لايحكم على استصحاب كلي النجاسة، لايكون حاله من هذه الجهة إلا كحال أصالة البراءة في عدم منافاته لاستصحاب كلي النجاسة و عدم حكومتها عليه، و بناء على ذلك تكون النتيجة هي أنه و إن لميجب عليه الغسلة الثانية، إلا أنه مع ذلك لايجوز له الصلاة في ذلك المتنجس، نظراً إلى استصحاب كلي النجاسة»