الموضوع: الأصول العملية/أصالة الاستصحاب /التنبیه الثالث؛ المقام الثاني
الجواب الثاني: من المحقّق النائیني([1]
) تبعاً للمحقّق الخراساني([2]
)
«إنّ مسبّبیة شك عن شك آخر لاتوجب حكومة الأصل الجاري في السببي على الأصل الجاري في الشك المسبّبي مطلقاً، بل تشترط الحكومة بأمرین آخرین كلاهما مفقود في المقام:
الأوّل: أن یكون ترتّب أحد المشكوكین على الآخر شرعیاً حتّی یكون الأصل الجاري في المشكوك السببي رافعاً لموضوع الأصل الجاري في المشكوك المسبّبي، كما إذا شك في طهارة الثوب المتیقّن نجاسته، المغسول بماء مشكوك النجاسة مسبوق بالطهارة، فإنّ معنی استصحاب طهارة الماء هو ترتّب تمام الآثار المترتّبة على الماء الطاهر شرعاً علیه، و من المعلوم أنّ من جملة آثاره طهارة الثوب المتنجس المغسول به، فترتَّب علیه و یرتفع بذلك الشك في نجاسة الثوب، الموضوعُ لاستصحابها.
الثاني: أن یكون جریان الأصل في الشك السببي بنفسه رافعاً لموضوع الأصل الآخر، مضافاً إلى ترتّب أحد المشكوكین على الآخر شرعاً، كما في المثال المزبور.
فلو فرضنا الترتّب الشرعي في مورد و لكن لمیكن الأصل الجاري في الشك السببي رافعاً لموضوع الآخر بنفسه، كما إذا شك في جواز الصلاة في لباس من جهة الشك في كونه متخذاً من الحیوان المأكول اللحم، فلاتكون أصالة الحلیة في الحیوان مثبتةً لجواز الصلاة في شعره مثلاً، و ذلك لأنّ جواز الصلاة مترتّب في الأدلّة على كون الحیوان من الأصناف التي یحلّ لحمها في مقابل الأصناف الأخر و أصالة الحلیة لاترفع الشك عن كون اللباس المعیّن مأخوذاً من تلك الأصناف أو من غیرها، فهذا الشك الموجب للشك في جواز الصلاة فیه قبل جریان الأصل و بعده على حدّ سواء.
ففي المقام لو سلّمنا كون الشك في بقاء الكلّي مسبّباً عن الشك في حدوث الفرد الطویل إلا أنّ ترتّب ارتفاع الكلّي على عدم حدوثه لیس شرعیاً، بل عقلي محض، فإنّ بقاء الكلّي ببقاء فرده و ارتفاعَه بارتفاعه من الأمور نفس الأمریة التي لا مدخلیة للجعل الشرعي فیها»([3]
[4]
[5]
).
[3] في
أصول الفقه، الحلي، الشيخ حسين، ج9، ص279. في التعلیقة على قوله في فوائد الأصول: «و السّرّ في ذلك هو أن أصالة الحل لاتثبت كون الحيوان ... »: «لايخفى أنه قدس سره قد أشكل في مسألة اللباس المشكوك على التمسك بأصالة حلّ أكل لحم الحيوان لجواز الصلاة فيما يؤخذ منه.أولاً: بأن عدم جواز الصلاة في شعره و حرمة أكل لحمه، و كذا جواز الصلاة في شعره و حلية أكل لحمه حكمان كل منهما في عرض الآخر، واردان على الحيوان الكذائي كالأرنب، و هما معاً ناشئان عن علة ثالثة، لا أن أحدهما مسبب عن الآخر كي يكون الأصل في أحدهما حاكماً على الأصل في الآخر.و ثانياً: أنا لو سلّمنا أن جواز الصلاة مشروط بحلية الأكل، بحيث كانت حلية الأكل بمنزلة الموضوع لجواز الصلاة، فكانت سببية جواز الأكل لجواز الصلاة سببية شرعية، لمتكن قاعدة الحلّ في الحيوان مسوغة للصلاة في شعره، من جهة أن جواز الصلاة مرتب على الحلية الواقعية الثابتة للشيء بعنوانه الأولي، و هذا لايمكن إحرازه بقاعدة الحلّ. نعم لو كان الجاري هو الاستصحاب لأمكن الاعتماد عليه في جواز الصلاة من جهة كونه من الأصول الإحرازية، فأصالة الحلّ لاتنفع في جواز الصلاة إلا إذا قلنا بأن جواز الصلاة مرتب على الأعم من الحلية الذاتية الواقعية أو الحلية الترخيصية الظاهرية، بحيث كان دليل الشرط يشمل الحلية الثابتة بقاعدة [الحلّ] فإنه حينئذ يمكن الاعتماد عليها في جواز الصلاة، و يكون المكلف حينئذ ببركة قاعدة الحل واجداً لما هو الشرط واقعاً.»ثم أشكل على كلام المحقق النائیني
. فقال: «... أما أصالة الحل فإن قلنا إن كون الحيوان مأكول اللحم شرط في صحة الصلاة، كانت المسألة مبنية على أن الشرط إن كان هو حلّ الأكل بعنوانه الواقعي لمتنفع أصالة الحل في صحة الصلاة فيه، لا لما أُفيد من كون الأصل المذكور غير مزيل للشك في جواز الصلاة و صحّتها بعد تسليم كون الجواز مسبباً شرعياً لحلّ الأكل، بل لعدم السببية الشرعية، لأن جواز الصلاة لميرتب على الحل الثابت بقاعدة الحل. و إن كان الشرط هو حلّ الأكل و لو بعنوان كونه مشكوكاً كانت أصالة الحل مصححة لجواز الصلاة فيه، و موجبة لوجدان ما هو الشرط واقعاً، على وجه لايؤثر فيه انكشاف الخلاف بعد الفراغ من الصلاة، بل يكون من قبيل تبدل الموضوع و إن قلنا بمانعية حرمة الأكل كان عدم ترتب جواز الصلاة على أصالة الحل أوضح، لا لما أفيد من أن أصالة الحل لاتزيل الشك في الحرمة الواقعية التي هي المانع، بل لأن الحلّ الثابت بأصالة الحل ليس هو السبب في رفع المانعية إلا على الأصل المثبت، فتأمل ... و قد تعرّضنا لهذا الإشكال في باب الإجزاء ...»
[5] و في
المحجة في تقريرات الحجة، الصافي الگلپايگاني، الشيخ علي، ج2، ص390. بعد ذكر كلام المحقق النائیني
.: «هذا كلام في غير محلّه و فيه مغالطة لأنه في الشك في السببي و المسببي بعد عدم كون المراد بالسبب هو السبب الاصطلاحي، بل المراد هو كون المسبب الأثر الشرعي للسبب فعلى هذا كيف يصح أن يكون الأصل هو الأصل السببي؟ و مع هذا لايكون مقدّماً على الأصل المسببي، و لايعتبر أزيد من ذلك أن يكون رافعاً للأصل المسببي، بل مع قبول كون الأصل هو الأصل السببي فيكون مقدماً على الأصل المسببي بلا حاجة إلى قيد زائد؛ فمثلاً لو جرت أصالة الحلية في حيوان فحيث أن أثره الطهارة نحكم بطهارته و هذا من الواضحات ...»