بحث الأصول الأستاذ محمدعلي البهبهاني

46/03/28

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: الأصول العملية/أصالة الاستصحاب /التنبیه الثاني؛ مناقشتان في جواب صاحب الکفایة

 

مناقشتان في جواب صاحب الكفایة

المناقشة الأولی من المحقق النائیني

إنّ المحقّق النائیني([1] ) ناقش في ما أفاده صاحب الكفایة من طریقیة الیقین إلى ثبوت الشيء و تبعه في ذلك المحقّق الخوئي فقال:

«إنّ ظاهر أدلة الاستصحاب كون الیقین موضوعاً له كالشك، و لا تنافي بین كونه موضوعاً للاستصحاب و طریقاً إلى متعلّقه، و لا إشكال في أنّ الیقین في مورد الاستصحاب طریقي بالنسبة إلى متعلّقه، لكنّه موضوعي بالنسبة إلى الاستصحاب و عدم جواز نقض الیقین بالشك لما ذكرنا سابقاً من أنّ قوله "لا‌ینبغي نقض الیقین بالشك"([2] [3] [4] [5] ) راجع إلى القضیة الارتكازیة و هي أنّ الأمر المبرم لایرفع الید عنه لأمر غیر مبرم و المراد من الأمر المبرم في المقام هو الیقین و من [الأمر] غیر المبرم هو الشك فلا‌بدّ من وجود الیقین و الشك»([6] ).

المناقشة الثانیة من المحقق الخوئي

«إنّ الملازمة المدّعاة بین الثبوت و البقاء في كلامه، إن كان المراد منها الملازمة الواقعیة بأن یكون مفاد أدلّة الاستصحاب هو الإخبار عن الملازمة الواقعیة بین الحدوث و البقاء فهو -مع كونه مخالفاً للواقع، لعدم الملازمة بین الحدوث و البقاء في جمیع الأشیاء لكونها مختلفة في البقاء غایة الاختلاف فبعضها آنيّ البقاء و بعضها یبقی إلى ساعة و بعضها إلى یوم و هكذا- مستلزم لكون أدلّة الاستصحاب من الأمارات الدالّة على الملازمة الواقعیة بین الحدوث و البقاء، و بعد إثبات هذه الملازمة، تكون الأمارة الدالّة على الثبوت دالّة على البقاء، إذ الدلیل على الملزوم دلیل على اللازم، و الإخبار عن الملزوم إخبار عن اللازم، و إن كان المخبر غیر ملتفت إلى الملازمة، كما سیجيء في بحث الأصل المثبت إن شاء الله تعالى فیكون التعبّد بالبقاء تعبّداً به للأمارة لا للأصل العملي المجعول في ظرف الشك، فینقلب الاستصحاب أمارة بعد كونه من الأصول العملیة ... .

و إن كان المراد من الملازمة هي الملازمة الظاهریة بین الحدوث و البقاء، فلازمه الملازمة الظاهریة بین حدوث التنجیز و بقائه، و لایمكن الالتزام بها، إذ في موارد العلم الإجمالي بالحرمة مثلاً یكون التكلیف منجّزاً، ثمّ لو قامت بیّنة على حرمة الأطراف بالخصوص ینحلّ العلم الإجمالي، و بانحلاله یرتفع التنجّز، فإنّه تابع للمنجّز و مقدّر بقدره، فلا ملازمة بین حدوث التنجیز و بقائه و لایلتزم بها صاحب الكفایة أیضاً، فإنّه و غیره أجابوا عن استدلال الأخباریین لوجوب الاحتیاط بالعلم الإجمالي بواجبات و محرّمات كثیرة بأنّ العلم الإجمالي قد انحلّ بالظفر بالمقدار المعلوم بالإجمال من الواجبات و المحرّمات و بعد انحلاله تنقلب الشبهة المقرونة بالعلم الإجمالي إلى الشبهة البدویة، فیرجع إلى البراءة و هذا الجواب ینادي بعدم الملازمة بین حدوث التنجّز و بقائه كما تری.

فالإنصاف أنّه على القول بأنّ معنی جعل حجّیة الأمارات لیس إلا التنجّز في صورة الإصابة و التعذیر مع المخالفة كما علیه صاحب الكفایة و جماعة من الأصحاب لا دافع لهذا الإشكال»([7] [8] ).

الجواب الثاني: من المحقّق النائیني و المحقق الخوئي

بيان المحقّق النائیني

«إنّ المجعول في باب الطرق و الأمارات لیس إلا صفة المحرزیة و الوسطیة في الإثبات، فكما یكون العلم الوجداني محرزاً للواقع وجداناً، فكذلك تكون الطرق و الأمارات أیضاً بالحكم الشرعي. و بعبارة أخری: معنی جعل حجّیة الطرق لیس إلا إفاضة العلم تشریعاً، و جعل ما لیس بمحرز محرزاً.

و قد ذكرنا هناك أنّه بذلك تقوم الأمارات مقام القطع الطریقي و [القطع] المأخوذ في الموضوع على وجه الطریقیة، لأنّ آثار الواقع إنّما تترتّب عند قیام الأمارة، لكون الواقع محرزاً بالأمارة؛ فآثار نفس الإحراز أحقّ أن تترتّب، لكون الأمارة إحرازاً، و حیث أنّ الیقین في أخبار الاستصحاب أُخذ موضوعاً لحرمة النقض بما أنّه طریق إلى الواقع و مقتضٍ للجري العملي لا‌محالة تقوم مقامه الطرق و الأمارات في ذلك ... .

إنّ منشأ الإشكال في جریان الاستصحاب في موارد الطرق و الأمارات إنّما هو توهّم عدم إمكان قیام الأمارات بدلیل حجّیتها مقام القطع المأخوذ في الموضوع على وجه الطریقیة و بعد إثبات تكفّل دلیل الحجّیة لقیامها مقامه یرتفع الإشكال من أصله إلا على توهّم كون الیقین مأخوذاً في أخبار الاستصحاب على جهة الصفتیة، و هو من البطلان بمكان لایحتاج إلى البیان»([9] ).

و هذا الجواب إنّما هو بالنسبة إلى جریان الاستصحاب في موارد الأمارات الشرعیة.([10] )

 


[1] أجود التقريرات، الخوئي، السيد أبوالقاسم، ج2، ص390.. «ثانیاً: إن دلیل الاستصحاب أخذ في موضوعه الیقین بالحدوث و لو على نحو الطریقیة فإلغاؤه عن موضوعه و جعل الملازمة بین نفس الواقع حدوثاً و بقاء خلاف ما هو ظاهر فیه»
[2] تهذيب الأحكام، شيخ الطائفة، ج1، ص421.
[3] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج3، ص466، أبواب ان کل شیء طاهر حتی یعلم ورود النجاسة علیه، باب37، ح1، ط آل البيت.
[4] و رواها الشيخ الصدوق بسند صحيح و مصرّحة في علل الشرائع، الشيخ الصدوق، ج2، ص361.
[5] و انظر عيون الأنظار، ج10، ص199.
[6] مصباح الأصول( مباحث حجج و امارات- مكتبة الداوري)، الواعظ الحسيني، السيد محمد؛ تقرير بحث السيد أبو القاسم الخوئي، ج2، ص97.
[7] مصباح الأصول( مباحث حجج و امارات- مكتبة الداوري)، الواعظ الحسيني، السيد محمد؛ تقرير بحث السيد أبو القاسم الخوئي، ج2، ص97.
[8] و ردّ بعض الأساطين في المغني في الأصول، ج1، ص356 هذا الإشكال بقوله: «و الحقّ اندفاع هذا الإشكال عن المحقق الخراساني؛ أمّا الشق الأوّل من المنفصلة فهو غير وارد من الأساس، لأنّ المحقق الخراساني لا‌يرى كون الملازمة واقعية و صريح كلامه على أن أدلّة الاستصحاب تفيد التعبّد بالبقاء على فرض الثبوت.و أمّا الشقّ الثاني فالنقض لا‌بدّ أن يكون متّحداً مع المنقوض في حيثية النقض و إلّا فلا‌ينقض به و ليس الأمر فيما نحن كذلك فإنّ مورد النقض -و هو العلم الإجمالي القائم على حدوث التنجيز- قد زال بقاء بقيام العلم التفصيلي أو الأمارة أو الأصل المثبت للتكليف في بعض الأطراف لصيرورة الأطراف الأخرى مشكوكة بالشكّ البدوي بينما الأمارة القائمة على التكليف في محلّ الكلام لا‌تزال موجودة بقاء فمثلاً إذا قامت الأمارة على نجاسة المحلّ أو على عدالة زيد ثمّ شككنا في بقاء النجاسة أو العدالة فإنّ الامارة على الحدوث لا‌تزال باقية و لم‌ترتفع فالبيّنة -في رأي المحقق الخراساني.- تثبّت العدالة مثلاً و أدلّة الاستصحاب تجعل الملازمة بين الحدوث و البقاء فالنقض مندفع»
[9] أجود التقريرات، الخوئي، السيد أبوالقاسم، ج2، ص387.
[10] أورد بعض الأساطين على هذا الجواب: «و هذا المبنى أمتن الوجوه في حلّ الإشكال إلّا أنّه مبتلىً بكونه أخص من المدّعى فإنّ المدّعى هو قيام جميع الأمارات مقام اليقين في الاستصحاب و هذا الدليل يثبت قيام الأمارات التي يلغى فيها احتمال الخلاف و تنزل منزلة اليقين عقلاء و شرعاً كخبر الثقة و البينة، و لا‌يثبت قيام الأمارات الأخرى مقام اليقين كقاعدة اليد و قول المرأة في كونها خلية من البعل أو حائضاً أو حاملاً و غير ذلك من الموارد المذكورة في الفقه فإن هذه الأمارات لم‌يلغ فيها احتمال الخلاف شرعاً و لا عند العقلاء، و لهذا وردت الرواية في قاعدة اليد بلسان: (و الثوب لعلّه سرقة) فحفظت فيها (لعل) بينما (لعل) لا‌تحفظ في خبر الثقة».